ملخص
تتناول المجموعة القصصية "كل ما يجب أن تعرفه عن ش" لأحمد الفخراني خيبة جيل مصري أُجهضت آماله بفشل الثورة، مغلفاً هذا الواقع المأزوم بصبغة عجائبية.
يغلف الروائي والقاص المصري أحمد الفخراني الواقع السوداوي بجرعة "فنتازية" في مجموعته القصصية "كل ما يجب أن تعرفه عن ش" (دار الشروق- القاهرة)، مقدماً جملة من النماذج الإنسانية الواقعية التي تعاني الإحباط وغياب الأمل، فحتى دخول جنة عدن يتحول إلى جحيم في وعي أبطال قصصه وحدث مملّ بسبب رتابة اللذة الدائمة.
وتركز قصص المجموعة على طرح قضايا ومخاوف جيل مصري من المحبطين، بخاصة من جيل الشباب، بداية من قصة "كل ما يجب أن تعرفه عن ش"، ذلك الحرف الذي يشير إلى أي شخص "ش شخصية مستمدة من الواقع، لكني غمسته بحبر الخيال" (صفحة 21) إنسان وحيد يخوض حياته ضد الوحدة والملل، يرهقه غياب الأمان الاقتصادي ويربكه. ليس وحده الذي يشغله هذا الهاجس وإنما يمتد إلى أبطال قصص أخرى مثل بطل قصة "الحي السويسري" الذي فقد جميع مدخراته التي جمعها من العمل في الخارج مع تضخم الأسعار في مصر، فأثَّر في قدرته الشرائية "بدأ كل شيء من تضاعف أسعار السجائر عدة مرات، لأهبط معها درجة تلو درجة من تدخين الميريت الأصفر إلى الـإل إم، مروراً بأسماء قاذورات أخرى" (صفحة 46، 47). "لم تمر عليَّ ثلاثة أعوام في مصر، حتى تبخَّر أغلب ما ادخرته، وتحوّل مكان سكني إلى كابوس من العشوائية والقذارة، لأكتشف أني بذلت حياتي من أجل صعود سلم ذي قاعدة مهتزة متآكلة" (صفحة 50).
ثورة مجهضة
تبدو إحباطات "ش" ناتجة من فشل ثورة الـ25 من يناير (كانون الثاني) عام 2011، فقد شارك فيها لأنه ضمن أنه لن يكون وحده. هرب من جانبها العنيف إلى الجانب الكرنفالي، ثم حذفها من ذاكرته كصديق ممل، كساحر رديء فشل في فك قيوده. ويمتد هذا الإحباط الثوري، إلى بطل قصة "ضي الماس" الذي دخل في الثورة ثم هرب منها ولعنها لأنها "سمَّمتنا جميعاً بالأمل والفلسفة" (صفحة 34)، لكن هذا الأمل انكسر على صخرة الواقع الذي أعاد الفساد أقوى مما كان.
والثورة المجهضة خلقت شخصيات منسحقة هربت من الحياة، وفارقها الأمل كما يتجلى في قصة "معطف المعجزات" التي تبدأ بـ"على مشجب رأسه علَّق أملاً، لكنه في قرارة نفسه كان يعلم أنه أمل ضعيف باهت، وأن ما يحتاجه حقاً هو معجزة" (صفحة 54). ويوجه أبطال المجموعة نقدهم للمدينة الحديثة التي سحقت كل أمل، كما في قصة "حكاية السائق حسن الذاهب إلى أي مكان" التي يمتد فيها حجب الأمل والأفق على المستويين المعنوي والمادي من خلال الأسوار الحديدية التي ارتفعت كسياج على كورنيش الإسكندرية، لتحجب امتداد البحر على مرمى البصر، تحجب الحرية والبراح وفسحة الأمل "تحبس سكان المدينة البائسة داخل الحقيقة وحدها، قبيحة عجوزاً، عارية من السحر والأمل وأوهام التاريخ" (صفحة 125).
وتنتقد القصص ما تبثه الحكايات الشعبية من أمل في الانتصار وتبديل حال المهمشين إلى الأفضل، كما في قصة "توسيع الكادر" التي تصف قصص الشاطر حسن والسندباد البري وعلاء الدين، بأنها أناجيل صغيرة مهذبة يسمح بتداولها في عالم الصغار، على رغم أن فحواها على عكس ما يؤمن به الواقع المعاش، "فقراء يفوزون بالحياة والحب والثروة بالاحتيال على النظام الاجتماعي لا بالعمل، قوة سحرية غامضة ترفعهم من مجاهل النفور إلى الجاذبية المطلقة" (صفحة 133).
الهروب من الواقع
غياب الأمل الذي خلقه فشل الثورة يدفع أبطال القصص إلى الهرب من واقعهم والتقوقع حول ذواتهم، كل بطريقته الخاصة، فمن بينهم من يشغل حياته بمتابعة مباريات كرة القدم في الدوريات المختلفة، وفي البحث عما هو مسلٍّ ومضحك وخفيف ولا يحمل فكرة بعمق "إنش"، وذلك ليس حباً في التفاهة لكن لأن الأفكار العميقة والجدية التي خلَّفتها الثورة أرعبت "ش" حتى الموت.
فيما يغرق "فرج" بطل قصة "ضي الماس" في عالم الـ"سوشيال ميديا"، يتعلق بحساب باسم "ضي الماس" يبادله صاحبه/ صاحبته الحب ومشاركة مقولات مسروقة على غرار "أراقب تصرفاتهم المريضة في صمت لأني أنا الكبرياء ذاتها".
فيما يصب بطل قصة "صرخة" غضبه وإحباطه من الحياة على نادل كافيه "غروبي" لأنه أتى له بفنجان قهوة مغشوش، معتبراً ذلك سبباً في فساد المجتمع وتخلفه "الجودة، الإتقان، العمل والنظام، الفارق بيننا وبين الدول المتقدمة، ما ينقصنا لنكون متحضرين" (صفحة 15)، محملاً الموقف أكثر ما يحتمل، رافضاً اعتذارات المدير والنادل أو أي تعويض.
وتقدم المجموعة شخصيات مهزومة توجه عنفها تجاه نفسها في المقام الأول، إذ تصف قصة "كل ما يجب أن تعرفه عن ش" بطلها بأنه يقاسي آلامه وحده، هش قد يتحطم في ثوانٍ على رغم ما يبديه ظاهره، غاضب لكنه لا يسمح لذلك الغضب بالانفجار، لن يواجه أبداً إلا عبر الألعاب والحيل والأقنعة، لذا يزداد بدانة كل يوم، وتنهار أنظمة التخسيس التي يتبعها بالضبط في اللحظة التي تبدأ فيها بالنجاح، كأنه حامل "صخرة سيزيف" على كتفيه. الأمر ذاته يتكرر مع بطلة قصة "توسيع الكادر" التي تركت نفسها للبدانة "قايَضتْ النار التي تعتمل بداخلها بإجبار زوجها على أن يجري لها عملية لشفط الدهون، لكن سرعان ما تراكمت الدهون وصارت أكثر بدانة من ذي قبل، تلك المرة لم تكن تشن حرباً ضد أحد سوى نفسها، وهي الحرب الوحيدة التي ربحتها" (صفحة 135).
عزلة الروائي
في هذا الواقع المحبط يصبح العمل الجاد المخلص بلا قيمة كما في قصة "الروائي في عزلته" عن الروائي العجوز الذي أفنى حياته في الكاتبة من دون أن ينال تقديراً. ونسيته وسائل الإعلام وتجاهله الأصدقاء بعد أن ترك منصبه في وزارة الثقافة. وفي قصة "الرسام المزيف" يفخر اليارد بأنه لم يسمح لنداهة الإبداع أن تغويه لأن ذلك كان سيضيع حياته هباء من دون عائد.
سياق اجتماعي مهزوم يجعل طموحات أفراده تنشغل عن الشأن العام بسفاسف الأمور، فبطل قصة "الحي السويسري" منشغل في شأن بائع الكشك الذي يقف له احتراماً حين يشتري منه السجائر المهرَّبة لأنها لا تباع في السوبرماركت، يفكر في سبب احترام الرجل وتقديره له، مبرراً ذلك بأنه يترك له "الفكَّة"، وحين يدب شجار بينه وبين زوجة صاحب "الكشك"، ينصب تفكيره طوال الوقت حول معضلة هل سيقف له احتراماً مرة أخرى أو لا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبطل "حكاية الرجل الذي أصيب بشهوة الكلام" يبحث عمّن يستمع إلى ما يقوله بعد أن أحيل إلى التقاعد إجبارياً، فيطوف على وسائل النقل ليسمع الركاب حديثه. وصاحب "ضي الماس" يجد سعادته في التواصل مع حساب مجهول الهوية، وبطل "معطف المعجزات" الذي طحنته الرأسمالية ورُفت لتعيين شباب أكثر كفاءة منه في الشركة التي شارك في بنائها، وهي مجرد غرفة صغيرة في حي شعبي حتى تحولت إلى برج. كانت فرحته الكبرى أنه في العزاء الذي أقيم لمؤسس الشركة، كان الوحيد الذي يرتدي معطفاً في وسط جو خانق، لكن فجأة هبّت عاصفة جعلته محط الأنظار التي لم تعِره انتباهاً في البدء.
كسر الهالة
تعمل المجموعة القصصية على رغم طابع قصصها الذي يجنح إلى الـ"فانتازيا" على كسر أية حال من حالات القداسة أو المعجزات، فتظهر فيها جنة عدن مملة، والشخص الذي تعلق بالحساب الإلكتروني الوهمي يهين شحاذاً، فيتصادف ذلك مع إغلاق هذه الصفحة على "فيسبوك"، فيظل يبحث عن ذلك الشحاذ باعتبار أن إرضاءه سيعيد صاحبة الحساب، لكن يفاجأ بأن المتسول يرد له الإهانة، والطالب البليد في الرسم الذي يتحول فجأة إلى رسام موهوب، مبرراً ذلك بأنه سقط على رأسه، فأتته الموهبة فيصدقه الناس لأنه مسيح عادي مثلهم، ويشارك في المسابقات ويفوز بها ويقام له معرض المدرسة، والحقيقة التي يعلمها الجميع هي أنه كان يسطو على رسومات غيره ولا يمتلك أية موهبة، حتى الحكايات الشعبية تفند القصص ما تبثه من أمل في الانتصار.
ومن جانب آخر، حملت أسماء قصص المجموعة روحاً آتية من عالم الحكايات الشعبية مثل "حكاية الرجل الذي أصيب بشهوة الكلام" و"حكاية الرجل الذي محا الشر"، وكذلك "حكاية السائق حسن الذاهب إلى أي مكان" التي يتناص فيها مع قصة الشاطر حسن ومع قصة بساط الريح لكن بصورة "فانتازية" تعكس سوداوية الحياة.
كما تقدم المجموعة نقداً لكثير من القيم المجتمعية وأسلوب التدريس لطلاب مثل تركيز مدرسي الرسم على الموهوبين في الرسم مع أنه من المفترض التركيز على تعليم الجميع أساسيات الرسم وتطوير الذائقة الفنية التي تدرك مكامن الجمال.