ملخص
يرى مراقبون ومحللون أن استعانة إسرائيل برموز كهذه تستهدف، على الأرجح، استمالة الجمهور الإيراني المعارض، الذي يؤيد بصورة كبيرة، عودة الملكية أو إيصال رضا بهلوي وهو نجل الشاه الأخير ويعيش خارج إيران إلى السلطة
استعانت إسرائيل برموز ثقافية ودينية تحمل دلالات سياسية كبيرة في مواجهة من نوع آخر مع إيران، بعدما دخل البلدان في معركة عسكرية دشنتها تل أبيب بهجمات استهدفت طهران، وأدت إلى تصفية قيادات بارزة من "الحرس الثوري" والجيش الإيرانيين.
وكثفت إسرائيل من رسائلها باللغة الفارسية عبر قنواتها الرسمية، وأيضاً من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وهي رسائل يتم فيها استخدام رموز ودلالات ثقافية وسياسية ودينية تستهدف، على الأرجح، تعزيز وتحفيز المعارضة داخل إيران.
وتنشط الحكومة الإسرائيلية بصورة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتركز في حملتها على الجمهور الإيراني من خلال إنشاء صفحات ناطقة بالفارسية، على غرار صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة الفارسية على منصة "إكس" التي أُنشئت عام 2010، ويتابعها نحو 600 ألف شخص، وكذلك صفحة "إسرائيل بالفارسية" وهي صفحة تنشط على "إكس" و"تيليغرام" وتحظى بمتابعة نحو 600 ألف شخص هي الأخرى.
تجميل العهد القديم
وكان لافتاً استخدام إسرائيل رموزاً ثقافية وتاريخية على غرار الأسد والشمس في الرسائل الموجهة إلى الإيرانيين، إذ تحمل هذه الرموز دلالات كبيرة في طهران حيث كانت جزءاً من الشعار الرسمي للنظام السابق بقيادة الشاه محمد رضا بهلوي قبل اندلاع "الثورة الإسلامية" عام 1979.
ويرى مراقبون ومحللون أن استعانة إسرائيل برموز كهذه يستهدف، على الأرجح، استمالة الجمهور الإيراني المعارض، الذي يؤيد بصورة كبيرة، عودة الملكية أو إيصال رضا بهلوي وهو نجل الشاه الأخير ويعيش خارج إيران إلى السلطة. ولجأت حسابات إسرائيلية رسمية على "إكس" وغيرها من الشبكات إلى نشر العلم الإيراني الذي كان معتمداً قبل الثورة مع بث مضامين بالفارسية تستهدف الجمهور الإيراني المعارض.
وعد الباحث السياسي المتخصص في الشأن الإسرائيلي عزام أبو العدس أن "من أهم أهداف إسرائيل غير المعلنة هو استبدال النظام الإيراني، لأن عقيدة إسرائيل الأمنية والسياسية بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 تحولت من إدارة الصراع إلى حسمه بصورة كاملة ومطلق، لذا مسألة استبدال النظام في طهران هي مسألة حيوية جداً وتقع في صلب الخطاب الإعلامي والعسكري والأمني الإسرائيلي"، وتابع أبو العدس أن "مسألة استبدال النظام أيضاً بنظام موال من خلال بقايا نظام الشاه تحمل مكاسب استراتيجية هائلة جداً، فيمكن أن يعود العصر الذهبي للسيطرة الإيرانية - الإسرائيلية المشتركة على منطقة الشرق الأوسط كما كان قبل الثورة الإسلامية، لذا فتل أبيب تحاول إحياء نظام الشاه في العقل الجمعي الشعبي الإيراني، وتحاول قدر الإمكان إعادة أمجاد نظام الشاه وفكره وإنجازاته"، وشدد على أن "الدراسة التي تستند إليها إسرائيل هي أن الناس لديهم دائماً الحنين إلى الماضي، ومن ثم هي تحاول أن تركز على الحصار والفشل الاقتصادي لإظهار الرخاء والرفاهية اللتين كان الشعب الإيراني يتمتع بهما خلال عهد الشاه وتحاول تجميل العهد القديم على أنه الماضي الجميل"، وبين أنه "ليس عبثاً اختيار إسرائيل، على سبيل المثال رمز الأسد الصاعد، فهذا يحاكي الأسد الموجود على العلم الإيراني الموجود في عهد الشاه، فكأن تل أبيب تقول إن الأسد يريد إعادة الأسد، ومن ثم الحديث هنا يدور على أهمية استراتيجية كبرى لتغيير النظام الإيراني".
استعانة بإيرانيين
ولم تقتصر هذه المعركة على بث رموز تهز حنين الإيرانيين إلى عهد الشاه فحسب، بل لجأت إسرائيل إلى مسؤولين من أصول إيرانية أو إيرانيي المولد من أجل التأثير في الشارع في طهران. ومن بين هؤلاء، الرائد كمال بنهاسي، الذي يبلغ من العمر 62 سنة، وهو من مواليد طهران، ويبث الرجل مقاطع فيديو ورسائل موجهة إلى الإيرانيين باللغة الفارسية عبر منصات مثل "إكس". ويبدو أن اختيار بنهاسي للقيام بهذه المهمة لم يكن اعتباطياً، فالرجل بحسب المقربين منه لا يزال يهزه الحنين إلى عهد الشاه، وما زال يطمح أيضاً إلى العودة لبلاده إذا تغير النظام الحالي. وكثف بنهاسي من حضوره على منصات التواصل الاجتماعي كمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة الفارسية الأصلية مما يعكس توجهاً متكاملاً للتأثير في الشارع الإيراني سواء كان معارضاً أو موالياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استمالة الإيرانيين
وفي رسائل بالفارسية بثها على منصات "إكس"، اتهم كمال بنهاسي النظام الإيراني بتمويل منظمات إرهابية وضخ أموال طائلة من أجل ذلك، واكتسب بنهاسي شعبية كبيرة في أوساط المعارضين الإيرانيين الذين يوجد معظمهم بالخارج.
في المقابل لا تتردد وسائل الإعلام الإسرائيلية ولا حتى المسؤولون أنفسهم في نشر صور ومقاطع فيديو تحمل رموزاً لنظام الشاه في إيران، في ما بدا وكأنه تحريض للإيرانيين على إسقاط النظام الحالي بقيادة علي خامنئي.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إحدى الرسائل "لقد كان شعب إيران وشعب إسرائيل صديقين حقيقيين منذ أيام قورش الكبير (أول ملوك فارس)، وقد آن الأوان لأن تتوحدوا تحت رايتكم وإرثكم التاريخي من خلال الوقوف دفاعاً عن حريتكم في وجه نظام شرير وقمعي".
واعتبر المتخصص في مجال العلوم السياسية بجامعة "القدس" أيمن الرقب أن "نتنياهو نشر أسدين، واحداً موشحاً بالعلم الإسرائيلي وآخر بالعلم الإيراني في عهد الشاه، مما يمثل رسالة تعكس محاولة استمالة الشعب الإيراني والمعارضة بأن هناك تقارباً، وأن ما يقوم به نتنياهو وإسرائيل لخدمة الشعب الإيراني". وقال الرقب إن "هذا نوع من أنواع حروب الجيل الخامس الذي يعتمد على التأثير النفسي بصورة أو بأخرى، وهذه الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد إيران هي غير كلاسيكية بل تعتمد على أسلوب التجسس واستخدام التكنولوجيا، والتحريض بصورة كبيرة جداً، لذلك رأينا محاولات للحصول على تأثير في المشهد الداخلي الإيراني من خلال استخدام هذه الرموز وتحريض الشعب الإيراني على الانتفاض لإحداث حال من الارتباك في الجبهة الداخلية لطهران".
وعلى رغم إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن توصل إسرائيل وإيران إلى اتفاق وقف إطلاق النار في وقت مبكر من اليوم الثلاثاء، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت ستستمر معركة الرموز هذه التي تشنها تل أبيب على طهران.