ملخص
مع تفاقم حدة الجوع والأزمة الغذائية في الفاشر المحاصرة منذ أكثر من عام ونصف عام بواسطة "الدعم السريع"، يتواصل تفشي وباء الكوليرا، وارتفع عدد الوفيات بسببه إلى 429 حالة، كما ارتفع عدد الإصابات منذ تفشي المرض إلى 10854 حالة بإقليم دارفور، بحسب آخر تحديث للمنسقية العامة للنازحين بدارفور.
أعلن الجيش السوداني والقوات المشتركة لحركات مسار دارفور المسلحة، أمس الخميس الـ11 من سبتمبر (أيلول) الجاري، استعادة السيطرة الكاملة على مدينة بارا الاستراتيجية بولاية شمال كردفان، بعد معارك ومواجهات شرسة مع قوات "الدعم السريع". ووفق بيانين للجيش والقوة المشتركة، فقد شارك في العملية العسكرية أيضاً قوات درع السودان والمقاومة الشعبية وفيلق البراء بن مالك، وتمكنت من دخول المدينة وطرد "الدعم السريع" منها. وقال بيان الجيش "نعلن اليوم دخول قواتكم مدينة بارا، ونؤكد لشعبنا أن قواتكم بكل مكونات حرب الكرامة الوطنية، ماضية بعزم ويقين على طريق النصر خطوة بخطوة، ومرحلة بمرحلة حتى تطهير كامل بلادنا من دنس الميليشيات والمرتزقة والعملاء". كما لفت بيان المتحدث الرسمي باسم القوات المشتركة العقيد أحمد حسين مصطفي إلى تحرير مدينة بارا بالكامل، بعد معارك عنيفة على تخومها، "تمكنت خلالها قواتنا من ’إبادة وتدمير المجموعة رقم 449‘ التابعة لـ’الدعم السريع‘، مخلفين وراءهم قتلى وجرحى وكميات كبيرة من العتاد المدمر".
الطريق إلى الفاشر
وأكد البيان أن هذا التقدم يمهد الطريق نحو مدينة الفاشر، ويمثل نقطة تحول في مسار المعارك المستمرة.
وتشكل مدينة بارا موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية في محور كردفان، لتوسطها طرق الإمداد الرئيسة بين ولايات وسط السودان وغربها.
وتسهم سيطرة الجيش على المدينة ومحيطها في إنهاء أي تهديدات أمنية للعاصمة الخرطوم وتأمينها من جهة أم درمان الجنوبية، كما يؤمن مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان من الجهتين الشرقية والشمالية، ويوقف القصف والتهديدات التي كانت تتعرض لها خلال الفترة السابقة، فضلاً عن تأمين خطوط الإمداد المفتوحة للجيش.
ويرى مراقبون أن استعادة بارا تفتح محوراً جديداً للجيش يمتد من حمرة الشيخ بشمال كردفان وحتى أم كدادة بشمال دارفور، بخاصة أن تلك المنطقة باتت مطوقة تماماً بواسطة قوات الجيش وحلفائه، مما يعني أن الطريق لفك حصار الفاشر بات ممكناً.
خلاص الفاشر
وقال حاكم إقليم دارفور أركو مني مناوي إن ما تحقق في بارا هو نصر لكل السودان سيحدث فارقاً كبيراً في سير العمليات، وأشار مناوي، في منشور على منصة "فيسبوك"، إلى أن هذه الانتصارات بشارة بقرب خلاص الفاشر وأن كل السودان سيعود آمناً.
ووصف رئيس التحالف السوداني المشارك ضمن القوات المشتركة الجنرال البخاري أحمد عبدالله تحرير المدينة بأنه انتصار كبير، سيكون نقطة فاصلة في تحرير البلاد.
وعقب إعلان قوات الجيش بسط سيطرتها الكاملة على المدينة وطرد "الدعم السريع" منها، شهدت مدينتا الأبيض وبارا بشمال كردفان أجواء احتفالية جماهيرية كبيرة، وخرج الناس إلى الميادين العامة وسط هتافات النصر.
وكانت قوات الجيش وحلفاؤه قد وسعوا من عملياتهم الحربية في جبهات قتالية عدة بمحور كردفان، وتمكنوا من استعادة السيطرة على مناطق الرياش وكازقيل وأم سيالة وأم دم حاج أحمد (تبعد 60 كيلومتراً من العاصمة الولائية الأبيض)، ضمن مخططهم للوصول إلى دارفور وجنوب كردفان لفك حصار الفاشر ومدينتي الدلنج وكادوقلي.
ضربات استباقية
وكثف سلاح الطيران الحربي غاراته الجوية على مواقع وتحصينات "الدعم السريع" في محيط مدينتي الأبيض وبارا، ودمر متحركاً لهذه القوات كان في طريقه من مدينة نيالا بجنوب دارفور لتعزيز موقف المقاتلين في شمال كردفان، كما استهدف شاحنات إمداد بمنطقة المزروب غرب مدينة بارا، وفق مصادر عسكرية أوضحت أيضاً أن مقاتلات الجيش الحربية وجهت ضربات استباقية بقصف خطوط تعزيزات وإمدادات "الدعم السريع"، مما أدى إلى شل قدراتها ووقف تقدمها في المحاور القتال الغربية والجنوبية.
في الأثناء يخوض الجيش والقوات المشتركة اشتباكات ومواجهات عنيفة في المحور الشمالي الشرقي لمدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وسط تبادل للقصف المدفعي وتحليق كثيف للمسيرات في سماء المدينة، وفق تنسيقية لجان مقاومة الفاشر. وأوضحت مصادر ميدانية أن الجيش يعمل على التصدي لمحاولات العدو لاختراق المدينة بصمود كبير وبسالة مواصلاً الدفاع عنها بكل شجاعة وثبات. وأكدت المصادر أن الفرقة السادسة - مشاة للجيش بالفاشر، تمكنت، خلال تصديها للهجوم الأخير على المدينة، من أسر ثلاث مقاتلات من "الدعم السريع".
جوع وكوليرا
ومع تفاقم حدة الجوع والأزمة الغذائية في الفاشر المحاصرة منذ أكثر من عام ونصف عام بواسطة "الدعم السريع"، يتواصل تفشي وباء الكوليرا، وارتفع عدد الوفيات بسببه إلى 429 حالة، كما ارتفع عدد الإصابات منذ تفشي المرض إلى 10854 حالة بإقليم دارفور، بحسب آخر تحديث للمنسقية العامة للنازحين بدارفور.
وأعلنت "شبكة أطباء السودان" أن الأوضاع الإنسانية في مدينة الفاشر تتدهور بصورة خطرة، مشيرة إلى أن الأطفال والنساء وكبار السن الفارين من الحصار يتركون في العراء حتى الموت، وأوضح بيان للشبكة أن سكان الفاشر "يموتون مرتين يومياً، مرة برصاص قوات الدعم السريع في أطراف المدينة، ومرة أخرى بالجوع والقصف داخلها، في جريمة مكتملة الأركان ترتكب أمام أعين العالم وصمته".
تعذيب النساء
على خلفية مقطع فيديو فجر استياء وغضباً بالغين في الأوساط السودانية وجرى تداوله على نطاق واسع، يظهر فتاة لقيت حتفها أثناء التعذيب مقيدة اليدين والرجلين ومعلقة على إحدى الأشجار ويقف بجوارها شخص يرتدي زي "الدعم السريع"، أصدرت الهيئة النسوية السودانية القومية بياناً غاضباً دانت فيه جريمة اغتيال المواطنة قسمة علي عمر في مدينة زالنجي بوسط دارفور، والتمثيل بجثمانها وصلبه، واغتصابها قبل وفاتها، ونوه البيان إلى جريمة مماثلة كانت شهدتها مدينة الجنينة بغرب دارفور كانت ضحيتها المواطنة خديجة محمد خدوج، "تكرر فيها أسلوب التمثيل ذاته وإهانة الجثث، في مشهد يعكس عقلية إجرامية لا تعرف القانون أو القيم الإنسانية".
"الدعم السريع" تتبرأ
وطالبت الهيئة المؤسسات الدولية والإقليمية بإدانة هذه الجرائم وتشكيل لجنة دولية مستقلة لتقصي الحقائق وتقديم قادة "الدعم السريع" إلى المحكمة الجنائية الدولية، مع ضرورة تدخل دولي حازم لحماية المدنيين في دارفور.
من جانبها نفت "الدعم السريع" صلتها بمقطع فيديو المتداول ووصفته بأنه "فبركة ساذجة تروج لها غرف الإعلام التابعة للفلول وأبواق الحركة الإسلامية"، وتبرأت في بيان "جملة وتفصيلاً من المشهد بأكمله أو أن يكون لأي من أفرادها صلة بالمقطع المتداول"، مشيرة إلى أن الهدف منه "تشويه صورتها باتهامات باطلة بارتكاب جرائم تعذيب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إسقاط مسيرة
في غرب كردفان، أعلنت "الدعم السريع" إسقاطها طائرة مسيرة للجيش بمنطقة الخوي في غرب كردفان، وأفادت غرفة طوارئ دار حمر بأن هذه الجماعة جددت هجماتها واعتداءاتها على قرى عدة بمناطق بالولاية. وأعلنت الغرفة، في بيان، تعرض مناطق تابعة لإدارية أبوراي بالولاية لهجوم من مسلحين تابعين لـ"الدعم السريع"، هددوا خلالها المواطنين العزل وروعوهم وقاموا بنهب المتاجر وسرقة الممتلكات الخاصة. ووصف البيان ما جرى بأنه يمثل امتداداً لاعتداءات ممنهجة تستهدف زعزعة الأمن وبث الخوف واليأس في نفوس السكان المحليين، في غياب أي تدخل لحمايتهم ووسط صمت دولي وإقليمي مريب.
ملاريا الضنك
في العاصمة الخرطوم التي تشهد تفشياً واسعاً لحميات الملاريا والضنك، أعلن والي الولاية المكلف أحمد عثمان حمزة "نفرة كبرى" غداً السبت الـ13 من سبتمبر الجاري، تستهدف إزالة الأنقاض والحشائش وتجفيف المياه الراكدة من الميادين والرش لمكافحه نواقل الحميات، داعياً إلى شراكة مجتمعية بوصف المواطنين معنيين أساسيين بنجاح الحملة. وبحث الوالي في إعادة عدد من المستشفيات بمحلية الخرطوم إلى الخدمة، بعد أن شهدت تدميراً ممنهجاً أدى إلى خروجها عن الخدمة، متعهداً بالبدء في عمليات الصيانة والتأهيل وسد النقص في الكوادر الطبية.
تحذير أممي
أممياً، حذرت الأمم المتحدة من زيادة الهجمات على عمال الإغاثة في السودان، وسط ورود تقارير عن وقوع حوادث عنف ضد عاملين في منظمات تطوعية في ولايات الخرطوم وشرق دارفور وشمالها، وتعرضهم لأخطار متزايدة كالقتل والاعتقالات التعسفية والمضايقات. وأشار المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إلى أن الهجمات على عمال الإغاثة والحواجز البيروقراطية ما تزال تمثل عقبات أمام توصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين، ودانت الهجمات المسيرة التي شنتها "الدعم السريع" على مواقع عدة في الخرطوم، من بينها محطات كهرباء، معرباً عن القلق في شأن الاستخدام المتزايد للطائرات المسيرة قرب المناطق السكنية.
وفي تقرير لمنظمة "أنقذوا الأطفال" حول وضع التعليم في السودان، كشفت المنظمة عن واقع مخيف بتسبب الحرب في حرمان ما يقارب ثلاثة أرباع الأطفال في سن الدراسة من حقهم في التعليم. وقالت المنظمة إن السودان يمر بإحدى أسوأ أزمات التعليم على مستوى العالم، إذ أصبح نحو 13 مليون طفل من أصل 17 مليوناً خارج مقاعد الدراسة. وأشار تقرير للمنظمة إلى أن أكثر من نصف المدارس في البلاد لا تزال مغلقة نتيجة استمرار النزاع، بينما تحولت مدرسة من كل 10 مدارس إلى مأوى للنازحين، مما يضاعف من حجم التحديات أمام الأطفال وأسرهم.
حوار مباشر
إقليمياً، يرتب الاتحاد الأفريقي لاجتماعات مباشرة بين القوى السياسية السودانية في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في إطار اللقاءات التشاورية التي تنظمها الآلية رفيعة المستوى لمعالجة أزمة السودان برئاسة محمد بن شمباس.
ووجه الاتحاد الدعوة للقوى السياسية المؤيدة للجيش والحسم العسكري، وتحالف القوى المدنية الديمقراطية الثورية "صمود"، المناهضة للحرب، إلى المشاركة في الاجتماعات المرتقبة.
وكانت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" قد حلت نفسها في الـ10 من فبراير (شباط) الماضي، نتيجة خلافات بين مكوناتها في شأن إعلان حكومة موازية في مناطق سيطرة "الدعم السريع"، ورفضت الانضمام إلى تحالف السودان التأسيسي "تأسيس"، وأعلن رافضو الحكومة الموازية تشكيل تحالف القوى المدنية الديمقراطية الثورية "صمود"، الذي طرح على القوى السياسية رؤية لإنهاء الحرب، تتضمن خريطة طريق متعددة المسارات، تشمل وقفاً لإطلاق النار، وإصلاحاً جذرياً في المؤسسات العسكرية وعدالة انتقالية، وفترة حكم مدني انتقالية تمتد 10 سنوات، نصفها تأسيسي ونصفها بحكومة منتخبة وقام بطرحها.