ملخص
فجرت إسرائيل أساسات البنايات في غزة لكن لم تسقط، عودة الغزيين لها يعرض حياتهم للخطر وانهيارها يحرمهم المأوى.
عند الرابعة فجراً كانت سارة غارقة في النوم، وأيقظها صوت تساقط حجارة من البناية السكنية التي تعيش فيها، وعندما استوعبت الأمر بدأت تشعر بالبيت يهتز ويسقط، صرخت بأعلى صوتها "العمارة تسقط، العمارة تنهار".
أفزع صوت سارة جميع السكان النائمين، وهرعت العائلات السبع التي تعيش في البناية الآيلة للسقوط للفرار، كانوا يركضون بسرعة قصوى عبر السلالم ويناجون الله النجاة، بينما كانت الحجارة تنهار تدريجاً فوق رؤوسهم والبناية تنحني ببطء.
عمارة قائمة تعني حظاً جيداً
تمكنت سارة من مغادرة شقتها السكنية، ووقفت على ناصية الشارع تراقب البناية التي تعيش فيها، وخلال ثوان معدودة انهار المبنى أمام عينيها، وتحول من شقق سكنية توفر المأوى لعائلات أنهكها العيش في الخيام إلى كومة ركام وحجارة متناثرة.
تقول سارة "عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من أنحاء واسعة في غزة قررنا العودة إلى مناطقنا، وجدناها منكوبة وغالب البيوت مدمرة، وما تبقى من منازل فإنها تعرضت لأضرار بليغة وربما يكون الجنود فجروا أجزاء منها".
تعتبر سارة نفسها محظوظة للغاية، إذ وجدت العمارة السكنية التي تعيش فيها لا تزال قائمة لكنها قد تعرضت لأضرار جسيمة وتصنف ضمن المباني الآيلة للسقوط.
توضح السيدة "بسبب الانفجارات كانت واجهة المبنى مهدمة، وأساسات البيت مدمرة، والأعمدة التي تحمل العمارة مكشوفة ويمكن لأي شخص رؤية القضبان الحديدية بالعين. العمارة نفسها مائلة، أما الطوابق الخمسة المكونة منها العمارة فإنها متشققة".
عشرات الأعوام أمام إعادة الإعمار
على رغم كل هذا الدمار الذي لحق بالبناية فإن سارة قررت العيش في شقتها السكنية، ومثلها فعلت غالب العائلات التي كانت تسكن البيت، تشرح السبب "لجأت للبيت وأنا أعلم أنه آيل للسقوط وغير صالح للسكن بسبب تدمير الجيش الإسرائيلي أعمدته، لأن العيش تحت سقف من الأسمنت حتى لو كان على وشك السقوط أهون من حياة الخيمة".
عندما نزحت سارة من بيتها بسبب القتال العسكري بين إسرائيل و"حماس" عاشت في خيمة، وجربت حياة بدائية، لكنها في قرارة نفسها لم تكن تتحمل هذا الوضع وكانت تنتظر نهاية الحرب أو انسحاب القوات للعودة لمنزلها.
لكن عودة سارة إلى بيتها لم تدم طويلاً وانهار منزلها أمام عينيها من دون انفجارات ولكن تصدع بسبب القصف المتواصل على غزة ولم يتحمل هذا الوضع وانهار، تشعر السيدة باليأس وعادت إلى حياة الخيمة مجبورة عليها هذه المرة بعدما فقدت بيتها.
تقول "لم يعد القصف وحده الذي يفقدنا منازلنا، أصبحت المباني المتضررة تسقط وحدها وتفقدنا المأوى، هذا شكل جديد من المعاناة الإنسانية، أصبح العيش في منزل حلماً لي ولكن ليتحقق ذلك أمامي عشرات الأعوام لتتم إعادة الإعمار".
هذه الحادثة ليست الأولى، فقد شهد قطاع غزة خلال الأشهر الثلاثة الماضية عشرات من حوادث انهيار المباني السكنية المتضررة من الحرب، تسببت في تسجيل ضحايا وإصابات بين الأشخاص الذين ظنوا أنهم نجوا من الموت في القصف أو على يد جنود الجيش الإسرائيلي.
يركضون من الموت
نجا 30 فرداً تمكنوا من إخلاء مبنى سكني كانوا يسكنونه قبل نصف ساعة من انهياره، كانت تلك الشقق قد تعرضت لأضرار جسيمة جراء القصف الإسرائيلي خلال الحرب، يقول جبريل "كانت لحظة مرعبة مخيفة"، ويتابع "كنا نركض من الموت، الحجارة تنهار علينا ونحن نسرع الخطى لننجو، لم أتخيل أن ينهار المنزل بهذه السرعة، شعرت فجأة بتحرك مخيف في الأرضية، فهربت إلى الشارع في اللحظة الأخيرة قبل أن يسقط علينا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف جبريل "أعيش الآن في الشارع، فقدت مسكني، أتألم نفسياً على خسارة بيتي، قمت بمجهود عظيم لترميم شقتي في سبيل أن أعيش فيها، لكننا اليوم أمام كارثة أكبر من كل مصائب الحرب، إذا استمر انهيار المباني على هذا النحو فلن يجد السكان بيوتاً يعيشون فيها".
كان جبريل يعرف أن بيته آيل للسقوط، ولكنه عاش فيه، يوضح أن المواطنين مضطرون إلى البقاء في مبانٍ مهددة بالانهيار في أية لحظة بسبب عدم توفر مأوى بديل، لافتاً إلى أن انهيار المباني المصابة من القصف سبب آخر للموت في غزة.
الجهات الحكومية تطلق التحذيرات فقط
يعيش عبدالله في منزل يعرف أنه سيسقط في أية لحظة ويراقبه باستمرار خشية انهياره، ويقول "لا بدائل للسكن، مضطر إلى البقاء في بناية كهذه، أفضل المخاطرة بحياة أطفالي على العيش في خيمة، لا أنكر أننا نعيش هنا بحال خوف شديد". ويضيف "نخشى انهيار منازلنا ومنازل بجوارنا فنفقد حياتنا وحياة أطفالنا الذين يخافون الخروج للشوارع حتى لا تسقط عليهم جدران تلك المنازل".
توجه عبدالله إلى الجهات الحكومية وشرح لهم أخطار البنايات المتضررة من القتال التي باتت عرضة للانهيار، لكنه اصطدم بأن المسؤولين عاجزون عن تقديم أية خدمات.
يقتصر دور الدفاع المدني على تحذير السكان ويوصيهم بعدم الإقامة في هذه المباني، يقول المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل "آلاف المنازل تعرضت لتدمير جزئي في الحرب ومهددة بالانهيار، على رغم تحذيراتنا فإن السكان يجدون أنفسهم مجبرين على البقاء فيها لانعدام البدائل".
وصفت الأمم المتحدة الدمار في غزة بأنه غير مسبوق في التاريخ الحديث، وذكر مركز الأقمار الاصطناعية التابع لها بأن 70 في المئة من مباني القطاع متضررة على نحو أنها معرضة للانهيار.
قيمت وزارة الأشغال العامة والإسكان الأضرار الجسيمة في المنازل، ويقول المهندس فتحي أحمد "جميع هذه المباني قد تسقط في حال حدث قربها انفجارات أو استخدم الجيش قنابل ارتجاجية".
ويضيف أحمد "استخدمت إسرائيل الديناميت لتفجير الأعمدة الرئيسة لمبانٍ كثيرة في غزة، وهذا أسلوب احترافي، إذ يتم تدمير الأساسات فيما تبقى البناية قائمة لكن مع الوزن أو الانفجارات قد تنهار بصورة فورية".