ملخص
صرح المستشار السياسي لخامنئي علي لاريجاني، في الـ29 من يونيو الماضي، بأن إسرائيل كانت تعتزم، بعد قصف اجتماع رؤساء السلطات والشخصيات المؤثرة الأخرى في النظام، التوجه نحو القيادة (المرشد)، مؤكداً أن هذه العملية أحبِطت بفضل العناية الإلهية وبعض التدابير.
بعد مرور 16 يوماً على انتهاء الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل، لا يزال كبار المسؤولين في طهران يعيشون في ظروف أشبه بحالة الحرب، وهي ظروف لا تلوح في الأفق القريب أي مؤشرات على انتهائها.
وعلى رغم توقف إسرائيل عن قصف مواقع تابعة للنظام في المدن الكبرى داخل إيران، فإن الخوف من الاغتيالات المستهدَفة والهجمات الدقيقة والعمليات السرية التي ينفذها جهاز الموساد، أدخل النظام الإيراني في مرحلة جديدة من أقصى درجات التأهب الأمني، مما أسفر عن واقع لا يشبه إلا نمط حياة شبه سري يعيشه قادة النظام.
وخلال الأيام الـ27 التي تلت بدء هجمات الجيش الإسرائيلي ومقتل أكثر من 300 قائد عسكري رفيع ومتوسط المستوى في النظام الإيراني، لم تعد أي من مؤسسات الحكم إلى روتينها السابق. اللقاءات والاجتماعات والفعاليات العلنية إما توقفت تماماً أو تعقد في الخفاء من دون إعلان مسبق، وتحت إجراءات أمنية مشددة. كذلك تم تعليق المناسبات الرسمية والزيارات الميدانية للمسؤولين والاحتفالات المرتبطة بالتقويم الوطني أو الديني، وعلى رغم سعي السلطات إلى إظهار الوضع وكأنه طبيعي من خلال عروض رمزية، فإن الشواهد على الأرض تكشف بوضوح عن واقع مختلف تماماً.
غياب خامنئي
من أبرز هذه الشواهد، الغياب غير المسبوق للمرشد علي خامنئي عن الظهور العلني. ففي الشهر الماضي، لم يظهر سوى مرة واحدة داخل حسينية "بيت المرشد" للمشاركة في مجلس عزاء بمناسبة شهر محرم، وذلك أيضاً في لقاء مقتضب ومحدود، من دون إعلان مسبق، وبحضور عدد من الشخصيات المختارة. ومنذ ذلك الحين، لم يشارك خامنئي في أي اجتماع علني، ولم يلق أي خطاب أمام الجمهور.
وأفادت بعض المصادر ووسائل الإعلام أن خامنئي لا يزال يقيم في ملجأ آمن تحت الأرض، وأن خروجه من ذلك الموقع لا يتم إلا في حالات طارئة وبإجراءات أمنية مشددة للغاية. ووفقاً لتقارير متداولة، فقد شهدت لحظة خروجه من مجلس العزاء ليلة السبت انقطاعاً تاماً للإنترنت في طهران وعدد من المدن الإيرانية الأخرى، كما تحدثت تقارير عن تحليق طائرات حربية عدة في سماء العاصمة بهدف تأمين حمايته أثناء تلك اللحظات. ولا تزال أنظمة تحديد الموقع (GPS) تعاني اضطرابات شديدة في مختلف أنحاء طهران، في مؤشر واضح على استمرار حالة التأهب الأمني القصوى.
إسرائيل حاولت اغتيال بزشكيان
في الوقت نفسه، كشف الرئيس مسعود بزشكيان، خلال مقابلة أجراها يوم الإثنين الماضي مع الإعلامي الأميركي الشهير تاكر كارلسون، عن أن إسرائيل حاولت اغتياله. وقال الرئيس بزشكيان صراحة "نعم، لقد حاولوا. قاموا بمحاولات عدة، لكنها باءت بالفشل، وأوضح قائلاً "كنت حاضراً في اجتماع، وحاولوا قصف المنطقة التي عقد فيها الاجتماع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهذه ليست المرة الأولى التي يشير فيها كبار مسؤولي النظام الإيراني إلى احتمال استهدافهم من الجيش الإسرائيلي وجهاز الموساد، فقد صرح المستشار السياسي لخامنئي علي لاريجاني، في الـ29 من يونيو (حزيران) الماضي، بأن إسرائيل كانت تعتزم، بعد قصف اجتماع رؤساء السلطات والشخصيات المؤثرة الأخرى في النظام، التوجه نحو القيادة (المرشد)، مؤكداً أن هذه العملية أحبطت بفضل العناية الإلهية وبعض التدابير.
وتعكس هذه الاعترافات العلنية أن الخوف من العمليات الاستهدافية الإسرائيلية ليس سيناريو خيالياً في ذهن كبار المسؤولين في النظام الإيراني وحسب، بل هو تهديد حقيقي ومستمر لهم.
عملاء "الموساد"
إلى جانب هذه الروايات، كشف عبدالله شهبازي، الباحث والمؤرخ المقرب من الأجهزة الأمنية في النظام الإيراني، في الأيام القليلة الماضية، عن تفاصيل هذه الحالة نفسها.
إذ كتب شهبازي على منصة "إكس" قائلاً "إن المشهد الراهن في إيران يبعث على الدهشة، لم يكن بمقدور أحد قبل الحرب (الإسرائيلية / الإيرانية) التي استمرت 12 يوماً، أن يتخيل ولو بصورة ضبابية ما يجري اليوم. البلاد باتت عملياً تحت سيطرة قوة معادية (إسرائيل)، والمسؤولون الإيرانيون، سواء في المناصب العليا أو الدنيا، يعيشون ظروفاً تشبه حياة عناصر المجموعات الشبه عسكرية (المجموعات المتمردة) في بلد يفترض أنه تحت سلطتهم.
وبات من اللازم عليهم تغيير أماكن إقامتهم كل ليلة، والابتعاد من وسائل الاتصال، كالهاتف المحمول مثلاً، خوفاً من الاغتيال. وقد أصبح من الواضح الآن أنه إلى جانب القدرات الجوية والصاروخية والطائرات المسيرة، هناك شبكة نشطة تابعة للموساد الإسرائيلي (من الإيرانيين) تعمل بفعالية عالية على الأرض داخل إيران، ولا أعلم إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع المزدوج. لقد عايش جيلي أحداثاً وتحولات كثيرة وغريبة، لكن ما نعيشه الآن قد يكون الأغرب على الإطلاق".
والنقطة المهمة في هذه التصريحات هي الاعتراف بوجود عملاء "الموساد" فعلياً في قلب العاصمة الإيرانية، وليس هذا من محلل مستقل فحسب، بل من شخصية تعاونت لسنوات مع وزارة المخابرات الإيرانية.
ويبدو الآن أن جزءاً كبيراً من هيكل السلطة، بخاصة على مستوى القيادة والأجهزة الأمنية في النظام الإيراني، لم يعد يتمتع بالأمن الجسدي والنفسي اللازم لإدارة البلاد، فلا منازل المسؤولين، ولا المكاتب الحكومية، ولا حتى أماكن عقد الاجتماعات المهمة، آمنة لهم أو حتى في أذهانهم. ولهذا السبب، خلال الأسابيع الماضية، تعقد اجتماعات مجلس الأمن القومي الأعلى، واجتماعات قيادة القوات المسلحة، وحتى جلسات الحكومة ومجلس الشورى الإسلامي، من دون إعلان مسبق، وفي أماكن متغيرة ومحدودة، وأحياناً سرية.
شبح الحرب
تشير التقارير الصادرة عن مسؤولين وشخصيات سياسية مقربة من الأجهزة الأمنية والحكومية إلى أنه خلال الأسابيع الأخيرة، اضطر عدد من كبار المسؤولين، من أعضاء الحرس الثوري إلى الحكومة وبيت المرشد، إلى إعادة تشكيل فريق الحماية الخاص بهم بصورة قسرية.
هذا، وسبق أن اعترف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بأن وصول كبار المسؤولين في النظام إلى المرشد علي خامنئي أصبح محدوداً للغاية.
وهكذا، وبينما تواصل وسائل الإعلام الرسمية في إيران الترويج لصورة "عودة الاستقرار"، تكشف الوقائع داخل أروقة الحكم عن واقع مغاير تماماً، إذ إن ثقة النظام بنفسه، وبخاصة في أجهزته الأمنية، قد تآكلت إلى حد الانهيار، ولم يعد أحد يعلم ما الهدف التالي للعمليات الإسرائيلية.
وبالتالي، ما يجري اليوم في طهران يعكس حالة نظام يعيش في وضع دفاعي دائم، تطارده المخاوف، حتى في زمن السلم، فيما لا يزال شبح الحرب مسلطاً عليه، ويبدو أكثر هشاشة من أي وقت مضى، في ساحة خفية من الاغتيالات والتجسس.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"