Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تكاثف المعضلات السورية أمام السلطات... هل فات وقت الحلول؟

حوار بالنار قبل اللقاء في باريس بين "قسد" ودمشق... والسويداء تشتعل مجدداً وتوتر بالجنوب

واشنطن التي ترى ضرورة قصوى في تفاهم دمشق مع "قسد" بدت في مكان ما عنصر إرباك للمشهد، عبر التصريحات المتناقضة لمبعوثها الخاص توم براك (مواقع التواصل)

ملخص

تبدو السلطات السورية الجديدة في دمشق في وضع لا تحسد عليه في هذه الفترة فبعد نجاحها في إطاحة نظام الأسد، فشلت على ما يبدو في التعاطي مع ملف الأقليات والمواجهة مع إسرائيل.

شهد ليل السبت - الأحد الماضي مواجهات بين "قوات سوريا الديمقراطية" "قسد" الكردية وقوات من وزارة الدفاع السورية قرب مدينة منبج في ريف حلب شمال سوريا تخللها قصف مدفعي بالراجمات والمدفعية ما أسفر عن إصابة أربعة جنود من القوات الحكومية وثلاثة مدنيين. وذكرت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية، أن قوات الجيش "صدت عملية تسلل" نفذتها "قسد" ضد إحدى نقاط انتشار الجيش في ريف منبج، قرب قرية الكيارية. وأضافت أن "وحدات من الجيش نفذت ضربات دقيقة تستهدف مصادر النيران التي استخدمتها 'قسد' في قصف قرية الكيارية ومحيطها بريف منبج"، مشيرة إلى أن هجوم "قسد" كان لأسباب "مجهولة وغير مبررة"، راصدة استخدام الأخيرة لراجمات الصواريخ ومدفع ميدان في العملية، فيما قال المركز الإعلامي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" في بيان، إن "قواتنا استخدمت حقها الكامل في الدفاع عن النفس والرد على مصادر النيران"، ونفت مهاجمة أي نقاط تفتيش تابعة للجيش السوري.

أكثر من مواجهة

هذه المواجهات التي قد تكون اتسمت بالمحدودية لكنها تحمل أثراً سياسياً وعسكرياً كبيراً في هذا التوقيت بالتحديد، وتعلن أول ثغرة فعلية في جسد العلاقة والاتفاق بين "قسد" ودمشق إثر الاتفاق "التاريخي" بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي في 10 مارس (آذار) الماضي، الذي كان يهدف لتوحيد الرؤى حول شكل وهيكلية بناء الدولة ودمج الأكراد داخلها لكنها بقيت فضفاضة تحتاج إلى اجتماعات لاحقة كثيرة لتبيان صورة تفاصيلها الدقيقة وهو ما جرى فعلياً من دون الوصول إلى مخرجات حقيقية تمثل تبلور التفاهم بين القوتين على رغم الرعاية الإقليمية والدولية وعلى رأسها الفرنسية والأميركية.
تلك المواجهة التي حملت معها توتراً ميدانياً مقلقاً مثلت في مكان ما، أحد صور التصادم السياسي الذي ترجم ميدانياً، ليكون السؤال الواجب طرحه الآن: هل انتهت الأمور عند هذا الحد، أم إن ما حصل كانت مقدمة حيوية لتسخين التفاوض قبل لقاء باريس القادم؟

رسائل ما قبل باريس

ذلك القصف المتبادل بين الطرفين كان الأول من نوعه، في توقيته وزمانه ومكانه، وبدا أنه لا يمثل مواجهة محدودة تتسم بالمحلية الخالصة بقدر ما تخطاها ليكون رسالة سياسية دولية تامة الأركان وقد بنيت على مهل وتأن، كما يقول المتخصص العسكري مظهر فايز، مشيراً إلى أن "كل طرف يحاول القول إنه يمتلك أدوات الدفاع عن نفسه، والهجوم حين يتطلب الأمر طالما لا تزال مطالب الطرفين معلقة ومضطربة". ويرى فايز في ما حدث "أبعد من مواجهة بين جهتين، بل محاولة كسر نمطية تعيد التوازن على قاعدة القوة المكتنزة في صفوف كل طرف". ويضيف أن "قسد أرادت توجيه رسالة عسكرية واضحة بأنها تحتفظ في حق الهجوم أو الدفاع عن نفسها وهي تملك تلك القوة، وأشارت إلى ذلك مواربة أو صراحة في بيانها المقتضب، وأن مناطقها خط أحمر غير قابل للتهديد أسوة بمناطق سورية أخرى، ومن ثم فإن أي اتفاق لا يراعي حضورها وثقلها في مناطق وجودها لن تأخذه بعين الاعتبار، كما أن الحكومة بإعلانها للمرة الأولى عن عدد قتلاها فهي تحمل 'قسد' مسؤولية فشل الاتفاق والتصعيد الذي وصفته بغير المبرر أو المسؤول، الذي يمثل تحدياً لميثاق الاتفاق الأولي في دمشق، والذي حصل في هذه الليلة وما قد يحصل لاحقاً هو تحضير ذهني ونفسي وعسكري لطاولة مفاوضات باريس".

الموقف الدولي

واشنطن التي ترى ضرورة قصوى في تفاهم دمشق مع "قسد"، بدت في مكان ما عنصر إرباك للمشهد، عبر التصريحات المتناقضة التي قدمتها للطرفين في غير مرة عبر مبعوثها الخاص توم براك، كما أن فرنسا تشدد على ضرورة إعادة بناء الدولة بالتفاهم والوحدة والعيش المشترك لا بمزيد من نزف الدماء، وهي بذلك لا تخفي دعمها لـ"قسد" في الحفاظ على حقوقها التاريخية والثقافية واللغوية وأمانها الخاص وخصوصيتها العامة شريطة ألا تهدد الدولة السورية نفسها، وهذا الهدف من لقاءات التفاهمات في باريس التي لا تريد سوريا أرضاً مشتعلة، كما عبر مسؤولوها، فيما تبدو تركيا أكثر المتحمسين لإنهاء وجود "قسد" المركزي على الأرض بقبول حل التنظيم الذي يشكل الأكراد عموده الفقري ودمجه في الآلية البنيوية لشكل الدولة بما يضمن لها رؤيتها الاستراتيجية لواقع الصراع والتهديد المحتمل من جانب الأراضي السورية.
وفيما خلا تركيا، فإن باريس وواشنطن لا شك متفقتان بحسب تقارير إعلامية على ضرورة الضغط في مسار الحل ضمن الأطر السياسية لا العسكرية، كما أن أي تحول دراماتيكي للصراع على الأرض السورية قد يعيد البلاد إلى نقطة الصفر والعقوبات، وعليه فإن الملف يتسم بخصوصية منقطعة النظير، مع الأخذ بعين الاعتبار أن "قسد" تمثل جسداً عسكرياً قوياً ومتلازماً والتصويب نحو معركة هناك لن تكون نتائجه بمصلحة السلطة بالضرورة، كما يرى مراقبون.
وعلى رغم تأجيل لقاء سابق بين مظلوم عبدي ووزير الخارجية السوري أسعد شيباني في باريس الأسبوع الماضي، فإن الأوساط السياسية المحلية والفرنسية تنفي إلغاء اللقاء نهائياً، وتقول إن ما جرى هو تأجيله فحسب، وفي الجولة القادمة سيحضر عنوان "لا للمواجهات" كركيزة أساسية في بدء الحوار برعاية فرنسية عليا. وعليه سيبنى حوار سياسي مباشر بين الطرفين مع التعهد بعدم تجاوز "الخطوط الحمراء" التي سيتفق عليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السويداء إلى النار مجدداً

في المقابل، وبعد أيام قليلة من الهدوء تلت أسبوعين من المواجهات غير المسبوقة في السويداء جنوب سوريا، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1400 شخص واختفاء أكثر من 500 آخرين واختطاف نحو 80 سيدة، عادت المواجهات أمس الأحد، لتتجدد على وقع كارثة إنسانية تعيشها المحافظة التي أعلن أهلها أنها باتت منكوبة مع 36 قرية تابعة لها، في ظل انقطاع الماء والكهرباء والطبابة والإسعاف والطعام والخبز والوقود ومعظم الخدمات الإنسانية والبنى التحتية على رغم وصول قوافل مساعدات وصفها الأهالي بالمحدودة وغير الكافية، فيما أعلنت سلطات دمشق أن السويداء غير محاصرة، على رغم أنها في الوقت ذاته كانت تعلن فتح معابر إنسانية محدودة، مما يجعل الرواية متضاربة إلى حد ما.
وتجددت المواجهات بين فصائل درزية محلية من السويداء إثر مهاجمتهم نقطة لقوات الأمن السوري مما أدى إلى مقتل أحد العناصر وإصابة آخرين، في أول خرق لوقف إطلاق النار الذي لم يصمد كثيراً. تركزت الاشتباكات في البداية على محور تل الحديد غرب السويداء، وأفضت إلى سيطرة القوات الدرزية على الموقع، وتكمن أهمية تل الحديد في أنه نقطة استراتيجية مرتفعة تطل على مواقع وقرى متعددة في السويداء وتتيح من خلاله السيطرة بالنيران على تلك المواقع واستهداف التحركات ضمنها، لتمتد المواجهات لاحقاً إلى قرية الثعلة المجاورة بعد قصف معاد للمنطقة بالقذائف والأسلحة الثقيلة، إضافة إلى سقوط قذائف هاون مصدرها مقاتلو العشائر على قرية عرى القريبة، مما استدعى الرد وتبادل إطلاق النار بين الطرفين من جديد.
وفي التطورات المتتابعة أصدر بعض شيوخ العشائر أوامر لمقاتليهم بالتحرك من جديد نحو السويداء بعد سقوط عدد من مقاتلي الأمن العام، مما أدى إلى حال تعبئة عشائرية متجددة وفق ما أفادت به مصادر مطلعة. وفي الأثناء كثف الطيران الإسرائيلي المسير تحركاته في الجنوب السوري مما قد ينذر بتصعيد جديد ما لم يتدارك الأمر على الفور.
وبحسب قائد الأمن الداخلي في السويداء، أحمد دالاتي التابع لحكومة دمشق، فإن "عصابات متمردة في السويداء هاجمت نقاطاً للأمن الداخلي في المنطقة"، وإن "الهجوم بدأ على منطقة تل حديد وتوسع نحو قرى ولغا وريمة حازم بريف السويداء". وأضاف أن "الهجوم كان منظماً وبدأ بتمهيد ناري مكثف مما أسفر عن سقوط عناصر من الأمن الداخلي وإصابة آخرين". وأكد أنهم أعطوا الأمر بالرد الفوري على مصادر النيران تزامناً مع التواصل عبر الوسطاء لإعادة التهدئة. وأشار دالاتي إلى أن "سلوك العصابات الحالي يدل بصورة قطعية على أن وجود الدولة هو الحل الوحيد لضمان أمن المحافظة، وذلك لأن العصابات تستغل نفوذها هناك لتمرير أجندات شخصية وخارجية على حساب مصلحة البلد". وختم حديثه بالقول إن "العصابات المتمردة لم تستجب حتى الآن لبند الاتفاق الثاني الخاص بإخراج المعتقلين وتبيان مصير المفقودين".
مصدر في حركة "رجال الكرامة"، التابعة لشيخ العقل حكمت الهجري، قال إن مهاجمتهم لمنطقة تل الحديد لم تكن من فراغ أو بهدف إحداث فوضى أو خرق لوقف إطلاق النار، بل لأن العناصر المسيطرين عليها من قوات الأمن يستخدمونها كقاعدة قنص واستهداف بالرصاص والقذائف باتجاه السويداء والقرى القريبة من الموقع. وأضاف أن "القصة لم تبدأ من تل حديد كما سوق، ولم تكن لدينا نية مهاجمة أي نقطة، لكن سلطات دمشق هي من باشرت الاعتداء منذ أول من أمس السبت بقصفها قرية عرى قبل أن يهاجمها مسلحو العشائر، ودعمهم في ذلك العناصر المتمركزون على تل حديد بالنيران التمهيدية، وهذا ما دعانا إلى الاستجابة لنداء المواجهة ودفع البلاء عن أهلنا ومحافظتنا، ونحن هنا كنا في موقع الدفاع عن النفس لا التعدي والهجوم وخرق الاتفاق وإسقاط الهدنة الذي مورس من قبل الأمن والعشائر".
تزايد التصعيد في الجنوب السوري بعد أيام الراحة والهدنة عقب المعركة الأولى، لا يحمل بشائر خير، فإن زادت الأمر سوءاً وتعقيداً فلن يستثنى طرفاً، الدروز سيفقدون مزيداً من القتلى والجرحى والمفقودين وتزداد نكبة مدينتهم معهم، والسلطات والعشائر سيخسرون مقاتلين إضافيين، وفوق ذلك سيزداد الضغط الغربي على دمشق في شأن حماية المكونات السورية وسينعكس بصورة تصريحات قاسية كما فعل المبعوث الأميركي توم براك في وقت سابق حين هدد دمشق علانية، كما ستتخذ فرنسا موقفاً أكثر صرامة، وقد ينخفض معدل الزخم العربي الداعم لعملية الانتقال في سوريا تحت وطأة عدم تحقيق أنصاف المطلوب، إضافة إلى إمكانية عودة الدور الإسرائيلي الذي سيحمل معه قصفاً جوياً من ناحية، وتمدداً برياً في مناطق أخرى من ناحية ثانية، وتعطلاً إضافياً في مسار المفاوضات من ناحية ثالثة إذا ما فكر الجيش السوري بالتوغل بسلاحه الثقيل لحسم ملف الجنوب وهو الخط الأحمر عند الإسرائيليين.

"أولي البأس"

ظهر في الأشهر الماضية تنظيم جديد على الساحة السورية اسمه "أولي البأس" واتسم بالسرية التامة قبل أن يظهر أول من أمس السبت، قائد التنظيم للمرة الأولى في فيديو مصور مرتدياً لثاماً ومعلناً عن التعبئة العامة. اسم قائد التنظيم، أبوجهاد رضا، أو رضا حسين، وكلاهما أسماء مستعارة. وأكد في حديثه أن "نظام الأسد السابق كان واجهة لتمرير مشاريع خارجية غير وطنية تبتعد عن السيادة والمشروعية الوطنية".
وأشارت مصادر متابعة إلى أن "أبو جهاد" سجل الفيديو من إحدى مناطق الجنوب السوري، ويرجح أن تكون بين درعا والقنيطرة في إحدى المناطق الآمنة، وقد ظهر في التسجيل رغم أنه تعرض في وقت سابق لإصابات في جسده عقب مواجهة مع قوة برية إسرائيلية كانت تتقدم في الأراضي جنوب سوريا.
"أبو جهاد" أكد أنه لا يوجد اليوم في سوريا دولة مركزية، وحكومة دمشق لا تمثل شيئاً"، لكنه رغم ذلك لن يواجهها عسكرياً، بل سيكتفي بذلك إعلامياً وسياسياً لأن هدفه "قوات الاحتلال"، على رغم أن "حكومة دمشق" بحسب تعبيره، "ما هي إلا أداة لتنفيذ أجندات تركية وأميركية وإسرائيلية تهدف بمجملها إلى محو ذكر المقاومة وأهدافها".
وفي الوقت ذاته أكد رضا أن "ما تشهده سوريا اليوم من أحداث وتعقيدات لا يرقى ليكون حرباً أهلية أو فوضى تامة، بل هو مخطط إقليمي غربي وروسيا حاضرة فيه إلى جانب أطراف أخرى برعاية استخبارات دول عدة، ويستدل على ذلك بالمجازر التي وقعت، والتي كانت في رأيه "مدروسة في كل المحافظات". وفي معرض حديثه أكد زعيم التنظيم "وجود 17 مقراً للاستخبارات الإسرائيلية داخل دمشق وحدها، مهمتها بث خطاب الفرقة والكراهية بين السوريين، وهي غرف سوداء نشطة".
وأكد رضا أن خيار "أولي البأس" الوحيد هو "الركون إلى الجبهات حيث لا يوجد خيانات"، وأنهم في تنظيمهم "المقاوم" لا يسعون إلى سلطة، ولا ينازعون أحداً في كيانه، وإنما هدفهم الوحيد "تحرير سوريا واستعادة قرارها السيادي".
ولـ"أولي البأس" اسم آخر وهو "قيادة المقاومة في سوريا"، وقد دعا رضا إلى التعبئة العامة من "كل الشرفاء والوطنيين والمجاهدين والضباط والعناصر السابقين في جيش نظام الأسد". مما يضع سلطات دمشق أمام تحد جديد في معرفة التنظيم وتبعيته ومدى قدراته وإمكانية تأثيره في الجنوب السوري وبخاصة على الحدود مع إسرائيل.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات