Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكوميكس... 100 عام من القصص المصورة في مصر

فن جماهيري يستهدف كل الأعمار ووسيلة فعالة لطرح قضايا المجتمع وشهد تطورات متعددة في الشكل والمضمون وهؤلاء رواده

من أعمال علي رضا الذي يصنف أقدم رسام كوميكس في مصر (مقتنيات متحف الفيوم للكاريكاتير)

ملخص

يعدّ الكوميكس وسيلة فعالة للتعبير عن قضايا متعددة تهم المجتمع، بخاصة مع عزوف قطاع كبير من الناس عن القراءة خلال الأعوام الأخيرة، وفي مصر أخيراً يمكن القول إن هناك تطوراً كبيراً في مجال الكوميكس على مستوى وجود رسامين وكتاب على مستوى عالٍ قادرين على تقديم أعمال متميزة

خرج الكوميكس من عباءة الكاريكاتير حتى أصبح فناً قائماً بذاته، ووفقاً لتقديرات فإن سوق الكتب المصورة عالمياً خلال عام 2023 وصلت إلى نحو 6.7 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 9.4 مليار دولار بحلول عام 2031. ويطلق على الكوميكس مصطلح الفن التاسع منذ ستينيات القرن الماضي، إذ اعتبر أن القصص المصورة تمزج بين الفنون الثمانية التي سبقته، وهي العمارة والنحت والرسم والموسيقي، والأدب والرقص والسينما والتلفزيون، وأخيراً الكوميكس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على مدار عقود كان لفن القصص المصورة وجود كبير في مصر، بعدما ظهر بصورته البسيطة مع بدايات القرن الـ20، لكن القصص المصورة بصورتها الحالية يعتقد المؤرخون الفنيون أن أول ظهور لها كان خلال عام 1925، أي إن الكوميكس يحتفل بمئويته هذا العام في مصر. وعلى رغم بساطة الإمكانات وقتها فإن الرسامين برعوا في تقديم أعمال شديدة التميز كانت تنفذ بكاملها بصورة يدوية، سواء الرسوم أو الكتابة المصاحبة لها، وكانت تعتمد بصورة كاملة على مهارات الفنان وحرفيته.

فن القصص المصورة

كيف كانت بداية فن القصص المصورة في مصر؟ ومن أشهر رواده؟ وما أبرز المراحل والمحطات التي مر بها حتى وصل إلى صورته الحالية التي نعرفها؟

يقول مؤسس مشروع ذاكرة الكاريكاتير في مصر عبدالله الصاوي "لعب رسامو الكاريكاتير دوراً كبيراً في بدايات هذا الفن، من أبرزهم علي رفقي، وهو ضابط تركي جاء إلى مصر عام 1923 في أعقاب صعود كمال أتاتورك إلى الحكم، إذ كان ضده بصورة كاملة ولهذا خرج من تركيا، وخلال هذا الوقت كانت مجلة ’اللطائف المصورة‘ تصدر ملحقاً للأطفال رسم فيه قصصاً مصورة، ومع نجاح الملحق أصدروا أول مجلة للأطفال في مصر تحت اسم ’مجلة الأولاد‘ كان رفقي رسامها الأساس، وكان محمد يونس القاضي مؤلف نشيد بلادي بلادي الذي أصبح النشيد الوطني لاحقاً يكتب لها النصوص بصورة سجع مبسط، ورسم فيها أيضاً الفنان حسين فوزي. ولاحقاً انتقل رفقي إلى دار الهلال ورسم قصصاً بعنوان ’جحا وأبو نواس‘".

 

يُشار إلى أن علي رفقي هو صاحب أول فيلم كارتون مصري بعنوان "مشمش أفندي"، ويعد رفقي من الفنانين المجهولة تفاصيل كثيرة عن حياتهم، فلا يوجد له حوارات صحافية أو وثائق يستدل من خلالها على تاريخه، ورحل تقريباً خلال منتصف الأربعينيات، يؤكد الصاوي.

ويضيف "مع حقبة الخمسينيات كان فن الكوميكس تطور بدرجة كبيرة، وبدأ كثير من الرسامين يهتمون به، وأصبحت القصص المصورة فناً متعارفاً عليه، وبخاصة مع ظهور أكثر من مجلة للأطفال اعتمدت عليه بصورة رئيسة، ومنها ’سمير وسندباد‘، ومن أهم فناني الكوميكس غير المشهورين أيضاً فنان أرميني كان يوقع أعماله باسم هارون، وإليه يعود فضل تمصير شخصية ’تان تان‘ التي حققت نجاحاً كبيراً، ولاحقاً ظهر كثير من الفنانين الذين طوروا الكوميكس وقدموا أعمالاً متنوعة ومن بينهم بيكار وحجازي وصاروخان وإيهاب شاكر ورخا ومصطفى رحمة، وغيرهم ممن عملوا على تطوير فن الكوميكس حتى وصل إلى صورته الحالية المتعارف عليها".

إعادة تاريخ فن الكوميكس

لا يمكن الجزم بصورة قاطعة في شأن أول تاريخ لظهور الكوميكس المصري، فكل اكتشاف فني جديد يكون له عامل في إعادة التأريخ للفنون المختلفة ومراحل تطورها، وأحياناً المصادفة تلعب دوراً في الكشف عن مقتنيات فنية كان يمكن أن تدمر وتختفي على رغم قيمتها الفنية، وهو ما حدث مع الفنان التشكيلي محمد عبلة الذي عثر مصادفة على مجموعات من أعمال ومقتنيات لفنان راحل بعدما عرضها عليه أحد تجار الكتب القديمة، الذي اعتقد أن هذه الأشياء المتمثلة في مجلات قديمة ورسوم كاريكاتير وأوراق قديمة قد يكون لها قيمة فنية معينة، وبخاصة مع ما هو معروف عن اهتمام عبلة بفن الكاريكاتير الذي أنشأ له متحفاً هو الأول من نوعه داخل مصر في محافظة الفيوم (جنوب القاهرة).

الحقيبتان الممتلئتان بهذه الأغراض كشفتا عن فنان اعتبر رائداً لفن الكوميكس في مصر، وهو علي رضا المولود عام 1908، الذي بدأ الرسم في سن مبكرة وكان من أبطال ألعاب القوى ومن مؤسسي نادي المعادي بالقاهرة، ويرجح أنه من أوائل من قدموا الكوميكس بصورته المعاصرة، إذ وجدت أعمال منسوبة إليه تعود إلى عام 1925 وتعد الأقدم في هذا المجال.

 

يقول مدير متحف الفيوم للكاريكاتير إبراهيم عبلة "على رغم الأهمية الكبيرة لعلي رضا على المستوى الفني والتاريخي، فإنه لا توجد معلومات كافية عنه. الأمر يحتاج إلى جهد بحثي كبير من المتخصصين لاكتشاف مزيد عنه، لكن المعروف عنه أنه من أصول نوبية وكان دارساً للهندسة والرسم كان هوايته، وبدأ نشر أول رسوماته وهو في سن مبكرة نحو 17 سنة".

ويضيف "علي رضا من أوائل من رسموا الكوميكس في مصر، وكانت البداية مع مجلة ’السندباد‘ التي رسمها بالكامل في بداياتها قبل أن تتوقف لأعوام لتعيد دار المعارف إصدارها عام 1952 تحت اسم ’سندباد‘ واستمر في رسم الكوميكس ومر بالمراحل المختلفة لتطوره التي شهدتها هذه المرحلة، ومن الأعمال الشهيرة له سلسلة بعنوان ’المدرس الوحش‘ خلال الأربعينيات وكان شخصية أشبه بطرزان، إذ ساعة الخطر يقوم بأعمال خارقة، وابتكر شخصيات أخرى مثل ’سفروت‘ و’مصري أفندي‘".

ويستكمل عبلة "علي رضا متعدد المواهب، رسم الكاريكاتير ومنه انطلق إلى الكوميكس، وكان متمكناً في كتابة الخطوط، إذ إن كل العملية وقتها كانت تتم يدوياً بكل مراحلها، فكانت تتطلب مهارة عالية وإلماماً بفنون متعددة، ومن يذكر أن علي رضا وجدت له رسوم كاريكاتير في مجلة تابعة لـ’الإخوان المسلمين‘ خلال الأربعينيات قبل منع صدورها عام 1948، وكذلك له رسوم توضيحية لطلاب الطب حينها والمرتبطة بالتشريح مثل رسم الهيكل العظمي والعضلات، وهي رسوم تحتاج إلى دقة ومهارة شديدة".

من يهتم بالكوميكس؟

بعد نحو قرن على وجود فن الكوميكس في مصر ومروره بمراحل وتطورات متعددة على صعيد الشكل والمضمون، وظهور عشرات المطبوعات التي عنيت به، واستهدفت أجيالاً مختلفة، وبعد اعتماد التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي كان لها دور كبير في زيادة انتشاره وخلق قطاعات جديدة من الجماهير أصبحت تهتم بمتابعة القصص المصورة بصورها المختلفة، كذلك مع التطورات المختلفة التي لحقت بالمضمون، كيف أصبح واقع الكوميكس في مصر الآن؟ وما أبرز التطورات التي شهدها هذا الفن وماذا سينقصه ليحقق مزيداً من التطور والانتشار والمنافسة على المستويات كافة؟

يجيب الفنان أحمد جعيصة رسام الكوميكس "الكوميكس فن له جمهور كبير من كل الأعمار، وهو وسيلة فعالة للتعبير عن قضايا متعددة تهم المجتمع، وبخاصة مع عزوف قطاع كبير من الناس عن القراءة خلال الأعوام الأخيرة، في مصر أخيراً يمكن القول إن هناك تطوراً كبيراً في مجال الكوميكس على مستوى وجود رسامين وكتاب على مستوى عال قادرين على تقديم أعمال متميزة، إضافة إلى إقامة مهرجان الكوميكس الذي يجمع محبي هذا الفن، ويكون ملتقى لعرض الإنتاجات المختلفة لفناني الكوميكس، وكذلك شهدت الفترة الأخيرة تجارب جديدة في عالم الكوميكس مثل إصدار بعض أعمال نجيب محفوظ قصصاً مصورة، وهذا توجه جديد ناجح وقادر على تطوير فن الكوميكس وجذب أجيال جديدة للتعرف على عالم نجيب محفوظ وبالفعل حققت التجربة نجاحاً كبيراً".

 

ويستكمل "على رغم كل ذلك فإن هناك احتياجاً لوجود مطبوعات بصورة أكبر ومؤسسات تهتم بالكوميكس يكون لديها الحماسة لتبنى مشروعات لإنتاج وطباعة قصص مصورة بمستوى عال لجميع الأعمار، لكن الأزمة هنا أن الأمر يحتاج إلى كلفة أكبر من نوعيات أخرى من المطبوعات، بالتالي يكون سعر المنتج النهائي أغلى فيكون هذا سبباً لعزوف بعض دور النشر عن هذا الاتجاه، من جانب آخر سابقاً كانت بعض الصحف تنشر قصصاً مصورة، وكانت هناك أعمال في منتهى التميز على مدار الأعوام، وحالياً لم يعد هذا موجوداً".

ويختتم جعيصة "من جانب آخر السوشيال ميديا فتحت مجالاً كبيراً أمام فن الكوميكس خلال الأعوام الأخيرة، وحققت انتشاراً واسعاً، ويمكن للمؤسسات استغلال هذا والاعتماد على المنتج الرقمي بدلاً من المطبوع، القصص المصورة قادرة على تقديم كثير من الأفكار بصورة سهلة تناسب قطاعاً كبيراً من الجماهير من مستويات ثقافية مختلفة، وبصورة عامة فإن الكوميكس يجمع بين عدة فنون، فهو يحتاج إلى سيناريو وحوار وأبطال وديكور، وحدث وحركة وزوايا، كل هذه الأشياء يجب أن يكون الفنان ملماً بها، فالرسام هو المخرج في حال الكوميكس".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة