ملخص
يرى محللون سياسيون أن تعيين علي لاريجاني في الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي الإيراني، في ظل الظروف الحرجة الراهنة، خصوصاً بعد الحرب الأخيرة وتصاعد الضغوط الدولية، يؤدي إلى تعزيز دور المجلس ويؤشر إلى تجاوز صلاحيات الحكومة في رسم السياسات الأمنية الداخلية والخارجية.
أفادت وكالات أنباء تابعة للنظام الإيراني من بينها وكالة "فارس" التابعة للحرس الثوري، بتعيين علي لاريجاني أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي في إيران. وأوضحت الوكالة أن تغييرات هيكلية في هذا الجهاز الأمني توشك على الاكتمال، ومن المتوقع أيضاً تشكيل مجلس جديد يحمل اسم "مجلس الدفاع" ليعمل إلى جانب المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
وأثار خبر عودة علي لاريجاني إلى أحد أبرز الأجهزة الأمنية ردود فعل متباينة في المشهد السياسي الإيراني، إذ رحبت بعض الشخصيات المقربة من حكومة الرئيس مسعود بزشكيان بما في ذلك التيارات التي توصف بـ"المعتدلة والإصلاحية" بهذا التعيين، معتبرين إياه مؤشراً إلى عودة النظام إلى نهج العقلانية ومقدمة لإصلاحات هيكلية في السياسات العليا للدولة.
لكن مراجعة السجل السياسي للاريجاني وبخاصة خلال توليه هذا المنصب سابقاً إلى جانب رئاسته للبرلمان (مجلس الشورى الإسلامي)، وإدارته لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، تكشف عن أن أداءه كان دائماً مكرساً لتعزيز أجهزة القمع وتقييد الحريات المدنية وترسيخ الأجواء الأمنية في البلاد.
ومن بين أبرز المواقف المثيرة للجدل لعلي لاريجاني خطابه خلال مايو (أيار) 2003 في جامعة شريف الصناعية بطهران، مُطلقاً تصريحات عدت آنذاك مهينة للتاريخ والثقافة الإيرانية قبل الإسلام. فقد قال إن "الإيرانيين قبل دخول الإسلام كانوا أمة أمية وراضية بأميتها"، واعتبر تلك المرحلة من التاريخ بلا قيمة تذكر، وشدد على ضرورة عدم السماح بتراجع "روح معاداة أميركا" داخل البلاد. وتتناقض هذه التصريحات بصورة صارخة مع السردية الجديدة التي يتبناها النظام الإيراني، والتي تزعم التوجه نحو العقلانية والنزعة الوطنية.
وواجه انتقاداً من القوميين الفرس، واعتبروا أنه ينكر تماماً وجود استقلال ثقافي للحضارة الإيرانية قبل الإسلام، بقوله إن "الحضارة الإيرانية لم تكن لها أي مضمون أو محتوى دون ارتباطها بالإسلام". وأضاف أن الثقافة الإيرانية القديمة كانت تشمل الرقص والغناء والتسلية.
وفقاً لتصريحات لاريجاني، فإن الإيرانيين خلال القرون التي سبقت دخول الإسلام لم يكن لهم تقدم إلا في مجالات محدودة، مثل الفنون العسكرية وصناعة الأسلحة وإنتاج الأدوات الفاخرة، بينما كانوا يعانون تخلفاً تاماً في العلوم والفلسفة والحكمة.
وتتعارض هذه التصريحات، التي تنطوي على ما يصفه القوميون الفرس بـ"تحقير تاريخ ولغة وثقافة إيران ما قبل الإسلام"، بصورة كاملة مع الحملة الدعائية الأخيرة للنظام الإيراني، التي تسعى للاستفادة من رموز الهوية التاريخية الإيرانية القديمة، مثل شابور الساساني والعصر الأخميني.
علي لاريجاني الذي يمتلك سجلاً طويلاً في صفوف "الحرس الثوري" ونشأ ضمن الهياكل العقائدية للنظام الحالي، يعد شخصية أمنية بامتياز ومؤيداً دائماً للقيود الاجتماعية والسياسية. كما أن مولده في مدينة النجف بات رمزاً لاتجاهه الثقافي والفكري، الذي ينظر إليه على نطاق واسع كونه يتناقض مع القيم القومية الإيرانية.
وبناءً على ذلك، يرى محللون أن تعيينه في هذا المنصب لا يعكس بالضرورة عودة إلى العقلانية كما تروج بعض الأوساط، بل يمثل إعادة إنتاج للهيكل الأمني الذي ظل لأعوام طويلة أداة قمع رئيسة في إيران.
من الرقابة الثقافية إلى أزمة الأهلية السياسية: قراءة في سجل علي لاريجاني
تكشف مراجعة مواقف وأداء علي لاريجاني خلال توليه مناصب رفيعة في هرم السلطة، خصوصاً ضمن مجالي الثقافة والأمن، عن تناقض صارخ بين صورته الراهنة كشخصية "عقلانية وذات ميول وطنية" كما يروج أنصاره اليوم، وسلوكاته الفعلية على مدار العقود الماضية.
خلال تسعينيات القرن الماضي، عُين وزيراً للثقافة والإرشاد الإسلامي في حكومة علي أكبر هاشمي رفسنجاني الثانية، مباشرة بعد استقالة محمد خاتمي، مع وعد صريح بوقف السياسات الثقافية المنفتحة والسير في اتجاه أكثر تقييداً للحريات الثقافية. وخلال فترة ولايته القصيرة، أطلقت شرارة موجة جديدة من الرقابة شملت سحب تراخيص الكتب والمجلات والتضييق على المثقفين، وهي سياسة تصاعدت لاحقاً في حكومة محمد خاتمي الأولى بتعيين مصطفى ميرسليم وزيراً للثقافة، الذي واصل النهج نفسه بصورة أكثر تشدداً.
لاحقاً، عزز لاريجاني نهجه الأمني في المجال الثقافي عبر توليه رئاسة هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، إذ لعب دوراً محورياً في توظيف الإعلام كأداة للقمع والتشويه. ومن أبرز محطات هذه المرحلة كان إنتاج وبث فيلم وثائقي حول "مؤتمر برلين"، الذي نظمته المعارضة في الخارج وشارك فيه عدد من الشخصيات الاصلاحية، واستخدم لاريجاني التلفزيون الحكومي لتشويه صورة المشاركين وبخاصة المثقفين الإصلاحيين، ومهد لتلفيق ملفات قضائية ضدهم.
وخلال فترة إدارته، عزز لاريجاني سياسة بث "الاعترافات القسرية" للناشطين المدنيين والسياسيين، وأطلق برنامج "الهوية" الذي خلق أجواء من الرعب غير المسبوق بين المثقفين والمعارضين، ليصبح لاحقاً نموذجاً يحتذى في البنية الإعلامية القمعية للنظام الإيراني.
أما فترة رئاسة لاريجاني للبرلمان فلم تخل من الجدل، إذ وجهت إليه اتهامات باستغلال موقعه لتأجيج الخلافات السياسية داخل النظام، وبخاصة في صراعاته المتكررة مع الحكومات المتعاقبة. وهو ما اعتبر عاملاً في تقويض فاعلية البرلمان كمؤسسة تشريعية مستقلة. وتزامن ذلك مع تصاعد الانتقادات لأداء إخوته، وعلى رأسهم صادق لاريجاني الرئيس السابق للسلطة القضائية، مما فاقم من أزمة الثقة العامة بمؤسسات الدولة.
من ناحية أخرى، ترتبط الخلفية الأمنية لعلي لاريجاني، لا سيما خلال توليه أولى مهامه كأمين عام لمجلس الأمن القومي الإيراني، ارتباطاً مباشراً بملف البرنامج النووي. فقد شهدت تلك الفترة اتخاذ قرارات حاسمة، كان أبرزها تعليق التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي، وهو ما شكل نقطة تحول أسهمت في تصاعد العقوبات الدولية وتعميق عزلة إيران على الساحة العالمية.
على رغم أن مجلس صيانة الدستور استبعد لاريجاني من خوض الانتخابات الرئاسية في دورتي عامي 2021 و2024، فإن الأخير يصر على أنه لو سمح له بالمشاركة لكان قادراً على الفوز.
غير أن قراءة في سجله الانتخابي لا سيما ضمن انتخابات عام 2005 التي لم يحصد فيها سوى نحو خمسة في المئة من الأصوات، تطرح تساؤلات جدية حول حجم تأييده الشعبي ومكانته الحقيقية في الشارع الإيراني.
ويشدد محللون سياسيون على أن حظوظ لاريجاني في حال خوضه السباق الرئاسي كانت ضعيفة للغاية، حتى لو أُيدت أهليته من قبل مجلس صيانة الدستور، إذ ينظر إليه على نطاق واسع كأحد رموز المنظومة القمعية، وكرجل يفتقر إلى الشفافية ويتجاهل المطالب الشعبية، مما يجعل استعادته لموقع سياسي مؤثر محل جدل كبير في الداخل الإيراني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عودة نفوذ عائلة لاريجاني: مافيا عائلية تعود إلى قمة السلطة
يعد تعيين علي لاريجاني أميناً لمجلس الأمن القومي الإيراني مؤشراً إلى عودة نفوذ إحدى أكثر العائلات إثارة للجدل في هرم السلطة. فإحدى أبرز التحديات التي يطرحها هذا التعيين، تتعلق بالصورة السلبية الراسخة في أذهان الرأي العام والنخب السياسية تجاه عائلة لاريجاني، التي تعد رمزاً لتركيز السلطة ضمن دائرة عائلية مغلقة، وتجسيداً للفساد البنيوي والتغلغل العميق في مفاصل صنع القرار داخل النظام الإيراني.
هذا وبينما يستعد علي لاريجاني للعودة إلى رأس أحد أبرز أجهزة النظام، يتولى شقيقه صادق آملي لاريجاني، الرئيس السابق للسلطة القضائية، حالياً رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام.
وعلى رغم تاريخه المثير للجدل في القضاء ظل آملي لاريجاني لفترة ضمن قائمة الأسماء المطروحة كمرشحين محتملين لخلافة المرشد علي خامنئي، غير أن إخفاقه في نيل مقعد في مجلس خبراء القيادة خلال الانتخابات الأخيرة، شكل مؤشراً واضحاً على تراجع مكانته السياسية وانحسار نفوذه داخل منظومة الحكم.
أما محمد جواد لاريجاني الشقيق الآخر لعلي لاريجاني، والذي شغل سابقاً رئاسة الهيئة الحقوقية التابعة للسلطة القضائية، فقد أثار خلال الأشهر الأخيرة موجة جدل حاد على خلفية تصريحاته التصعيدية ضد الدول الغربية. فقد توعد ضمن تلك التصريحات باغتيال الرئيس الأميركي دونالد ترمب وشن عمليات تخريبية داخل أوروبا، مما دفع بعدد من الأوساط السياسية، وحتى بعض الجهات الرسمية داخل النظام، إلى توجيه انتقادات لاذعة له.
وفي المقابل لم يكن فاضل لاريجاني الشقيق الآخر لعلي بمنأى عن الفضائح الإعلامية، بعدما أثار مقطع فيديو مسرب يظهر لقاءه مع المدعي العام السابق سعيد مرتضوي داخل مجلس الشورى جدلاً واسعاً، ووُجهت إليه اتهامات بمحاولة التوسط لتحقيق منافع شخصية وتقديم تسهيلات لمصلحة رجل الأعمال بابك زنجاني، المتورط في قضايا فساد مالي كبرى.
ويرى محللون سياسيون أن تعيين علي لاريجاني في الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي الإيراني، في ظل الظروف الحرجة الراهنة وخصوصاً بعد الحرب الأخيرة وتصاعد الضغوط الدولية، يكرس دوراً متعاظماً لهذا المجلس يتجاوز صلاحيات الحكومة في رسم السياسات الأمنية الداخلية والخارجية. وبالنظر إلى الخلفيات المثيرة للجدل لأشقائه، يعتقد أن هذا التعيين يعكس مرحلة جديدة من التنسيق الأمني الرامي إلى تشديد القبضة على المجتمع وتقييد الحريات وضبط الرأي العام، في محاولة لتمكين النظام من تجاوز المنعطف الحساس الذي يمر به حالياً.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"