Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل باتت الدراجة النارية وسيلة النقل الأولى في لبنان؟

في السنوات الأخيرة ارتفعت أعدادها بشكل كبير وباتت أساسية في تنقل المواطنين فيما تزايدت المخالفات والحوادث الناتجة منها

بات كثر من المواطنين يعتمدون على الدراجة النارية كوسيلة أساسية للتنقل (أ ب)

ملخص

شهدت الدراجات النارية انتشاراً واسعاً في لبنان خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بالأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات، حتى بات عددها يقدر بنحو 700 ألف نصفها تقريباً غير مسجل. وعلى رغم أنها وفرت وسيلة عملية وأقل كلفة للتنقل وسط أزمات السير الخانقة، إلا أن استخدامها ترافق مع تفاقم المخالفات وارتفاع حوادث السير والضحايا بشكل لافت.

منذ عشرات السنوات تحظى الدراجة النارية في لبنان بشعبية واسعة، خصوصاً في مجتمعات معينة ومناطق تلقى رواجاً فيها أكثر بعد، لكن أسهمت الأزمة في انتشارها أكثر بعد في مختلف الأراضي اللبنانية، خصوصاً مع اشتداد أزمة المحروقات. ولأسباب متعددة بات هناك اهتمام واضح بالدراجات النارية في مختلف الفئات العمرية، وإن كان اقتناؤها لا يخلو من التعقيدات والتحديات أحياناً. وأصبحت طرقات لبنان تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الدراجات النارية التي ترافق وجودها مع زيادة في المخالفات، وأيضاً في حوادث السير، خصوصاً أن معظم أصحاب الدراجات النارية لا يعدون أنفسهم معنيين بقانون السير ويطبقون قواعد خاصة بهم على الطرقات، مما يعرضهم ويعرض غيرهم من المواطنين للخطر.

 

دراجات بالآلاف

ما من أرقام دقيقة تدل على أعداد الدراجات النارية في البلاد بغياب الإحصاءات الدقيقة لعدد الدراجات النارية في لبنان، بما أن معظم الدراجات النارية غير مسجلة، لكن بحسب "الدولية للمعلومات"، وبالاستناد إلى حركة الاستيراد، بلغ عدد الدراجات النارية قرابة 700 ألف دراجة، منها 300 ألف هي غير مسجلة. هذه الأعداد الكبيرة للدراجات النارية تزايدت بصورة خاصة بعد الأزمة، سواء بسبب تراجع الوضع المعيشي أو نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، إضافة إلى عوامل أخرى تلعب دوراً في رواجها أكثر بعد، مثل أزمة السير الخانقة التي تشهدها البلاد في معظم أيام السنة، وخصوصاً في موسم الصيف. فتبدو الدراجة النارية وسيلة عملية للتنقل بأقل كلفة ممكنة وبسهولة في ظروف مماثلة. وكما يبدو واضحاً أن الأعداد الكبرى للدراجات النارية كانت تتركز في مناطق معينة، لاعتبارها تشكل وسيلة التنقل الأساسية فيها. إنما في السنوات الأخيرة، زاد عددها في مختلف المناطق اللبنانية. وفي مقابل من يعتمدونها كوسيلة للتنقل بصورة فردية ويبقون على اعتماد السيارة في النزهات العائلية، هناك من أصبحت الدراجة النارية وسيلة التنقل الوحيدة لهم حتى مع العائلة وفي مختلف الأوقات كونها أقل استهلاكاً للوقود، ولها كلف صيانة أقل بالمقارنة مع السيارة، إضافة إلى كونها عملية في زحمة السير، فإذ بعائلات تعتمد مع أطفالها على الدراجة النارية للخروج في نزهات وللتنقل، وذلك من دون أي إجراءات حماية لتجنب الخطر.

عندما قرر جان أن يشتري دراجة نارية لم يكن السبب وراء ذلك أنه لا يملك سيارة للتنقل، بل وجد فيها وسيلة عملية للتنقل في ظل أزمة المحروقات الكارثية في ذاك الوقت. فمع اشتداد الأزمة الاقتصادية، ومعها أزمة المحروقات، كان لا بد له من إيجاد حل بديل يساعده على التنقل من دون مواجهة كل التحديات المرتبطة بالأزمة، ومنها الانتظار ساعات أمام المحطات، وعدم القدرة على تأمين الوقود، مع ظروف الإذلال التي كان يعيشها كل مواطن في تلك الفترة. وكانت الدراجة النارية الحل بالنسبة إليه للتنقل بحرية، لكن شيئاً فشيئاً، وجد فيها وسيلة عملية للتنقل، خصوصاً في الطرقات الداخلية، بدلاً من التنقل بسيارته الكبيرة، كما يسهل له ركنها في أي مكان، ويسهل التنقل بها بحجمها الصغير في زحمة السير في مختلف ساعات النهار، بالتالي أصبحت دراجته النارية وسيلة مفضلة له، يعتمدها عندما يخرج وحده من دون عائلته، ولا يعتمد السيارة إلا في العطلات للخروج مع العائلة وفي الأوقات التي لا يكون استخدام الدراجة النارية ممكناً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محمد أيضاً من المواطنين الذين وجدوا في الدراجة النارية وسيلة عملية للتنقل بكلفة أقل عندما لا ترافقه العائلة. فلا يستخدم سيارته إلا في يوم الأحد عند الخروج مع أفراد العائلة. هو يعتمد عليها للتنقل بصورة أساسية وللذهاب إلى عمله في وسط بيروت، للحد من الكلف التي يتحملها في ظل الظروف المعيشية الصعبة، وبما أنه يتقاضى أجراً لا يتخطى 800 دولار أميركي. وقد اعتاد على التنقل بهذه الطريقة في مختلف فترات السنة ما دام الطقس يسمح له باعتماد الدراجة النارية. وهذه هي حال زملائه العاملين في الشركة الذين يتقاضون هذا الأجر المحدود. فوجدوا في الدراجة النارية وسيلة مثلى للتنقل بأقل كلفة ممكنة.

مخالفات وحوادث بالجملة

لكن في مقابل هذا الارتفاع الكبير في أعداد الدراجات النارية في لبنان تسجل النسبة الكبرى من المخالفات بينها. فيبدو وكأن سائقي الدراجات النارية معفون من تطبيق قانون السير، ويقودون دراجاتهم على طريقتهم الخاصة بطريقة عشوائية وفوضوية تعرض الجميع للخطر سواء عبر القيادة بعكس السير أو عبر التخلف عن اعتماد خوذة الحماية أو عبر اصطحاب أطفال على الدراجات النارية من دون أي وسيلة حماية، أو عبر القيادة بسرعة زائدة. وفي مقابل هذه المخالفات يبدو كأنه ما من رادع أو حسيب لوضع حد لها وتجنب حوادث كثيرة تحصل على الطرقات بسببها. وخير دليل على حجم هذا النوع من المخالفات، الأعداد المتزايدة لحوادث السير بالدرجات النارية في الأسابيع الأخيرة وارتفاع أعداد القتلى بسببها. هذا على رغم أن القانون قد حدد مخالفات الدراجات النارية وخصها بجدول حددت فيه قيمة الغرامات المفروضة على هذه المخالفات. فقد تضمن الجدول تفاصيل دقيقة لردع المخالفات وضمان الالتزام بقواعد السير للحد من الحوادث وحماية مستخدمي الطرقات. إنما على الأرض بقي القانون يطبق بخجل بصورة عامة، ولا يشهد المواطن إلا تشدداً في إقامة حملات أمنية على الدراجات النارية بين الحين والآخر في محاولة لضبط الوضع. وآخر هذه الحملات تلك التي أقامتها القوى الأمنية من أشهر قليلة لملاحقة الدراجات النارية، سواء كانت مركونة فوق الأرصفة أو على جانب الطرق، أو كانت في حال سير، كما شملت الدراجات النارية التي لا يملك سائقوها الأوراق القانونية المطلوبة وتلك غير المسجلة.

في السياق أوضح مؤسس جمعية "يازا" زياد عقل أنه من الأشهر السبعة الأولى من عام 2025 سجل ارتفاع تخطى 30 في المئة في عدد الضحايا على طرقات لبنان بصورة عامة، بالمقارنة مع العام الماضي، كما ارتفعت نسبة حوادث السير على الدراجات النارية بصورة كبيرة. وعلى رغم عدم توافر الإحصاءات الدقيقة في البلاد، فإنه بالمقارنة بين أرقام العام الماضي وأرقام العام الحالي، يمكن تسجيل ارتفاع بلغت نسبته 30 في المئة. وفيما تعد الدراجات النارية وسيلة أساسية للنقل في مختلف دول العالم، تحولت في لبنان إلى وسيلة لمخالفة القانون بصور عدة، سواء من خلال القيادة بعكس السير، أو من دون خوذة، أو من دون أوراق، أو من دون تأمين، هذا ما يؤكد أنه قطاع يحتاج إلى التنظيم بمختلف الصور، سواء لجهة الاستيراد، أو لجهة تنظيم أوراق الدراجات النارية ورخص السير، وغيرها "نحن نشدد على أهمية احترام القانون والتقيد بشروط السلامة العامة، واحترام سائقي المركبات الآلية عامة، من سيارات وشاحنات، والدراجات النارية، بما أن عدم احترامها من الأسباب الأساسية لحوادث السير. لذلك، تصبح الدراجة النارية وسائقها ضحايا لتهور بعض السائقين. إنما في معظم الحالات، ما يبدو مؤسفاً، أن سائق الدراجة النارية، لا يعد نفسه معنياً بقانون السير، كما يبدو واضحاً، وهذا ما يسبب الكوارث التي نشهدها على الطرقات في لبنان، وهي مشكلة شائعة أساسية".

الدولة تبدو غائبة

مما لا شك فيه أن نسبة الدراجات النارية قد ارتفعت بصورة كبيرة في قطاع النقل في لبنان، وهناك أرقام تدل على أن نسبتها قد تشكل ما لا يقل عن 50 في المئة من سوق النقل في البلاد. واعتبر عقل أن الواقع قد يدل على أن النسبة قد تكون أعلى بعد، في ظل مخالفات كارثية للقانون من قبل سائقي الدراجات النارية، مما يفسر نسبة الحوادث المتزايدة بالدراجات النارية في الأشهر الأخيرة.

أما الدولة فتبدو غائبة ومقصرة على الأرض، ويبدو واضحاً أن قوى الأمن الداخلي في الطرقات الأساسية، وشرطة البلدية في الطرقات المحلية، لا تتبع قواعد صارمة في تطبيق قانون السير. وما دامت المحاسبة غائبة، وما من جدية وثبات في تطبيق القانون، يبقى الاستهتار سائداً. أما حملات التوعية الواسعة التي تقام، فتبقى عاجزة وغير مجدية لإحداث تغيير فعلي في هذا المجال.

انطلاقاً من ذلك شدد عقل على أنه حتى اللحظة تعد قوى الأمن الداخلي شبه غائبة في المحاسبة بوجه مخالفات السير الخطرة التي تسجل على الدراجات النارية، مثل المرور بعكس السير، أو السير بسرعة زائدة. فتطبيق قانون السير يحصل بصورة خجولة ومحدودة، وهو غير كافٍ وقليل الفاعلية لوضع حد لهذه المخالفات. كما أن المطلوب أن يكون للبلديات دور جدي في هذا المجال، أما لجنة الأشغال العامة والنقل في مجلس النواب، فأشار إلى أنه كان لها دور رقابي فاعل وجدي لضمان سلامة السير، لكن منذ مغادرة محمد قباني من رئاستها عام 2018 فقدت جديتها في مجال السلامة المرورية، وأصبح مجلس النواب غائباً عن العمل الرقابي الجدي.

وأكثر بعد، لا تبدو مخالفة القانون المشكلة الوحيدة والسبب الوحيد وراء حوادث السير التي تسجل بين المركبات الآلية عامة، وتحديداً بين الدراجات النارية، بل إن وقف المعاينات الميكانيكية أسهم في تراجع صيانة المركبات الآلية بصورة كبيرة جداً، والدرجات النارية بصورة خاصة.

حالياً، مع تزايد أعداد الدراجات النارية في لبنان، بات تنظيم هذا القطاع ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى. فبوجود عشرات آلاف الدراجات النارية، تبرز الحاجة إلى التنظيم وفرض تطبيق القانون بجدية، ومن دون تهاون حفاظاً على سلامة المواطنين. فقد تحولت الدراجة النارية وسيلة تنقل أساسية لكثر بعدما وجد فيها المواطن ما يخفف عنه من الأعباء المعيشية ومن الضغوط المرتبطة بزحمة السير الخانقة التي تشهدها الطرقات في لبنان في مختلف الأوقات، وحلاً عملياً للتنقل بأقل كلفة ممكنة، كما في دول كثيرة في العالم.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات