ملخص
منذ عام 2019 تقريباً تفيد تقارير وحكايات ومزاعم بأن الزعيم الشيشاني رمضان قديروف في حال صحية حرجة، وتستند هذه التقارير والمزاعم إلى ملاحظة حاله الصحية وأفعاله وغياباته واهتمام بوتين السياسي به وبمصيره، كأدلة.
لماذا لا يكون أبناء قديروف الأكبر سناً خلفاء له في حكم الشيشان، وتفضيله نجله اليافع آدم؟
ترجيحات بأن يكون (رئيس الحكومة الشيشانية) ماغوميد داوودوف، المعروف بـ"اللورد"، مرشحاً لخلافة موقتة أو دائمة.
مع انتشار تقارير متضاربة حول احتمال استقالته وتدهور صحته، عاد الحاكم "الجبار" لجمهورية الشيشان المنضوية في الاتحاد الروسي، رمضان قديروف، ليجيب عن الحكايات والروايات والإشاعات المتداولة حول تدهور صحته، معلناً أنه سيعيش ما يفترض به أن يعيش، واصفاً الموت بأنه "درب كل إنسان". وقد أحدثت منشورات فلسفية ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي البلبلة، مما دفع المتخصصين إلى إمعان النظر في دوافع تصريحات الزعيم الشيشاني، وما إذا كانت تؤكد اعتلال صحته وقرب تركه منصبه السياسي المهم، أكثر مما تهدف إلى نفي ذلك.
في الـ26 من مايو (أيار) الماضي نُشر منشور فلسفي على حسابات قديروف في مواقع التواصل الاجتماعي يناقش المرض والموت. كان الفيديو المنشور مصحوباً بموسيقى وتعليق صوتي لمتحدث يقول "أسمع مزيداً ومزيداً من الإشاعات حول مرضي. يقولون إنني أموت، ولم يتبق لي كثير من الوقت... إذا كان مقدراً لي أن أعيش 50 أو 60 أو 70 سنة، فسأعيشها كما هو مقرر، ولن ينقص أحد يوماً واحداً من عمري".
في التعليق الصوتي وصف الصوت المجهول المرافق من يكتبون عن مرض قديروف بـ"الفئران في الخارج". وفي النص المرفق بالفيديو، دعا رئيس الشيشان جمهوره إلى ملء حياتهم بـ"اللطف والإخلاص والامتنان". لم يقدم قديروف أي تفاصيل محددة عن حالته، أو التشخيص المحتمل لحقيقة وضعه الصحي، أو آفاق بقائه في السلطة مستقبلاً.
منشوره الغامض يكشفه!
هذا المنشور "غير التقليدي"، مقارنة بمنشورات أخرى لرئيس الشيشان المعروف بقسوته وجبروته على منصات التواصل الاجتماعي، هو محاولة لرسم صورة حكيم أدرك ما لم يمنح الآخرون فهمه، وهذا ما يعتقده المتخصص النفسي سرغي بتروفيتش، ويفسره بالقول، إنه من الصعب قبول الشيخوخة والعجز، لا سيما بالنسبة إلى الأشخاص من هذا النوع.
ويضيف "يريد قديروف مستوى جديداً وناضجاً ومحترماً، ليس سادياً ضعيف التعليم في السلطة، بل رجل ذو خبرة في الحياة، حكيم. والصورة تبدو جيدة، يمشي بثبات على الأرض، أما النص فهو محرف، المرض والموت والقبول بإرادة الله، إلا أنه لم يقنع بشيء. ولا يتعلق الأمر حتى بالتعليق الصوتي بصوت شخص آخر أو بالصيغة الجديدة الغريبة، كما لا توجد حقيقة واحدة في الفيديو والكلمات الرنانة عن الحياة والموت تتدحرج إلى المناوئين والهواء الطلق ’أبدو قوياً وحكيماً، لكنني لا أتوقف عن التفكير فيك، أيها العدو الحقير، الذي لا يحبني‘".
كذلك لفت المتخصص الانتباه إلى كيفية "تسليط الضوء" على موضوع الأمراض بين قادتنا "المسنين أو غير الأصحاء، فبوتين يتباهى بالتنزه في الغابات العذراء والمناطق الجبلية النائية وعمليات الصيد وملاحقة الدببة، وقديروف يغازل، سواء كان مريضاً أم لا، فالله معه، وهو الملك هنا. يصعب تقبل الشيخوخة والمرض بخاصة لدى هؤلاء، لا يسعنا إلا أن نراقب من سيتمكن من التملص من هذه الحتمية ببراعة أكبر".
التسلسل الزمني لإنكار المرض
هذه ليست المرة الأولى التي يعلق فيها قديروف على معلومات تتعلق بمرضه، فقد ظهرت معلومات عن إعاقته الموقتة عام 2019، حين سافر رئيس الشيشان مرات عدة في إجازة علاجية. وقتها لم ير علماء السياسة والمعارضون الشيشان أي غرابة في هذا، إذ إن هذه الصياغة متعارف عليها في الوثائق الرسمية الروسية.
في عام 2020، أفادت وسائل إعلام رسمية أن زعيم الجمهورية الشيشانية نقل إلى المستشفى بسبب إصابته بفيروس كورونا، لكن قديروف نفى ذلك، وأصر مرؤوسوه على أن التقارير عن المرض "صادرة عن أشخاص سيئين لأسباب سياسية".
واندلعت موجة من النقاشات حول احتمال استقالة رئيس الشيشان بسبب مرض مميت مزعوم عام 2023، ولم تهدأ حتى يومنا هذا. ثم أفاد رئيس حكومة إيشكيريا في الخارج (تسمية الشيشان لدى الانفصاليين المعارضين) أحمد زكاييف، ونشطاء شيشانيون، بأن قديروف يعاني مشكلات في الكلى. وقد تجلى ذلك على سبيل المثال في وذمة شديدة.
ووفقاً لصحيفة "بيلد" الألمانية، فقد عولج قديروف على يد طبيب متخصص في أمراض الكلى من أبوظبي.
إلا أن قديروف استمر في إنكار كل شاردة وواردة عن مرضه ووضعه الصحي غير المستقر، لم يكتف بالقول صراحة إنه "بصحة جيدة وقوة بدنية"، بل تدرب أيضاً في صالة الألعاب الرياضية محاطاً بالكاميرات، وقام بتمارين الضغط خلال "خطه المستقيم" (من دون أي ثني للمرفق تقريباً)، ودفع سيارة رياضية متعددة الاستخدامات، وخرج للتدرب مع رفاقه.
غير أن رئيس الشيشان أجرى آخر جلسة تدريب له أمام الكاميرات قبل سبعة أشهر، أي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
في سبتمبر (أيلول) 2023 علم أن قديروف نقل إلى مستشفى في موسكو. وبحسب صحيفة "نوفايا غازيتا"، يعزى تدهور صحته إلى فشل رئوي حاد ناجم عن جرعة زائدة من مهدئ "دورميكوم". ويزعم أن هذا الفشل قد حدث على خلفية مرض مزمن يعانيه يُعرف بنخر البنكرياس.
ووفقاً لرواية أخرى، طرحها رئيس التحرير السابق لصحيفة "صدى موسكو"، أليكسي فينيديكتوف، شُخص مرض رمضان قديروف بفشل كلوي حاد. وزعمت السلطات الشيشانية أن زيارة قديروف المستشفى كانت للاطمئنان على صحة عمه، الذي يزعم أنه كان يتلقى العلاج هناك. ورفض الكرملين التعليق على حال السياسي والوضع الصحي لقديروف الذي يعتبر أحد أبرز أركان حكم بوتين في القوقاز.
ظواهر مرضية!
بعد مرور ما يقارب عامين لا تزال المناقشات حول صحة قديروف مستمرة. وتتعدد أسباب ذلك: ضخامة حجم التقرير المطبوع الذي قرأه رئيس الشيشان على بوتين أخيراً والضعف وارتعاش اليدين وضيق التنفس ونظرة مشتتة وغيابه المنتظم عن الساحة فترات تطول أو تقصر، كذلك فإن التغييرات التي طرأت على خطاب قديروف تثير الاهتمام.
فالحاكم الشيشاني بأمره لم يقر قط بإصابته بالمرض، لكنه صرح في أغسطس (آب) 2024 أنه "يجري عمليات جراحية عادية" كل ثلاثة أشهر، و"عمليات جراحية كبرى" كل ستة أشهر. لم يحدد قديروف ما يجريه بالضبط من عمليات "جراحية". وكان قد ادعى سابقاً أن مشكلته الوحيدة هي نقص "فيتامين د".
وفي أوائل مايو الماضي، صرح رئيس الشيشان لوكالة أنباء تسيطر عليها السلطات الشيشانية، بأنه يأمل في "إعفائه من منصبه".
وقال قديروف لوكالة "شيشان سيغودنيا": "يكتبون كل أنواع الكلام، على العكس أنا شخصياً أطالب بإعفائي من منصبي. لكل شخص آخر مبادراته الخاصة ورؤيته الخاصة، آمل أن يُقبل طلبي" هذا.
لاحقاً، صرح بأنه أسيء فهمه، وأنه لا يستطيع اتخاذ مثل هذا القرار بنفسه، بل يعود الأمر إلى "القائد الأعلى" أي الرئيس بوتين. وسرعان ما التقيا في موسكو، ولم يغادر قديروف منصبه.
معارضوه يشككون في صحته!
وعلى رغم التقارير المتضاربة والافتقار إلى المعلومات الرسمية، فإن حركة المعارضة الشيشانية "نييسو" واثقة من أن صحة رمضان قديروف مستمرة في التدهور.
ويقول ممثل المنظمة، أنصار دشني "تؤكد مصادرنا هذا، فعلى رغم ظهوره العلني من حين لآخر فلم يشارك قديروف في أي فعاليات رسمية جادة خلال الأشهر الأخيرة. وكانت آخر مشاركة ملحوظة له مرتبطة بالإجراء العقابي المتمثل بطرد أقارب نشطائنا (منتصف أبريل "نيسان"). لذا، يمكننا القول بثقة إن حالته الصحية لا تزال خطرة ولا تتحسن".
سلطة تجمع الأقارب!
وفقاً لبيانات أبريل الماضي يشغل 67 من أقارب رمضان قديروف مناصب عليا في السلطات والأجهزة الأمنية في الشيشان وروسيا ككل - وهذه الدائرة هي الأقرب فقط من أقارب رئيس الشيشان وزوجته مدني قديروف، وأبناء عمومته من الدرجة الثانية والرابعة. هذه البيانات مستقاة من مصادر مفتوحة.
لم تكن بنات رمضان قديروف مدرجات في القائمة، أعلن عن إقالة ابنته الكبرى عائشة، البالغة من العمر 26 سنة، في نهاية فبراير (شباط) الماضي. صرحت عائشة أنها قررت ترك منصب نائب رئيس وزراء الجمهورية "الذي يناسب الرجل القوي"، وتكريس كل اهتمامها لدار الأزياء الخاصة بها "فردوس"، لكن بعد 12 يوماً من مغادرتها أصبحت عائشة مالكة شركة "المياه المعدنية الشيشانية".
سبب الاهتمام بقديروف!
من بين كل حكام ورؤساء الجمهوريات والمقاطعات والأقاليم المنضوية في الاتحاد الروسي، قديروف المعروف بولائه المطلق لبوتين ونظامه، الذي يستمد جبروته وسلطاته غير المحدودة من هذا الولاء، كان ولا يزال أشهر وأبرز حاكم في روسيا بعد بوتين، فشهرته تتفوق على شهرة رئيس الوزراء وكل المسؤولين والوزراء ونظرائه من الحكام، وهذا نابع ليس فقط من شخصيته الفولاذية وخصاله القيادية وقسوته، بل أيضاً من سطوته التي تحكم هذه الجمهورية التي تمردت على روسيا وحاربتها طوال عقد التسعينيات بيد من حديد وبولاء لا يتزعزع لبوتين وحزب السلطة "روسيا الموحدة".
وقبل ما يزيد قليلاً على عقدين من الزمن عام 2004، التقى بوتين رمضان بعد اغتيال والده، أول رئيس لجمهورية الشيشان، أحمد حاج قديروف. مثل ذلك اللقاء بداية الصعود السياسي لرمضان قديروف، الذي اتسم إلى حد كبير بعلاقته الوثيقة بالرئيس الروسي، فوسائل الإعلام الروسية والأجنبية تتداول اسمه باستمرار وعلى نحو منتظم.
وقال عالم السياسة ستانيسلاف تاراسوف "يدلي قديروف بتصريحات حول استقالته بين الحين والآخر، مدفوعة على ما يبدو بأسباب داخلية، لكنه في مكانه وبصورة عامة تجاوز نفوذه وأهميته نفوذ الشيشان. قديروف هو الزعيم غير الرسمي لشمال القوقاز، واسمه معروف في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. لذا، نظرياً، يمكن نقله إلى مكان ما في المركز، إن لم يكن ذلك مرتبطاً بتدهور صحته. ولكن، على الأرجح، ينبغي اعتبار التقارير حول استقالته مجرد دعاية عامة". وأضاف "إذا تبين أن كلمات قديروف حول الاستقالة لا علاقة لها بالعلاقات العامة، وغادر رئيس الشيشان بالفعل، فإن من سيخلفه، وفقاً لخبير العلوم السياسية لن تحدده موسكو، بل قديروف نفسه، نظراً إلى نفوذه الهائل في المنطقة".
إنه شخصية مؤثرة للغاية، لذا لا يمكن لأحد أن ينصحه. أجد صعوبة في تحديد من سيخلفه، ربما علاء الدينوف، فهو شخصية مرموقة، أو ربما ابن قديروف أو شخص آخر. سيرتبط هذا بترتيبات داخلية لا نعلمها، ولكن على أي حال رأي قديروف هو الذي سيحسم الأمر.
في وقت سابق صرح قديروف بأنه يطلب إعفاءه من منصبه، هكذا علق رئيس الشيشان على إشاعات احتمال استقالته.
خلفاء محتملون لقديروف
حدد عالم السياسة ستانيسلاف تاراسوف خلفاء محتملين لقديروف. وأوضح أنه من الصعب جداً مناقشة هذا الموضوع حالياً، لكن من الممكن أن يكون من بينهم قائد قوات أحمد الخاصة، أو نائب رئيس الإدارة العسكرية والسياسية الرئيسة في وزارة الدفاع الروسية، أي الفريق أبتي علاء الدينوف، وكذلك نجل قديروف، أو أي شخص آخر.
ويعتقد المتخصص أن قديروف في مكانه، وقد تجاوز نفوذه وأهميته الشيشان. وعبر تاراسوف عن رأيه قائلاً "قديروف هو الزعيم غير الرسمي لشمال القوقاز، واسمه معروف في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي".
بدوره أفاد نائب رئيس لجنة مجلس الدوما للسياسة الإقليمية والحكم الذاتي المحلي، ميخائيل ماتفييف، بأنه لم يسمع شيئاً عن نية رئيس الشيشان التخلي عن منصبه. وأكد أن قديروف مسؤول عن أمور كثيرة في المنطقة، بما في ذلك مستوى معين من الانضباط والنظام.
