Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الملصق السينمائي... الذاكرة المنسية للسينما العربية

تطورت هذه الوثيقة البصرية من لوحة لرسام يترجم أفكار المخرج بريشته إلى فن غرافيك مسجلة تاريخ الأفلام

ملصق فيلم كيرة والجن (سينرجي)

ملخص

يعد الملصق السينمائي وثيقة بصرية وفنية مهمة في توثيق تاريخ السينما العربية، إلا أن الاهتمام به ظل هامشياً ومحدوداً في العالم العربي مقارنة بالتقدير المؤسسي في الغرب. يسهم الأفيش في حفظ الذاكرة البصرية للأفلام، ويعكس تطور الصناعة السينمائية جمالياً وتاريخياً. 

يعد الملصق السينمائي أحد أبرز الأشكال الدعائية للسينما التي كثيراً ما أدت دوراً أساساً في الترويج للفيلم، ذلك أن قيمته تظل بارزة في المشهد السينمائي العالمي، فكلما ظهر فيلم جديد يرافقه جدل نقدي حول أهمية الملصق، إيماناً من النقاد والباحثين والمخرجين بقيمة الأفيش.

وعلى رغم تهميشه أحياناً في العالم العربي فإن الطفرة البصرية التي بات يحققها مجال الصورة، تجعل أهميته بارزة وذات أثر واضح داخل التراث السينمائي العربي. وفي وقت تتعامل فيه المؤسسات الفنية الغربية مع الملصق بنوع من التقدير فتحفظه وتصونه وتحميه من الضياع، نجد أن بعض المؤسسات العربية، لا تعترف بقيمته وما يمكن أن تؤديه من دور فعال على مستوى توثيق ذاكرة السينما العربية وحفظ تاريخها من التلاشي.

تكتسي الملصقات السينمائية أهمية بارزة في كونها وثيقة تاريخية بصرية تكشف لنا معلومات متعلقة بالأفلام السينمائية وتاريخها وأبطالها وطاقمها التقني. وتقدم لنا لمحة عن السيناريو وتصور لنا بصورة مكثفة وموجزة بعضاً من صور الفيلم وحكايته. يشكل هذا البعد التاريخي قيمة بالنسبة إلى النقاد والباحثين في تاريخ الفنون البصرية، ويتيح لهم إمكان فهم المستوى الذي كانت عليه الصناعة الفنية منذ بدايات القرن الـ20، وفي الوقت نفسه يرصد التطور البصري للملصق وعلاقته بالطفرات التقنية التي شهدها فن الغرافيك، وتفيد هذه الملصقات المؤرخين الفنيين، إذ يمكن توظيفها بصورة منهجية وتحويلها إلى وثيقة بصرية قادرة شاهدة على مرحلة مرت بها السينما العربية.

وثائق بصرية جديدة

أسهم الانفتاح الفكري الذي حققته مدرسة الحوليات (الأنال)، مع لوسيان فيبر ومارك بلوك وفيها بعد مع المؤرخ الفرنسي فرناند بروديل في إطار ما سماه بـ"التاريخ الجديد" في تجاوز مفهوم الوثيقة المادية، بعدما أصبحت الصور واللوحات والأفلام والنقوش الصخرية والكتابات المخطوطة بمثابة وثائق تاريخية تسهم في كتابة تاريخ جديد للبلدان، من هنا تبرز قيمة الأفيش على رغم عدم وجود دراسات كثيرة جعلت من هذا الفن آلية منهجية لرصد تحولات السينما العربية، لكنها تظل تفتقر إلى وضوح الرؤية وأصالة المنهج، بما يجعلها دراسات فكرية مبنية على علم ومعرفة بالموضوع.

لم يستفد البحث التاريخي في العالم العربي من الأبحاث التي كتبها جاك لوغوف وفرناند بروديل ولوسيان فيبر، بحكم الطفرات النوعية التي حدثت في مفهوم النظر إلى التاريخ، إذ لم تعد الأحداث السياسية والدبلوماسية أساساً في التأريخ، بل تم الانفتاح على مجال الفنون وأصبحت بذلك الصورة تؤدي دورها الكبير في هذا المجال كما هي الحال مع مؤلفات المؤرخ الفرنسي مارك فيرو وأبحاثه النيرة حول السينما والتاريخ.

وعلى رغم مظاهر الحداثة التي ندعيها أحياناً في العالم العربي، لا نعثر على كتاب واحد جعل من الملصق السينمائي وسيلة لإعادة كتابة تاريخ السينما العربية ورصد صورها ومشاهدها وجمالياتها في علاقتها بالمنظومات الثقافية التي ظهرت داخل بعض الأفلام.

