Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاعتراف الأوروبي بفلسطين قرار متنازع عليه مشكوك في أهميته

يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لاستغلال مؤتمر الأمم المتحدة لتحفيز اعتراف العديد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية وفي المقابل اعتراف بعض دول الشرق الأوسط رسميا بإسرائيل

بينما تضغط فرنسا نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية يشكك مراقبون في أهمية الخطوة 

ملخص

تساؤلات تدور حول ما إذا كان المؤتمر الأممي الذي يُعقد برعاية فرنسا والسعودية في السابع عشر من يونيو الجاري، يمكنه انتزاع حق فلسطين في الوجود. لكن لا تبدو التوقعات عالية لدى الفرنسيين الذين يعتقدون أن حل الدولتين بات مقوضاً أكثر من أي وقت مضى بسبب الحرب ونزوح الفلسطينيين وعنف المستوطنين.

شهدت الأيام الماضية، تصعيداً حاداً في لهجة المجتمع الدولي ولا سيما الأوربيين، حيال القصف الإسرائيلي والانتهاكات المتواصلة في قطاع غزة منذ الحرب التي اندلعت قبل أكثر من عام ونصف. ففي مايو (أيار) الماضي، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، عن بدء مراجعة رسمية لاتفاقية الشراكة مع إسرائيل، وهى الاتفاقية المعمول بها منذ عام 2000 وتمنح إسرائيل مزايا تجارية واسعة مع الاتحاد الأوروبي.  

وفي تحول للموقف الألماني، الحليف الدائم لإسرائيل، انتقد المستشار فريدريش ميرتس حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحذر من أنه لن يتمكن بعد الآن من دعمها. ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية الألمانية أورسولا فون دير لايين هجمات الأيام الماضية على البنية التحتية المدنية في غزة بأنها "بغيضة وغير متكافئة". والخميس، دعت أربع دول أوروبية؛ إيرلندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا إلى منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة والاعتراف بدولتها على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. 

وبينما تضغط فرنسا على الدول الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة، للاعتراف بدولة فلسطين خلال مؤتمر حل الدولتين المقرر عقده في النصف الثاني من يونيو (حزيران) الجاري في الأمم المتحدة، فثمة تساؤلات عدة تحيط بالمؤتمر والموقف الأوروبي، لكن يبقى السؤال الأكبر بشأن آفاق الاعتراف بدولة فلسطين من قبل القوى الكبرى، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي الذي يتشكل من 27 دولة يعترف نحو ثلثهم فقط بالدولة الفلسطينية.

ماكرون يضغط أوروبياً

فعلى رغم أن الاتحاد الأوروبي داعم قوي لحل الدولتين، فإن الموقف حيال قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس موحداً، فإحدى عشرة دولة فقط من الدول الأعضاء تعترف بدولة فلسطين بينما لا يعترف الاتحاد الأوروبي ككيان بها، كما أن الدول الكبرى في الكتلة؛ فرنسا وألمانيا وإيطاليا ليست بين الدول الأعضاء التي تعترف بها، وإن كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يسعى لاستغلال مؤتمر الأمم المتحدة لتحفيز محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين من خلال اعتراف العديد من الدول الأوروبية رسمياً بالدولة الفلسطينية وفي المقابل اعتراف بعض دول الشرق الأوسط رسمياً بإسرائيل. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فرداً على سؤال في جلسة أمام مجلس الشيوخ الفرنسي الأسبوع الماضي، قال وزير أوروبا والشؤون الخارجية جان-نويل بارو، إن الحل السياسي وحده هو الكفيل بتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، مضيفاً بالقول "في هذا الحل السياسي، لكل طرف مفتاح. فرنسا ودول أوروبية وغربية أخرى لديها القدرة على الاعتراف بدولة فلسطين. والسلطة الفلسطينية، وقد تحدثت مع وزير خارجيتها صباح الثلاثاء، يجب أن تُحرز تقدماً في مسار الإصلاح، وهو ما ندعمه، لكي تكون مستعدة للقيام بمهمتها كاملة في حكم دولة فلسطين عندما يحين الوقت. أما الدول العربية في المنطقة، فتمتلك مفتاحاً آخر، وهو المضي نحو تطبيع العلاقات مع دولة إسرائيل، وقبول بنية أمنية إقليمية، كما هي الحال في حلف الناتو، تتيح دمج دولة فلسطين المستقبلية ودولة إسرائيل معاً". 

خلاف أوروبي - أوروبي

وفي حديثها لـ"اندبندنت عربية"، استبعدت مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، كيلي بيتلو، أن يكون هناك موقف أوروبي موحد بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، مشيرة إلى أن ألمانيا كقوة كبرى داخل الاتحاد الأوروبي ليست مستعدة لهذه الخطوة. ومع ذلك، توقعت بيتلو أن تقدم فرنسا والمملكة المتحدة على إعلان الاعتراف بدولة فلسطين. وقالت "ربما تُقدم فرنسا بالفعل على إعلان الاعتراف بدولة فلسطينية. لقد لاحظنا تشدد موقفها في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية على الأرض، وتزايد الاتهامات الموجهة لإسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي. قبل عدة أشهر، صرّح ماكرون بأن الاعتراف لم يعد من المحرمات بالنسبة لفرنسا. بالنسبة لفرنسا كما هو للمملكة المتحدة، لا ينبغي أن يتم الاعتراف في فراغ، بل يجب أن يكون جزءاً من عملية أوسع".

وأشارت إلى أنه مع اقتراب مؤتمر الأمم المتحدة، يبدو أن هناك بالفعل عملية أوسع جارية، وهذا إلى جانب تزايد الضغوط الشعبية الداخلية، مما يدفع فرنسا إلى التحرك بالتنسيق مع المملكة المتحدة، في إطار كونهما الدولتين الأوروبيتين الوحيدتين اللتين تتمتعان بعضوية دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ووجود مسار أممي عبر هذا المؤتمر.

ويرى أستاذ السياسة الأوروبية لدى جامعة مايووث جون أوبرينان، أن الاتحاد الأوروبي عاجز حيال غزة بسبب الخلافات بين الدول الأعضاء. واصفاً اعتراف إيرلندا وإسبانيا والنرويج بفلسطين بأنه يبدو رمزياً أكثر منه جوهرياً. وأشار إلى أنه لا يمكن تغيير شيء في موقف الاتحاد الأوروبي حتى "يُنقل اتخاذ قرارات السياسة الخارجية في الاتحاد إلى نظام التصويت بالغالبية المؤهلة".

خطوة رمزية وعملية أوسع

وثمة مراقبون لا يتفقون مع التعجل نحو الاعتراف بدولة فلسطين ويعتبرونها مجرد فعل رمزي. فبينما تمثل قضية الاعتراف بدولة فلسطينية مسألة لا مفر منها بالنسبة للدول الأوروبية، لكن الأمر الأكثر إفادة هو معرفة متى يمكن لمثل هذه الخطوة أن تُحدث فرقاً. فيقول الزميل لدى مركز كارنيغي أوروبا بيير فيمون، إن الاعتراف الأوروبي النهائي بدولة فلسطينية "يجب أن يأتي بشكل طبيعي، كجزء من عملية سلام حقيقية، ومن الأفضل أن يكون بإجماع الدول. أما اليوم، وفي ظل صراع مفتوح، فإن الاعتراف لا يعدو كونه إشارة رمزية أكثر من كونه خطوة حاسمة".

ويقول السفير الدنماركي السابق لدى الناتو وألمانيا كاستن سونديرغورد، إن الاعتراف بدولة هو أداة دبلوماسية بالغة الأهمية، ولا يمكن استخدامها إلا مرة واحدة. وتصبح أهميتها مضاعفة عندما نتحدث عن الاعتراف بدولة لا توجد فعلياً على أرض الواقع. وأضاف وفق مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن "الاعتراف بدولة فلسطينية كان موضوع نقاش منذ اتفاقات أوسلو. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي الإقدام على هذه الخطوة، فيجب أن تتم بعد دراسة دقيقة، واحترام للتاريخ والمبادئ والمسار المتبع. وسيكون لهذا الاعتراف معنى فقط إذا احترم الطرفان مبدأ حل الدولتين. وبصراحة، لا يبدو أن هذه هي الحال اليوم".

علاوة على ذلك، يجب أن يكون الهدف من الاعتراف هو التأثير على طرفي النزاع، وكذلك تعزيز مصداقية سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية. وأضاف أن جميع السياسات تنطلق من الداخل، وربما يفسر هذا سبب اتخاذ بعض الدول أخيراً قرار الاعتراف بدولة فلسطين بشكل أحادي. لكن وفق الدبلوماسي الدنماركي، يطرح ذلك السؤال: ما الذي حصلت عليه في المقابل؟ لماذا لم تصر على الإفراج عن بعض الرهائن؟ لماذا تم الضغط على إسرائيل فقط من دون الضغط على "حماس" أيضاً؟. 

ويذهب الزميل لدى مركز السياسات الأوروبية بول تايلور، لوصف قرار الاعتراف بدولة فلسطين بأنه "رمزي وفارغ"، قائلاً إن "هناك مئة إجراء أكثر فائدة يمكن أن يقوم به الاتحاد الأوروبي لمساعدة الفلسطينيين على تحقيق دولتهم، بدلاً من هذا الإجراء الرمزي الفارغ المتمثل في الاعتراف بدولة غير موجودة، والذي يرتبط أكثر بالسياسات الداخلية منه بزيادة فرص الفلسطينيين في الحصول على دولة".

ويرى تايلور أن الإجراء الأكثر واقعية هو العمل مع الدول العربية والولايات المتحدة لوضع خطة لحوكمة غزة بعد الحرب. فيمكن للاتحاد الأوروبي أن يشارك في وجود دولي انتقالي لحفظ السلام ومراقبة الحدود. كذلك يمكنه تقديم التدريب للمسؤولين والإداريين والسياسيين الفلسطينيين في المستقبل. ويمكنه أيضاً المساهمة في إعادة تأهيل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

سقف التوقعات

وبينما امتنع ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، عن الرد على أسئلة "اندبندنت عربية" بشأن موقف أعضاء مجلس الأمن والالتزامات التي تسعى لها الأمم المتحدة خلال "مؤتمر حل الدولتين"، أشار إلى بيان فرنسا والسعودية كدولتين منظمتين للمؤتمر، والذي يوضح أن المؤتمر يهدف إلى الدفع قدماً وبشكل عاجل بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بقضية فلسطين وحل الدولتين، "من أجل تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط. ومن ثم المساعدة في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، التي تعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومرجعية مدريد ومبادرة السلام العربية، والبناء على مبادرة يوم السلام التي أطلقتها المملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، بالتعاون مع مصر والأردن، من أجل تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط".

غير أنه بعيداً من البيانات الرسمية التي عادة ما تحمل نفس تلك العبارات المنمقة، يبدو أن الفرنسيين لا يأملون الكثير من المؤتمر بشأن ما يمكن تحقيقه في مضمار حل الدولتين. فوفق دبلوماسي فرنسي تحدث لصحيفة "بوليتكو" الأميركية، الأسبوع الماضي، فإنه في حين أن حل الدولتين ضروري أكثر من أي وقت مضى، "ولكنه قُوِّض أكثر من أي وقت مضى بسبب الحرب ونزوح الفلسطينيين وعنف المستوطنين المتطرفين". 

ويعتقد السفير الفرنسي السابق لدى سوريا والزميل لدى معهد مونتين ميشيل دوكلو، أنه في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، فإن الاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية سيكون بمثابة توبيخ وليس خطوة نحو السلام. ومع ذلك، يرى دوكلو أن الاعتراف الأوروبي بالأراضي الفلسطينية قد "يشجع الدول العربية على تحديد شروطها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل". ووفق الدبلوماسي الفرنسي فإن فرنسا تأمل في أن تتخذ دول الشرق الأوسط خطوات نحو التطبيع في المؤتمر، المقرر عقده في الفترة من 17 إلى 20 يونيو في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

ظهير أميركي

وفي حين يتحدث مراقبون عن تحول في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن لا توجد حتى الآن مؤشرات تُذكر على استعداد واشنطن للاعتراف بدولة فلسطينية.

فعلى رغم التصعيد الواسع من قبل الدول الأوروبية بما في ذلك المملكة المتحدة التي علقت محادثات تجارية مع إسرائيل وفرضت عقوبات على المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، يتجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي تهديدات حلفائه الغربيين، بل ذهب لاتهامهم بـ"تقديم جائزة ضخمة" لمنفذي هجوم السابع من أكتوبر، بينما صرحت وزارة الخارجية الإسرائيلية بأن "الضغط الخارجي لن يثني إسرائيل عن مسارها في النضال من أجل وجودها وأمنها ضد الأعداء الذين يسعون إلى تدميرها". وهذا الإصرار على الاستمرار يفسره المراقبون بأنه نابع من اعتقاد نتنياهو بأنه يستطيع، على الأقل في الوقت الحالي، الاعتماد على دعم الحليف الأقرب والأقوى الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير