ملخص
خلال الأعوام الـ25 الماضية، حظيت أفلام متوسطة بضجيج نقدي وجماهيري ضخم، لكن مع مرور الوقت تبيّن أنها أعمال مبالغ في قيمتها لا ترقى لمستوى الروائع. القائمة تضم 15 فيلماً من "أفاتار" و"لالا لاند" إلى "أوبنهايمر" و"حوريات إنشيرين"، التي تحول بريقها إلى خيبة سينمائية.
من السهل أن ينجرف المرء مع اللحظة، فتغلب العاطفة على الحكم، ويخيل له أنه أمام تجربة لا تتكرر. إسأل أي شخص دفع 600 جنيه استرليني مقابل تذاكر فرقة "أواسيس" Oasis ليكتشف أنه سئم من سماع أغنية "وندر وول"، وأن العثور على جليسة أطفال كان مستحيلاً أصلاً.
ندم المشتري المتأخر لا يقتصر على الحفلات والمقتنيات، بل يظهر أيضاً في عالم السينما، حيث ترفع أفلام متوسطة إلى مصاف الروائع بفعل الضجيج اللحظي. لكن ما إن ينحسر البريق وتستعيد العقول النقدية وعيها، حتى ندرك أن ما تصورناه تحفة من عيار 24 قيراطاً لم يكُن سوى خردة مصنوعة من صفائح التنك.
في ما يلي 15 فيلماً مدحت حتى عنان السماء خلال الأعوام الـ25 الأخيرة، لكن الزمن كشف عن أنها لم تكُن سوى خردة سينمائية.
15. "كل شيء في كل مكان دفعة واحدة" Everything Everywhere All at Once (2022)
ضمن هذا الفيلم المربك الذي يدور في عوالم موازية، تؤدي ميشيل يوه دور عاملة مغسلة محبطة، تتخيل كيف كان يمكن لحياتها أن تسير لو سلكت دروباً أكثر بريقاً وإثارة. لكن لا يستطيع أي من هذه الحيوات البديلة أن يقدم لنا ما يشبه حبكة متماسكة أو مساراً سردياً يرضي التوقعات. وتتوالى المشاهد واحداً تلو الآخر، من دون أي دليل على وجود حبكة موحِدة أو مسار درامي مرضٍ.
وعلى رغم هذا التشتت، حصد الفيلم جوائز كبرى في حفل الأوسكار، جامعاً سبعة تماثيل ذهبية، من بينها جائزة أفضل ممثل في دور مساعد (كي هوي كوان)، وأفضل ممثلة في دور رئيس (ميشيل يوه)، وأفضل إخراج للثنائي دانييل كوان ودانييل شاينرت اللذين يصران على تقديم نفسيهما باسم مستفز قليلاً: "الدانييلان". لكن لا تفقدوا الأمل. فربما، في بعد آخر من هذا الكون المترامي، قاومت الأكاديمية سحر الفيلم الغريب ونزعاته الهيبية - وأبقت الجوائز لمن يستحقها فعلاً.
14. "ستسيل الدماء" There Will Be Blood (2007)
في هذا الفيلم الملحمي الثقيل، يقضي دانييل داي لويس الذي يطل علينا بشاربه الشهير، ثلاث ساعات يجوب كاليفورنيا في عصرها الذهبي، ناشراً الرعب بين المستوطنين ومحولاً ثروات النفط إلى نفوذ طاغٍ على طريقة بارونات المال الجشعين. تلك هي حبكة فيلم المخرج بول توماس أندرسون المتأمل والمحمل بثقل فوق طاقته - فيلم صنع على مقاس أسلوب لويس في التمثيل المنهجي ذي الطابع الأحادي المهيمن والذي ينجح كعادته في امتصاص كل ذرة من المتعة، تاركاً خلفه فراغاً عاطفياً يشبه ثقباً أسود ابتلع بهجة الفيلم بأكمله.
13. "أوبنهايمر" Oppenheimer (2023)
القصة الأصلية لرجل غريب الأطوار اسمه روبرت أوبنهايمر، كان وراء إشعال شرارة العصر الذري ثم سرعان ما ندم على ذلك، هي بلا شك مادة درامية آسرة. لكن كريستوفر نولان، سيد الحبكات الملتوية التي لا يفهمها أحد (كما في "بين النجوم" Interstellar) أو تزداد عبثية كلما أمعنت التفكير فيها (كما في "نهوض فارس الظلام" The Dark Knight Rises، اختار أن يبسط هذه الحكاية ويحولها إلى سيرة ذاتية تنذر أكثر مما تسرد.
وعلى رغم الجهد الذي بذله كيليان ميرفي لنفخ الحياة في رؤية نولان المسطحة لشخصية أوبنهايمر، فإن الفيلم لا يتمكن أبداً من الارتقاء بمستواه. وكما هي عادة نولان، يخلط بين الانغماس الثقيل والابتكار الحقيقي، مما يتجلى بوضوح في إعادة تصوير أول تفجير نووي في لوس ألاموس، والذي يبدو، في معالجة نولان، كمشهد محذوف من أحد الأجزاء الأولى من سلسلة "ستار تريك" Star Trek.
12. "1917" - (2019)
بعد أن أرهقنا بأجزاء عدة من سلسلة أفلام جيمس بوند التي بدت ثقيلة ورتيبة، قرر سام مينديس أن يضع نفسه أمام تحدٍّ جديد: إعادة تصور فيلم "فوريست غامب" Forrest Gump في إطار ملحمة تدور أحداثها خلال الحرب العالمية الأولى. وهذا، في جوهره، ما يتحول إليه فيلمه الحائز جائزة الأوسكار "1917"، إذ يركض العريف البطل الذي يؤديه جورج ماكاي، بأسلوب توم هانكس، عبر مشاهد خلفيات ملحمية متتابعة، في فيلم جميل المظهر لكنه فارغ المحتوى، يتكشف بحذر كما لو كان شاشة التوقف الأعلى كلفة في العالم.
11. "دانكيرك" Dunkirk (2017)
هذه هي المشاركة الثانية لكريستوفر نولان في القائمة، وبفيلم حول لحظة حاسمة في الحرب العالمية الثانية تحول إلى أمسية كئيبة على شاطئ في فرنسا. في عصر التقنيات المتقدمة للصور المنشأة بواسطة الحاسوب، كان من المفترض أن تكون إعادة خلق المشهد الشاسع لموقعة دانكيرك أمراً سهلاً، إلا أن نولان قلص بصورة كبيرة عدد الجنود المحاصرين من قبل الألمان في شمال فرنسا من عشرات الآلاف إلى مجرد مئات، مما قلل من الأهمية التاريخية للحدث. ومما أضعف التأثير أكثر، الاختيار الغريب لتشكيلة عشوائية من الشباب المشهورين، بينهم هاري ستايلز وفين وايتهايد الذين بدوا كعارضي أزياء في عطلة فاشلة من عام فراغ دراسي أكثر من كونهم جنوداً مخضرمين يواجهون هجوماً ألمانياً منسقاً ويكافحون من أجل حياتهم. في الوقت ذاته، حصل توم هاردي على خط زمني خاص به، مرتبط بصورة غامضة بالأحداث الأخرى، فيتجول بطائرة "سبيتفاير" بطريقة مخيبة للآمال ولا تضيف إلى الفيلم شيئاً يذكر.
10. "الأوغاد المجهولون" Inglourious Basterds (2009)
أخضعت أهوال الحرب العالمية الثانية لذائقة هيبسترية تعود للتسعينيات لدى كوينتن تارانتينو، مخرج أفلام "كلاب المستودع" Reservoir Dogs و"خيال رخيص" Pulp Fiction. يستخرج تارانتينو أفضل أداء في مسيرة كريستوف فالتز (كقائد نازي استعراضي) ومايكل فاسبندر (ككوماندوس بريطاني يتصنع لكنة ألمانية مشكوكاً فيها خلف خطوط العدو). لكن هالة الفيلم المليئة بالتهريج المتفاخر كانت في النهاية سبب سقوطه. لقد قدم جولة أفعوانية مبالغاً فيها على طريقة تارانتينو، لكن بالنظر إلى موضوعه، فإن حسه الساخر بدا غير متجانس حد الإزعاج.
9. "لا بلد للعجائز" No Country for Old Men (2007)
إسأل معظم الناس عما يتذكرونه من فيلم الأخوين كوين هذا الحائز جائزة أوسكار والمقتبس من رواية كورماك مكارثي، فسيركزون بلا شك على مشهدين رئيسين. المشهد الأول عندما يفرض خافيير بارديم - في شخصية المضطرب النفسي أنطون شيغوره صاحب الغرة الطويلة - على أحد ضحاياه أن يرمي قطعة نقود، ليقرر بذلك مصيره بين الحياة والموت (والنتيجة الموت). أو مشهد الخطاب في النهاية، فتستحضر الشخصية التي يجسدها تومي لي جونز حلماً يلتقي فيه بوالده الراحل - وهو "مونولوغ" يفسر على نطاق واسع بأن الشخصية تدرك أن زمنها قد انتهى وأنها ستنضم قريباً إلى والدها في الآخرة. هذه المشاهد حقاً رائعة ومؤثرة. لكن للأسف، تبدو بقية العمل كفيلم "نوار" من الدرجة الثانية، في حين أن خروج شخصية جوش برولين من الحكاية من دون رؤية ذلك على الشاشة - على يد عصابة عشوائية من الخارجين عن القانون - يعد نهاية مخيبة للآمال لا تقل غرابة عن تسريحة شعر بارديم.
8. "المصارع" Gladiator (2000)
يزمجر راسل كرو ويتصبب عرقاً وهو يشق طريقه عبر حبكة مكررة لجندي تعرض للسجن ثم ارتقى إلى مصاف العظماء، فيما يقدم خواكين فينيكس أداء ينفث شراً ويكاد يفقد اتزانه في دور الإمبراطور المجنون، وهو أداء ينذر بالمبالغات المربكة التي ستطبع مسيرته لاحقاً. بحلول وقت صدور "المصارع"، كانت سمعة ريدلي سكوت كمبدع صور آسرة وموحية لا تُنسى قد ترسخت بالفعل، لكن العبقري الذي رسم ملامح المستقبل الساحر في "فضائي" Alien و "بليد رانر" Blade Runner، قدّم هنا عملاً أقرب إلى صنعة روتينية، فيلم بدا مترهلاً شكلاً كما كان متوقعاً مضموناً.
7. "حراس المجرة" Guardians of the Galaxy (2014)
بحلول الوقت الذي تولى جيمس غَن - المخرج الوافد من أفلام رعب من الدرجة الثانية - زمام هذا الفريق الأشد غرابة في عالم "مارفل"، كانت السلسلة انزلقت بالفعل إلى هاوية من "المزاح" الخالي من الضحك. لم يكُن من المتوقع أن يقدم غَن معالجة تقليدية، لكن هل كان لزاماً عليه أن يغرق الفيلم في هذه النزعة الغريبة المتعمدة؟ من شجرة ناطقة بصوت فين ديزل، إلى سيل متواصل من النكات، إلى خليط موسيقي مهووس بروح السبعينيات، بدا كل شيء محشوراً عنوة في الفيلم من دون منح أي من الشخصيات فرصة للتنفس. وبعد ثلاثة أفلام من السلسلة، يبدو أن الجواب المحبط هو: نعم، كان لا بد من أن يكون الأمر كذلك.
6. "أفاتار" Avatar (2009)
كان بإمكان جيمس كاميرون أن يقضي النصف الثاني من مسيرته في صنع أعمال خيال علمي عميقة وسريعة الإيقاع، تواصل الإرث الباهر الذي بدأه مع "ذا تيرمينتر"The Terminator و "فضائيون"Aliens ، لكنه بدلاً من ذلك، اختار أن يذوب في زرقة عالم باندورا، ضمن نسخة فاخرة من فيلم "الرقص مع الذئاب" Dances with Wolves، لكن وسط سكان "نافي" ذوي البشرة السماوية. والأسوأ أنه وضع العبء كله على عاتق سام ورثنغتون الخالي من الكاريزما، في دور إنسان "يتبنى عاداتهم" في الـ "نافي".
عند صدوره، نال "أفاتار" إشادة واسعة بفضل تقنياته المبتكرة في العرض ثلاثي الأبعاد. لكن المؤسف أن أداء ورثنغتون كان ثنائي البعد في الفيلم الأول، وكذلك في الجزء الثاني "طريق الماء" (2022) الذي حقق نجاحاً محيراً، إذ شاهده الملايين ثم لم يفكروا فيه مجدداً بعد مغادرتهم صالة السينما. هل كنتم تعلمون أن كايت وينسلت شاركت فيه؟ وهل كايت وينسلت نفسها تدرك أنها شاركت فيه؟
5. "هاري بوتر وسجين أزكابان" Harry Potter and the Prisoner of Azkaban (2004)
هاري بوتر، لكن هذه المرة بلمسة "سينما فنية" – هكذا استقبل كثرٌ الجزء الثالث من مغامرات الصبي الساحر، بخاصة أنه جاء بتوقيع ألفونسو كوارون، المخرج المحبوب لدى عشاق السينما النخبوية. لا شك في أن "سجين أزكابان" بدا أقل رتابة من الجزءين السابقين اللذين أخرجهما كريس كولومبوس بأسلوبه التقليدي. لكن بعد مرور أكثر من عقدين، يبدو الفيلم وكأنه إنجاز شكلي بلا شغف، أخرجه مخرج يخالجك شعور بأنه يرى نفسه أرفع من هذا الهراء أصلاً. نعم، هناك لحظات مشرقة – كالحافلة الليلية العبثية ذات الطابع الكابوسي التي تظهر في بدايته، والظهور العابر الغريب للمغني إيان براون من فرقة "ذا ستون روزز". لكن على رغم ذلك، من الصعب العثور على حماسة حقيقية تجاه عالم بوتر – سواء من كوارون أو من غاري أولدمان في دور الشخصية المناهضة للبطل.
4. "لالا لاند" La La Land (2016)
مدفوعاً بجرعات وفيرة من الغرور وبعدد من التوليفات الباهتة التي تحاكي أغاني ستيفن سوندهايم الاستعراضية، يقدم المخرج داميان شازيل "رسالة حب" إلى مدينة الملائكة، لكنها رسالة مغمورة برضا ذاتي مزعج. لا تفتقر إيما ستون ورايان غوسلينغ إلى الجاذبية في أدائهما كعاشقين يسعيان إلى النجاح في جنوب كاليفورنيا، لكن المشكلة تكمن في أن شازيل لا يعرف متى يتوقف، إذ إنه لا يزال يعيش على أمجاد فيلمه الأول "ويبلاش" Whiplash.
ولو كان هذا العمل الاستعراضي السطحي المنسوج من حنين كاذب لعصر هوليوود الذهبي مصنوعاً من الحلوى، لبدت حلاوته المفرطة وكأنه يلتهم نفسه من فرط الزهو والسطحية.
3. "كازينو رويال"Casino Royale (2006)
حظي دانييل كريغ بالثناء لأنه حمل شخصية جيمس بوند إلى القرن الـ21 في ظهوره الأول في شخصية العميل 007. لكن الحقيقة أن كريغ أفرغ الشخصية من كل متعتها وحيويتها. فبوند، كما جسده شون كونري وروجر مور، كان دائماً قاتلاً قاسياً، لكنه كان أيضاً شخصية أنيقة تملك ردوداً ذكية وسريعة، وكانت ملذته في الحياة ترتكز على تناول كوكتيل مارتيني حول طاولة الروليت. لكن كريغ تخلى تماماً عن هذا الجانب الساحر من بوند، ليترك مكانه قاتلاً كئيباً بلا روح، يمتلك عضلات أكثر من امتلاكه الشخصية والحضور.
2. "مرثية حلم" Requiem for a Dream (2000)
في هذه التحفة المليئة بالبؤس التي أخرجها دارين أرونوفسكي، واجه الجمهور الحقيقة الصادمة التي قد تبدو بديهية، وهي أن تعاطي المخدرات بكثرة يمكن أن يدمر حياتك ويؤثر سلباً في نمط عيشك. وتُروى هذه الرسالة الصادمة من خلال قصة أربعة أشخاص عاديين يغرقون في قبضة الإدمان، يجسدهم بكل حزن وتجهم كل من إيلين بيرستين وجاريد ليتو وجينيفر كونلي ومارلون وايانز الذين نراهم جميعاً في نهاية الفيلم مستسلمين مثل جنين عديم الحيلة. الفيلم المقتبس من رواية هيوبرت سيلبي جونيور التي تحمل العنوان نفسه، يتضمن رسالة ملحة وخالدة في الوقت ذاته، إذ كثيراً ما دمرت المخدرات الأرواح، وستظل تفعل ذلك للأسف. ولكن في يدي أرونوفسكي اللتين تفتقران إلى الرقة والعمق، يتحول المشروع إلى حال انغماس مفرط في ألم الذات والشكوى المستمرة.
1. "حوريات إنشيرين" The Banshees of Inisherin (2022)
ثمة شهية لا تنضب، ولا سيما في الولايات المتحدة، لكل ما يفيض بالصور النمطية الإيرلندية المتكلفة التي يقدمها المخرج مارتن ماكدونا الذي ولد وترعرع في لندن. وإدراكاً منه لجمهوره المستهدف، أغرق فيلمه بطبقات سميكة من خرافات "داربي أوغيل" ضمن حكاية مفرطة التصنع إلى حد السمّية، عن جزيرة خيالية قبالة سواحل غالواي في عشرينيات القرن الماضي، تعج بسكان سذج. قد يعذر ماكدونا – فهو لا يصنع سوى هذا النوع من الأفلام (ما لم يكُن يسخر من سكان الجنوب الأميركي كما فعل في "ثلاث لوحات خارج إيبنغ، ميزوري") – لكن يبقى السؤال: ما الذي يدفع ممثلين من طراز بريندان غليسون وكولين فاريل وكيري كوندون إلى تقديم أدوار تكرس رؤية ساذجة عن إيرلندا وكأنها عالقة إلى الأبد في القرن الـ19؟ ننتظر إجابتكم مكتوبة على لوح ضخم من صابون "آيرش سبرينغ".
© The Independent