تعد مصر من أبرز الدول العربية التي أولت فن الملصق اهتماماً ملحوظاً، إذ حاولت بعض الكتابات الفردية أن تتناوله بوصفه موضوعاً للتفكير والتأمل، إلا أن هذا الاهتمام لا يزال في معظمه فردياً، تحكمه المزاجية وضعف الإمكانات المادية، مما يدفع الباحث إلى بذل جهود مضاعفة ضمن دوائر فنية خاصة، تنتمي بغالبيتها إلى أسر ميسورة تهوى جمع الملصقات، وتتعامل معها باعتبارها فناً قائماً بذاته.

 

جماليات الرسم

تاريخياً، كان الملصق السينمائي يصنع من خلال الرسم، أي أن موزع الفيلم كان يجب عليه البحث عن فنان حقيقي حتى يرسم له ما يريد، كنوع من الدعاية على جدران الأحياء الشعبية والمسارح والمقاهي الثقافية والصالات السينمائية، من أجل الترويج له، وبحسب بعض الدراسات العلمية يسترجع المخرج والموزع الملصقات السينمائية مع نهاية كل فيلم، ليحتفظا بها لباقي العروض السينمائية.

وكانت هذه الملصقات تحركها دوافع جمالية لا علاقة لها بذاتية الرسام، بقدر ما تنتمي فنياً إلى ذهنية المخرج الذي يتحكم في عناصر جمالية الأفيش وألوانها والطريقة التي ينبغي أن تظهر فيها الشخصيات على مساحة الملصق، لكن في وقت بدأت فيه المطابع الحديثة تغزو العالم العربي أصبح الملصق يتخذ شكلاً معيناً، بعدما غدا وجوده ضرورياً يرافق سيرة كل فيلم عربي أو أجنبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأسهمت الطفرة التي تحققت في مجال المطابع من تكاثر الملصقات وتنوعها، بخاصة بعدما دخل فن الغرافيك وأصبح الملصق يتخذ له شكلاً جمالياً معيناً، إذ لم تعد وظيفة الملصق تقتصر على تأكيد الخبر وتلقين المعلومة، بل أصبح يقيم انطلاقاً من فكرته وجودة طباعته وجماليات رموزه وعلاماته ورسوماته، أي أصبح ينظر إليه على أساس أنه عمل فني وليس مجرد عملية تقنية يقوم بها الموزع لمصلحة الفيلم السينمائي، غير أن هذا الاهتمام بالأفيش وجمالياته لم يبلور كما يلزم حتى يغدو علامة بصرية رائجة لها أهميتها في تاريخ الفنون البصرية بالعالم العربي.

 

الملصق عمل فني

التعامل مع الملصق باعتباره عملا فنياً هو ما ينبغي أن ندافع عنه اليوم، بخاصة الملصقات السينمائية الأولى التي صنعت في مصر ولبنان، إذ يمكن النظر إليها الآن على أساس أنها أعمال فنية مثل اللوحات التشكيلية، ولا ينبغي ترك هذه الأعمال الفنية تضيع وتتلاشى من المشهد السينمائي العربي، في وقت أصبحت فيه المؤسسات العربية تتوفر على كثير من الإمكانات التي تجعلها تدخل في عملية توثيقها وأرشفتها، وذلك من أجل حفظها وصيانتها كي لا تضيع من التداول البصري وتبقى ذاكرة فنية للسينما العربية، إذ لا يجوز الحديث عن صناعة سينمائية عربية من دون الحديث عن ملصقاتها وبواكيرها البصرية الأولى التي جعلتها بمثابة الفن الأكثر شعبوية في العالم.

يدخل الاهتمام بالأفيش السينمائي ضمن سياسات الحفر في الذاكرة البصرية للعالم العربي، وهي ذاكرة باتت تطبعها كثير من المفاجآت والخيبات التي تجعل صناعتها معطوبة وغير قادرة حتى على اجتراح هوية تاريخية لها من ناحية الأرشفة والتوثيق، لذلك فإن مشروع التأريخ للسينما العربية جرح لم يندمل بعد، يتحكم فيه الجهل المهول الذي تنتجه المؤسسات الثقافية وعدم قدرتها على الحدس بالتحولات الأنطولوجية التي باتت تطبع مفهوم الهوية البصرية، بخاصة في زمن عولمة أصبح فيه العالم أشبه بقرية صغيرة.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما