Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قطاع السياحة "الهش" في إيران أتت عليه الحرب

قضى توقيف أميركيين واعتقال أوروبيين بتهم التجسس على آخر الآمال في إنعاشه

لم يكن تراجع القطاع مفاجئاً أو وليد اللحظة بل نتيجة سلسلة مترابطة من السياسات والقيود والأزمات (أ ف ب)

ملخص

تراجع قطاع السياحة في إيران لا يقتصر فقط على إغلاق الفنادق أو بطالة المرشدين السياحيين أو ركود سوق الصناعات اليدوية أو كساد الأعمال المحلية، بل يمتد إلى المعالم التاريخية، إذ تشكل هذه المعالم جزءاً من الهوية الوطنية والثروة الثقافية في البلاد؟

في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على إيران فجر يوم الجمعة الـ13 من يونيو (حزيران) الماضي، سادت موجة من الذعر والقلق بين الإيرانيين والمقيمين من حاملي الجنسيات المزدوجة، وامتدت إلى السياح الأجانب داخل البلاد. كثيرون من هؤلاء غادروا إيران على عجل، مستخدمين المعابر البرية والبحرية، إذ غادر بعضهم إيران عبر الحدود مع تركيا، وآخرون عبر أرمينيا، فيما اختار عدد منهم الموانئ البحرية في محافظة هرمزكان طريقاً للخروج.

لم يقتصر هذا النزوح الجماعي على المسافرين والسياح، بل شمل أيضاً موظفين في عدد من السفارات والقنصليات الأجنبية، ونتيجة لذلك دخل قطاع السياحة في إيران، الذي كان يعاني أصلاً ركوداً حاداً، في حال غيبوبة تامة حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار. وشددت بعض الدول تحذيرات السفر إلى إيران، فيما دعت أخرى مواطنيها إلى مغادرتها فوراً. وزادت الاعتقالات الأخيرة لعدد من المواطنين الأوروبيين بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، إلى جانب تقارير عن توقيف أميركيين، من حدة المخاوف وأزمة الثقة، مما قضى على آخر الآمال في إنعاش السياحة الإيرانية.

أفول بدأ قبل عقود

ولم يكن تراجع قطاع السياحة في إيران مفاجئاً أو وليد اللحظة، بل هو نتيجة سلسلة مترابطة من السياسات والقيود والأزمات التي تعود جذورها للسنوات الأولى التي أعقبت ثورة عام 1979. ومع ذلك فقد تسارع هذا التراجع بصورة ملاحظة خلال العقد الأخير، إلى درجة أنه بعد عطلة عيد النوروز الأخير، أعلن رئيس جمعية منظمي الرحلات السياحية في إيران مصطفى شفيعي شكيب، صراحة أنه "لم يدخل إيران سائح أجنبي واحد في رحلات سياحية رسمية خلال عطلة عيد النوروز".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل ذلك أيضاً، حذر عدد من العاملين في قطاع السياحة من التراجع الحاد في السياحة الوافدة إلى إيران، ويعزى هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي شوهت صورة إيران في نظر السياح الأجانب.

وكثيراً ما شكلت الطبيعة والتاريخ والثقافة وكرم الضيافة في إيران عوامل جذب فريدة للسفر إلى هذا البلد، لكن هناك عقبات جدية حالت دون تدفق السياح إلى إيران، من بينها نقص الفنادق وبيوت الضيافة ذات المعايير العالمية، وفرض الحجاب الإجباري، وحظر تناول الكحول، والقيود الواسعة على الإنترنت، بخاصة في السنوات الأخيرة. ويبقى العائق الأكبر وهو النهج الخطر الذي يتبعه النظام الإيراني، باحتجاز المواطنين الأوروبيين والأميركيين كرهائن تحت ذرائع سياسية أو أمنية.

ووفقاً للإحصاءات الرسمية، بلغ عدد السياح الوافدين إلى إيران في السنوات الأخيرة نحو 6 ملايين سنوياً، وكانت النسبة الكبرى منهم من الزوار الدينيين أو مواطني الدول المجاورة. ويعد هذا الرقم ضئيلاً مقارنة بدول الجوار مثل تركيا التي تستقبل سنوياً أكثر من 55 مليون سائح أجنبي، أو السعودية التي حققت عام 2024 وحده إيرادات بلغت 50 مليار دولار من قطاع السياحة، مما يعكس فجوة لافتة وجديرة بالتأمل.

في ظل الاعتقالات

أحد أبرز العوامل التي أدت إلى انهيار قطاع السياحة في إيران خلال السنوات الأخيرة، هو السياسة غير المعلنة والمكلفة التي انتهجها النظام الإيراني من خلال اعتقال السياح الأجانب لأغراض سياسية. هذا النهج، الذي وصف في الأوساط الدولية بـ"الابتزاز عبر احتجاز رهائن من الدولة"، اكتسب أبعاداً أكثر خطورة بعد احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، والاحتجاجات الدموية التي حدثت عام 2022. إن الهدف من هذه السياسة كان ابتزاز الحكومات الغربية في لحظات التفاوض الحرجة، مما أدى مباشرة إلى صدور تحذيرات سفر من دول أوروبية وأميركية، ثم إلى تراجع غير مسبوق في عدد السياح القادمين إلى إيران. وعليه فإن هذا الوضع أوصل صناعة السياحة والفندقة شبه الميتة في إيران إلى مرحلة الاحتضار، والآن بعد الحرب المباشرة مع إسرائيل، باتت هذه الصناعة تلفظ أنفاسها الأخيرة.

وقد أقر رئيس إدارة نقابة المرشدين السياحيين في إيران محسن حاجي سعيد، في وقت سابق خلال مقابلة له مع صحيفة "اعتماد" بأن "اعتقال السياح الأجانب أصبح من أبرز المخاوف التي تؤرق العاملين في هذا القطاع". وأطلق تحذيراً قال فيه "اليوم، يخشى العاملون في السياحة من أن يعتقل سائح أجنبي لمجرد التقاطه صوراً أو مقطع فيديو في إيران، وهو أمر طبيعي في جميع دول العالم. مثل هذه الاعتقالات تدفع السياح، عند عودتهم، لتحذير الآخرين من السفر إلى إيران".

وفي السنوات الأخيرة، انتشرت في وسائل الإعلام قوائم طويلة من حالات اعتقال السائحين والمواطنين مزدوجي الجنسية من الأوروبيين والأميركيين، بتهم من قبيل التجسس لصالح إسرائيل أو العمل ضد الأمن القومي الإيراني. هذه السياسة، التي تحولت عملياً إلى أداة لابتزاز الحكومات الغربية وانتزاع التنازلات منها، خلفت آثاراً مدمرة في قطاع السياحة في البلاد. 

في المقابل، يتهم مسؤولو النظام الإيراني الدول الغربية بممارسة "إيرانوفوبيا". غير أن محسن حاجي ‌سعيد يرى أن "قطاع السياحة في إيران تجاوز اليوم مرحلة الخوف من إيران، وبلغ مرحلة النفور منها"، وهي حال لم يعد فيها السائحون الأجانب فقط يعزفون عن زيارة إيران وحسب، بل بات حتى المستثمرين ورجال الأعمال الأجانب يترددون في دخول البلاد للعمل أو الاستثمار فيها.

فبركة قضايا أمنية

قبل اندلاع الحرب مع إسرائيل، كشف نائب رئيس نقابة المرشدين السياحيين في إيران السابق محمد علي أشرف واقفي، عن أنه في الوقت الراهن لا يكاد يدخل أي سائح أوروبي أو أميركي إلى البلاد، واقتصر سوق السياحة الإيراني المحدود على مجموعة صغيرة من الزوار الروس والصينيين. ويأتي ذلك في وقت أصدرت أكثر من 20 دولة حول العالم، من أوروبا وأميركا إلى آسيا وأوقيانوسيا، خلال السنوات الأخيرة تحذيرات جدية تحث مواطنيها على تجنب السفر إلى إيران.

مع ذلك فإن الوضع الذي وصفه هذا الناشط في قطاع السياحة وغيره، ازداد سوءاً خلال الشهر الماضي، إذ أعقبت اندلاع الحرب تقارير عن اعتقال عدد من مواطني الدول الغربية في إيران وجهت إليهم اتهامات مثل "التجسس لصالح إسرائيل"، ومن بين هؤلاء ظهر اسم شاب فرنسي يمارس رياضة ركوب الدراجات كان اختفى أياماً عدة، قبل أن يتبين لاحقاً أنه محتجز لدى الأجهزة الأمنية الإيرانية.

ولم يكتف مسؤولو النظام الإيراني بعدم توضيح ملابسات هذه الاعتقالات، بل تحدثوا عنها بفخر. ففي مؤتمر صحافي عقد في الـ30 من يونيو (حزيران) الماضي، أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية أصغر جهانغير، عن اعتقال "عناصر من رعايا الدول الأوروبية" في عدد من المحافظات. وزعم جهانغير أن هؤلاء الأفراد كانت لهم علاقات تعاون مع إسرائيل، وقد جرى رفع دعاوى قضائية ضدهم.

إن مثل هذه التصريحات والإجراءات لا تحمل أدنى مؤشر على أية محاولة لتحسين صورة إيران في نظر الرأي العام العالمي، بل توجه رسالة ردع واضحة لكل مواطن أجنبي أو سائح حتى لا يفكر في زيارة إيران.

ركود اقتصاد السياحة

بعد وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، تحدث وزير التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية رضا صالحي أميري، بكلمات بدت أقرب إلى البيان الدعائي منها إلى خطة عملية، عن مفهوم "السياحة المقاومة". واقترح أميري حلولاً من بينها تجنب "معاداة السياح"، والاستفادة من طاقات الإيرانيين المقيمين في الخارج، والتركيز على السياحة الداخلية كاستراتيجيات لإحياء قطاع السياحة. وأضاف بنبرة أشبه بالشعارات قائلاً إن "عجلة هذا الوطن لن تتوقف أبداً عن الدوران، فالسياحة هي تجسيد لحيوية المجتمع الإيراني وقدرته على التفاعل والأمل".

لكن هذه التصريحات لم تكن بلسماً لجراح العاملين في قطاع السياحة، بل أثارت انتقادات عدد منهم. على سبيل المثال لا الحصر، رد رئيس جمعية أصحاب الفنادق في إيران جمشيد حمزه‌ زاده، على تصريحات الوزير قائلاً إنه "للأسف، لم نشهد حتى الآن أي إجراء عملي وملموس من جانب الحكومة لدعم قطاع الفندقة. تصريحات الوزير لم تتجاوز حدود الوعود بنقل المشكلات إلى الحكومة ومتابعتها، في الأقل حتى هذه اللحظة".

في الواقع، ما يشاهد على أرض الواقع هو ركود شديد لا يطاول فقط قطاع الفندقة، بل يخيم على مجمل اقتصاد السياحة في إيران، فالانخفاض الحاد في أعداد الزوار وتوقف الاستثمارات وبيئة الأعمال غير المستقرة وغير الموثوقة من جهة، والضربات المتتالية الناجمة عن الحرب والعقوبات والأزمات السياسية والأمنية من جهة أخرى، وضعت هذا القطاع في وضع حرج للغاية.

يفتقد المقومات المالية

تراجع قطاع السياحة في إيران لا يقتصر فقط على إغلاق الفنادق أو بطالة المرشدين السياحيين أو ركود سوق الصناعات اليدوية أو كساد الأعمال المحلية وحسب، بل يمتد إلى المعالم التاريخية، إذ تشكل هذه المعالم جزءاً من الهوية الوطنية والثروة الثقافية في البلاد.

وكثيراً ما شكلت العائدات الناتجة من دخول السياح، ولا سيما الأجانب، أحد المصادر الرئيسة لتمويل مشاريع ترميم وصيانة المباني والمواقع التاريخية في إيران، غير أن هذا الدخل شهد تراجعاً ملاحظاً في السنوات الأخيرة، ومع غياب الدعم الكافي من الحكومة، بات عدد من المعالم الأثرية والمواقع التراثية مهدداً بالتآكل والتلف، بل وحتى التدمير الكامل.

وعوداً لما ورد أعلاه، يجب إضافة التداعيات الاقتصادية الواسعة لانهيار قطاع السياحة. ففي كثير من الدول، عادة ما تعد السياحة محركاً أساسياً للاقتصاد والتنمية، بما توفره من فرص عمل وإسهامها في التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد المحلي وحفظ التراث الثقافي وتعزيز التفاعل الإيجابي مع العالم، لكن في إيران اليوم وعلى رغم امتلاكها مقومات سياحية فريدة، أصبحت هذه الصناعة ضحية لسياسات أغلقت أبواب البلاد أمام الزوار الأجانب.

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير