ملخص
رغم أن المواجهة بين إيران وإسرائيل اتخذت طابعاً عسكرياً مباشراً فإن الموقف منها مغاربياً يبدو أنه يخضع لكثير من الحسابات السياسية والدبلوماسية
مع مرور ثمانية أيام على بدء جولة غير مسبوقة من التصعيد بين إسرائيل وإيران لا تزال الدول المغاربية الخمس، وهي موريتانيا وليبيا والمغرب والجزائر وتونس تتأرجح مواقفها بين الصمت والتنديد بالضربات التي تشنها تل أبيب ضد طهران.
ففي ليلة الـ13 من يونيو (حزيران) الجاري شنت إسرائيل ضربات جوية على طهران أسفرت عن مقتل قائد "الحرس الثوري" الإيراني حسين سلامي وقيادات عسكرية عليا أخرى وعلماء نوويين في تطور ردت عليه طهران برشقات صاروخية، مما أفضى إلى اندلاع موجة واسعة من التصعيد بين الطرفين.
الإجماع مفقود
وسارعت الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا إلى إدانة الضربات التي شنتها إسرائيل على إيران في مواقف علنية، فيما لازم المغرب الصمت، مما أبقى الباب مفتوحاً أمام التكهنات في شأن موقف الرباط التي تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع تل أبيب، فيما ترفض تونس وليبيا والجزائر وموريتانيا قطعاً التطبيع مع إسرائيل، ويشكل هذا الملف نقطة حساسة للغاية في الشارع المغاربي.
وعد الباحث السياسي المتخصص في العلاقات الدولية حسين الديك أن "الموقف المغاربي ليس موحداً مما يجري في الشرق الأوسط، بل هو موقف متباين بصورة كبيرة، وهناك موقف الجزائر الذي يمثل نوعاً من التضامن القوي والإدانة الشديدة والتضامن مع إيران، ومواقف الجزائر هي مواقف قومية". وتابع الديك أنه "على الجانب الآخر، الموقف المغربي المنبثق من علاقات سياسية مع دولة إسرائيل، وهناك تمثيل دبلوماسي وعلاقات سياسية واقتصادية بين الطرفين، لذلك العلاقات ليست متناسقة مع موقف الجزائر من تل أبيب، والرباط تتخذ موقفاً أقل تضامناً مع طهران". وشدد على أنه "لا يمكن بالتالي، الحديث عن موقف مغاربي موحد على رغم أن موقف تونس يقترب من موقف الجارة الجزائر، لكن الإجماع على الإدانة أو التضامن تجاه هذا الطرف أو ذاك مفقود، وهو انقسام تغذيه أيضاً المشكلات الداخلية التي يعانيها كل نظام في دول المغرب العربي". ولفت الديك إلى أنه "لا يوجد تأييد للضربات الإسرائيلية على إيران، إذ لم تعلن أي دولة مغاربية عن ذلك، لكن غالبية الأطراف تدعو إلى تغليب لغة الحوار، وهناك قلق كبير من التصعيد، خصوصاً من الجزائر التي تقف على الطرف المقابل لإسرائيل، وإسقاط النظام الإيراني سيؤثر بصورة كبيرة في المنطقة، لا سيما بعد تدمير حلفاء طهران في لبنان وسوريا وغزة وغيرها".
حسابات سياسية ودبلوماسية
على رغم أن المواجهة بين إيران وإسرائيل اتخذت طابعاً عسكرياً مباشراً فإن الموقف منها مغاربياً يبدو أنه يخضع لكثير من الحسابات السياسية والدبلوماسية، خصوصاً في ظل التقارب بين طهران ودول مثل تونس والجزائر.
واعتبر الباحث السياسي في الشؤون الدولية نزار مقني أن "المواقف ليست متسقة، بل غير متناسبة، وأرى أنها خضعت لمقياس القرب من تل أبيب، وأيضاً لمقاييس سياسية ودبلوماسية أخرى، فالجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا ذهبت لإدانة الهجوم الإسرائيلي على إيران وموقف المغرب غير واضح". وتابع مقني في تصريح خاص "صحيح أن هناك إدانة شعبية في المغرب لهجوم إسرائيل على إيران، لكن لا يوجد موقف رسمي على رغم الخط العام الذي طرحه الإعلام الرسمي الذي يبدو مناوئاً لإيران، وهذا مفهوم مع تقارب بين طهران والجزائر، خصوصاً في ما يتعلق بقضية الصحراء الغربية".
وبالفعل، دخلت إيران والمغرب في تنافس على النفوذ في أفريقيا، في حين كان هناك ما يشبه التحالف بين طهران والجزائر، وهو أمر يثير حفيظة الرباط في خضم توتر علاقاتها مع جارتها الجزائر بسبب قضية الصحراء، حيث تدعم السلطات الجزائرية "جبهة بوليساريو" التي تنادي بانفصال إقليم الصحراء عن المملكة المغربية.
وأشار مقني إلى أن "هناك تقارباً بين تونس وإيران من جهة، والجزائر وإيران من جهة أخرى، لكن ذلك لم يخلق إجماعاً على دعم إيران وإدانة هجمات إسرائيل في المنطقة المغاربية، حيث لم تعلق المغرب حتى الآن على هذه التطورات".
وكان لقاء جمع الرئيس التونسي قيس سعيد عام 2024 مع المرشد الإيراني علي خامنئي الذي أشاد بالتقارب بين طهران وتونس، وقال "يجب أن يتحول التعاطف الحالي بين إيران وتونس إلى تعاون ميداني" من دون أن يكشف تفاصيل حول ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا تأثير
والتساؤلات الملحة الآن هي: هل يمكن أن يكون للتنديد والدعم اللذين يبديهما معظم الدول المغاربية مع إيران تأثير في مجريات الأحداث في الشرق الأوسط؟
يرى المتخصص العسكري المتخصص في الشؤون الدولي محمد عباس أن "الموقف العربي خارج من دائرة الفعل والتأثير والدور المباشر للفعل، سواء السياسي أو العسكري، والموقف المغاربي منقسم، إذ للمغرب علاقات متنامية مع إسرائيل، وجرت حتى تدريبات عسكرية بين الرباط وتل أبيب، لذلك لاحظنا صمتاً منها". وبين عباس أن "الموقف الجزائري - الموريتاني - التونسي كان متناغماً، وموقف تونس والجزائر يستحق الاحترام، لكن لا يمكن أن يكون له تأثير في الأرض في المواجهة بين إيران وإسرائيل".