Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يحدث في أسواق السندات السيادية؟

المستثمرون في أدوات الدين البريطانية يطالبون وزيرة الخزانة بضرورة خفض الإنفاق

أصدرت الحكومة البريطانية سندات بقيمة 18.8 مليار دولار الثلاثاء الماضي (اندبندنت عربية)

 

ملخص

يرى مديرو الصناديق أن تزامن زيادة إصدارات سندات الدين السيادي من الحكومات، مع ارتفاع معدلات الدين العام وقلق المستثمرين من احتمالات التباطؤ الاقتصادي أكثر، في ظل ارتفاع التضخم، أدى إلى هبوط قيمة السندات وارتفاع العائد عليها.

مع عودة الحكومات لإصدار مزيد من سندات الدين السيادي بعد العطلة الصيفية هذا الأسبوع، شهدت أسواق السندات حول العالم ضغطاً شديداً مع عمليات بيع، وسط قلق المقرضين من ارتفاع الدين العام في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا.

كان الضرر الأكبر على سندات الدين السيادي طويلة الأجل، التي شهدت هبوطاً بأسعارها وارتفاع العائد عليها، ويتناسب معدل العائد على السندات مع قيمتها تناسباً عكسياً، وارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل لمدة 30 عاماً إلى نسبة خمسة في المئة في تعاملات أمس الأربعاء.

أما العائد على سندات الخزانة اليابانية فارتفع إلى مستوى غير مسبوق عند نسبة 3.29 في المئة، مما ساعد في ارتفاع العائد وانخفاض سعر سندات الدين السيادي الزيادة الكبيرة في إصدارات الحكومات التي عادت للاقتراض بقوة.

ومن بين تلك الإصدارات اقتراض الحكومة البريطانية، عبر إصدار أوراق استدانة بقيمة 14 مليار جنيه استرليني (18.8 مليار دولار) أول من أمس الثلاثاء.

يرى مديرو الصناديق أن تزامن زيادة إصدارات سندات الدين السيادي من الحكومات، مع ارتفاع معدلات الدين العام وقلق المستثمرين من احتمالات التباطؤ الاقتصادي أكثر، في ظل ارتفاع التضخم، أدى إلى هبوط قيمة السندات وارتفاع العائد عليها.

إلى ذلك، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن مايك ريدل من صندوق "فيدليتي انترناشيونال" قوله إن "كثافة إصدار السندات من الشركات والحكومات ضغط على قيمة الدين طويل الأجل نزولاً".

معادلة العرض والطلب

وتعد أسواق السندات، على رغم أنها لا تحظى باهتمام الإعلام الاقتصادي مثل أسواق الأسهم، مؤشراً مهماً على أداء الاقتصادات باعتبارها ساحة اقتراض الحكومات عبر إصدارات الدين السيادي، وكذلك اقتراض الشركات عبر إصدار سندات الشركات.

وينظر الاقتصاديون والمحللون إلى معدلات العائد على السندات كدليل على توجهات النمو المستقبلية لأي اقتصاد، إذ يعتبر ارتفاع معدلات العائد على الدين السيادي علامة على تراجع ثقة المستثمرين والأسواق في الوضع المالي للجهة المصدرة، حكومة أو شركة.

وتحدد عوامل مختلفة قيمة سندات الدين السيادي وسعر العائد عليها، منها سعر الفائدة الأساسية في الاقتصاد المعني، خصوصاً السندات قصيرة الأجل، إلى جانب تقديرات السياسة المالية للحكومة وحجم الدين العام، خصوصاً للسندات متوسطة وطويلة الأجل، لكن سوق السندات، مثل أية سوق، تحكمها معادلة العرض والطلب.

ويبدو أن ارتفاع العرض بزيادة إصدار سندات الدين مع تباطؤ الطلب على شراء ديون الحكومات والشركات، هو الذي أدى إلى هبوط قيمتها وارتفاع العائد عليها.

في بريطانيا مثلاً ونتيجة ارتفاع كلفة خدمة الدين بشدة، بعدما وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1998، ارتفع العائد على سندات الدين السيادي البريطاني طويلة الأجل لمدة 30 عاماً إلى نسبة 5.75 في المئة.

ويقول روغر هالام من صندوق "فانغارد" إن الضعف الواضح في قيمة سندات الدين البريطاني يعكس قلق المستثمرين من موازنة الخريف المقبلة التي ستعلنها وزيرة الخزانة راتشيل ريفز، إذ من المتوقع أن تضطر الحكومة البريطانية إلى الاقتراض أكثر، أي زيادة المعروض من السندات بالتالي هبوط قيمتها وارتفاع العائد عليها.

مما يضيف إلى عدم توازن معادلة العرض والطلب أن البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى منذ بدأت سياسة التيسير النقدي بالخفض التدريجي لأسعار الفائدة لم تعد لشراء سندات الدين بقوة، بل إن بعضها ما زال يتخلص من السندات في دفاتره، مما يزيد من كمية المعروض في السوق بما يفوق الطلب.

وبالطبع يلعب استمرار معدلات التضخم مرتفعة دوراً في تدهور قيمة الدين، خصوصاً بالنسبة إلى السندات طويلة الأجل، هذا فضلاً عن الاضطرابات السياسية وتبعاتها الاقتصادية مثلما هو الوضع في فرنسا وبريطانيا، إذ تواجه الحكومات تحديات هائلة في محاولتها ضبط حسابات الموازنة.

دور السياسات المالية والاقتصادية

بينما ترتبط سندات الدين السيادي قصير الأجل بسعر الفائدة الأساس أكثر، تتأثر سندات الدين السيادي طويلة الأجل بالسياسات المالية والاقتصادية للحكومات المصدرة لها.

ويقول رئيس استراتيجيات الاقتصاد الكلي في بنك "باركليز" ميتول كوتيشا إن "هناك عاصفة عاتية من القلق في شأن أن تؤدي السياسات المالية الحالية إلى ضغوط تضخمية بالتالي مزيد من إصدار سندات الدين السيادي عالمياً، مع عدم وجود طلب كاف على شرائها".

وهناك عدم يقين يهيمن على الأسواق والمستثمرين، خصوصاً مشتري ديون الحكومات والشركات، فالحملة التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) ضغطاً عليه، كي يخفض أسعار الفائدة، تغذي مخاوف الأسواق من هيمنة السياسات المالية على السياسة النقدية في الفترة المقبلة.

من شأن انخفاض أسعار الفائدة أن يخفض كلفة الدين، مما يغري الحكومات بالتوسع في الاقتراض وزيادة الدين العام وعجز الموازنة وزيادة معدلات التضخم. وزادت المخاوف أكثر في شأن العجز الأميركي هذا الأسبوع بعد قرار محكمة الاستئناف يوم الجمعة، بأن معظم رسوم التعريفة الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب على الشركاء التجاريين غير قانونية.

ويعني حكم المحكمة احتمال حرمان الحكومة الأميركية من مئات مليارات الدولارات، المتوقعة من حصيلة الرسوم الجمركية الحالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان مكتب الموازنة بالكونغرس قال الشهر الماضي إن "الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب أخيراً يمكن أن تخفض العجز في الموازنة الفيدرالية بنحو 4 تريليونات دولار خلال الأعوام الـ10 المقبلة".

تلك السياسات غير الموثوقة تثير قلق المستثمرين وحملة سندات الدين، فتقول كبيرة الاقتصاديين في بنك "ناتيكيسيس" الفرنسي اليشيا غارسيا هيريرو إن "الأصول السيادية أصبحت أكثر مخاطرة، لأنه لم تعد هناك ضوابط كثيرة على السياسيين الذين يريدون زيادة عجز الموازنة وخفض أسعار الفائدة".

أما في اليابان مثلاً، التي شهدت أسوأ موجات بيع سندات الدين السيادي هذا العام، فإن الاضطرابات السياسية يمكن أن يكون لها تبعات اقتصادية ومالية. ويخشى المستثمرون أن يجبر رئيس الوزراء شيغرو اشيبا على الاستقالة، بعد خسارة حزبه الليبرالي الديمقراطي في انتخابات الغرفة العليا من البرلمان في يوليو (تموز) الماضي.

ويتوقع المتعاملون في السوق أن يأتي رئيس حكومة يتبنى سياسات شعبوية تتضمن زيادة الإنفاق، مما يعني تمويله بالاقتراض مما يرفع حجم الدين ويزيد فجوة العجز.

بريطانيا بين الاستدانة والإنفاق

وتبدو الصورة أكثر قتامة في بريطانيا، إذ تشير تقارير إعلامية إلى أن وزيرة الخزانة راتشيل ريفز قد تؤخر إعلان بيان موازنة الخريف في ظل عدم يقين في شأن سياسات ضريبية تتضمنها قد لا تكفي لسد فجوة العجز في الموازنة.

ونشرت "فايننشال تايمز" تقريراً أمس الأربعاء عن مطالبة المستثمرين في سندات الدين وزيرة الخزانة ألا تكتفي في بيان الموازنة المتوقع في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بفرض مزيد من الضرائب، بل عليها خفض الإنفاق العام لتقليل العجز.

ومع ارتفاع العائد على سندات الدين السيادي البريطاني لأعلى مستوى منذ عقد من الزمن، سارعت الحكومة لمحاولة طمأنة الأسواق والمستثمرين مشتري الدين، إذ أكد الوزير في وزارة الخزانة اللورد سبنسر ليفرمور أن"التزام الحكومة بالانضباط المالي لن يتزعزع، وأن بيان الموازنة المقبل لن يغير ذلك".

ويتطلب الانضباط المالي أن تحول وزيرة الخزانة العجز الحالي إلى فائض، بحلول موازنة العام المالي 2029 -2030.

ويشكك معظم مديري الصناديق والمحللين في قدرة حكومة رئيس الوزراء كيير ستارمر على تحقيق المستهدف طبقاً لقواعد الانضباط المالي، فحجم الدين العام حالياً عند نسبة خطرة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن خدمة الدين تزيد حالياً على 100 مليار جنيه استرليني (133 مليار دولار) سنوياً.

ويرى روغر هالام أن وزيرة الخزانة لن تستطيع الوفاء بالانضباط المالي بزيادة الضرائب فحسب، بل تحتاج إلى قدر من خفض الإنفاق العام كذلك.

مع تقديرات مختلفة من الاقتصاديين وشركات الاستشارات المالية بأن زيادات الضرائب المتوقعة لن تسد سوى القدر اليسير من عجز الموازنة، يتوقع أن تعود حكومة ستارمر لقرارها غير المقبول شعبياً بإلغاء بعض مخصصات الرعاية الاجتماعية والدعم للطبقات المحتاجة والمسنين.

وكانت الحكومة طرحت خفض ما يصل إلى 5 مليارات جنيه استرليني (6.7 مليار دولار) من بند الإعانات الاجتماعية والصحية في يوليو الماضي، إلا أن تهديد نواب حزب "العمال" الحاكم بالتمرد الذي كان يمكن أن يسقط زعامة ستارمر اضطر الحكومة إلى التراجع عن قرارها.

لكن من المرجح أن يتضمن بيان موازنة الخريف، إلى جانب زيادة الضرائب، خفض الإنفاق على معونات الرعاية الاجتماعية والصحية، وأيضاً إلغاء دعم الوقود المقدم لمن هم على معاشات التقاعد.

وتقدر "كابيتال ايكونوميكس" أن عدم خفض إنفاق البندين يمكن أن يزيد فجوة العجز في الموازنة حتى نهاية العقد بنحو 6 مليارات جنيه استرليني (8 مليارات دولار).                             

اقرأ المزيد