ومن جانبه أعرب رئيس اللجنة، أليكسي ديدينكو، عن شكوكه في أن قديروف يطلب فعلاً إقالته.
خليفة محتمل
لماذا لا يكون أبناء قديروف الأكبر سناً خلفاء له في حكم الشيشان، وتفضيله نجله اليافع آدم؟
بناء على المنشورات على قناة الزعيم الشيشاني على تطبيق "تيليغرام"، فإن قديروف يفضل في الآونة الأخيرة حضور سباقات الخيل وفعاليات مدارس أطفاله وتفقد المعدات العسكرية على عتبة منزله ومواقع المصانع.
وفي الأثناء، ذكرت صحيفة "نوفايا غازيتا أوروبا" أن مرض قديروف المتفاقم "أشعل فتيل سيناريو تغيير السلطة في الشيشان". ويزعم أن رئيس الجمهورية يعتبر ابنه الثالث، آدم، البالغ من العمر 17 سنة، خليفته. وتشير الصحيفة إلى تمركز الكتلة الأمنية في الجمهورية حوله (يشرف حالياً على وزارة الداخلية الشيشانية وجامعة القوات الخاصة وكتيبتين شيشانيتين)، وتحويل تدفقات مالية سرية إلى الشاب، وحتى حجم موكبه لا يختلف في حجمه عن موكب رمضان قديروف نفسه.
وأعرب المتخصص السياسي الروسي دميتري دوبروفسكي عن ثقته في أن السلطة في الجمهورية يجري إعدادها للانتقال من الأب إلى الابن.
فقديروف يجهز وريثاً صغيراً من أبنائه ليحل محله، وهذا أمر شائع في "الأنظمة الاستبدادية ذات الطابع العائلي". آدم قديروف يحصل على كثير من الجوائز الفخرية وشغل مختلف المناصب الرسمية ليتولى منصب الرئيس. الكرملين يوافق على مثل هذا المرشح لعدم وجود بديل آخر. لقد صارت هذه ممارسة معتمدة وهم اتخذوا مثل هذا الخيار بالفعل عندما أصبح رمضان رئيساً بعد اغتيال والده المفتي أحمد قديروف، لا يختارون البالغين - لماذا آدم؟ ربما لا يريد رمضان قديروف المخاطرة. سيعين الشيخ خليفة له، وهو قريب جداً من السن لشغل المنصب. وهنا، في النهاية، الأصغر والأكثر حباً، الذي لا يزال غير قادر على اللعب بالألعاب، كما يعلل عالم السياسة.
آدم قديروف، البالغ من العمر 17 سنة، يشغل بالفعل مناصب عدة: فهو يترأس جهاز أمن والده (وهو المنصب نفسه الذي شغله رمضان قديروف نفسه قبل توليه السلطة)، وهو سكرتير مجلس الأمن الشيشاني، ويشرف على وزارة الداخلية في الجمهورية، وجامعة القوات الخاصة الروسية في غوديرميس، إضافة إلى كتائب بايسانغور بينوفسكي والشيخ منصور المشكَّلة في الشيشان. علاوة على ذلك، يحمل آدم ما لا يقل عن 16 وساماً، مثل وسام الاستحقاق لتتارستان وكاراشاي-تشيركيسيا وقباردينو-بلقاريا ووسام "شجاعة العمل في روسيا"، ولقب بـ"بطل الشيشان". لم يتمكن من الحصول على بعضها نظراً إلى سنه وقلة كفاءته.
حركة نييسو لا تشاطر هذا الرأي، وحسب ناشطين، لا يتعلق الأمر بانتقال السلطة داخل عشيرة واحدة، بل بقرار من موسكو فحسب.
بناءً على الأنشطة والاتصالات الحالية يرجح أن يكون (رئيس الحكومة الشيشانية) ماغوميد داوودوف، المعروف بـ"اللورد"، مرشحاً لخلافة موقتة أو دائمة. وحتى الآن يبدو أنه الشخصية الأوفر حظاً للاعتماد عليها، وفقاً لديشني.
ويشير إلى أن استبدال قديروف قد يكون مصحوباً بـ"تساهلات" تجميلية، إذ سيحاول المعين الجديد الابتعاد عن صورة رمضان، مظهراً نفسه "أكثر ليونة". مع ذلك في الواقع سيبقى هيكل السلطة وجوهرها في الشيشان على حالهما. ولا يمكن تحقيق تغييرات حقيقية إلا بتغيير الوضع السياسي في موسكو نفسها - على سبيل المثال، مع نهاية حكم بوتين، كما خلص ممثل حركة نييسو.
روايات متعددة عن حال قديروف!
منذ عام 2019 تقريباً تفيد تقارير وحكايات ومزاعم بأن الزعيم الشيشاني رمضان قديروف في حال صحية حرجة، وتستند هذه التقارير والمزاعم على ملاحظة حاله الصحية وأفعاله وغياباته واهتمام بوتين السياسي به وبمصيره كأدلة، لذلك يشكك بعض المراقبين في صحة نفي قديروف هذه الروايات والإشاعات نفسها.
وعلى رغم ادعائه المتكرر بأنه يتمتع بصحة ممتازة فإن وجهه بدا منتفخاً في الآونة الأخيرة وعيناه بالكاد تفتحان أحياناً. ويرى بعض المتابعين أن ضيق التنفس، الذي يمنعه أحياناً من التحدث أمام الكاميرا، وآثار التنقيط الوريدي على ذراعيه، كلها عوامل تعزز التكهنات حول تمتعه بتمام الصحة.
وتطرح نظريات مختلفة: إذ تزعم وسائل الإعلام والمعلقون أن قديروف يعاني مشكلات خطرة في الكلى. وإلى جانب هذه التكهنات هناك عدد من الأسئلة الأوسع نطاقاً: هل يسعى الكرملين إلى تسليم السلطة إلى أحد أبناء قديروف؟ وكيف سيبدو شكل الشيشان بعد رمضان؟ وإذا تبين أن الاتهامات لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، فلماذا سمح الكرملين والشيشان لها أن تتطور بالطريقة التي تطورت بها؟
ماذا يحدث مع رمضان قديروف؟
تتفق الروايات المختلفة في شأن مرض قديروف على شيء واحد: جميع أمراضه مرتبطة بالكلى.
في مارس (آذار) الماضي أفادت صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية أن رئيس قسم أمراض الكلى في مستشفى برجيل بأبوظبي، ياسين إبراهيم الشحات، زار الشيشان. وزعمت بيلد أن طبيب الكلى نقل جواً إلى الشيشان لأن قديروف "لا يثق بأطباء موسكو".
وقال المحلل السياسي والأمني المتخصص في شؤون شمال القوقاز هارولد تشامبرز "هناك أمران واضحان على رغم الأحداث الأخيرة: قديروف ليس في غيبوبة، وهو ليس ميتاً"، وأضاف أن صحة قديروف تبدو سيئة.
"أعتقد أن هناك خطأ واضحاً هنا، لأن صحة رمضان تدهورت أمام أعيننا جميعاً"، كما يقول تشامبرز.
ويزعم أنه في حين من المرجح أن تكون علة قديروف في الكلى، فلا دليل مقنعاً يدعم هذا، فقط "ادعاءات وروايات".
وفي مقابلة مع "قناة 24" الأوكرانية التلفزيونية، قال زعيم جمهورية الشيشان "إيشكيريا" في المنفى، أحمد زكاييف، إن قديروف سافر إلى الإمارات العربية المتحدة لتلقي العلاج من "مشكلات في الكلى". وفقاً لمعلوماته "خضع لعملية زرع كلية في الإمارات العربية المتحدة، لكنها لم تنجح. ونتيجة لذلك عانى مضاعفات صحية خطرة".
البيانات المتوافرة عن مرض قديروف محدودة، وتعتمد جميع الروايات على صور ومقاطع فيديو تظهر رئيس الشيشان.
ويؤكد طبيب أمراض الكلى إيراكلي موخاشافرييا من المستشفى الأميركي في عاصمة جورجيا تبليسي، أنه على رغم أن قديروف قد يعاني مشكلات في الكلى، فإنه من غير الممكن التوصل إلى أي تشخيص موثوق به بناءً على الصور الفوتوغرافية وحدها.
لكن هذا لم يمنع المراقبين من التكهن بأن قديروف يعاني آثار أعوام من الإدمان المخدرات أو أنه تعرض للتسمم. فقد ظهرت مقاطع فيديو وتكهنات حول تغييرات غير مبررة في مظهر قديروف على قنوات "تيليغرام" الشيشانية، وهذه الفيديوهات والإشاعات هي التي يستند إليها ويدافع عنها علانية أحمد زكاييف، الذي يظهر غالباً في وسائل الإعلام الأوكرانية.
ويزعم زكاييف أن قديروف يتعاطى المخدرات منذ أكثر من 15 عاماً، وهذا هو السبب في حاله الصحية الحرجة، ويؤكد أن هذه الرواية مدعومة بمصادر لم يكشف عن هويتها وسلوك قديروف نفسه.
وقال زكاييف في مقابلة صحافية في فبراير الماضي "أوضحت لي وزارة الصحة ما كان يعانيه، والآن أصبح معتمداً على هذه الحبوب أو الأدوية، ولا أعرف ما هو بالضبط".
ويزعم زكاييف أن قديروف أرسل إلى الإمارات العربية المتحدة لتلقي علاج الكلى بعدما أخذ مسدساً من حارسه الشخصي وركض حول منزله وهو في حال سكر.
وأيد رئيس الأجهزة الخاصة الأوكرانية كيريل بودانوف أيضاً هذه الرواية. وقال رئيس الاستخبارات الأوكرانية في مقابلة مع قناة تلفزيونية "يعاني مشكلات الإفراط في تعاطي المخدرات، التي اضطر إلى استخدامها كمنشطات ثم كمسكن للألم، بعدها نشأت المشكلة".
تشامبرز الذي يقول إنه "لن يتفاجأ" بأي شيء يتعلق بقديروف، يعتقد أنه لا يوجد دليل كاف لدعم النظرية القائلة إن مرض قديروف مرتبط بإدمان المخدرات.
ويقول تشامبرز "إن مسائل المخدرات لا تزال غامضة ولم تكن هناك سوى حالات قليلة، إذ جاءت الادعاءات من أطراف مستقلة عدة".
تسميم قديروف من خصومه في الكرملين
هناك رواية بديلة تطرح بصورة متكررة في وسائل الإعلام الأوكرانية، وهي أن قديروف تعرض للتسمم على يد أجهزة الاستخبارات الروسية.
ومن بين المؤيدين لهذه الرواية أوليكسي دانيلوف، أمين مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا. وقال دانيلوف في سبتمبر 2024 "إن مطاردة قديروف - وملاحقته من قبل الروس - تعد صراعاً معروفاً بين الجماعات المتصارعة في الكرملين. وبالنظر إلى نفوذه الذي كان ولا يزال يتمتع به على العمليات في روسيا، فقد وجد نفسه في هذا الموقف".
كما ذكر ضابط الاستخبارات السوفياتية السابق، سيرغي جيرنوف، في مقابلة مع صحيفة "أونيان" الأوكرانية، أن سبب سوء صحة قديروف قد يكون التسمم من قبل إحدى المنظمات التي خلفت الاستخبارات السوفياتية، وهي جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، لكنه كان أكثر حذراً في تصريحاته.
وقال إنه يعتقد أن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ربما يكون قد سمم قديروف "لتخويفه" أو "خلق مشكلات" له حتى يركز انتباهه على هذا الأمر "ولا يكون لديه وقت للقيام بانقلاب".
لكنه قال إنه من غير المرجح أن يكون بوتين مهتماً بقتل قديروف لأن الزعيم الشيشاني كان "ينفذ عقداً مفاده: أنت تسيطر على الشيشان وتطوعها لصالحنا، مقابل السماح لك بفعل أي شيء تريده هناك". وأضاف أن قديروف على الأرجح قد "سمم بصورة طفيفة" ليسبب له مشكلات في الكلى ويحتاج إلى غسل كلى منتظم، مما يجعله غير قادر على تحدي بوتين.
لكن جيرنوف أضاف أنه لا يستبعد احتمال أن يكون قديروف قد أصيب بإدمان المخدرات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أشار رئيس مجموعة الشتات الشيشاني "القوة المتحدة في أوروبا"، جمبولات سليمانوف، إلى أن قديروف ربما تعرض للتسمم، لكنه قال من قام بذلك ربما أولئك الذين يسعون إلى إضعاف بوتين، وليس قواته.
هناك حرب سياسية داخلية تدور خلف الكواليس. في هذه الخطة يمثل قديروف أضعف نقطة في يد بوتين، والحلقة الأضعف، ولهذا السبب ربما أرادوا التخلص منه، لحرمان بوتين من أتباعه الأكثر ولاءً، كما يقول قديروف نفسه، كما يعتقد سليمانوف.
ويقول المدير التنفيذي لشركة الأبحاث "ثري أتاغوليست"، مارك يونغمان، "كما هي الحال مع فكرة أن قديروف قد يكون مدمناً المخدرات، فإن النسخة الثانية تنتشر بصورة رئيسة من قبل أولئك الذين لديهم مصلحة في أن يكون قديروف مريضاً"، مضيفاً أنه يعتبر كل هذا إشاعات لا أكثر.
ويضيف يونغمان "مصادر الإشاعات ليست محايدة تماماً: قنوات التواصل الاجتماعي للمعارضة الشيشانية وزكاييف والاستخبارات الأوكرانية، جميعهم سيرحبون بالتأكيد بنهاية قديروف".
ويعتبر أنه في حين أن هذه النظريات قد تكون صحيحة، فإن الأدلة المقدمة حتى الآن لدعم ادعاءاتهم "ظرفية في أفضل الأحوال".
وبحسب يونغمان، فإن الرحلات الجوية من الشيشان إلى موسكو، ومشاهدة السيارات التي تحمل لوحات ترخيص شيشانية متوقفة أمام المستشفيات الروسية، وكذلك صور قديروف المنتفخ الوجه، ليست علامات موثوقة على المرض.
ويخلص يونغمان إلى القول "قد تكون هذه كلها مؤشرات إلى مشكلة خطرة، لكنها قد لا تكون كذلك أيضاً. بدا قديروف سيئاً لفترة، لكنه ظل نشطاً للغاية في الساحة السياسية".
نفي شديد من قديروف
عندما بدأت الإشاعات تنتشر حول مرض قديروف، ضاعف رئيس الشيشان نشاطه السياسي. فبعد فترة وجيزة على لقاء نجله أحمد قديروف بوتين، زار قديروف الكرملين والتقى الرئيس الروسي، كذلك نشر رسالة على قناته على "تيليغرام" رد فيها على الإشاعات.
كتب في الـ15 من مارس الماضي "إلى من يعزون أنفسهم بأمل إصابتي بمرض عضال، يؤسفني أن أخيب ظنكم. أنا بصحة جيدة ومليء بالطاقة. وكما في السابق أمارس الرياضة وأزور الجبال وأمارس رياضة المشي مسافات طويلة وأحل قضايا مهمة تتعلق بتنمية الجمهورية".
وأضاف قديروف "يبدو لي أن مؤلفي هذه الأوهام في حاجة إلى طبيب... يا رفاق هناك خلل في أدمغتكم، اتصلوا بمتخصص".
كذلك أدلى قديروف بتصريحات مماثلة في الأسابيع والأشهر التي تلت ذلك. وعلى رغم التغييرات التي طرأت على مظهره، ادعى أنه يتمتع بصحة ممتازة: أحياناً أثناء المشي وأحياناً بملابس رياضية وأحياناً في اجتماعات سياسية.
ويشير مارك يونغمان إلى أن مثل هذه الإشاعات لا تخص قديروف وحده: إذ يواجه زعماء سياسيون آخرون افتراضات مماثلة. ويضيف "المظهر ليس مؤشراً موثوقاً. تنتشر إشاعات عن احتضار بوتين بالسرطان وأمراض أخرى منذ عقد في الأقل، وأردوغان الذي ينظر إلى أبعد من ذلك قد وضع قدمه في القبر منذ فترة، ويبدو أن كليهما على أرض الأحياء".
ويعتقد يونغمان أنه في غياب أدلة دامغة، فإن الحديث عن صحة قديروف يبقى "تخمينياً إلى حد ما".
"قد نكون الآن بصدد مناقشة من سيحضر جنازته خلال أسبوع، ولكن من المرجح أيضاً أن نتساءل كيف ستبدو الشيشان بعد رحيل قديروف خلال عام"، كما يقول يونغمان.
الشيشان من دون رمضان
وبغض النظر عن مدى صدقية الروايات عن صحة قديروف، فإن الإشاعات الدائرة حول تدهور وضعه الصحي، تركت كثراً يتساءلون عما قد يحدث في الشيشان بعد رحيل قديروف. ويتعلق السؤال غالباً بكيفية رد فعل السكان بعد أعوام من القمع، وكيف سيتفاعل الكرملين مع فقدان "الجندي المخلص" لبوتين.
ويعتقد يونغمان أن هناك عاملين رئيسين يجب النظر إليهما، بخاصة في ما يتعلق بآفاق استمرار سلالة قديروف.
أولاً، هناك فرق بين ديكتاتور يرغب في خلافته، وبين أن تحصل عملية الخلافة المخطط لها من دون أي تعقيدات. يبدو أن قديروف يسعى إلى تولي أبنائه هذا المنصب، لكن هذا لا يعني أن الآخرين سيوافقون على نقل السلطة إذا غاب قديروف عن المشهد السياسي.
ويلفت يونغمان أيضاً إلى أن وجود المنافسة سيؤدي دوراً رئيساً في طبيعة الانتقال.
ويقول يونغمان "قديروف نظام بقدر ما هو شخص. لو استبدل بشخص آخر، سواء كان نجله أحمد قديروف أو آدم ديليمخانوف أو ماغوميد داوودوف، فإن النظام قادر على الاستمرار من دون مشكلات إذا تولى زمام القيادة بسرعة".
على سبيل المثال، إذا ادعى أحد هؤلاء المتنافسين الثلاثة سلطته، وأبدى الآخران (والكرملين، وهو الأهم)، موافقتهما على هذا الزعم بسرعة، فقد لا يكون هناك تغيير يذكر على المدى القريب، كما يوضح يونغمان، "أما إذا نشأ وضع يدعي فيه أكثر من مرشح محتمل السلطة، وكانت تفضيلات الكرملين غير مؤكدة، فمن المرجح أن ينجم عن ذلك حال من عدم الاستقرار والعنف الشديدين".
لكن تشامبرز يعتقد أن سلطة تحديد من سيخلف قديروف وما سيخلفه تقع في نهاية المطاف على عاتق الكرملين. ويقول "يعتبر بوتين الشيشان بلداً بالغ الأهمية لا يسمح بزعزعة استقرار حكومته، ولديه خيار بين قائد بالوكالة - بيروقراطي أكثر حيادية مثل مسلم خوشيف، أو وسيط سلطة حقيقي مثل آدم ديليمخانوف أو ماغوميد داوودوف - على رغم أن كليهما سيواجه معضلات مختلفة". ويضيف "سيكون هذا رأياً غير شعبي، لكن لا يهم حقاً ما إذا كان رمضان في حال حرجة أو في غير ذلك"، لكن تشامبرز يشير إلى وجود درجة عالية من عدم اليقين في شأن الشيشانيين المعارضين حكم قديروف: من المستحيل معرفة ما إذا كان المعارضون الشيشان والنشطاء المؤيدون للاستقلال سيغتنمون الفرصة لاتخاذ إجراء، أو كيف سيفعلون ذلك.
ويتابع تشامبرز "لا يزال من غير الواضح كيف سيتمكن الشيشانيون الذين يقاتلون من أجل أوكرانيا، أو غيرهم ممن يرغبون في القتال من أجل استقلال الشيشان، من العودة إلى ديارهم". ويضيف، "لا تزال هناك عقبات جسيمة أمام تنظيم المقاومة داخل البلاد".
وقال "عندما يموت قديروف فإن علاقات الشيشان مع موسكو ستتغير بالتأكيد، ولكن ليس كثيراً في ظل الظروف الحالية".
ومع ذلك يعتقد تشامبرز أن هذه الإشاعات، مثل أي أخبار صحافية أخرى تتعلق برئيس الشيشان، تصب في نهاية المطاف في مصلحة قديروف.
بهذه الإشاعات يمكنه أن يفاقم الوضع بمجرد عدم حضوره، مما سيجذب مزيداً من الاهتمام. في النهاية يخرج بنفسه، ويقول إنه بخير، ويوجه اتهامات لمروجي الإشاعات، ويمارس التصيد كهواية وغالباً ما ينجح.
ماذا بعد قديروف؟
في حال تنحي قديروف عن منصبه أو غيابه لأي سبب كان، فلن تكون لدى بوتين خيارات كثيرة، فهو لن يتمكن من إشعال حرب شيشانية ثالثة، وهو يخوض حرباً دامية في أوكرانيا منذ أكثر من ثلاثة أعوام. في هذه الحال لا يملك بوتين سوى محاولة التفاوض مع العشائر الشيشانية، لأنه يتذكر جيداً كيف استطاعت هذه الأمة الصغيرة، التي تفتقر إلى السلاح الكافي، ولكن بشجاعة كبيرة وحب كبير لوطنها، مقاومة الإمبراطورية الروسية طويلاً وبضراوة.
نعم نجح بوتين في تقويض استقلال إيشكيريا، لكنه لم يستطع كسر إرادة الشيشان. ولا يزال جوهر دوداييف أول رئيس انفصالي رمزاً للحرية وإقامة الدولة للشعب الشيشاني. مهما يكن من أمر فقد سمح الثنائي بوتين-قديروف لموسكو بالسيطرة على الشيشان فترة طويلة.
يجمع بوتين وقديروف طموحاتهما المفرطة وجبروتهما المتصاعد، وعلى رغم أنهما أصبحا في البداية حليفين ظرفيين، فإن هذا التحالف تحول لاحقاً إلى تبعية متبادلة لم يعد بإمكانهما التخلص منها.
من المدهش بالطبع أن يتحد شيشاني مع بوتين بعد كل الحرب بين روسيا والشيشان. من المؤكد أن زعيم الكرملين ورمضان قديروف متحدان بالمتطلبات الإلزامية لقادة الاتحاد الروسي.
وعلى رغم أن جمهورية الشيشان كانت واحدة من الكيانات الـ85 للاتحاد الروسي، فإنها حظيت حتى الآن بمكانة متميزة. فالاستقرار في الشيشان بالغ الأهمية للاستقرار السياسي في روسيا. وفي مقابل ولائه الشخصي المطلق للرئيس الروسي، منح زعيم الشيشان، رمضان قديروف، تفويضاً مطلقاً لحكم المنطقة وفقاً لتقديره الخاص، وبمساعدة أجهزة أمنية لا يسيطر عليها إلا هو، ولا تخضع رسمياً إلا للمركز. وبما أن المجموعة العرقية الاسمية هي المهيمنة في الشيشان، فإن الهوية الوطنية هي العامل المهيمن في نفوذ عائلة قديروف.
إذا استمر قديروف في منصبه حقاً، فإن الحفاظ على هذه المكانة المهيمنة هو أولويته القصوى. لا شك في ذلك، فالرئيس الشيشاني، الذي تربطه علاقات وطيدة بقادة كبار في دول الخليج العربي، قد فكر في مستقبله ومستقبل أقاربه الكثر.
وعلى رغم أنه لا ينبغي التسرع في الاستنتاجات، فإن افتراض غياب رمضان قديروف يدفعنا إلى دراسة سيناريوهات محتملة متعددة، نظراً إلى أهمية دوره وأهمية الشيشان بالنسبة إلى بوتين. يمكن للمرء أن يتنبأ بأمور مختلفة في هذا الشأن، لكن قديروف مرتبط بشدة بنظام بوتين اليوم، لدرجة أن أي إجراءات يتخذها دعماً للكرملين قد تحدث تغييراً جذرياً في الوضع السياسي في موسكو.
مع الأخذ في الاعتبار هذا، يتبين لنا قرار آخر لبوتين، ربما يكون قديروف قد اطلع عليه من مصادره في الكرملين. يحتاج بوتين إلى جيش قديروف المؤلف من 30 ألف جندي ليس في الشيشان، بل على جبهات الحرب في أوكرانيا، لذلك فإن صحة قديروف ومصيره وكل ما يتعلق به مسألة مهمة لبوتين، بخاصة في خضم الحرب التي يخوضها في أوكرانيا ضد الغرب الجماعي، والتي يعتبر المقاتلون الشيشان فيها أحد أهم أركانها وركائزها ومواردها.