ملخص
يرى مراقبون أن "العلاقة الصينية–الإيرانية قائمة على المصالح وتوازنها، فبكين تحتفظ بعلاقات قوية مع تل أبيب وطهران خلال الوقت ذاته ولديها استثمارات ضخمة في إسرائيل، فالصين تحصل على تكنولوجيا متطورة من إسرائيل وهي تكنولوجيا لا يمكن أن توفرها إيران".
على رغم توقيع إيران والصين اتفاق شراكة شاملة عام 2021 سيمتد لـ25 سنة، اكتفت بكين خلال حرب الـ12 يوماً مع إسرائيل والولايات المتحدة، ببيانات منددة بالضربات التي شنتها تل أبيب على طهران، والتي قضى فيها علماء نوويون وقادة من "الحرس الثوري" الإيراني يتقدمهم قائد الجهاز نفسه حسين سلامي. ولم تقدم بكين دعماً ملموساً يمكن أن يؤثر في مجريات الأحداث.
وخلال الأعوام الماضية ساعدت الصين إيران بصورة كبيرة في تجنب انهيار اقتصادها باعتبارها المستورد الرئيس للنفط الإيراني، لكن الحكومة في بكين اكتفت خلال التصعيد الإسرائيلي–الأميركي ضد طهران بالدعوة إلى ضبط النفس وخفض التصعيد، مع إدانة مبادرة تل أبيب إلى قصف طهران.
انحياز إلى إسرائيل
وشكل انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 من الاتفاق النووي، الموقع مع إيران عام 2015، نقطة تحول حقيقية في العلاقات بين بكين وطهران، إذ دعمت الأولى الثانية بشدة. ووصل الأمر حد وصف الرئيس الصيني شي جينبينغ عام 2023 العلاقات الثنائية مع طهران بـ"الاستراتيجية"، معلناً دعم بلاده لإيران في حربها ضد التضييق عليها، لكن الدعم الصيني في جولة التصعيد الأخيرة كان "محتشماً".
وأفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أمس الأربعاء بأن وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده وصل إلى الصين في زيارة تستغرق يومين. وأضافت الوكالة أن نصير زاده "وصل إلى الصين واستقبله مسؤولون صينيون، لحضور اجتماع وزراء دفاع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون".
وأفادت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) الرسمية أمس بأن وزير الدفاع الصيني دونغ جون "عقد اجتماعات فردية في مدينة تشينغداو شرق الصين، مع نظرائه من بيلاروس وإيران وباكستان وقيرغيزستان وروسيا".
وكانت بكين شددت أول من أمس الثلاثاء على دعمها لطهران في حماية سيادتها وأمنها، قبل أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الجانبين. وأوضحت بكين في بيان، أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الإيراني عباس عراقجي عبر فيها عن دعم بلاده لتهدئة الوضع داخل الشرق الأوسط.
علاقة قائمة على المصالح
وتعليقاً على ما سبق، عدَّ الباحث السياسي في الشؤون الدولية حسين الديك أن "العلاقة الصينية–الإيرانية قائمة على المصالح وتوازنها، فبكين تحتفظ بعلاقات قوية مع تل أبيب وطهران خلال الوقت ذاته ولديها استثمارات ضخمة في إسرائيل، فالصين تحصل على تكنولوجيا متطورة من إسرائيل وهي تكنولوجيا لا يمكن أن توفرها إيران".
وبين الديك أن "الصين تحتاج إلى إيران على مستوى الغاز، لكن الغاز يمكن الحصول عليه من دول الخليج أو أذربيجان، بينما التكنولوجيا المتطورة والهاي-تك لا يمكن الحصول عليها إلا من إسرائيل، لذلك كان الموقف الصيني من التصعيد غير مفاجئ، بل كشف انحيازاً إلى حد ما للموقف الإسرائيلي على الموقف الإيراني على رغم الإدانة العلنية للضربات الإسرائيلية، لكن لم يكن هناك تحرك على الأرض لدعم طهران". وشدد المتحدث ذاته على أن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية مرت بـ12 يوماً صعبة للغاية، لم تقدم بكين على إفادة إيران فيها بأية صناعات عسكرية متطورة، بينما على العكس عندما اشتبكت الهند مع باكستان انحازت بكين بصورة واضحة لإسلام آباد وزودتها بصناعات عسكرية خصوصاً الطائرات، ورجحت كفتها ضد نيودلهي"، لافتاً إلى أن "الموقف الصيني كان مختلفاً مع إيران، إذ اكتفت الصين في هذه المواجهة بين تل أبيب وطهران بحياد سلبي من خلال إصدار بيانات ومواقف سياسية ومعنوية، لكنها لم تقم بأي إجراء على أرض الواقع يدعم شريكها الاقتصادي إيران".
عدم الانحياز
يأتي ذلك خلال وقت دعت فيه الولايات المتحدة علناً الصين إلى الضغط على إيران من أجل عدم غلق مضيق هرمز، وذلك إثر تلويح من طهران بذلك. وكان رد الصين واضحاً ودعت بالفعل إلى "منع امتداد الاضطرابات في المنطقة إلى الاقتصاد العالمي". وقالت الخارجية الصينية إن "الخليج والمياه المحيطة به تعدان طريقاً عالمياً مهماً للنقل والطاقة".
وعدَّ الباحث السياسي الصيني نادر رونغ أن "الصين تتمسك بمبدأ عدم الانحياز، فالصين لا تريد أن تشكل تحالفات ضد تحالفات أخرى، والتعاون بين الصين وإيران يتمثل في مجالات محددة ويقوم على الاحترام المتبادل، ففي التصعيد بين إيران وإسرائيل كان دور الصين التوسط وتهدئة الوضع وليس التصعيد". وأوضح رونغ في تصريح خاص أنه "تاريخياً، لم تتدخل الصين ولم تشارك في أية حرب إقليمية أو دولية ولم تتدخل عسكرياً أبداً في الحروب خارج البلاد، لذلك تسير بكين على مبدأ تخفيف التوترات وليس تأجيجها". وأبرز أن "الصين بعكس الولايات المتحدة، ترى أن التدخلات العسكرية لا تحل المشكلات بل تفاقم المشكلات، بينما تعد واشنطن أن استخدام القوة يمكن أن يقود إلى حلول".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحالف محكوم بحسابات
وشكلت حرب الـ12 يوماً، التي تأتي خلال وقت يشتعل فيه الشرق الأوسط بحرب غزة التي طاولت شظاياها لبنان وسوريا واليمن ودولاً أخرى، اختباراً جدياً لتحالفات إيران الخارجية، وأبرزها مع الصين.
وقال الباحث السياسي نزار مقني إن "الحياد الصيني إزاء التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران يسلط بالفعل الضوء على تعقيدات العلاقة بين بكين وطهران، ويثير تساؤلات جدية حول مستقبل هذا التحالف الذي كثيراً ما وصف بالاستراتيجي، فعلى رغم الشراكة الاقتصادية والعسكرية التي ترجمها اتفاق التعاون الشامل الموقع عام 2021 لمدة 25 عاماً، فإن الموقف الصيني خلال هذا النزاع بدا متحفظاً، واقتصر على بيانات دبلوماسية تندد بالضربات الإسرائيلية دون تقديم دعم ملموس لطهران، سواء سياسياً في المحافل الدولية أو عبر خطوات عملية في مجلس الأمن".
وأوضح مقني أن "هذا الحياد ليس صدفة، بل يعكس براغماتية بكين التي تسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين مصالحها في الخليج، وتحديداً مع دول مثل السعودية والإمارات وإسرائيل، وبين شراكتها مع إيران، فالصين تدرك أن الاصطفاف مع طهران في نزاع مفتوح قد يعرض استثماراتها الإقليمية للخطر، ويهدد استقرار ممرات الطاقة خصوصاً في مضيق هرمز، إذ سبق أن عبرت بكين عن رفضها لأي تصعيد قد يعوق تدفق النفط، وعليه فإن الحياد الصيني لا يعبر بالضرورة عن فتور في العلاقة، بل عن تحديد واضح لمجالات الدعم وحدود المجازفة".
وأبرز المتحدث أنه "مع ذلك، فإن استمرار هذه السياسة قد يثير استياء طهران، التي تجد نفسها وحيدة في مواجهة محور دولي واسع، ومن هنا، قد تشهد علاقاتها مع الصين مراجعة بعض تفاصيلها، لا سيما إذا شعرت طهران بأن بكين تفضل مصالحها مع الخصوم الإقليميين على حساب تضامنها المفترض معها. في المحصلة، التحالف ليس على المحك، لكنه بات محكوماً بحسابات دقيقة قد تعيد صياغته ضمن معادلات أكثر واقعية".
فقدان دور الوسيط
وأظهرت هذه الحرب أيضاً نقطة مهمة تتعلق بالحضور الصيني في منطقة الشرق الأوسط، إذ كشفت عن محدودية تأثيرها في حلفائها مثل إيران وإسرائيل ولم تعد قادرة على إخماد الحرائق التي تندلع هناك. ولعبت الصين دوراً بارزاً في تحقيق التقارب التاريخي بين السعودية وإيران عام 2023، وقدمت نفسها أيضاً كطرف محايد إلى حد ما في الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، لكن دور الوسيط قد يشهد تراجعاً.
وقال مقني إن "الصين عرفت بدور الوسيط لتسهيل التقارب بين الرياض وطهران، وكان ذلك اختباراً أولياً يمكن القول إنه ناجح لبكين من أجل اختبار قوة وساطتها في المنطقة". وأردف أن "هذه التجربة يبدو أنها أعادت واشنطن بسرعة للمنطقة وذهبت للتفاوض مع الرياض حول اتفاق أمنية جديدة بين الطرفين، وبخاصة أن العلاقات بين الرياض وواشنطن شهدت تراجعاً كبيراً في عهد الرئيس السابق جو بايدن"، مشيراً إلى أنه "مع عودة واشنطن للعب دور سياسي بعد التجربة الصينية، عادت بكين إلى دورها الاقتصادي في المنطقة وهو دور تريد من خلاله مراكمة النفوذ بالقوة الناعمة".
ومع نهاية حرب الـ12 يوماً من غير الواضح ما إذا كانت إيران ستلجأ إلى مراجعة تحالفها مع قوى مثل الصين، لم تجد دعماً واقعياً منها في التصعيد الذي دخلت فيه مع إسرائيل والولايات المتحدة.