Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إدمون عمران المليح كاتب مغربي يهودي واجه إسرائيل

كتاب للناقد عبدالكريم جويطي يتناول سيرته وأدبه ومواقفه الجريئة

الكاتب المغربي اليهودي الفرنكوفوني إدمون عمران المليح (صفحة الكاتب - فيسبوك) 

ملخص

يسعى الروائي والمترجم المغربي عبدالكريم جويطي إلى إضاءة جوانب مختلفة من حياة الكاتب الراحل إدمون عمران المليح، الذي يحظى بتقدير كبير في الأوساط الثقافية الفرنكوفونية، والذي عرف بنضاله السياسي ومواقفه من إسرائيل، إلى درجة أنه كان ينعت باليهودي المعادي لليهود.

يعد إدمون عمران المليح أحد أبرز كتاب المغرب الذين اختاروا اللغة الفرنسية لتأليف أعمالهم. ولد عام 1917، لكنه لم ينشر أول عمل له إلا عام 1980، وهو في الـ63 من عمره. غير أن الأعمال الأدبية التي أصدرها حظيت بتقدير كبير في الأوساط الثقافية داخل المغرب وخارجه، لما اتسمت به من عمق ورصانة وقدرة مذهلة على مزج الواقع بالخيال في لغة أدبية مميزة.

وفي كتابه الجديد "إدمون عمران المليح مربي الكلمات"، الصادر عن دار "فالية"، يعود الروائي والمترجم المغربي عبدالكريم جويطي ليحتفي بصاحب "المجرى الثابت"، باعتباره رمزاً، لا للأدب المغربي المكتوب بالفرنسية فحسب، بل رمزاً أيضاً للمواقف الإيجابية والانتظام في القضايا العامة والترافع السياسي والحقوقي عن الفئات المهمشة والمظلومة.

بلغته الروائية الأخاذة كتب عبدالكريم جويطي الفصل الأول والأطول من كتابه الجديد "إدمون عمران المليح مربي الكلمات". وقد اختار أن يكون هذا الفصل رسالة موجهة إلى صاحب "المقهى الأزرق" تستعيد مواقفه وتتعقب مساره في الحياة وفي الكتابة وفي المضمار السياسي.

وإن كانت الرسالة مغلفة بلغة الرثاء، فهي مبطنة في الآن ذاته بحمولات كثيرة تضيء جوانب من تجربة كاتب مغربي ترجم أقصى أشكال التعدد، فهو المغربي الأمازيغي الشيوعي الوطني المعارض اليهودي المتهم بمعاداة اليهود. وهو في الآن ذاته الروائي والصحافي وأستاذ الفلسفة.

يستحضر جويطي مقال الناقد كريستوف كانتشاف مدير تحرير أسبوعية "بوليتيس"، الذي أسبغ صفة "جويس مغربي" على المليح. فهو يرى أن التأخر في الكتابة نتج منه تراكم تجربة غنية وخبرة مثمرة. يقول كريستوف في هذا الصدد: "ينتمي إدمون عمران المليح لفصيلة الكتاب الذين جاؤوا للكتابة في سن متأخرة، يأتون لتفنيد الفكرة القائلة بأن عملاً يفترس بالضرورة حياة برمتها".

بدأ المليح الكتابة متأخراً، لكن أعماله جاءت متعاقبة: "المجرى الثابت" (1980) و"أيلان أو ليل الحكي" (1983) و"ألف عام بيوم واحد" (1986) و"عودة أبو الحكي" (1990) و"أبو النور (1995)" و"حقيبة سيدي معاشو" (1998) و"المقهى الأزرق: زريريق" (1998) و"كتاب الأم" (2004) وصولاً إلى عمله الأخير "رسائل إلى نفسي".

كاتب وطني

حاول جويطي أن يشرك مؤلفين آخرين في كتابه، على اعتبار أن هذا العمل ذو طابع احتفائي، ومن ثم يستحب أن تكون فيه هذه الروحية التشاركية. لذلك ترجم بعض المقالات المضيئة لتجربة المليح لكتاب أجانب مثل خوان غويتيسولو وكلوديين كاليا وميغيل أبنسور، فضلاً عن حوارين معه أجراهما باسكال سيمولو وليلى بارع، إضافة إلى مقالين لمحمد برادة ومحمد لفتح.

وقد ترك عبدالكريم جويطي مهمة تقديم الكتاب للشاعر المغربي محمد الأشعري الذي توقف عند الملمح السوسيولوجي في كتابات المليح، خصوصاً أثناء إشرافه في الحزب الشيوعي على منطقة تادلة، وهي المنطقة ذاتها التي ولد ونشأ فيها عبدالكريم جويطي.

توقف الأشعري أيضاً عند المسافة التي تربط وتفصل في الآن ذاته بين ما عاشه المليح وما كتبه، أو بين ما تنطلق منه الكتابة من حقائق ووقائع وما تصل إليه من حلم وتخييل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عاش إدمون عمران المليح بين ثلاث مدن تطل على المحيط الأطلسي. فقد ولد بمدينة آسفي في الـ30 من مارس (آذار) 1917، وعاش في الرباط العاصمة، ودفن في مدينة الصويرة بعد رحيله في الـ15 من نونبر 2010. كأنما أراد أن تكون حياته وموته على السواء على مقربة من البحر في بلد ظل يقول عنه: "أحمل المغرب أينما ذهبت".

لقد جمع بين العمل في الصحافة وتدريس الفلسفة، وعام 1965 قرر الرحيل إلى فرنسا بسبب معارضته السياسية والأيديولوجية لنظام الملك الراحل الحسن الثاني، ثم عاد إلى المغرب عام 1999 بعد تحسن أوضاع حقوق الإنسان وتوسع مساحة الحريات.  

يهودي ضد إسرائيل

رفض المليح أن يهاجر إلى إسرائيل في زمن كان تشجيع هذا النوع من الهجرة على أشده، وبمحفزات مغرية. ورفض أصلاً فكرة تهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل، وعارض الصهيونية وكان ضد قيام دولة إسرائيل. وقال بشكل صريح: "لا أعرف أية دولة اسمها إسرائيل". رفض أن تترجم أعماله إلى العبرية، وكان يدافع باستمرار عن الشعب الفلسطيني في كتاباته الصحافية والأدبية وفي حواراته وبياناته التي كان ينشرها حين تتأزم الأوضاع أكثر في فلسطين، وأشهرها بيان "أنا أتهم" الذي أصدره عام 2004 ودان فيه مجزرة جنين.

رفضت دار لوسوي الفرنسية نشر إحدى رواياته التي اتخذت من أحداث صبرا وشاتيلا موضوعاً لها، بحجة أن الرواية تنحو بصورة أو بأخرى إلى معاداة اليهود. يقول إدمون: "أنا أكتب بالفرنسية، لكن لغتي لا تشبه لغة الفرنسيين".

يخاطب جويطي المليح: "كنت ضميراً يقظاً في كتاباتك ومواقفك، وجهرت دوماً بأن لا حق للصهاينة في التحدث باسم اليهودي، ولا حق لهم في احتكار صورة الضحية ولا عذابات الألم الإنساني". ويستحضر المؤلف ما قالته زوجته ماري سيسيل المليح عن اليهود الصهاينة "الذين اعتقدوا أنهم بتأسيس دولة إسرائيل سيخلصون للشعب اليهودي، لكنهم لم يعملوا إلا على إعادة إنتاج شر الدولة المعاصرة".

يتوقف صاحب "المغاربة" و"كتيبة الخراب" عند مواقف إدمون عمران المليح، اليهودي الذي رفض إسرائيل، وندد بما تمارسه من قسوة وبربرية، وانتقد في المقابل الصمت المخجل لبلدان الغرب، وانحيازها للجلاد بدل الضحية.

النقد المستمر

أشاد جويطي أيضاً بصورة المثقف الذي لا يتعامل في الحياة الثقافية بمنطق الربح والخسارة، بل بالوضوح والشجاعة والخروج المستمر من مناطق التردد، وبالمواقف المتعاقبة للمليح، التي لا تتوقف عند القضية الفلسطينية، بل تمتد إلى الحياة السياسية في المغرب التي وصفها بـ"الاحتضار البطيء"، حيث الغياب شبه التام للنقاش العام، وتفادي الخوض في القضايا الحقيقية للبلد. انصبت مواقف المليح أيضاً على التشوه الجمالي الذي طاول المعمار المغربي، وعلى هيمنة الملاك الأجانب على عقارات المدن التاريخية، وعلى المثقفين الذين استقالوا عن الشأن العام، والجامعة التي تعيش خارج الثقافة.

حاول الروائي والمترجم المغربي عبدالكريم جويطي أن يتحدث عن إدمون عمران المليح بلغة الوجدان، وبالدفق الإنساني الذي يكشف هشاشة الكاتب وصفاءه وصدقه، وينزع عنه كل ثوب أسطوري. فالمليح نفسه يقول: "عادة ما تنسج حول الكتابة الأساطير، وتنسج حول الكاتب هالة، فيما أن الأمر بسيط، فهو يكتب مثلما الآخرون يرسمون أو يغنون أو يبيعون الخضر".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة