Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والبحث عن "سلم" النزول عن "شجرة" المواقف المتشددة

وجود تفاوض غير معلن بين واشنطن وطهران يتجاوز المسألة النووية إلى الملفات الإقليمية

"ومن قال إن إيران ليست جزءاً من التفاوض"... هذا ما قاله السفير توم براك بعد لقائه الرئيس اللبناني جوزاف عون (أ ف ب)

ملخص

عواصم "الترويكا" اشترطت في الجولة التي استضافتها العاصمة التركية أنقرة قبل أسابيع أن تلتزم إيران ترميم علاقاتها مع الوكالة الدولية وتسمح بعودة مفتشي الوكالة لممارسة مهماتهم الرقابية، إضافة إلى اتخاذ خطوات جدية تسمح بعودة الحياة لطاولة التفاوض مع الجانب الأميركي، فضلاً عن البحث جدياً في مستقبل أنشطة تخصيب اليورانيوم في إيران.

"ومن قال إن إيران ليست جزءاً من التفاوض"، هي الكلمات الأخيرة التي ختم بها المبعوث الأميركي إلى الأزمتين السورية واللبنانية السفير توم براك مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد انتهاء اللقاء مع الرئيس اللبناني جوزيف عون. وهذا الكلام الذي لم يأخذ حقه في التدقيق والمتابعة، جاء في معرض رده على سؤال حول التأثيرات الإيرانية السلبية في قرار الحكومة اللبنانية المتعلق بحصرية السلاح، بخاصة سلاح "حزب الله".

وهذا التساؤل السريع الذي طرحه براك كشف عن وجود تفاوض غير معلن بين واشنطن وطهران يتجاوز المسألة النووية إلى الملفات الإقليمية، وأن تعاوناً بين الطرفين يجري بعيداً من الأنظار، ويُمرر خلاله بعض التخادم من تحت الطاولة، ليخدم الهدف النهائي الذي يساعد في تسهيل العودة لطاولة التفاوض، المباشر أو غير المباشر.

لم تتأخر المؤشرات التي تصب في سياق تعزيز الاعتقاد بوجود مثل هذا التخادم بالظهور والخروج إلى العلن، سواء على مسار العلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو في ما يتعلق بمخرجات الحوار القائم مع "الترويكا الأوروبية".

أزيلت العوائق أو العراقيل الإيرانية المعلنة أمام زيارة رئيس الوكالة الدولية رافائيل غروسي إلى طهران، وأسقطت عنه صفة أو تهمة "العميل الإسرائيلي". وذهبت طهران إلى أبعد من ذلك، بأن سمحت لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعودة لطهران، مع التأكيد أن وصولهم إلى العاصمة الإيرانية لا يعني المباشرة بزيارة المواقع النووية التي تعرضت للضربات الأميركية - الإسرائيلية، بانتظار أن ينهي المجلس الأعلى للأمن القومي وضع الإطار الجديد للتعاون مع الوكالة باعتباره الجهة المكلفة ذلك بموجب القانون الذي سنّه البرلمان أواخر يونيو (حزيران) الماضي.

إذاً، غروسي سيزور طهران، بعد أن سبقه فريق من المفتشين، وإن أحد أهم الشروط التي وضعتها الوكالة هو الوصول إلى مخزون اليورانيوم بمستوى 60 في المئة الذي أخرجته طهران من "موقع فوردو" إلى منشأة سرية، بالتالي سيكون على الجانب الإيراني أن يقدم معلومات حول هذه المنشأة أيضاً وأن يخضعها لرقابة مفتشي الوكالة في المستقبل.

وهذه الخطوات الحاصلة على مسار العلاقة مع الوكالة الدولية جاءت بالتزامن مع الجولة الجديدة من التفاوض التي استضافتها مدينة جنيف بين إيران وممثلي "الترويكا" الأوروبية والاتحاد الأوروبي، لبحث إمكان التوصل إلى تفاهم حول تمديد العمل بـ"آلية الزناد" لمدة ستة أشهر.

وعلى رغم أن الأجواء التي أشيعت حول نتائج هذه المفاوضات قد لا تكون مشجعة كثيراً، وأنها لم تخرج بتفاهمات واضحة، وأن الجانب الإيراني لم يقدم حوافز جدية ومقنعة تدفع عواصم "الترويكا" إلى التخلي عن جهود إعادة إحياء عقوبات مجلس الأمن بتفعيل "آلية الزناد" التي تضمنها قرار مجلس الأمن رقم 2231 لعام 2015، فإن بوادر التفاهم بين طهران والوكالة الدولية تقع في سياق الشروط التي وضعتها "الترويكا" من أجل التفاهم مع إيران والتخلي عن تفعيل العقوبات.

فعواصم "الترويكا" اشترطت خلال الجولة التي استضافتها العاصمة التركية أنقرة قبل أسابيع، أن تلتزم إيران ترميم علاقاتها مع الوكالة الدولية وتسمح بعودة مفتشي الوكالة لممارسة مهماتهم الرقابية، إضافة إلى اتخاذ خطوات جدية تسمح بعودة الحياة لطاولة التفاوض مع الجانب الأميركي، فضلاً عن البحث جدياً في مستقبل أنشطة تخصيب اليورانيوم في إيران.

وإذا ما كان الشرط الأول الخاص بالعلاقة مع الوكالة الدولية بدأ بالتبلور ووضع على طريق التنفيذ، فإن كثيراً من الإشارات صدرت عن الجهات الإيرانية المعنية بالتفاوض، تكشف عن استعداد طهران للتعامل الإيجابي مع مسألة الأنشطة النووية، وإمكان الذهاب إلى نوع من التعليق لمدة زمنية مقابل إلغاء العقوبات الاقتصادية الأميركية، أو الاستعداد كمبادرة أولى للتخلي عن تخصيب اليورانيوم بمستوى 60 في المئة، والاحتفاظ بالتخصيب على مستويات 20 في المئة التي جاءت في اتفاق عام 2015.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعل التحول الأبرز الذي يعارض كل التوقعات أو الرهانات الإيرانية بدور روسي فاعل داخل مجلس الأمن لمواجهة الجهود الأوروبية لإعادة تفعيل العقوبات، يبدو أن موسكو لم تخيّب ظنون كثير من الجهات الإيرانية المشككة في دورها السلبي، عندما كشف مندوبها لدى الأمم المتحدة عن التعديلات التي أدخلتها على مسودة مشروع قرار لتمديد العمل بالقرار 2231 لمجلس الأمن، أي تأجيل إنهاء مفاعيل هذا القرار لمدة ستة أشهر كما طالبت عواصم "الترويكا" الأوروبية، مما يعني تأجيل غروب أو إنهاء العقوبات وإسقاط حق الدول المشاركة فيه بإعادة تفعيل العقوبات "آلية الزناد".

هذا الموقف الروسي الذي يترك النظام أعزل من دعم الحليف الذي راهن عليه في اللحظات الحرجة، يعطي للكلام الصادر عن عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام ونائب وزير الخارجية السابق محمد الصدر مصداقية أكبر، ويعزز القراءة المشككة والسلبية التي تتبناها جهات إيرانية إصلاحية ومعتدلة، وداخل دوائر اتخاذ القرار في النظام، ويسوغ الاتهام الذي وجهه الصدر لموسكو بأنها تقوم بتزويد إسرائيل بشيفرات منظومة الدفاع الجوي لإيران ومواقعها، ويعزز أيضاً الاعتقاد لدى هذه الجهات بأن إيران كانت إحدى الأوراق أو المسائل التي وضعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على طاولة التفاوض مع نظيره الأميركي دونالد ترمب في قمة ألاسكا، وإن حاول بعضهم تغليف مواقفهم المشككة هذه بغطاء من الواقعية وبأن موسكو محكومة بنظام المصالح الخاص بها.

ونتيجة لهذه المواقف ودخول موسكو في عملية الضغط على طهران، وإن كان من باب النصح والمساعدة، لم يترك لطهران سوى خيار البحث عن "السلّم" أو الآلية التي تساعدها في النزول عن "شجرة" المواقف المتشددة والسقوف العالية، وأن تدفع باتجاه تنشيط دبلوماسية الرسائل مع الولايات المتحدة التي تصب في جهود التوصل إلى نقطة وسط تسمح لها بالعودة لطاولة التفاوض من دون خسائر كبيرة أو قاسية، مقابل أن تحصل على ضمانة واضحة من واشنطن بعدم شن أي هجوم عسكري ضدها خلال التفاوض المنتظر، وهو المطلب الذي وضعه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني كشرط مسبق لأي تفاوض، وعاد وزير الخارجية عباس عراقجي للتأكيد عليه.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء