Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي يخفيه الإسرائيليون بعد ارتفاع نسب انتحار جنود حرب غزة؟

عسكريون يعتصمون أمام مقر وزارة الدفاع في تل أبيب: "رمونا مثل الكلاب"

شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في انتحار الجنود الإسرائيليين بعد خروجهم لقضاء فترة إجازة من غزة (صفحة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على إكس)

ملخص

منذ أكثر من 10 أيام تشهد المنطقة المحاذية لوزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، حملة اعتصام غير مألوفة ونصب خيمة دائمة يشغلها عشرات الجنود الذين لا يفارقونها منذ اليوم الأول، فيما يحضر آخرون والجمهور للتضامن.

عندما يقرر جندي احتياط إسرائيلي قاتل 300 يوم في حرب غزة، وضع حد لحياته والانتحار، حتى قبل أن يحصل على تقرير يؤكد تدهور حاله النفسية، وعندما يقرر جندي آخر الانتحار بعدما ضرب رقماً قياسياً في تشخيص جثث الجنود القتلى في القطاع، فإن هاتين الواقعتين ترسمان أكثر من علامة استفهام حول الخلفية التي دفعت عشرات الجنود إلى الانتحار بعدما غادروا أرض المعركة في غزة.

شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في انتحار الجنود الإسرائيليين بعد خروجهم لقضاء فترة إجازة من غزة، وهناك من لم ينتظر طويلاً بعد استدعائه من جديد للعودة لأرض المعركة، فرفض الامتثال لما هو معروف بالـ"أمر 8" ووضع حداً لحياته.

وأحاطت الضبابية كثيراً من الحالات التي تصعب معرفة أية تفاصيل حولها، بينما في الحالات التي كشف عنها، فكان الحديث عن إهمال وزارة الدفاع لهم، سواء بعدم الاعتراف بهم كمرضى نفسيين بعد الصدمة أو عدم توفير راتب يعيدهم لحياتهم الاعتيادية قبل الحرب. وفي هذا الجانب لم ينجح الآلاف في العودة لأعمالهم بعد القتال في غزة، ومن بين هؤلاء نسبة غير قليلة عاطلة من العمل وعاجزة عن الاندماج من جديد ضمن المجتمع... هذا في المكشوف، أما المخفي فهو حقيقة ما واجهه هؤلاء الجنود في أرض المعركة من كمائن وقتال شديد، ومقتل رفاق لهم في وحداتهم أمام أعينهم وغيرها من الأسباب.

كل من في المدرعة احترق

ومنذ أكثر من 10 أيام تشهد المنطقة المحاذية لوزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، حملة اعتصام غير مألوفة ونصب خيمة دائمة يشغلها عشرات الجنود الذين لا يفارقونها منذ اليوم الأول، فيما يحضر آخرون والجمهور للتضامن.

روادها هم جنود احتياط ممن قاتلوا في غزة منذ بداية الحرب، معظمهم يواجهون مشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية وقرروا اتخاذ هذه الخطوة ليس فقط لإطلاق صرختهم الغاضبة ضد قيادة إسرائيل والمؤسسة العسكرية التي وفق ما يقولون "رمتهم من دون أي حسبان لما قدموه منذ بداية الحرب"، إنما أيضاً "لإطلاق صرخة مَن لم يتمكن من إطلاقها وقرر أن يدفنها معه"، أي "صرخة الجنود الذين انتحروا بصمت"، كما قال أحد المشاركين في الاعتصام.

إضافة إلى ذلك، جاء الاحتجاج لعدم اعتراف وزارة الدفاع والجيش بآلاف بالجنود الذين يواجهون مشكلات نفسية، ومن بينهم مشاركون في الاعتصام يعانون اضطرابات نفسية وإعاقة بسبب الحرب، فلدى عودتهم لم يجدوا بيتهم قائماً ووجد آخرون عائلة مفككة، فتوجهوا إلى قسم الأمراض النفسية وطالبوا بالاعتراف بهم، لكن البيروقراطية لم تساعدهم بعد.

وتحدث أحدهم عن أنه فقد عائلته التي تفككت خلال مشاركته لأكثر من عام بصورة متواصلة في الحرب، "هل تفهم ما يعني أن تقول زوجتي إنها لدى عودتي بعد الحرب ونتيجة ما أمرّ به خلال ساعات نومي وفي النهار ’أنت تتعرق في الليل، تستيقظ طوال الوقت، لماذا تصرخ؟ لماذا تغضب؟ لماذا ترمي أشياء؟ لماذا لا يمكن الحديث معك؟‘ أسئلة كثيرة تسألها زوجتي كل يوم نتيجة وضعي وصدمتي مما واجهناه في غزة".

جندي آخر قال، "الجميع كانوا على الأرض، كلهم دماء وأنا أركض نحو المدفع... ثلاثة أمتار إلى المدفع، خمسة أمتار إلى المدفع، لأعطي تغطية نارية. أركض... ومن الصعب عليّ التحدث عن ذلك".

الحوادث التي تطرقوا إليها متعلقة بجنود شاهدوهم يُقتلون أمام أعينهم أو يصابون، ولم يتحدث أحدهم عن مشاهد قتل فلسطينيين من أطفال ونساء وهم يقصفون داخل بيوتهم أو يقتلون وهم في طريقهم لتناول ما توافر من طعام ومساعدات.

والأوضاع النفسية لهؤلاء الجنود دفعتهم إلى عدم التردد في القول الصريح إن الانتحار سيكون سبيلهم للراحة. "زميل لي فجأة نراه يركض يغلق أذنيه، ينكمش داخل نفسه، يرتعد ويدخل حال خوف وهستيريا، وهذا كان شاهداً على مقتل جنود بقذيفة هاون"، وفق ما روى أحد الجنود الإسرائيليين.

ويطالب عناصر الاحتياط بالمساواة بين المرضى النفسيين ما بعد الصدمة والمصابين بإعاقات في أجسادهم، فالمعايير للحصول على اعتراف كامل حُددت لمن بترت أطرافه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"الجيش رمانا كالكلاب"

وظهرت مواقف متباينة بين الجنود حول خلفية اعتصامهم المتواصل، إذ هناك من قال إنه نتيجة الارتفاع المتواصل لحالات الانتحار بين الجنود، أراد إطلاق صرخة باسم من يعانون. "نحن هنا بسبب عدد المنتحرين. لا نريد أن نكون في عدادهم. كل من هنا أصبح في وقت غير قابل للتأهيل. كلنا في حال خطر. لقد رمونا بعدما ضحينا بحياتنا وعائلاتنا من أجل هذه الحرب"، قال أحد الجنود المعتصمين.

لواء احتياط في الحاخامية العسكرية في "وحدة ملباح" (قيادة معالجة القتلى) انتقد الجيش لعدم معالجته قضايا الجنود الذين تلقوا "أمر 8" للمشاركة في الحرب وتركوا أعمالهم وبيوتهم وقضوا فترات طويلة في الخدمة داخل الوحدة، بينهم من تجاوز الـ300 يوم، ويقول إن "الجيش لا يعالج الجنود الذين يخدمون هنا بصورة مناسبة، إنه عار على الجيش وكل واحد فينا. فالجيش لا يمول على نحو كافٍ العلاج النفسي لمن يخدم في ألوية معينة لأن اللواء الذي تتبع له وحدتنا غير مدرج ضمن المنظومة القتالية. على الجيش أن يفهم أننا في وضع نفسي متدهور ويجب إنقاذنا".
وبحسب هذا اللواء الذي أدلى بتصريحات صحافية، "نحن نقوم بأشياء لا تصدق في غزة والجيش رمانا كالكلاب. لقد قسّم الجيش الجنود وفق الألوية وإذا يعتبر مقاتلاً أو غير مقاتل، نحن لسنا مقاتلين. المقاتل يستحق تمويلاً لعلاج نفسي بقيمة 4500 شيكل (نحو 1300 دولار) في الخدمة السنوية، أما نحن فلا نحصل إلا على 1500 شيكل (441 دولاراً). هم يحصلون على إجازات ونحن لا. لكن فعلياً، المقاتل قد يتعرض لمرة واحدة لأحداث صادمة، في حين أننا نرى يومياً جثثاً وأموراً مروعة". وأضاف أن "المفارقة السخيفة هي أن هناك جنوداً يعملون كطهاة في منطقة غزة أو في محيطها ويعتبرون مقاتلين، بينما نحن نعتبر كأننا شخص يجلس على كرسي في الكرياة (مقر وزارة الدفاع في تل أبيب)".

وأعرب عن خشيته من وقوع حالات انتحار إضافية، وقال "منذ علمنا بانتحار الجندي من لوائنا، تضاعفت الخشية من حالات إضافية. لدينا عدد كبير من الجنود في وضع نفس صعب بمستويات مختلفة".

وبحسب المعطيات الرسمية للجيش الإسرائيلي، فإنه منذ بداية الحرب طرأ ارتفاع في عدد الجنود الذين انتحروا أثناء الخدمة الفعلية، سواء في الخدمة النظامية أو الاحتياط، مقارنة بالأعوام السابقة.

وتظهر المعطيات أنه منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 وحتى نهاية تلك السنة، انتحر سبعة جنود أثناء الخدمة الفعلية، وعام 2024 انتحر 21 جندياً. أما بالنسبة إلى العام الحالي، فيرفض الجيش تقديم رقم رسمي حول عدد المنتحرين منذ بداية السنة، ويقول إنه سينشره فقط عند انتهاء العام، علماً أن أرقام الجيش لا تشمل الجنود الذين أنهوا حياتهم عندما لم يكونوا في الخدمة الفعلية.


إجراءات مشددة خشية المحكمة الدولية

ومنذ نحو أسبوعين اتخذ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير إجراءات مشددة لمنع الكشف عن هوية الجنود الإسرائيليين الذين يشاركون في حرب غزة، خشية تقديمهم إلى المحكمة الدولية أو ملاحقتهم في دول أوروبية، مما استدعى إعلان كثرٍ امتناعهم عن السفر خوفاً من اعتقالهم في دول أوروبية.

وجاءت هذه الإجراءات مع نشر كثير من المشاهد والمقابلات لجنود إسرائيليين وهم يتفاخرون بقتلهم فلسطينيين من أطفال ونساء، وهناك أيضاً من كان يروج لـ "بطولاته" في غزة عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وكانت أولى الخطوات منع وسائل الإعلام الإسرائيلية من نشر صور لجنود في غزة تكون ملامح الجندي فيها واضحة. كما قُلص وصول طواقم الإعلام الإسرائيلية إلى غزة وتغطية أحداث هناك ومنع الجنود ومسؤولين من الحديث مع وسائل الإعلام.

في المقابل تزايد خوف الإسرائيليين عموماً من السفر إلى الخارج وألغى العشرات سفرهم الى دول أوروبية بعد تحذيرات لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي من احتمال تعرضهم لاعتداءات في دول عدة حول العالم، وكذلك المؤسسات والممثليات الدبلوماسية الإسرائيلية.

وتضاعف القلق من السفر الى الخارج مع طلب وزارة الخارجية من جميع موظفي السفارة والقنصلية لدى الإمارات العودة مع عائلاتهم لإسرائيل بعد تقرير لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي يدعي وجود معلومات استخباراتية بأن إيران ووكلاءها يخططون للاعتداء على إسرائيليين. وصنّف التقرير الإمارات "درجة ثالثة" في الخطر على الإسرائيليين على خلفية حرب إيران، وما سماه "التحريض المعادي لإسرائيل والداعم للفلسطينيين في مختلف أرجاء العالم" بما هو معروف بـ"معاداة السامية". 

ووزع مجلس الأمن القومي توصيات للإسرائيليين الموجودين في دبي ومختلف أرجاء العالم بالحذر الشديد خلال أيام الأعياد والسبت وعدم التنقل بملابس تحمل كتابات باللغة العبرية أو رموز تكشف عن الأصل والدين وتجنب التجمعات الإسرائيلية في المناطق العامة، وعدم التوجه إلى المؤسسات الإسرائيلية أو اليهودية.

تزامناً أشار استطلاع للرأي أجرته صحيفة "معاريف" إلى أن 61 في المئة من الإسرائيليين يخشون السفر إلى أوروبا بسبب وجود خطر تعرضهم لأذى "إثر تصاعد الحوادث المعادية للسامية حول العالم".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير