ملخص
لا يتمتع النظام الإيراني في هذه الأيام بموقع قوة، ففي ظل الجفاف الشديد، واحتمالية وقوع اضطرابات داخلية، والتهديد الذي يواجه صادرات النفط بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً، قد لا يكون الوقت الحالي مناسباً للاستثمار في برنامج نووي مكلف.
بعد الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية في الـ22 من يونيو (حزيران) الماضي، احتدم الجدل بين صانعي السياسات والمتخصصين، إذ رأى المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) ديفيد بتريوس، أن هذه الضربات كانت فعالة، في حين اعتبرها بعض المتخصصين بلا جدوى أو حتى ذات نتائج عكسية.
وتناول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في مقالة له هذا الموضوع، وأشار إلى أن الصور الفضائية الأخيرة تكشف عن أضرار كبيرة لحقت بالبنية التحتية والموارد البشرية للبرنامج النووي الإيراني، على رغم بقاء جزء من المنشآت سليماً، في حين لا تزال حال مخزون الـ400 كيلوغرام من اليورانيوم العالي التخصيب غير واضحة. وتظهر هذه الصور محاولات أولية من قبل النظام الإيراني لإعادة الإعمار، واحتمال تطوير موقع ثالث سري لتخصيب اليورانيوم.
وفي نهاية المطاف فإن إعادة بناء البرنامج النووي الإيراني تعتمد على القرارات السياسية التي تتخذها طهران، وعلى مستوى التفاعل الدبلوماسي مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
تحليل الصور بعد الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية
قبل ساعات من أولى الضربات الإسرائيلية في الـ13 من يونيو الماضي، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الـ12 من يونيو أن إيران انتهكت التزاماتها في مجال منع الانتشار النووي. واستهدفت العملية الإسرائيلية منشآت نووية ومتخصصين علميين. وعلى رغم الأضرار البالغة التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني، فلم تتمكن إسرائيل من اختراق المنشآت تحت الأرض مثل فوردو. لذلك استكملت الولايات المتحدة العملية في الـ22 من يونيو بشن هجمات على ثلاثة مواقع نووية هي فوردو ونطنز وأصفهان.
وتظهر صور الأقمار الاصطناعية لموقع فوردو أن المنشأة استهدفت بـ12 قنبلة أميركية خارقة للتحصينات، حيث استخدمت قنبلتان في كل موقع. وتركزت الضربات على محاور التهوية، إلا أنه لا توجد حتى الآن أي مؤشرات إلى استئناف عمليات تخصيب اليورانيوم. ويبدو أن الأنشطة الجارية تهدف بالدرجة الأولى إلى تدعيم الموقع ومنع مزيد من الانهيارات.
في منشأة نطنز، أصابت قنبلتان خارقتان للتحصينات المنشآت تحت الأرض، فيما استهدفت الضربات الإسرائيلية البنية التحتية فوق سطح الأرض، مثل المحولات الكهربائية. وقرب نطنز، في جبل كلنك كزلا (كلنگ گزلا)، تتواصل أعمال إنشائية واسعة النطاق، ولم يتعرض هذا الموقع لأي هجوم. ويرجح أن يكون مكاناً لتخزين أجهزة الطرد المركزي أو حتى الـ400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة. وقد وجهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أسئلة للنظام الإيراني في شأن أنشطة هذا الموقع، لكنها لم تتلق أي رد.
في مركز التكنولوجيا النووية في أصفهان، توجد منشآت لتحويل "الكعكة الصفراء" إلى غاز سداسي فلوريد اليورانيوم (UF6) وإلى معدن اليورانيوم. وخلال الهجمات الأميركية والإسرائيلية استهدف أكثر من 20 مبنى في هذا المركز. وتظهر الصور الفضائية المؤرخة في الـ22 من يوليو (تموز) 2025 أن أضراراً جسيمة لحقت بالموقع، لكن الجهود انحصرت في تنظيف الطرق وتدعيم بعض الهياكل. وتوجد منشأة تحت الأرض شمال شرقي أصفهان يبدو أنها لم تتعرض للهجوم، غير أن أحد مداخلها أغلق قبل الضربة.
يظهر تحليل صور المواقع الثلاثة أن الأضرار كانت جسيمة، وأن النظام الإيراني لم يبذل حتى الآن جهداً كبيراً لإعادة بناء هذه المنشآت. وإذا ما اتخذ قرار بإعادة البناء، فمن المرجح أن تنقل هذه الأنشطة إلى مواقع جديدة تحت الأرض.
تآكل القاعدة العلمية النووية
إضافة إلى التدمير المادي لمراكز التكنولوجيا النووية، ألحقت الهجمات الإسرائيلية أضراراً جسيمة بالبنية العلمية والكوادر البشرية المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني. وبحسب سفير إسرائيل، أسفرت هذه الهجمات عن مقتل ما لا يقل عن 14 متخصصاً نووياً بارزاً، بينهم تسعة قتلوا في الموجة الأولى من الضربات في الـ13 من يونيو الماضي. وكان هؤلاء المتخصصون يمتلكون خبرات في مجالات الكيمياء والهندسة والفيزياء النووية، ويعملون في مشاريع ذات استخدام مزدوج يمكن توظيفها لأغراض عسكرية.
إن فقدان المعرفة الضمنية التي كان يمتلكها هؤلاء المتخصصون (أي المهارات العملية وغير المدونة مثل تشغيل أجهزة الطرد المركزي، وتحويل الكعكة الصفراء إلى غاز سداسي فلوريد اليورانيوم، ودمج الأنظمة، وحتى عمليات التسلح النووي)، يشكل ضربة كبيرة لقدرات إيران النووية، يصعب تعويضها، كذلك فإن استهداف الكوادر العلمية قد يكون فعالاً بقدر تدمير المعدات، ويمكن أن يؤدي إلى تأخير كبير في مسار إنتاج وتسليح البرنامج النووي الإيراني.
تقييم قدرة النظام الإيراني على إعادة الإعمار
يقدم تحليل الصور الفضائية ثلاث نتائج رئيسة حول تأثير الهجمات في البرنامج النووي الإيراني وقدرته على إعادة الإعمار.
أولاً، تسببت هذه الهجمات، وبخاصة في فوردو ونطنز وأصفهان، بأضرار جسيمة وأوقفت الأنشطة. يسعى النظام الإيراني حالياً إلى تثبيت المنشآت في فوردو وأصفهان، لكن لا توجد دلائل حتى الآن على استئناف عمليات التخصيب.
ثانياً، لم تؤد الهجمات إلى القضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا تزال الأنشطة متواصلة في موقع جبل كلنك كزلا (كلنگ گزلا)، كذلك فإن المنشأة تحت الأرض القريبة من أصفهان قد تكون الموقع الثالث لعمليات التخصيب.
ثالثاً، ثمة غموض كبير يكتنف الوضع النووي الإيراني، من ذلك مكان تخزين الـ400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة الذي لا يزال مجهولاً، وقد يكون موزعاً في مواقع عدة تحت الأرض. ويعد هذا المخزون، أينما وجد، تهديداً خطراً على صعيد انتشار الأسلحة النووية.
وثمة غموض آخر يتعلق بالوضع التشغيلي للموقع الثالث المحتمل لتخصيب اليورانيوم، فإذا تمكنت إيران من توفير قدرة تشغيل أجهزة الطرد المركزي فستكون قادرة على رفع نسبة تخصيب هذا المخزون إلى 90 في المئة، بما يكفي لصنع ما بين تسع و10 قنابل نووية. وحتى من دون زيادة التخصيب، يمكن استخدام اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة لصناعة سلاح نووي أو أكثر، لكنه سيكون سلاحاً بدائياً وكبير الحجم وغير ملائم للاستخدام العسكري الفعال.
للقيام بذلك يجب على النظام الإيراني استعادة القدرة على تحويل غاز سداسي فلوريد اليورانيوم إلى معدن اليورانيوم، وهي قدرة يعتقد أنها تضررت جراء الهجمات على منشآت أصفهان. ويعتمد مستقبل حصول النظام الإيراني على السلاح النووي بصورة كبيرة على سرعة إعادة بناء منشآت التخصيب وحجم مخزون أجهزة الطرد المركزي والمعدات المرتبطة بها. غير أن عملية الإنتاج والتجميع والتسلح تتطلب كفاءات بشرية متخصصة، وهو ما تعاني إيران حالياً نقصاً حاداً فيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حلول لمنع ظهور إيران نووية
يعتمد مستقبل البرنامج النووي الإيراني على ثلاثة عوامل رئيسة. أولاً، القرار السياسي داخل طهران، حيث تظهر مؤشرات إلى ردود فعل شديدة مثل قمع المعارضين، ورفض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتلميحات حول الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
مع ذلك لا يتمتع النظام الإيراني بموقع قوة، ففي ظل الجفاف الشديد، واحتمالية وقوع اضطرابات داخلية، والتهديد الذي يواجه صادرات النفط بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً، قد لا يكون الوقت الحالي مناسباً للاستثمار في برنامج نووي مكلف.
العامل الثاني هو احتمال عودة النظام الإيراني إلى طاولة المفاوضات، فالبيئة الدبلوماسية الحالية متدهورة للغاية وتسودها حال من عدم الثقة الشديدة، مما يجعل التوصل إلى اتفاق أمراً صعباً. وسيعتمد نجاح الهجمات الأميركية الأخيرة على إطلاق مفاوضات جديدة تتسم بالشفافية والرقابة الفعالة.
العامل الثالث يتمثل في الإجراءات التي تتخذها إسرائيل. سواء بقيت إيران عضواً في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية أو انسحبت منها، فإنه بإمكانها استئناف جهود إعادة بناء منشآت فوردو ونطنز وأصفهان. ومع ذلك أظهرت إسرائيل استعدادها لاستخدام القوة لوقف تقدم البرنامج النووي الإيراني، وتعكس هذه الهجمات أيضاً قصوراً في قدرة معاهدة حظر الانتشار على كبح طموحات إيران النووية خلال الأعوام الماضية.
استغلال الفرصة
يشير تحليل الصور إلى أن النظام الإيراني قد يملك قدرة محدودة على إعادة بناء برنامجه النووي، ولكن من غير المرجح أن يستعيد أبعاده السابقة إلا إذا حصل على دعم من دول مثل روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية.
هذه الظروف تفتح نافذة فرصة أمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لدفع النظام الإيراني نحو حل دبلوماسي. والحد الأدنى المتوقع هو التزام إيران البقاء ضمن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والعودة إلى عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن الحلول المقترحة لتسوية الخلاف حول تخصيب اليورانيوم، اعتماد نهج تدرجي، بحيث يمنع على النظام الإيراني التخصيب لمدة خمسة أعوام، ثم يسمح له بعد ذلك بالتخصيب بنسبة ثلاثة في المئة فقط لأغراض سلمية، شرط التزامه التام. ويتطلب تحقيق هذا الهدف التزام إيران والولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى الأطراف الأخرى في الاتفاق النووي.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"