Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مثقفون مغاربة يشاركون في السجال القائم حول الفن والاخلاق

هل للحرية الإبداعية ضوابط ام يحق للمبدعين أن يخترقوا المعايير المفروضة إجتماعيا؟ 

لوحة للرسام حسين جمعان (صفحة الرسام - فيسبوك)

هل تشكل الأخلاق إطاراً للفن أم أن وظيفة الفن هي الخروج عن كل إطار؟ هل يعفينا معيارا الجودة والرداءة في تقييم العمل الفني من كل معيار أخلاقي؟ هل يحق للفنان أن يقدم منتوجه في الفضاء العام متجاوزاً المشترك الاجتماعي؟  أليست للحرية الإبداعية ضوابط؟  أليس للفن حدود؟  هل تقف أعراف المجتمع حاجزاً في طريق الفن؟  وهل يشكل القانون أداة تضييق؟

على هامش السجال الدائر أخيراً في المغرب حول حرية الفنان وعلاقة الفن بالأخلاق، توجهنا في "اندبندنت عربية" بهذه الأسئلة إلى ثلاثة أسماء تنتمي إلى حقل الثقافة والفكر، وهم الكاتبة ربيعة ريحان والمفكر الجمالي إدريس كثير والروائي عبدالكريم جويطي.

تنطلق الكاتبة ربيعة ريحان من فكرة مفادها أن الفن في مجتمعاتنا العربية يحتاج إلى مزيد من الحرية أو ما تسميه "مساحة التعبير الحر والصادق"، فالفن بالنسبة إليها قيمة جمالية وكل فن صادق هو أخلاقي بطبيعته، غير أن ما يستفز صاحبة "بيتنا الكبير" هو بروز ظاهرة التشدد إزاء بعض الأعمال سواء الفنية أو الأدبية، على اعتبار أنها ذات أثر أخلاقي.

وتضيف ربيعة: "مثل هذه المواقف تكبل إلى حد كبير إمكان التعبير وتفرض تصورها الخاص للفن، فالنقد الأخلاقي يتجاوز القانون أحياناً بحكم تجذره وهيمنته على الذهنية، وأنا أتحدث عن الإنجازات الإبداعية ذات القيمة الجمالية التي تهدف بتحديها وتجاوزها للضوابط الأخلاقية إلى ما هو أكثر إنسانية وليس العكس". وترى صاحبة "الخالة أم هاني" أن السبب في عودة المحاكمات الأخلاقية للفن هو بروز أشكال تعبيرية هي في الأصل بعيدة من الفن، غير أن بعض أنماط الحياة الجديدة تجعلها محسوبة عليه.

وتشرح الكاتبة المغربية فكرتها على النحو الآتي: "الساحة في الواقع تموج بكثير من القبح وهذا ما يجعل الأحكام الأخلاقية أحياناً تنطوي على كثير من الخلط، والسبب في تلك المبالغات المنفرة هو ما يعتقد بعضهم أنه فن ويتم الترويج له في غياب أي حس جمالي وأي مسؤولية، فأخلاقية الفن في حد ذاته تقتضي نهج سبل الجمال وخلق المتعة، وأتصور أن التسيب أحياناً ما هو إلا انعكاس لتسيب اجتماعي وثقافي وسياسي، وهو ما يدمر أحياناً نسق الجمال وحيويته".

الأخلاق والسياسة

يحاول الباحث الجمالي إدريس كثير أن يقف في البداية عند الفارق بين مفهومي الفن والأخلاق، ويقول في تصريحه إلى "اندبندنت عربية": "الفن هو إنتاج للإبداع وكل الفنون المختلفة من موسيقى ومسرح ورقص ورواية وشعر وتشكيل إبداعات من صلب الإتيان بما هو جديد، أي الإتيان بما لم يحصل من قبل، أما الأخلاق فهي قواعد وضوابط تميز ما هو طيب مما هو خبيث، وما هو جائز مما هو ممنوع، وما هو خير مما هو شر في سلوك الإنسان، والأخلاق معاملات إلا أننا في الفلسفة نميز بين الأخلاق والـ ’إيتيقا‘ فالأولى توجهات مسلكية أما الثانية فهي فلسفة للأخلاق، إنها خطاب فلسفي حول ما يحدد القيم ومبادئها".

ويكاد إدريس كثير ينفي وجود روابط بين الفن والأخلاق، ويقول في هذا الصدد: "يبدو ألا علاقة بين الأخلاق والفن، فالأخلاق هي قواعد تهم الفنان من حيث هو إنسان لا من حيث هو فنان، أما الفن فمعاييره وقواعده هي من مجال آخر هو مجال الجماليات والذوق وملكة الحكم، فالجميل والمنظورية والكروماتية و النقطة والخط بكل أشكاله والهندسة الإقليدية هي التي تحدد مجال الفن التشكيلي الواقعي، مثلما تميز التفعيلة والبحور والبلاغة و الإيقاع مجال الشعر، وهكذا دواليك في الفنون الأخرى، ومن هنا لا يخرج ولا يتحلل الفن من كل تأطير فهو خاضع لقوانينه الجمالية، إلا أن هذه الأخيرة لا تعتبر قوانين إلا بعد الإبداع، أما قبله فهي إرهاصات كامنة طي عملية الإبداع، ولذا نشعر عادة أن الفن يوجد دوماً خارج كل إطار وتأطير، والقواعد الجمالية تسن بعد فوات الأوان لا قبله، وهذه هي حرية الإبداع والعبقرية".

ويرى صاحب "هشاشة الفن" و"فلسفة الجمال" أن "الأخلاق والسياسة يحرسان الفن ويراقبانه، إذ من منظورهما هناك حدود لا ينبغي تجاوزها تتصل بالحشمة والوقار وبالتهدئة والاتزان، إلا أن قيم هذه المسلكيات لا علاقة لها البتة بالفن وتمظهراته".

ويشير إدريس كثير إلى مفهوم ثالث قد يشكل حالاً للخروج من مأزق العلاقة المتوترة بين الفن والاخلاق، إذ يقف عند مفهوم "أخلاق المهنة"، وهو مفهوم نابع من داخل الفن لا من خارجه، وهو بالنسبة إليه "يرسم لنا ميثاقاً شرفياً يراعي خصوصية الفن وهشاشته".

ويؤكد الباحث المغربي أن "ليس لحرية الإبداع ضوابط ولا موجهات"، ويفسر ذلك بأن "الفنان حر طليق لا يمتثل سوى لقدراته الحيوية، أي لإرادة القوة لديه، وحرية الفنان تبدو في دهشته من كل الفراغ الذي يحيط به أو في كل العمى الممتد أمامه وهو طوع يديه، ويكفي أن يمد يديه ليقتطع الجمال والرائع والممتع والعظيم ويقدمه إلينا، وفي مثل هذه الحال فالضوابط والموجهات تشكلان عائقاً أمام الفن، مثل أعراف المجتمع".

الفن الحقيقي لا يستفز المجتمع مجاناً

يبدو الروائي عبدالكريم جويطي حاسماً في ضرورة الفصل بين الفن والأخلاق، ويقول صاحب "كتيبة الخراب" في تصريحه لـ "اندبندنت عربية"، "بين الفن العظيم والأخلاق خصام أبدي، فالأخلاق تصنعها القوة والدين والمصلحة، بينما يؤسس الفن الحقيقي للشغف بالحياة، وهي مفرغة من أوهام القوة والغلبة والمنفعة، وانتصر الفن دوماً للآخرين والمنهزمين والمنكسرين، ضداً في الأخلاق كما يصنعها السيد ويركبها العبد، ليداري ضعفه أو ليأخذ وقته الكافي في الصراع الصامت ضد السيد للاطاحة به وملء مكانه. وانتصر الفن الحقيقي للإنسان كما هو في كل زمان ومكان، الإنسان خارج كل تراتبية اجتماعية واقتصادية وسياسية، الإنسان في محنة وجوده وفي مواجهته لجور الزمن والموت والقد والخذلان، ويؤسس الفن العظيم دوماً لأخلاقه الخاصة والمقوضة للأخلاق العامة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما يجعل الفن اليوم يخضع لمحاكمات أخلاقية هو استفزازه المجاني للمجتمع، وهذا ما يؤكده الروائي المغربي عبدالكريم جويطي قائلاً: "إن الفن لا يستفز بشكل مقيت ومجاني كما يفعل بعضهم اليوم، لأنه يفهم جيداً أن في الاستفزاز تأبيداً لما هو قائم وتكريس له، فهو يحفر بهدوء في الركائز ويتركها تتداعى من تلقاء نفسها، ولكل هذا يفهم حراس الأخلاق القائمة ودعاة الفضيلة خطورة الفن الحقيقي ويعملون على تهميشه ومحاصرته، ويشجعون في المقابل فناً سطحياً مبتذلاً يقوم على ضرب من الطيش الذي لا يفيد إلا القوى المحافظة، فالفن الحقيقي يضرب في القلب مباشرة بينما يشاغب الفن السطحي الأطراف فقط".

 لقد عملت الرأسمالية الجشعة بدأب على تحويل العمل الفني من الهالة المحيطة به كنتاج أصيل وجواني لموهبة فريدة إلى منتوج رخيص خاضع لقوانين السوق وشره الاستهلاك، وهذا ما يقوله جويطي مضيفاً: "سلعت الرأسمالية الفن وعملت على إفراغه من كونه رسالة ورؤيا، ولم ترد ديانة الاستهلاك الجديدة فناً يبقى ويؤثر بعمق، بل أرادت فناً له عمر الشهب الصناعية، يتألق ثم يضيع في الظلام، وعلى الآلة أن تشتغل وعليها أن تملأ الفراغ بما تطاله يدها، وبما اتفق. ولكل هذا فالتفاهة وليد شرعي لثقافة ومجتمع الاستهلاك والوجبات السريعة في كل شيء، تفرح وتبارك آلة الاستهلاك والإلهاء شغب بعض الفنانين لأنه يتم داخل المنطق نفسه وفي الملعب نفسه ومحاطاً بالأسوار ذاتها، وما يبدو لبعضهم تمرداً وخروجاً عن المألوف ليس سوى هامش صغير وتافه يلقح الآلة ويقويها".

ويختم جويطي صاحب رواية "المغاربة" تصريحه بجملة يسائلنا فيها عن أي فن نتحدث اليوم، واضعاً خطاً فاصلاً بين فن خالد وآخر زائل، "الفن الحقيقي سيد نفسه والفن السطحي عبد للموضة وكل ما هو عابر في الحياة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة