ملخص
تنطوي الضمانات الأميركية على حماية غربية لأوكرانيا تشبه المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي التي تنص على الدفاع المشترك للدول الأعضاء في الحلف مع اعتبار الهجوم على أحد الأعضاء هجوماً على الجميع، وتشمل ضمان "الالتزام بعدم السعي إلى السيطرة على أي أراض أخرى عند إبرام اتفاق السلام".
خلال اجتماع استثنائي جمع الحلفاء الأوروبيين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، أمس الإثنين، أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترمب نظيره الأوكراني أن الولايات المتحدة ستساعد في ضمان أمن أوكرانيا في أي اتفاق لإنهاء الحرب الروسية، وذلك عقب اجتماعه، الجمعة الماضي، في ألاسكا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وللمرة الأولى بدا لقاء ترمب وزيلينسكي هادئاً لا تعكره تلك التصريحات المتهورة من الرئيس الأميركي أو الاستياء من نظيره الأوكراني، وبالفعل وصف الأخير اللقاء بأنه كان إيجابياً، مبدياً استعداده للقاء الرئيس الروسي والتفاوض معه في سبيل إنهاء الصراع. ومن بين نقاط عدة تتعلق بتسوية الصراع، تبرز الضمانات الأمنية باعتبارها الأمر الرئيس الذي تتطلع له كييف، وهي نقطة شابها كثير من الغموض في تصريحات كل من القادة الأوروبيين والرئيس الأميركي.
فوفق زيلينسكي فإنه سيتم العمل على تحديد الضمانات الأمنية لكييف على الأرجح في غضون 10 أيام، مضيفاً في المؤتمر الصحافي الذي أعقب الاجتماعات في البيت الأبيض، أنه من المحتمل أن يُكشف "عن الضمانات الأمنية من قبل شركائنا، وسيظهر المزيد والمزيد من التفاصيل. كل هذا سيتم تحديده رسمياً على الورق بطريقة أو بأخرى في غضون أسبوع إلى 10 أيام".
حماية تشبه المادة الخامسة لـ"الناتو"
اللافت في هذا الشأن، هو حديث رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان دير لايين بأنه "من الجيد جداً" العمل على ضمانات أمنية لإنهاء الحرب في أوكرانيا "طبقاً للمادة الخامسة لحلف الناتو".
والمادة الخامسة لمعاهدة حلف شمال الأطلسي تنص على الدفاع المشترك للدول الأعضاء في الحلف مع اعتبار الهجوم على أحد أعضائها هجوماً على الجميع، على رغم احتمال استبعاد عضوية أوكرانيا في "الناتو" كأحد شروط روسيا للتوصل إلى اتفاق لتسوية الصراع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية يشير إلى ضمانات أمنية كبيرة تضمن لأوكرانيا حمايتها من أي غزو روسي مستقبلاً، وفي الوقت ذاته تقنع زيلينسكي بقبول شروط موسكو المتعلقة بالتنازل أو الاعتراف بالسيطرة الروسية على مناطق مثل شبه جزيرة القرم أو الدونباس، والأخيرة محل صراع شديد بين الطرفين، مما يعني أن أي تسوية محتملة قد توازن بين الأمن الغربي وضغوط روسيا.
كما أنه عشية اجتماعات البيت الأبيض، قال ستيف ويتكوف المبعوث الخاص لترمب، في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" الأميركية، إن الضمانات الأمنية التي تقترحها واشنطن توفر لأوكرانيا "حماية تشبه المادة الخامسة" وهي "الجائزة الحقيقية"، أنها "تغير قواعد اللعبة".
ووفق حديث المبعوث الأميركي، فإن الاتفاق إضافة إلى أنه يمنح أوكرانيا حماية أمنية من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبية ضمن "صياغة شبيهة بالمادة الخامسة" من ميثاق "الناتو"، فإنه ينص على "الالتزام بعدم السعي إلى السيطرة على أي أراض أخرى عند إبرام اتفاق السلام".
أصول عسكرية داخل أوكرانيا
وقال الأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته، لترمب خلال لقاء البيت الأبيض، "أنا متحمس جداً. حقيقة أنك قلت إنني مستعد للمشاركة في ضمانات أمنية هي خطوة كبيرة. إنها حقاً خطوة غير مسبوقة." لكن لم يتضح مدى مشاركة الولايات المتحدة في مثل هذا الخطة.
ووفق السفير الأميركي السابق لدى بولندا دانيال فريد، في حديثه لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن أحد الخيارات التي من المحتمل أن تحظى بدعم الأوكرانيين هو إذا وافقت الدول الأوروبية على تقديم أصول عسكرية داخل أوكرانيا في حال وقوع هجوم مستقبلي، بينما يوافق ترمب على دعمهم بأصول دفاعية متمركزة في الدول المجاورة. وأضاف فريد، "لا أعتقد أن زيلينسكي سيتوقف عند مجرد تطمين شفوي من الرئيس. إذا قال زيلينسكي لترمب إن ما قلته مهم ورائع، وسيكون من الضروري معرفة الآليات."
ربما مثل هذه الضمانات كانت كفيلة لأن تدفع الرئيس الأوكراني للتصريح بأن مسألة تنازل بلاده عن أراض تطالب بها روسيا هي "مسألة سنتركها بيني وبين بوتين"، وهو ما يتناقض مع موقفه المتشدد سابقاً حيال هذا الأمر، إذ أعرب مراراً عبر تصريحات شديدة اللهجة رفض التفاوض على أي أراض أوكرانية.
وتسيطر روسيا على نحو 20 في المئة من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها بالكامل عام 2014 ومنطقة الدونباس التي تسيطر على نحو 88 في المئة منها، حيث تسيطر على كامل لوغانسك و75 في المئة من دونيتسك، وتسعى روسيا عبر أي اتفاق لإنهاء الحرب إلى تخلى أوكرانيا الكامل عن الدونباس والاعتراف بالسيطرة الروسية على تلك الأراضي.
تمويل أوروبي للتسليح
وشكل حديث ترمب عن ضمانات أمنية تحولاً عن موقفه السابق الذي كان يرى أن حماية أوكرانيا يجب أن تترك فقط للأوروبيين، لكن في الوقت نفسه سيعتمد الرئيس الأميركي في ضماناته على التمويل الأوروبي، كما أكد أن "أوروبا ستكون خط الدفاع الأول لأوكرانيا ولكننا سنشارك فيه أيضاً".
ووفق وثيقة اطلعت عليها صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن أوكرانيا ستتعهد شراء أسلحة أميركية بقيمة 100 مليار دولار، بتمويل أوروبي، في إطار اتفاق للحصول على ضمانات من الولايات المتحدة لأمنها بعد التوصل إلى تسوية سلمية مع روسيا. وأضافت الصحيفة أنه بموجب هذه المقترحات، ستبرم كييف وواشنطن أيضاً صفقة بقيمة 50 مليار دولار لإنتاج طائرات مسيرة مع شركات أوكرانية.
ترمب المتقلب
ومع ذلك يخشى المراقبون في واشنطن من مواقف ترمب المتقبلة، إذ يقول البعض إن مسألة ما إذا كان بالإمكان الوثوق بترمب للوفاء بوعوده تظل مرتبطة بتاريخه من المواقف ومشاعره المتبدلة تجاه أوكرانيا وأزمات دبلوماسية أخرى، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمفاوضات عالية الأخطار. ويعدون الأمر رهاناً كبيراً من زيلينسكي، خصوصاً وبلاده تدخل عامها الثالث ونصف في حرب أشعلتها روسيا.
وقبل أيام قليلة فحسب، هدد ترمب بفرض "عواقب وخيمة" إذا لم يوافق بوتين على وقف إطلاق نار سريع، وهو الشرط الذي تطالب به أوكرانيا قبل الدخول في أي مفاوضات في شأن سلام دائم.لكنه سرعان ما غير مساره بعد اجتماعه، الجمعة الماضي، في ألاسكا مع بوتين، حيث تبنى عندها تفضيل بوتين بالسعي نحو اتفاق سلام أشمل، من دون الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار. ثم وجه ترمب حملته الضاغطة نحو زيلينسكي، قائلاً إن الزعيم الأوكراني يمكنه إنهاء الحرب مع روسيا "تقريباً فوراً إذا أراد، أو يمكنه مواصلة القتال."
وتقول "نيويورك تايمز"، إنه بعيداً من الحرب في أوكرانيا، أعطى ترمب قادة العالم سبباً للشك في تطميناته، فقد هدد بإيقاع جحيم على "حماس" إذا لم يتم الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة. ومع ذلك فقد نأى أخيراً عن الكارثة الإنسانية في غزة. كما أطلق تهديدات متكررة في شأن الرسوم الجمركية طوال فترة ولايته، لكنه تراجع في اللحظات الأخيرة في مناسبات عدة.
وتشير إلى أن ترمب غير نهجه تجاه بوتين مرات عدة، أحياناً قائلاً إنه يمكنه العمل مع الزعيم الروسي لتحقيق السلام، وأحياناً أخرى مهدداً إياه بعقوبات اقتصادية واسعة النطاق. وفي لحظة صراحة الإثنين، اعترف ترمب بأن الحرب في أوكرانيا، التي كان قد وعد سابقاً بإنهائها خلال 24 ساعة، كانت أكثر تحدياً مما توقع.