Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما المقلق في موجة الحر الأخيرة في أوروبا؟

فيما تنوء المملكة المتحدة تحت لهيب رابع موجة حر هذا العام وتلتهم الحرائق جنوب أوروبا، تشرح عالمة مناخ كيف يؤثر تغير أنماط الطقس في كل شيء، من صحتنا إلى اقتصاد بلادنا، وما الذي يجعل الأنماط التي اتبعتها آخر موجات الحر أكثر إثارة للقلق

 رجل يستخدم خرطوم ماء لرش مبنى مع اقتراب حرائق الغابات في فونديني، اليونان، يوم الأربعاء (أ ب)

ملخص

موجات الحر في أوروبا 2025 تتحول إلى كوارث مركبة تمتد من الجفاف والحرائق إلى انهيار المحاصيل، انهيار الأنظمة الصحية، وتفاقم الوفيات، مع وصول الحرارة إلى أرقام قياسية وتزايد الأخطار على الفئات كافة. التغير المناخي يعيد رسم أنماط الحياة والعمل والسياحة، ويكشف الحاجة الملحة إلى استراتيجيات تبريد حضري، ودعم المجتمعات المتضررة، وتكيف جماعي مع واقع أكثر قسوة.

أوروبا تحترق، فهذا الأسبوع ضربت جنوب أوروبا موجات حر أشعلت حرائق من البرتغال حتى البلقان، وكسرت إسبانيا الرقم القياسي لأعلى درجات الحرارة المسجلة فيها على الإطلاق في الـ 28 من يونيو (حزيران) الماضي، فيما صارعت البلاد الأربعاء الماضي عاشر يوم من القيظ، ومع استمرار موجة الحر حتى يوم الإثنين تشير التقديرات إلى أنها ستكون من أطول موجات الحر التي تسجل في تاريخ البلاد.

شهدنا اشتعال أكبر حرائق الغابات في فرنسا منذ عام 1949، حيث احترقت منطقة توازي مساحتها باريس خلال فترة قصيرة جداً، وقد استعرت الحرائق في ضواحي نابولي فيما خرجت عن السيطرة في الوقت الحالي في اليونان التي طلبت طائرات مكافحة الحرائق التابعة للاتحاد الأوروبي لمساعدة زهاء 5 آلاف رجل إطفاء يعملون على إخماد 20 حريقاً.

أصبح مزيج الجفاف وموجات الحر وحرائق الغابات أموراً شائعة في عام 2025، إذ نعيش حالياً في حقبة "الأخطار المركبة" حيث تتأثر ظاهرتان جويتان أو أكثر ببعضها بعضاً، ومن الأمثلة على ذلك انزلاق التربة الناتج من الحرائق الذي يتبعه هطول أمطار غزيرة أو فيضانات، وهذه ظواهر بيئية شديدة عدة تحدث إما بالتزامن مع بعضها بعضاً أو واحدة تلو الأخرى.

أنكبُ منذ ستة أعوام على درس موجات الحر وقد أسهمت في تطوير أنظمة إنذار باكر للحر، وفي معظم الأحيان يمكننا أن نعلم قبل ثلاثة أشهر إن كان فصل صيف معين معرض بصورة خاصة لحدوث موجات الحر، كما كان الحال هذا العام.

رأينا ذلك في جداول الحرارة التي تزيد على معدلاتها الطبيعية وأنماط الضغط عند مستوى سطح البحر، مما سمح لنا بأن نتوقع ارتفاع الحرارة في الصيف بثقة في وقت باكر جداً، أما التنبؤ بالجفاف والأمطار فهو أمر أصعب، لكننا نستعين في هاتين الحالتين بترابط أنماط الطقس المتباعدة، أي الروابط مع أنماط الطقس الموجودة في مناطق أخرى من العالم مثل ظاهرة "إل نينيو" [ظاهرة مناخية دورية ترتفع فيها حرارة سطح مياه المحيط الهادئ الاستوائي فتربك أنماط الرياح والأمطار عالمياً لتزيد الفيضانات في أميركا الجنوبية وتفاقم الجفاف في جنوب وجنوب شرق آسيا وأستراليا، وتميل لرفع متوسط حرارة العالم] كي ندرس الأثر الذي يمكن أن تخلفه على طقس أوروبا.

