Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يؤسس إيلون ماسك حزبا سياسيا ثالثا في أميركا؟

يحتاج الملياردير الشهير تعلم درس ثيودور روزفلت وحزبه الثالث الأنجح في التاريخ

التحول الجذري في موقف ماسك أثار قلق ترمب والجمهوريين بصورة كبيرة (رويترز)

ملخص

تصور أحزاب ثالثة مثل حزب روزفلت كل انتخابات على أنها حاسمة، كما لو أن الأمة تواجه كل أربعة أعوام حال طوارئ لا يستطيع تحملها إلا مرشح واحد. وخلال عام 1912 انتقد روزفلت أصحاب النفوذ وزعماء الحزب بشدة، معتبراً إياهم متورطين في الفساد السياسي الذي أضعف الديمقراطية الأميركية تماماً مثلما يجادل إيلون ماسك الآن.

مرة أخرى هدد الملياردير إيلون ماسك بتأسيس حزب سياسي جديد ينافس الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في حال إقرار مشروع القانون الضخم الذي دفعت به إدارة الرئيس دونالد ترمب لخفض الضرائب والإنفاق، مشيراً إلى أنه سيدعم المنافسين لكل جمهوري يوافق على هذا القانون في الانتخابات التمهيدية للكونغرس القادم، فهل تهديد ماسك واقعي؟ وإلى أي مدى يمكن أن يغامر بالسير قدماً نحو تحدي الرئيس ترمب الذي لمح إلى إمكانية طرده من الولايات المتحدة، بعد أشهر من تهديده بإلغاء عقود شركات ماسك مع الحكومة الفيدرالية؟ وما الذي تشير إليه التجارب السابقة لتأسيس حزب ثالث يكسر قاعدة الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة؟

حزب أميركا

لم تفلح تهديدات أغنى رجل في العالم بمحاربة أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين يوافقون على إقرار مشروع قانون دونالد ترمب "الجميل والكبير" المتعلق بالسياسة الداخلية الأميركية، فبعد ساعات من هذا التهديد أقر مجلس الشيوخ بصعوبة شديدة مشروع القانون بفارق صوت واحد حسمه نائب الرئيس جيه دي فانس الذي يعد أيضاً رئيس مجلس الشيوخ، وبذلك يعود مشروع القانون الذي عُدل إلى مجلس النواب لإقراره هناك كما هو، إذ ينتظر معركة أخرى على أمل إقراره نهائياً قبل العيد الوطني للولايات المتحدة خلال الرابع من يوليو (تموز) الجاري.
لكن هذه النتيجة جاءت عكس ما كان يأمله إيلون ماسك حليف ترمب السابق وأكبر مانح جمهوري في البلاد، الذي جدد معارضته القديمة لمشروع القانون بل وتعهد إنشاء حزب سياسي منافس جديد يطلق عليه اسم "حزب أميركا"، وقال في منشور له عبر منصته "إكس" إن الولايات المتحدة في حاجة إلى بديل للحزب الديمقراطي-الجمهوري الأحادي، حتى يكون للشعب صوت حقيقي في حال أقر الجمهوريون مشروع القانون، وصعد ماسك من تحديه خلال سلسلة منشورات شاركها مع أكثر من 220 مليون متابع، بتأكيد التزامه بشن حملة ضد أي جمهوري في الكونغرس خاض حملة انتخابية على أساس خفض الإنفاق الحكومي، ثم صوت لمصلحة أكبر زيادة في الدين الأميركي في التاريخ، متوعداً بجعلهم يخسرون الانتخابات التمهيدية العام المقبل.

هل يفي ماسك بعهده؟

ومع ذلك، لم تجد تهديدات إيلون ماسك آذاناً صاغية لدى أعضاء مجلس الشيوخ، باستثناء ثلاثة أعضاء رفضوا مشروع القانون لأسباب أخرى لا علاقة لها بتهديد ماسك، مما يعني أن دعوة ماسك الملايين من متابعيه إلى الاتصال بأعضاء مجلس الشيوخ للمطالبة بإلغاء مشروع القانون باءت بالفشل، وهو ما يجعله مطالباً من الناحية الأخلاقية، حال إقرار مجلس النواب مشروع القانون، بأن يفي بتعهده إنشاء حزب ثالث، وبخاصة بعدما تباهى بنشر نتائج استطلاع رأي لشركة "كالشي" للمراهنات، أشار إلى أن احتمالات تأسيس ماسك لحزب سياسي جديد خلال عام 2025 ترتفع إلى 41 في المئة.
وما يزيد من إمكانية تنفيذه هذا التعهد هو أنها ليست المرة الأولى التي يطرح فيها ماسك فكرة تأسيس حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة، إذ أطلق هذه الفكرة قبل شهر واحد خلال ذروة خلافه الأول مع ترمب، والذي اتخذ منحى شخصياً عندما انتقل إلى وسائل التواصل الاجتماعي، إذ طلب ماسك من مستخدمي منصة "إكس" التصويت على استطلاع رأي حول ما إذا كان ينبغي تأسيس حزب سياسي جديد يمثل واقعياً نسبة 80 في المئة من الطبقة الوسطى، وحينما صوت 80 في المئة من المشاركين بـ"نعم"، عد ماسك أن الشعب قال كلمته. لكن بصرف النظر عن تأكيداته أن حزبه السياسي الجديد سيمثل الطبقة الوسطى، وإشارته إلى أنه سيدعم منافسي الجمهوريين في الكونغرس الذين أيدوا مشروع القانون قبيل الانتخابات التمهيدية لسباق التجديد النصفي للكونغرس خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2026، لم يعلن ماسك بعد عن أية سياسات مقترحة محددة حول الحزب الجديد، كما أنه لم يسلط الضوء على المبادئ الأساس لـ"حزب أميركا".

تأثير تهديد ترمب

غير أن التحول الجذري في موقف ماسك الذي شارك بنشاط في حملة ترمب الانتخابية عام 2024 وأنفق نحو 200 مليون دولار لدعم انتخاب الرئيس، وفقاً لتقارير لجنة العمل السياسي العليا التابعة لماسك والمعروفة باسم "أميركا باك" مما جعل الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" أكبر وأبرز مانح له في انتخابات 2024، أثار قلق ترمب والجمهوريين بصورة كبيرة. ولهذا وجه ترمب تحذيراً شديد اللهجة لحليفه السابق رداً على معارضة ماسك الأخيرة لمشروع قانونه، إذ لم يستبعد ترحيل ماسك الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والجنوب أفريقية، وأثيرت حوله شكوك في السابق عما إذا كان خالف قوانين الهجرة عندما جاء للدراسة في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنه سينظر في الأمر.
وجدد الرئيس الأميركي تهديده السابق لماسك ولكن في نكهة مزاح، إذ قال إنه قد يضطر إلى توجيه إدارة الكفاءة الحكومية المعروفة باسم "دوج" والتي كان ماسك يرأسها للعمل ضد إيلون، واصفاً "دوج" بأنها وحش يمكن أن يلتهم ماسك في إشارة مبطنة إلى العقود والدعم المالي الذي تحصل عليه شركات ماسك البارزة من الحكومة الفيدرالية وعلى رأسها شركة "سبيس أكس".
وفي حين تعامل ماسك مع تهديد ترمب بتحفظ قائلاً إنه من المغري جداً تصعيد هذا الأمر، فإنه امتنع عن الرد من دون أن يفصح عما إذا كان سيمضي قدماً في تأسيس حزب ثالث أو ينفذ تعهده بتمويل منافسي أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين وافقوا على مشروع قانون ترمب، خلال الانتخابات التمهيدية المقبلة.  

رهانات ماسك

ربما تكون طموحات ماسك بتأسيس حزب جديد مجرد فقاعة هواء لا علاقة لها بنياته الحقيقية، وربما تكون بالون اختبار لإثارة اهتمام الجمهوريين وبث الخوف في نفوسهم كي تكون استجابتهم له متوائمة أكثر مع توجهاته، بعدما أنفق مئات الملايين على المرشحين الجمهوريين في انتخابات 2024 بغية تعزيز نفوذه السياسي، لكن تهديداته أيضاً لم تأت من فراغ، فللمرة الأولى في التاريخ الحديث يعد نحو نصف الأميركيين أنفسهم مستقلين، ويقول ثلثاهم إن هناك حاجة إلى حزب جديد سيصوتون له، والمثير للدهشة أن غالبية الديمقراطيين والجمهوريين أيضاً يقولون إنهم يريدون خياراً آخر.

ويبدو أن ماسك يستغل فقدان الأميركيين ثقتهم بالحكومة، إذ يقول ثمانية من كل 10 إن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، وفقاً لاستطلاعات الرأي، ويعتقد ثلثا الناخبين أن لا الديمقراطيين ولا الجمهوريين لديهم الأولويات الصحيحة، ويشعر الناس بأن أصواتهم غير مسموعة، وفي ظل نظام ممزق بين طرفين متزايدي الانقسام، تتعاظم الضرورة لإعادة طرح خيارات تنافسية، بعدما فشلت أحزاب اليوم البالية بتلبيتها حاجات الفئات المهمشة التي جعلت معظم الأميركيين يشعرون بأنهم غير ممثلين.
وبينما يطلق بعض على الأحزاب الثالثة اسم "الأحزاب المفسدة"، فإن عدد ممن حاولوا تأسيس أحزاب ثالثة يرون أن النظام مفسد بالفعل، ويدللون على ذلك بأن هناك أكثر من 500 ألف منصب انتخابي داخل الولايات المتحدة، ومع ذلك كشفت دراسة حديثة أن أكثر من 70 في المئة من السباقات الانتخابية عام 2020 حسمت بالتزكية أو من دون منافسة، بينما تشهد شريحة صغيرة من مقاعد الكونغرس الأميركي عادة سباقات حقيقية متقاربة في الانتخابات التشريعية، بالتالي فإن النتيجة أن الحزبين الرئيسين لا يتنافسان إلا قليلاً، وأميركا تعاني نتيجة لذلك.

وهم ليبرالي

إضافة إلى هذه العوامل كانت علاقة ماسك بالحزب الجمهوري متقلبة وقصيرة، فهو ديمقراطي مخضرم ولم يبدأ بالتماهي مع الحزب الجمهوري إلا خلال عام 2022، ولم يقدم مساهمات عامة كبيرة للحزب إلا قبل انتخابات نوفمبر الماضي، وأدى خلافه مع ترمب الشهر الماضي إلى تسريع اهتمامه المعلن بتشكيل حزب جديد. ولهذا وجه نائب رئيس موظفي البيت الأبيض للسياسة ومستشار الأمن الداخلي ستيفن ميلر، على موقع "إكس"، انتقادات حادة لماسك ووصف دعوته لإنشاء حزب أميركي جديد يدير موازنة فيدرالية متوازنة بأنه "وهم ليبرالي"، مفسراً هذا الوهم باعتقاد الليبراليين أن هناك قاعدة سياسية واسعة تدعم أيديولوجيتهم، وهذا غير موجود على حد وصفه، إذ لم يسبق لليبراليين أن تجاوزوا أداء وطنياً يقرب إلى الصفر، وعندما يترشحون للرئاسة ضمن الحزب الجمهوري، يكونون أول من يسحب ترشيحهم.

