ملخص
تحاول كتلة "الإخوان" في المجلس النيابي استعادة الشعبية عبر طرح مشاريع قوانين تغازل الشارع، مثل مشروع قانون العفو العام. ويسعى حزب "جبهة العمل الإسلامي" إلى التكيّف مع المشهد السياسي المستجد الذي أفرزه قرار حظر التنظيم الأم.
تشهد جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة في الأردن أزمة لافتة، لا سيما بعد أن أوقفت السلطات الأمنية ثالث قيادي بارز في صفوف الجماعة خلال أسابيع، وسط حديث عن فتح ملف "الارتباطات المالية الخارجية"، وورود اسم المراقب العام للجماعة في دائرة الاستفهام الرسمي، وفي وقت تتزايد التسريبات والتكهنات حول شبهات بارتباط رموز في الجماعة بشبكة مالية خارجية.
وتضع هذه التطورات الجماعة، التي تم حظرها رسمياً في شهر مارس (آذار) الماضي، ومصادرة ممتلكاتها، أمام اختبار وجودي، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل الذراع السياسية للجماعة "جبهة العمل الإسلامي". كما يرى مراقبون في ما جرى رسالة مفادها بأن الدولة لن تغلق الملف، ولن تلجأ لتسوية سياسية حتى في ظل أزمة الحرب والتصعيد العسكري الأخير إقليمياً.
سلسلة اعتقالات
وتمثّل آخر فصول هذه الأزمة بتوقيف أرفع شخصية قيادية في الجماعة المحظورة، وهو المراقب العام لـ "الإخوان المسلمين" مراد العضايلة، وتحويله الى مدعي عام محكمة أمن الدولة، والتحقيق معه بقضية "أموال الجماعة" التي أفضت إلى الحصول على أدلة واعترافات تتعلق بإدارة شبكة مالية لها امتدادات خارجية، وذلك بعد نحو شهرين من قرار الحكومة الأردنية بحظر الجماعة رسمياً.
ويعد العضايلة أول مراقب عام للجماعة يُعتقل منذ نشأتها في الأردن، وهو ينحدر من مدينة الكرك جنوب الأردن، ولم يمضِ على انتخابه مراقباً عاماً للجماعة أكثر من عام. ويأتي ذلك بعد أيام من اعتقال نائب الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي" جميل أبو بكر، وهو قيادي، أيضاً، في الجماعة المحظورة، وسبق ذلك كله اعتقال أحمد الزرقان نائب المراقب العام ورئيس مجلس شورى الحزب والمسؤول المالي للجماعة، إضافة إلى مصطفى صقر مبارك مسؤول قسم الشباب والطلاب. كما تم اعتقال عارف حمدان عضو مجلس شورى الجماعة وعضو المكتب التنفيذي السابق، لارتباطه بالتحقيقات الجارية حول الملف المالي لـ "الإخوان المسلمين".
إضافة إلى هذه الاعتقالات التي طاولت قيادات وازنة، كانت السلطات الأردنية اعتقلت سابقاً 16 فرداً من الجماعة، متهمين بالتدريب في لبنان بهدف تصنيع صواريخ محلية الصنع، أربعة منهم حكم عليهم بالسجن لمدد طويلة تصل إلى 20 عاماً.
توقيت حساس
جاءت هذه الاعتقالات في توقيت حساس تزامن مع تصاعد الأزمات الإقليمية وتزايد الضغوط على تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، بخاصة بعد تراجع النفوذ الإخواني في عدد من الدول العربية. ويعتقد مراقبون أن الدولة الأردنية اختارت نهج المحاسبة عبر القانون، وتفكيك البنية المالية والتنظيمية للجماعة المحظورة. ووفقاً لتقارير محلية فإن الأجهزة الأمنية ضبطت وثائق ومضبوطات عثر عليها داخل مقار للجماعة، تفيد بجمع واستخدام الأموال بشكل غير قانوني ولأغراض غير مشروعة.
وفي مايو (أيار) الماضي، شكلت لجنة رسمية تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية لحل جماعة "الإخوان المسلمين"، ووجهت هذه اللجنة تحذيراً للأشخاص الذين يحتفظون بأملاك تعود للجماعة من ملاحقتهم بتهم غسل الأموال، وتهم أخرى، ومنحتهم مهلة للكشف عن هذه الأموال تحت طائلة المساءلة القانونية.
ويعتقد مراقبون أن وضع المراقب العام لـ "الإخوان المسلمين" في دائرة الاتهام له دلالات كبيرة من بينها سياسية مفادها بأن الدولة لم تغضّ الطرف عن استكمال إجراءات حظر الجماعة على رغم الظروف الإقليمية الأخيرة، وأن الدولة لم تعد تفصل بين القيادة السياسية والملف المالي أو القانوني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سيناريوهات متوقعة
وتوقعت مصادر إخوانية، رفضت الكشف عن هويتها بسبب قرار حظر النشر في القضية الصادرة عن الحكومة، أن يؤول الأمر إلى سيناريوهات عدة متوقعة بعد استهداف رأس التنظيم ممثلاً بالمراقب العام، "أولها المضي بسياسة التفكيك الشامل للجماعة وبنيتها المالية والسياسية، واستكمال عملية الاجتثاث المنظم، عبر حل جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للجماعة وبشكل قانوني، فضلاً عن إجراء محاكمة علنية لبعض القيادات بتهم تمويل الإرهاب أو غسل الأموال، بخاصة مع وجود مستندات مالية تم ضبطها. أما السيناريو الثاني فيكمن في توجيه ضربات مؤلمة للجماعة من دون تفكيكها نهائياً، بهدف إعادة إنتاج تيار إسلامي سياسي معتدل، وضمن كيانات مرخصة، لضمان وجود صمام أمان ديني في مواجهة تيارات أكثر تطرفاً".
في المقابل، تقول مصادر مقربة من الحكومة إن السلطات قد تواصل الاعتقالات والتحقيقات مع شخصيات قيادية أخرى، الأمر الذي سيدفع لحدوث تصعيد إعلامي من قبل أطراف خارجية تدعم الجماعة، وعبر منصات بديلة بهدف تدويل القضية عبر منظمات حقوقية وإعلام دولي وممارسة الضغط وإحراج الدولة. وتضيف هذه المصادر أن الشارع الأردني عاقب الجماعة عبر صناديق الانتخاب النقابية مباشرة بعد أسابيع من حظرها، حيث فشل أنصارها في تحقيق أي نتائج متقدمة.
وتحاول كتلة "الإخوان" في المجلس النيابي استعادة الشعبية عبر طرح مشاريع قوانين تغازل الشارع، مثل مشروع قانون العفو العام. ويسعى حزب "جبهة العمل الإسلامي" إلى التكيّف مع المشهد السياسي المستجد الذي أفرزه قرار حظر التنظيم الأم.
أبواب مغلقة
في السياق، رأى الكاتب والمحلل السياسي حسين الرواشدة أن الجماعة المحظورة تحاول فتح حوار مع السلطات، على رغم إغلاق الحكومة الأردنية كل القنوات أو المبادرات أمام هذا الأمر، وأضاف أن "مواسم الوساطات بين الدولة والإخوان، وفرضية أن وجود الجماعة ضرورة انتهت، وأن الدولة أجهزت تماماً على الثنائية التي ربطت بينها وبين الجماعة المحظورة"، مشيراً، أيضاً، إلى أنه لا يوجد أيّ قرار سياسي حتى الآن لبقاء حزب "جبهة العمل الإسلامي" أو حله، وأن ذلك يعتمد على نتائج المسار القانوني في ما يتعلق بالقضايا المنظورة أمام المحكمة.