 

تُعرف موجة الحر بشكل عام على أنها ثلاثة أيام أو أكثر ترتفع فيها درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية خلال فصل الدفء في منطقة معينة، ويختلف ذلك بعض الشيء بحسب البلدان، فتتشكل موجات الحر في أوروبا مع انحباس ضغوط عالية في الغلاف الجوي (كتل هوائية مستقرة تأثيرها أشبه بالفرن) ونعرف أنه مع أزمة المناخ تزداد وتيرة موجات الحر وحدتها ومدتها، كما المساحة التي تتعرض إليها، وقد شهدنا في صيف عام 2022 حلول خمس موجات حر بلغت خلالها حرارة الجو في المملكة المتحدة مستوى قياسياً عند 40.3 درجة.

موجة الحر التي تضرب وسط أوروبا وأجزاء من المملكة المتحدة حالياً مثيرة للاهتمام لأنها نتاج تفاعل العاصفة المدارية السابقة "ديكستر" مع مرتفع جوي فوق أوروبا، مما دفعها للتحرك نحو أجزاء من المملكة المتحدة، وقد أدى ذلك إلى هطول أمطار في ذروة هذه الموجة الحارة، وهو أمر شهدناه أيضاً خلال موجة الحر في أغسطس (آب) 2003، وهذا توجه ينبغي أن نكون على وعي به مستقبلاً، إذ تشير المؤشرات إلى أن العواصف الصيفية، إضافة إلى موجات الحر، قد تتحول إلى مشكلة، ولا يزال البحث العلمي في هذا المجال محدوداً ونحتاج إلى مزيد من الدراسات لفهم هذه التفاعلات.

حتى فترة قصيرة كانت الحماسة تسود في بريطانيا بأسرها لسماع نبأ قدوم موجة حر، فيُخرج المواطنون برك السباحة القابلة للنفخ من المخازن ويبدؤون التحضير لحفلات الشواء ورحلات الشاطئ، لكن مع تحولها إلى أمر أكثر شيوعاً تصبح موجات الحر مشكلة أكبر، فيعاني الناس كي يخلدوا إلى النوم وتُبطئ الحرارة الشديدة حركة العمال وتقلص ساعات العمل وتخفض الإنتاج، ولا سيما في الأعمال الخارجية مثل البناء والنقل والسياحة، كما يمكنها أن تنهك أنظمة النقل وتضع عبئاً كبيراً على شبكات الكهرباء وتزيد تدهور جودة الهواء، كما بتنا ندرك أن موجات الحر قاتل صامت، فكلما مرت تترك في أعقابها وفيات، ويقدر عدد الأشخاص الذين ربما لقوا مصرعهم إبان موجة الحر التي ضربت أوروبا في يوليو (تموز) الماضي بـ 2000 شخص، كما أنها تؤدي إلى زيادة في حالات دخول المستشفيات وطلبات الإسعاف، ففي لندن تلقت خدمة سيارات الإسعاف أكثر من 7 آلاف اتصال خلال موجة حر يوليو الماضي، مما زاد الضغوط على نظام صحي يعاني في الأساس.

 

تمثل موجات الحر أخطاراً كبيرة للأعمار كافة، من المسنين إلى صغار السن، وقد ترأستُ دراسة حول تداعيات الحرارة على صحة الأمهات وحديثي الولادة والأطفال، وفيها دلائل على زيادة خطر الولادة الباكرة مع التعرض للحرارة، كما ترتفع معدلات الوفيات العرضية والغرق خلال موجات الحر لأن الشباب يهرعون إلى الأنهار والشواطئ.

من المهم جداً أن يحافظ الجميع على برودة أجسامهم وليس فقط الفئات المعرضة للخطر، فموجات الحر تخلف آثاراً لافتة على البيئة كذلك، سواء في البحر أو على البر، وشهدنا تدفق أجناس غير معهودة في المياه البريطانية مثل أسماك السردين الأوروبي والأنشوجة وسردين البلشار وحتى بعض أجناس الأخطبوط، فيما أخذت أنواع الأسماك التقليدية مثل سمك الرنجة الأطلسي والصابوغة الأوروبي في الهجرة شمالاً.

تتأثر النظم البيئية للمياه العذبة وكذلك قدرة الأنهار على تبريد المدن خلال موجات الحر، فعندما تنخفض مناسيب الأنهار بفعل الجفاف تتراجع قدرتها على التبريد، كما أظهرت دراسة عن نهر "دون" في مدينة شيفيلد، أما موجات الحر هذا العام فقد بدأت بالفعل التأثير في إنتاج المحاصيل، ويعد البروكلي أحد المحاصيل التي تتأثر بخاصة بارتفاع الحرارة، إذ تفضل أثناء فترة نموها حرارة أقصاها 23 درجة، مما يعني أن رؤوس البروكلي ستكون أصغر من المعتاد أو أننا سنعاني نقصاً في هذه المحاصيل وبعض المحاصيل الأخرى التي تتأثر بالحرارة مثل القمح والشعير والبطاطا، وفي أكثر الأحيان ترتفع أسعار السلع عقب موجات الحر، كما حدث لأسعار الخبز في المملكة المتحدة بعد مرور عدد من موجات الحر الأوروبية، بسبب تأثيرها في محاصيل الحبوب.

ومن المتغيرات التي بدأت تظهر أيضاً أنماط التوقيت والمناطق التي يختار الناس أن يقضوا عطلتهم فيها، ومن الأرجح أن يستمر التغيير في عادات قضاء العطل، ففيما قد يختار بعضهم مناخ المملكة المتحدة الأكثر اعتدالاً، فمن المهم دعم المجتمعات التي تعتمد معيشتها على السياحة، وهي في الغالب نفسها التي تتأثر بحرائق الغابات، وقد يقرر السياح الآن قضاء عطلة الربيع أو الخريف في اليونان عوضاً عن زيارة البلد صيفاً.

طريقة عملنا ستتغير أيضاً لتأخذ في الحسبان عدد الاستراحات التي يحتاجها الفرد، كما ينبغي التفكير في بيئات عمل آمنة، وسيطاول التأثير التخطيط الحضري أيضاً، إذ تُزرع مزيد من الأشجار في مدن عدة كمصدر للظل، فيما يبرز إلحاح الاستثمار في إستراتيجيات تبريد المناطق الحضرية، وفي فرنسا يثار جدل حول الاستخدام المفرط لمكيفات الهواء والذي يصفه بعضهم بأنه "شذوذ بيئي"، في حين تَظهر مقاربات مبتكرة مثل استخدام نهر السين لتبريد باريس أو مراوح الرذاذ بمدينة نوفي ساد في صربيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذ نتطلع إلى المستقبل فسيتعين علينا العمل معاً عبر مختلف القطاعات والسياسة، وهو ما قد يعد أمراً صعباً عندما يكون الأشخاص معتادين على العمل منعزلين عن بعضهم، فلم نتحرك لتقليص كميات الانبعاثات التي تغذي تغير المناخ ولذلك علينا أن نركز الآن على تكييف حياتنا مع تغير الظروف، فيما نعمل في الوقت نفسه على الحد من الانبعاثات.

علينا أن نقيّم استخدام التكييف لأكثر الناس عرضة للخطر في أماكن مثل المدارس والمستشفيات، وعلى المستوى الفردي علينا أن نتحدث عن تغير المناخ مع العائلة والأصدقاء، ونناقش أخطاره ونحافظ على سلامتنا خلال موجات الحر فيما نحافظ على المياه خلال موجات الجفاف، وإحدى الحيل المذهلة التي رأيتها هي استخدام اللبن لطلي النوافذ حفاظاً على برودة المنزل خلال الصيف، كما أن عدداً كبيراً من أصدقائي وأفراد أسرتي يعرفون أن عليهم تبريد أيديهم وأعناقهم أولاً عند شعورهم بالحر الشديد.

صحيح أن أكثر الناس ثراء في المجتمع هم الذين يصدرون الكمية الأكبر من الانبعاثات، لكننا نرى أننا لسنا محصنين ضد بعض الآثار، وآمل أن يجعل هذا الوضع الانتقال إلى "صفر انبعاثات" أمراً أكثر إلحاحاً، ويشجعنا على العمل معاً كي نفهم أهمية تصرفاتنا وكيف يمكن منع ارتفاع حدة هذه الظواهر في المستقبل.

 

 الدكتورة كلوي بريميكومب، عالمة مناخ وعضو الجمعية الملكية للأرصاد الجوية 

© The Independent

المزيد من آراء