مهمة شاقة

لكن تشكيل حزب ثالث فعال يعد مهمة شاقة، إذ لم تظهر أية مؤشرات فورية على أن ماسك أو مستشاريه يستعدون للقيام بأي شيء ملموس، كما كان ملياردير التكنولوجيا قبل خمسة أسابيع فحسب، يعزف لحناً مختلفاً تماماً، قائلاً إنه سينفق أقل بكثير على الانتخابات في دورة 2026.
وتظهر السوابق التاريخية صعوبة اختراق نظام الحزبين الراسخ في أميركا منذ أمد بعيد، فقد أدت متطلبات الوصول إلى صناديق الاقتراع ونقص البنية التحتية السياسية ومحدودية الدعم المؤسسي إلى عرقلة أو إحباط جهود مماثلة في الماضي.
وعلاوة على ذلك، يبدو أن الرأي العام يظهر حماسة محدودة لماسك نفسه كبديل سياسي لترمب، إذ أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "يوغوف" خلال يونيو (حزيران) الماضي أن 28 في المئة من المشاركين سيختارون ترمب في منافسة مباشرة، بينما ثمانية في المئة فقط يفضلون ماسك. وذكرت غالبية 52 في المئة أنها لن تدعم أياً من المرشحين، في حين كشفت استطلاعات رأي أخرى أجريت قبل الخلاف العلني بين ماسك وترمب عن نسب تأييد متوازية بين الجمهور الأميركي. وتشير هذه الأرقام إلى أنه على رغم نفوذ ماسك بين الناخبين الشباب المحافظين، فإن جاذبيته خارج هذه الفئة العمرية لا تزال محدودة.

تطور نظام الحزبين

عندما تأسست الولايات المتحدة عام 1787 اعتقد الآباء المؤسسون، وهم اللاعبون الرئيسون الذين كتبوا الدستور الأميركي، أن التحزب سيؤثر سلباً في القيم الديمقراطية التي كان من المفترض أن تدعمها البلاد. وكتب جون آدامز، أحد الآباء المؤسسين، الرئيس الثاني للولايات المتحدة أن "تقسيم الجمهورية إلى حزبين عظيمين أمر يخشى منه باعتباره أعظم شر سياسي". وبالمثل، كتب جيمس ماديسون، أحد الآباء المؤسسين، الرئيس الرابع للولايات المتحدة، أن وجود تنوع أكبر في الأحزاب والمصالح من شأنه أن "يقلل من احتمالية وجود دوافع مشتركة لدى غالبية الشعب لانتهاك حقوق المواطنين الآخرين.
وبناء على ذلك، كان سهلاً خلال الأيام الأولى للديمقراطية الأميركية تأسيس حزب سياسي ثالث رئيس. وعلى سبيل المثال، بدأ الحزب الجمهوري نفسه كحزب ثالث خلال خمسينيات القرن الـ19، عندما تشكل تحالف معارض لتوسع العبودية في الأراضي الغربية بين "الديمقراطيين" و"الويغز"، وهما الفصيلان السياسيان الرئيسان خلال ذلك الوقت. وظهرت أحزاب أخرى انبثقت من النقاش حول العبودية خلال القرن الـ19 مثل حزبي "الحرية" و"التربة الحرة".

اختفاء الأحزاب الصغيرة

ومع ذلك، شهدت السياسة الأميركية منذ منتصف القرن الـ19 تزايداً في قوة التحزب واختفاء شبه تام للأحزاب الصغيرة من الساحة السياسية، ولهذا كان كل رئيس أميركي منذ عام 1852 إما ديمقراطياً أو جمهورياً، ويأتي التفسير الأكثر شيوعاً لظهور واستمرار السياسة ثنائية القطب داخل الولايات المتحدة من ورقة بحثية عام 1954 لعالم الاجتماع الفرنسي موريس دوفيرجيه، والتي أصبحت بمثابة قانون في العلوم السياسية تحت اسم "قانون دوفيرجيه"، والذي يوضح أن أنظمة الانتخابات التي تعتمد الغالبية البسيطة والاقتراع الفردي تفضل نظاماً سياسياً ثنائي الحزب، وتسمى هذه الآليات الانتخابية "الأكثر فوزاً"، مما يعني أن لكل ناخب صوتاً واحداً، والمرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات هو الفائز، وهو نظام استورده الآباء المؤسسون للولايات المتحدة من آلية الانتخابات البريطانية عام 1430 وهو بعكس نظام التمثيل النسبي، إذ تتطابق المقاعد البرلمانية مع نسبة الأصوات المستلمة، فإن نظام "الأكثر فوزاً" لا يرى سوى المرشح الفائز الحاصل على أكبر عدد من الأصوات. وفي هذا النظام لا يحظى بفرصة الفوز الأحزاب أو المرشحون الحاصلون على ثاني أكبر عدد من الأصوات، بغض النظر عن مدى صغر هامش خسارتهم، ولا يفوزون بأي تمثيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التصويت الاستراتيجي

ولذلك، ينص قانون دوفيرجيه على أنه على المدى البعيد، يقدر الناخبون العقلانيون الذين لديهم صوت واحد فقط للإدلاء به أخطار التصويت لحزب لا يتمتع بالغالبية، وهذا التقدير يشجع على ما يسمى "التصويت الاستراتيجي" الذي يعد أن التصويت لمرشح مفضل لم يتمكن من الفوز بالغالبية إهدار للتصويت، وهكذا أصبح الناخبون ينجذبون نحو أحد الحزبين الرئيسين اللذين يتوقعون أن لديهما أعلى فرصة لتحقيق الغالبية والفوز في الانتخابات.
ونظراً لأن الانتخابات التي تعتمد نظام "الفائز يأخذ كل شيء"، لا تقدم أية مكافأة للفوز بأقل من غالبية الأصوات، فقد تخلى كل من الجمهوريين والديمقراطيين، بمرور الوقت عن الدوائر الانتخابية التي لم يكن لديهم فيها دعم يذكر، مفضلين الدوائر الانتخابية التي كان لديهم فيها بالفعل قاعدة جماهيرية كبيرة نسبياً، وهكذا بدلاً من التنافس على أصوات بعضهم بعضاً، تخلى الجمهوريون عن الدوائر الحضرية، وتخلى الديمقراطيون عن الدوائر الريفية.

الهوية الكبرى

ومنذ حركة الحقوق المدنية خلال ستينيات القرن الماضي، تجاوز الاستقطاب الجمهوري الديمقراطي بكثير مجرد التوزيع الجغرافي للناخبين، إلى ما تطلق عليه عالمة السياسة ليليانا ماسون "الهوية الكبرى"، إذ ترتبط الهويات الاجتماعية بما في ذلك العرق والدين بالانتماء الحزبي، ولذلك توجد انقسامات عميقة الجذور داخل الجمهور الأميركي ليس فقط وفقاً للحزب السياسي الذي ينتمون إليه، ولكن أيضاً وفقاً للعرق الذي يعرفون به والدين الذي ينتمون إليه، وما إذا كانوا يعيشون في مناطق حضرية أو ريفية وفئة دخلهم ومستوى تعليمهم.
يعني هذا أن ثنائية القطبية داخل الولايات المتحدة تمثل معضلة اجتماعية وسياسية، إضافة إلى كونها مشكلة هيكلية حكومية، لذا فإن معالجة هذه القضية تعتمد على القدرة على تفكيك العداء القائم على الهوية، وعلى سن إصلاح انتخابي يمكن عدداً من الأحزاب السياسية من عكس التنوع الأيديولوجي للشعب الأميركي. ومع ذلك، هناك عوائق إجرائية رئيسة تحول دون إصلاح هيكل الحكم في الولايات المتحدة بما يسمح بظهور حزب ثالث بارز، كما تشير كبيرة الباحثين في معهد فيكر سيرا أوكوموس، بما في ذلك محدودية وصول المرشحين المحتملين إلى صناديق الاقتراع وآلية المجمع الانتخابي.

درس ثيودور روزفلت

مهما كانت جاذبية مرشحي الأحزاب الثالثة فإنهم لا يفوزون أبداً، وهو ما تؤكده حملة ثيودور روزفلت للحزب التقدمي عام 1912 والتي أظهرت أفضل أداء لمرشح معاصر، مما يقدم رؤية ثاقبة حول سبب استحالة التغلب على العقبات، ويقدم تحذيراً للمرشحين الذين يرغبون في تأسيس أحزاب ثالثة مثل إيلون ماسك الذي يحاول التمرد على الحزب الجمهوري، وهو ما يتشابه كثيراً مع ما فعله روزفلت قبل 113 عاماً. وتنبثق الأحزاب الثالثة من كتل مارقة داخل الأحزاب السياسية الرئيسة، إذ انسحب ثيودور روزفلت من الحزب الجمهوري عندما فاز الرئيس ويليام هوارد تافت بترشيح الحزب للرئاسة، وهنا أسس روزفلت الحزب التقدمي المعروف باسم حزب "بول موس"، أو "الثور الموظ" مدعياً أن زعماء الحزب الجمهوري تآمروا ضده.
توقع روزفلت كسب تأييد أصدقائه من الجمهوريين القدامى، وانضم إليه كثر بالفعل، لكن آخرين شعروا بالخيانة مثل هنري آدامز الذي قال إن روزفلت ذبح الجمهوريين عمداً لدرجة أن الحزب لن ينسى خيانته أبداً. كان آدامز محقاً، فقد ترك روزفلت الحزب منقسماً بطرق غير متوقعة إذ صنف الجمهوريون اليساريون روزفلت بأنه محافظ للغاية، وفي نيويورك رأى الجمهوريون المحافظون أن الرئيس السابق متطرف تماماً، وبالطبع لم يصوت له الديمقراطيون أيضاً، ولهذا كان الحزب التقدمي محكوماً عليه بالفشل منذ البداية.

حملات المشاهير

وعادة ما تثير حملات المشاهير استياء كثر  بقدر ما تجذبهم، وأثار الكشف عن عودة روزفلت الثانية بالفعل اشمئزاز بعض الناخبين، ومنح ذلك الديمقراطيين والجمهوريين فرصة لتبادل الانتقادات اللاذعة، فوصفوا المرشح التقدمي بأنه مدمن على الكحول ومختل عقلياً ومصاب بجنون العظمة ومتعطش للسلطة، والدرس المستفاد هنا أن حملات الأحزاب الثالثة تعتمد بصورة كبيرة على مرشحين أقوياء، يجذبون وينفرون بالقدر نفسه.
وأخيراً، تصور أحزاب ثالثة مثل حزب روزفلت كل انتخابات على أنها حاسمة، كما لو أن الأمة تواجه كل أربعة أعوام حالة طوارئ لا يستطيع تحملها إلا مرشح واحد. وخلال عام 1912، انتقد روزفلت أصحاب النفوذ وزعماء الحزب بشدة، معتبراً إياهم متورطين في الفساد السياسي الذي أضعف الديمقراطية الأميركية تماماً مثلما يجادل إيلون ماسك الآن، إذ وعد روزفلت بمكافحة الثروة الجامحة والآلات السياسية والمصالح الخاصة.
ومثل معظم الحملات السياسية، بالغت ثورة الحزب الثالث الجديد في المبالغة بالتشبيه، إذ بدت فكرة أن روزفلت وحده قادر على إنقاذ الجمهورية الأميركية، كما فعل واشنطن ولينكولن في زمن الحرب، فكرة جريئة خاصة مع كفاح روزفلت بشجاعة ضد آفات الرأسمالية الصناعية كرئيس، لكنه لم يحل المشكلة تماماً، ورفض الناخبون تصديق أن ولاية أخرى في الرئاسة ستحقق كل ما وعد به.

نفس مشكلات روزفلت

يواجه جميع مرشحي الأحزاب الثالثة نفس مشكلات روزفلت كما يقول مؤرخ السياسة الأميركية مايكل باتريك كولينان، فهم بجذورهم في حزب رئيس يشعلون معارك داخلية شرسة ويكافحون لكسب تأييد أعضاء الحزب المنافس، ويعتمدون على عبادة الشخصية ويدبرون الأزمات الوطنية، مدعين أنهم وحدهم القادرون على حلها.
أدى تمرد روزفلت إلى رئاسة الديمقراطي وودرو ويلسون الذي فاز في الانتخابات بنسبة 42 في المئة فقط من الأصوات، بينما حصل روزفلت وتافت معاً على أكثر من 50 في المئة.
يستغل مرشحو الأحزاب الثالثة المزاج السياسي السائد ويغيرون مسار الانتخابات لكنهم لا يفوزون، فقد كانت حملة ثيودور روزفلت الانتخابية للحزب الثالث الأنجح في التاريخ الأميركي، ومع ذلك انتهت بهزيمة كارثية، وهو ما قد يكرره إيلون ماسك إذا لم يتعلم من دروس التاريخ.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات