Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مع حسن في غزة" يهز أجواء مهرجان لوكارنو

كاميرا كمال الجعفري توثق حياة المعذبين ضد محو الذاكرة

كمال الجعفري خلال تصوير الفيلم في غزة (ملف الفيلم)

ملخص

من جملة القضايا التي تهز أجواء مهرجان لوكارنو وتعكر صفوه هذا العام، غزة، وما تشهده من قتل وتدمير ممنهجين منذ نحو عامين. ففي سياق انفتاح المهرجان على حكايات من الشرق الأوسط، تضم مسابقة الدورة الـ78 من السادس حتى الـ16 من أغسطس (آب) الجاري فيلماً وثائقياً للمخرج الفلسطيني كمال الجعفري عنوانه "مع حسن في غزة" الذي سيعرض أيضاً في مهرجان تورونتو في مطلع الشهر المقبل.

الفيلم ليس مجرد عمل آخر يعرض ضمن التظاهرة السينمائية السويسرية الشهيرة، بل هو العمل الذي افتتح المسابقة الرسمية التي تضم 18 فيلماً من نوعي الوثائقي والروائي. الجعفري، البالغ من العمر 53 سنة، سبق أن شارك في لوكارنو أكثر من مرة، وله رصيد من الأعمال التي توثق تاريخ بلاده، كان آخرها "الفيلم عمل فدائي"، الذي يتناول عملية نهب إسرائيل لأرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني خلال اجتياحها لبيروت عام 1982، والذي كان يحوي وثائق تاريخية. 

في عودته هذه يستند الجعفري إلى لقطات كان قد صورها عام 2001، خلال الانتفاضة الثانية، حين كان شاباً على مشارف الـ30 يحمل كاميراه ويوثق كل ما يصادفه، من دون تخطيط مسبق، ومن دون أن يدور في خلده أنه سينجز فيلماً ويعرضه لاحقاً في أحد أبرز المهرجانات السينمائية الدولية.

 

اليوم، ومع تطورات الأحداث، فإن البحث في الذاكرة البصرية الشخصية للمخرج، يشكل إلى حد بعيد، شكلاً من صور الانتقام الرمزي للذاكرة الجماعية الممحوة في بيروت الثمانينيات، التي تناولها في فيلمه السابق. وإذا كانت الصورة قادرة على الوقوف في وجه الموت وتخليد من يظهرون فيها، فإن هذه النظرية، للأسف، تزداد واقعية في السياق الفلسطيني.

كانت المواد المصورة محفوظة على ثلاثة شرائط "ميني دي في" (الفورمة المستخدمة في مطلع القرن). في تلك المرحلة، كان يعتزم إنجاز فيلم عن رفيق تعرف إليه في السجن عام 1989، أو بالأحرى عن عملية البحث عنه. لكن المشروع سرعان ما اتخذ منعطفاً آخر، قاده من شمال غزة إلى جنوبها، برفقة شاب غزاوي يدعى حسن، ساعده وعمل كدليل له. غير أن الجعفري لا يعرف ما حل بهذا الدليل منذ ذلك الحين، لا سيما بعد العدوان الإسرائيلي على المدينة المنكوبة.

من تلك المواد التي طواها النسيان استلهم الجعفري فيلماً يمكن التعامل معه كصدى حي ومرير لما يحدث اليوم، وكأن هناك حواراً ضمنياً، سرياً وحميماً، يدور بين مرحلتين من سيرة المكان والناس، خصوصاً أن الزمن، والكيفية التي مر بها، يمدان الفيلم بإحساس عميق بالفجيعة، تتراكم لقطة بعد أخرى.

 

الفيلم أيضاً دليل على أن المواد المنسية، مع مرور الوقت، تكتسب قيمة عاطفية ووجدانية، وتقول الكثير عن الحاضر. من دون الخضوع لأي من الثوابت التقليدية للفيلم الوثائقي، من حوارات وشهادات مباشرة، أنجز الجعفري عملاً يفيض بشاعرية غير مقصودة، غير مصطنعة، فيها لقطات تبدو كأنها بعدسة هاو، لكنها تتقاطع مع أخرى تمتلك قدرة عميقة على التعبير عن مأساة يومية، متكررة، لدرجة تصبح غير مرئية، فينبغي البحث عنها بين الألفاظ والابتسامات والمسكوت عنه.

قال الكاتب جان دورميسون ذات مرة عن الحياة "هناك أيام وأشهر وسنوات طويلة لا يحدث فيها شيء، وهناك دقائق وثوانٍ تحوي عالماً كاملاً". وهذا بالضبط ما نراه في الفيلم، الذي ذكرني بحركات الكاميرا في "أفريقيا، كيف الحال مع الألم؟" للفرنسي الكبير ريمون دوباردون، لناحية التماهي التام بين الكاميرا ومن يقف خلفها، وقدرته على التقاط كل ما يحيط به عبر حركات بانورامية تقوم بمسح شامل للمكان. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول الجعفري الذي تحمل أفلامه أحياناً ومضات تجريبية، إن فيلمه هو "تأمل سينمائي في الذاكرة والفقد ومرور الزمن، يوثق غزة كما كانت في زمن مضى، وحيوات قد تكون ضاعت إلى الأبد". وطأة الزمن التي لا تحتمل، هو بالضبط الإحساس الذي يداهمنا ونحن نتابع هذه الصور ونتفاعل معها. نادراً ما تكون لقطات من الماضي مرتبطة بهذه الصورة الوثيقة بالحاضر، لا بل إن هذا الحاضر هو الذي يشكل طريقنا العاطفي نحوها، والعكس أيضاً صحيح. 

الفيلم يؤكد، من بين حقائق أخرى، أن العناية بالصورة ليست بالضرورة جوهر السينما دائماً، فثمة لحظات غير متوقعة تطل علينا بعفويتها، هي التي تصنع الفرق، خصوصاً عندما يكون من يظهر أمام الكاميرا مشاركاً فعلياً في تشكيل كل تفاصيل العمل.

ما يصنع جمال هذا الفيلم (على رغم مقطع طويل بعض الشيء تستعيد فيه الكاميرا وظيفتها المراقبة البليدة)، هو المنحى الذي يتعامل به المخرج مع الحدث، إذ يدخل إلى "أرض المعركة" كمهزوم، يدرك أنه لا شيء في هذا العالم قادر على تغيير ما يحدث لـ"معذبي الأرض" (يقول إنه قرأ كتاب فرانز فانون الشهير أثناء فترة اعتقاله). ومن هنا تنبع تلك النظرة الشاعرية إلى الواقع، لكنه، من باب التوضيح، فإنه مهزوم يبقى على أداة التوثيق التي تعتبر أمضى الأسلحة في مواجهة النسيان. فأن تصور كمن لا يتوقع شيئاً، بعيداً من الشعارات والقبضات المرفوعة، هو ما يمنح الفيلم مكانة أعلى في حسابات السينما. وهذا، للأسف، ما لم يدركه كثر من السينمائيين الفلسطينيين.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما