Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتخلى بريطانيا عن "حقوق الإنسان" لوقف الهجرة؟

المطالبات بإنهاء التبعية للمحكمة الأوروبية وترحيل اللاجئين تصل إلى حزب العمال الحاكم

محكمة حقوق الإنسان الأوروبية تمنع بريطانيا من ترحيل المهاجرين إلى وجهات غير آمنة (غيتي) 

ملخص

تتزايد المطالبات في بريطانيا بترحيل المهاجرين كخيار مضمون لضبط الحدود، لكن رئيس الوزراء يرفض الخيارات التي تتعارض مع اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية حتى الآن، فهل يتراجع كير ستارمر عن موقفه بعدما انضمت أصوات من حزب العمال الحاكم إلى الداعين لإبعاد اللاجئين إلى وجهة ثالثة أو إعادتهم لأوطانهم أياً كانت حالتها؟

تئن الحكومة البريطانية تحت وطأة ضغوط داخلية بسبب فشلها في ضبط الحدود وتقليص أعداد المهاجرين حتى الآن، ومع استمرار تدفق اللاجئين عبر البحر وعجز لندن عن ترحيلهم إلى وجهات آمنة ومقبولة وفق اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، يجد رئيس الوزراء وفريقه أنفسهم في مواجهة مطالبات بالتخلي عن الاتفاقية والبدء بإرسال الأجانب إلى دولهم الأصلية أو وجهات ثالثة تنطوي على شروط أمنية واقتصادية جيدة.

رئيس الحكومة كير ستارمر يعتبر أن التخلي عن "حقوق الإنسان الأوروبية" يساوي بريطانيا مع روسيا والمجر في هذا المجال، وهذا التراجع هو ليس الأثر الوحيد الذي يخشاه الزعيم العمالي وإنما أيضاً تهديد الانسحاب من المعاهدة على الصفقات التجارية والسياسية والأمنية التي تجمع بلاده مع جيرانهم وبقية دول العالم، إضافة إلى تداعيات سلبية محتملة على اتفاقية "الجمعة العظيمة" التي تحفظ السلم بين شقي الجزيرة الإيرلندية.

يقول ستارمر إن المطالبين بهذا الإجراء بين الساسة البريطانيين "ليسوا جادين"، لكن الأمر لا يبدو كذلك بالنسبة لزعيم حزب "ريفورم" اليميني نايجل فاراج الذي تعهد بمغادرة الاتفاقية والمحكمة الأوروبية التي تمثلها إن وصل السلطة عبر الانتخابات العامة في 2029، وقال إنه سيستبدل الاتفاقية بقانون محلي يسمح له بترحيل 600 ألف مهاجر على امتداد السنوات الخمس في الولاية البرلمانية التي يقود فيها الدولة كرئيس للحكومة.

لا يضع فاراج خطوطاً حمراء في موضوع ترحيل المهاجرين، لا يمانع حتى إعادة القادمين من أفغانستان إلى بلادهم والتعاون مع حكومة كابول التي لا تعترف بها بريطانيا حتى اليوم، وعلى الفور جاء الرد من "طالبان" بأنها جاهزة للعمل مع النائب اليميني وتعتقد أن التفاوض معه سيكون أسهل من التواصل مع ستارمر، منوهة إلى أنها سوف تحتضن كل أفغاني معاد من المملكة المتحدة وستعامله بكرامة وتوفر له الحياة الكريمة.

"طالبان" رفضت تلقي أموال من "حكومة ريفورم" المرتقبة من أجل إعادة المهاجرين، وإنما يمكن أن تقدم بريطانيا مساعدات تعين كابول على دعم حياة الأفغان وفق تصريحات مسؤول كبير في الحركة لصحيفة "التلغراف"، ولا يبدو هذا صعباً بالنسبة لفاراج الذي قال إن حزبه سوف يخصص نحو 3 مليارات دولار لإقناع الحكومات الأجنبية بقبول المهاجرين، أما كامل كلفة خطة الترحيل التي يعد بها النائب فتقارب 14 مليار دولار.

قائمة الدول التي يخطط "ريفورم" لترحيل المهاجرين إليها تضم 10 دول نصفها من المنطقة العربية هي سوريا واليمن والعراق والصومال والسودان، وهو يخطط لتسيير رحلات عديدة يومياً إلى دول القائمة وربما غيرها لإبعاد 600 ألف مهاجر خلال 5 سنوات تبدأ مع وصول زعيمه إلى المنزل رقم 10 وسط لندن، وهو حلم لا تستبعد استطلاعات الرأي تحققه بعدما بات فاراج ينافس ستارمر في قائمة أكثر القادة كفاءة لإدارة السلطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعيداً من فاراج وحزبه أو ربما بفعل تأثيرهما في الشارع البريطاني، أبدى حزب المحافظين استعداده للتخلي عن اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، وقد صرح مسؤول في الحزب لصحيفة "التايمز" أن مثل هذه الخطوة قد تعلن قريباً في المؤتمر السنوي لـ"المحافظين" بين 5 إلى 8 أكتوبر (تشرين الأول) بمدينة مانشستر شمال البلاد عبر خطاب الزعيمة كيمي بادينوك التي لا تزال شعبيتها في مستويات متدنية داخل الحزب وفي الشارع.

المدير الإداري للحزب كيفن هولينراك لا يستبعد أن يبرم "المحافظون" صفقة مع "طالبان" من أجل ترحيل المهاجرين الأفغان إن عادوا إلى السلطة عام 2029، ويبدو أن الانفتاح على هذا الأمر تسرب إلى حزب "العمال" الحاكم أيضاً حيث يشجع وزير الداخلية السابق جاك سترو، على تعديل بنود اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية أو حتى إنهاء عضوية بريطانيا فيها واستبدالها بقوانين محلية تمكن الحكومة من معالجة أزمة الهجرة.

يقترح سترو وقف إلزام القضاء البريطاني بقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهذا سيتيح للمملكة المتحدة حرية ترحيل المهاجرين من دون الانسحاب من الاتفاقية ككل، منوهاً إلى أن أزمة الحدود اليوم أصعب بكثير مما عرفته البلاد في عهد رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير عام 2002، ودفعت بالحكومة حينها إلى فرض قيود على اللجوء، والقيام بعمليات ترحيل للذين دخلوا البلاد أو أقاموا فيها بطرق غير قانونية. 

وزير عمالي آخر شغل سابقاً كرسي الوزارة ذاتها هو لورد بلانكيت، دعا الحكومة إلى تعليق عضوية البلاد في الاتفاقية المشار إليها بشكل موقت إلى حين الانتهاء من أزمة اللاجئين، أو على الأقل وقف العمل ببنود محددة في المعاهدة تفسر بما يتعارض مع حاجة المملكة المتحدة إلى ضبط الحدود وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وبالتالي تجنب ضرر الانسحاب الكامل الذي أشار إليه كير ستارمر عبر متحدث رسمي باسم الحكومة.

المتحدث باسم الحكومة الحالية قال إن ستارمر يدرك الإحباط الشعبي من قضية الهجرة، والذي جعل الشارع البريطاني يتقبل طرح "ريفورم" بالانسحاب من اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، إذ تشير استطلاعات الرأي الحديثة إلى أن أزمة ضبط الحدود باتت تتصدر قائمة اهتمامات الناخبين اليوم، ويعتقد 71 في المئة منهم أن "العمال" لا يتعاملون بنجاح مع مسألة الهجرة سواء على مستوى السياسات الداخلية والخارجية.

داخلياً تظهر استطلاعات رأي أخرى أن معظم البريطانيين يؤيدون الاحتجاجات التي تشهدها البلاد ضد "فنادق اللاجئين" المنتشرة في مناطق عدة، ويعتقدون أن هذه الأزمة قابلة للتصعيد بخاصة وأن القضاء بدأ يؤيد مطالب وقف تسكين المهاجرين في مناطق يمكن أن يرتكبوا فيها جرائم واعتداءات على السكان، وهو ما وقع فعلاً واستلغه اليمين المتطرف لحشد الرأي العام ضد الأجانب المنتظرين لحسم طلبات لجوئهم من قبل السلطات.

خارجياً يبدو أن خطط "واحد مقابل واحد" لإعادة المهاجرين إلى فرنسا لا تمر بأحسن أحوالها وهي أصلاً لا تستوعب إلا عدداً ضئيلاً من القادمين عبر البحر وقد وصلت أعدادهم لأكثر من 43 ألفاً خلال عام انتهى في يونيو (حزيران) 2025 بنسبة زيادة 38 في المئة مقارنة بسابقة، إضافة إلى أن الإصلاحات التي وعدت بها باريس أخيراً لتعزيز صلاحيات الشرطة من أجل ملاحقة قوارب المهاجرين إلى مسافة 300 متر داخل الماء يمكن أن تتلاشى مع احتمال سقوط الحكومة الفرنسية وذهاب البلاد إلى انتخابات مبكرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير