ملخص
في الوقت الذي يستعد فيه الجانبان إلى استئناف مباحثاتهما حول نقاط "مذكرتي التفاهم" و"شروط وقف إطلاق النار" بموجب لقائهما السابق في إسطنبول، دحض لافروف ما ترامى من إشاعات ومنها أن الولايات المتحدة تريد تغيير رئيس الوفد الروسي (فلاديمير ميدينسكي مساعد الرئيس بوتين) الذي سبق وترأس وفد بلاده في كل الجولات السابقة منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
أعلنت المصادر الأوكرانية الرسمية عن رفضها لكثير من بنود "مذكرة التفاهم" التي أعدتها روسيا بموجب نتائج المحادثات الأخيرة بين الجانبين الروسي والأوكراني في إسطنبول. وقال إيغور بروسيلو، نائب رئيس مكتب فلاديمير زيلينسكي خلال تصريحاته إلى قناة "رادا" (البرلمان الأوكراني) التلفزيونية إن كييف وبصورة خاصة، لن توافق على الاعتراف القانوني بمناطق شبه جزيرة القرم وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ومقاطعتي زابوريجيا وخيرسون كجزء من روسيا الاتحادية.
أما عن الجانب الروسي، فأضاف عدداً من البنود إلى سابق ما حدده الرئيس فلاديمير بوتين من مطالب كان أوجزها خلال لقائه مع قيادات وزارة الخارجية الروسية في يونيو (حزيران) عام 2024. وكان وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا انتفض ليعلن عن طلبه من روسيا الاتحادية تقديم ما أعدته من اقتراحات حول "مذكرة التفاهم" على الفور، مما رد عليه المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف بقوله إن روسيا طلبت اللقاء مع الوفد الأوكراني الإثنين المقبل لمناقشة ما يطرحه الوفدان الروسي والأوكراني، فيما وصف طلب سيبيغا بأنه "غير بناء".
بوتين يرفع سقف مطالبه
وكشف المبعوث الشخصي للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى أوكرانيا كيث كيلوغ عن أن الولايات المتحدة تلقت من كييف ردها على طلب "مذكرة التفاهم" الخاصة بمطالبها حول التسوية السلمية للأزمة الأوكرانية، قائلاً إن واشنطن تنتظر رد موسكو على ذلك، مما سيدمج ضمن وثيقة واحدة لمناقشته في الجولة التالية للمحادثات التي أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن موعد عقدها في الثاني من يونيو (حزيران) المقبل، بعد رفض موسكو لمنصة الفاتيكان، مما أشارت إليه "اندبندنت عربية" في تقرير سابق لها من موسكو.
لكن الجانب الأوكراني سرعان ما أعلن أنه لا علم لديه باستئناف المفاوضات، ولم يبلغه أحد بموعد الجولة المقبلة منها، ولعل ذلك ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التصريح بأنه "سيستغل كل الفرص الدبلوماسية المتاحة للتوفيق بين روسيا وأوكرانيا"، معرباً عن أمله في "تحقيق التسوية المنشودة نتيجة لجهود السلام الحالية". ونقلت عنه وكالة "تاس" أخيراً ما قاله حول أنه على تواصل مع كل من روسيا وأوكرانيا لبحث هذه القضايا. كما أضاف "نذكّر الجميع بأنه لا ينبغي تفويت هذه الفرصة. دعونا لا نضيع هذه الفرصة. سنستخدم كل قوتنا الدبلوماسية وإمكاناتنا من أجل السلام. إخماد هذا الحريق الكبير في منطقتنا واجب إنساني ويصب في مصلحة بلدنا".
ومن جانبها نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر روسية قولها إن "الكرملين ليس على استعداد لقبول التسوية السلمية بأي ثمن"، وأكدت المصادر الروسية أن السلام يمكن أن يكون غداً أكثر إيلاماً مما هو عليه اليوم، كما يطرح الجانب الروسي، إلى جانب الأسباب الجذرية للصراع التي سبق وأعلنها بوتين في مستهل عمليته العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا في الـ24 من فبراير (شباط) عام 2022، ضرورة التزام البلدان الغربية التعهد كتابياً بعدم توسع "الناتو" شرقاً والتخلي عن فكرة ضم أي من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، ومن بينها أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أشارت وكالة "رويترز" إلى أن هذا المطلب كان في مقدمة غيره من المطالب التي نسبتها الوكالة إلى مصادر روسية، ومن بينها التزام الوضعية الحيادية لأوكرانيا وتسوية قضية الأصول السيادية الروسية المجمدة في الغرب وتوفير الحماية للناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا وإلغاء الحظر الذي فرضته السلطات الأوكرانية على اللغة الروسية، على أن ذلك ليس القول الفصل، ولا سيما بعد إعلان المتحدث الرسمي باسم الكرملين "لن نناقش علناً محتوى المشاريع التي يتبادلها الطرفان لأن جميع المفاوضات يجب أن تُجرى خلف أبواب مغلقة، لا علناً"، ودعا بيسكوف إلى انتظار رد الجانب الأوكراني.
وأعاد لافروف تأكيد ما صدر عن بوتين أكثر من مرة حول ضرورة التزام ما سبق وقاله عن الأسباب الرئيسة للحرب ومن بينها "ضرورة التزام أوكرانيا التخلي عن طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والتمسك بوضعيتها الحيادية غير النووية"، مما كانت التزمته ضمن إعلانها لبيان استقلالها الذي أعلنته عام 1991 قبل انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. وكان لافروف حدد "أسهل طريقة لتسوية النزاع في أوكرانيا"، قائلاً "أسهل شيء في هذه المرحلة من جهود تسوية النزاع بالنسبة إلى زملائنا الغربيين الذين يثيرون ضجة، وأبسط شيء وأكثره منطقية هو مطالبة كييف بإلغاء القوانين التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة بصورة مباشرة، ناهيك عن عدد من الاتفاقات المتعلقة بحقوق الأقليات القومية".
وأضاف لافروف أن "ذلك سيكون اختباراً لموقف الأوروبيين الحقيقي، ليس جميعهم، بل غالبية الأوروبيين بقيادة لندن وباريس وبرلين وبروكسل ووارسو الذين لم ينطقوا ولو لمرة بكلمة ’حقوق الإنسان‘ في ما يتعلق بما يحدث في أوكرانيا، لكن عندما يناقشون جمهورية الصين الشعبية، أو روسيا الاتحادية، أو جمهورية إيران، أو فنزويلا، أو أية دولة أخرى تقريباً، وعندما يناقشونها ويبنون معها نوعاً من العلاقة، فستكون هناك بالتأكيد توعية أخلاقية بضرورة احترام حقوق الإنسان".
تغيير رئيس الوفد الروسي إلى المحادثات
وفي وقت يستعد الجانبان لاستئناف مفاوضاتهما حول نقاط "مذكرتي التفاهم" و"شروط وقف إطلاق النار" بموجب لقائهما السابق في إسطنبول، دحض لافروف ما ترامى من إشاعات ومن بينها أن الولايات المتحدة تريد تغيير رئيس الوفد الروسي (فلاديمير ميدينسكي مساعد بوتين) الذي سبق وترأس وفد بلاده في كل الجولات السابقة منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
وقال لافروف في ختام محادثاته مع نظيره التركي هاكان فيدان في موسكو هذا الأسبوع إنه "إذا أرادت واشنطن أن تنقل شيئاً إلى موسكو، فهي تعرف كيف تفعل ذلك من دون اللجوء إلى أسلوب نشر الإشاعات المهين. وكما تعلمون، فإننا نتواصل بصورة طبيعية مع الولايات المتحدة، على النقيض مما كان خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن".
وأضاف لافروف أن "الزعيم الروسي فلاديمير بوتين هو الذي عين مساعده فلاديمير ميدينسكي في فريق التفاوض حول أوكرانيا. وإذا كان هناك من يشكك في ذلك، فإن رئيس روسيا الاتحادية هو صاحب القرار والصلاحيات، وليس أي زعيم أو ممثل لأية دولة أخرى".
وفي هذا الصدد تداولت أجهزة الإعلام الروسية أخباراً مفادها بأن ميدينسكي مساعد الرئيس بوتين ورئيس الوفد الروسي إلى المحادثات مع نظيره الأوكراني يتعرض لتهديدات أوحت المصادر الروسية بأنها "أوكرانية المصدر"، مما كشف عنه النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما ألكسي تشيبا خلال حديثه إلى وكالة "تاس"، وقال إن "هذه التهديدات من جانب النازيين الأوكرانيين لعائلة فلاديمير ميدينسكي تستهدف عرقلة عملية التفاوض".
وبينما تلقفت البرامج الحوارية ومن بينها برنامج "أمسية مع سولوفيوف" هذه التصريحات، اكتفت مصادر الكرملين بالإشارة إلى ضرورة التريث إلى أن تحدد أجهزة الأمن ما إذا كانت التهديدات الموجهة لميدينسكي وعائلته واردة من كييف. وقال بيسكوف إنه "من المهم جداً الآن أن تحدد أجهزتنا المتخصصة، ونحن نعلم أن لجنة التحقيقات تناولت بالفعل هذه القضية". كما وصف هذه التهديدات بأنها "وضع مشين"، مضيفاً أنها "قصة غير مسبوقة على الإطلاق".
وخلال منتدى موسكو للأمن الدولي الذي عقد هذا الأسبوع عاد لافروف ليقول إن الدول الغربية لم تتصرف أبداً باحترام مبدأ المساواة في السيادة بين الدول، وإن تركيز الغرب على مبدأ "وحدة الأراضي" في قضية أوكرانيا يتجاهل بصورة كاملة حق الأمم في تقرير المصير"، مؤكداً أن "نظام كييف لا يمثل سكان شبه جزيرة القرم وجنوب شرقي أوكرانيا".
ومن اللافت في هذا الصدد أن موسكو لم ترفض قط أيّاً من المقترحات التي ترد إليها من مختلف الأطراف الدولية لتسوية الأزمة الأوكرانية، لكنها تتعامل معها انطلاقاً من مدى مواءمتها مع مصالحها الوطنية والثوابت المدرجة في دستورها، ومن بينها حماية مصالح الناطقين باللغة الروسية، وعدم التنازل عن أي من أراضيها التي صارت جزءاً لا يتجزأ من أراضي روسيا الاتحادية، لا يجوز التنازل عنها، بموجب التعديلات الدستورية التي أجريت بعد الإعلان عن ضم المناطق الأربع في سبتمبر (أيلول) عام 2022. وأشار إلى هذه القضية مجدداً عميد الدبلوماسية الروسية بقوله إن موسكو ستواصل إصرارها على إلغاء القوانين التمييزية ضد الناطقين بالروسية، كما فعلت خلال لقاء إسطنبول. كما أعرب عن قلقه من تعزيز وجود قوات "الناتو" على طول الحدود مع روسيا، واصفاً هذه الخطوة بأنها تهديد للأمن الإقليمي.
القوات الروسية تواصل تقدمها
وفي وقت يتواصل الجدل بين مختلف الأطراف المعنية التي تتباين توجهاتها ومواقفها تجاه سبل حل الأزمة الأوكرانية، تستمر القوات الروسية في تقدمها على طول حدود التماس مع القوات الأوكرانية مع كل يوم جديد. ولا تقتصر هذه القوات في تقدمها على زحفها لتحرير ما بقي من أراضي المقاطعات الأربع التي أعلنت ضمها، بل تمضي في طريقها إلى ما وراء حدود المقاطعات الأوكرانية لخلق ما يسمى "المناطق العازلة" المتاخمة للأراضي الروسية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن نجاح قواتها في التقدم لمسافة تزيد على 10 كيلومترات داخل مقاطعة سومي، على طول الحدود المتاخمة لمقاطعة كورسك الروسية التي أعلن بوتين عن تحرير كامل أراضيها في وقت سابق من الشهر الجاري. وكانت القوات الروسية كثفت هجماتها الصاروخية ضد المواقع العسكرية في العاصمة كييف وكبرى المدن الأوكرانية، رداً على محاولة "اغتيال" بوتين عندما كان في طريقه إلى مقاطعة كورسك لتفقد أحوالها ولقاء مواطنيها بعد تحريرها.
وعلى الجانب الآخر أشار الموقع الإلكتروني لقناة "روسيا اليوم" الناطقة بالعربية إلى ما أعلنه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حول خطط أوكرانيا لإنتاج 30 ألف طائرة مسيّرة و3 آلاف صاروخ. كما نقل عن زيلينسكي تصريحاته حول إنتاج المسيّرات، إذ قال إنه يعني وبطبيعة الحال التجميع من قطع مستوردة من الخارج. كما أشارت وكالات الأنباء إلى الاتفاق الذي وُقع بين وزير الدفاع الأوكراني رستم أوميروف ونظيره الألماني بوريس بيستوريوس على هامش زيارة زيلينسكي لبرلين أخيراً، حول إنتاج مشترك للصواريخ بعيدة المدى، ستعمل على تصنيعها مصانع تقام داخل الأراضي الأوكرانية.
وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت عبر قناتها على "تيليغرام" عن ضربات ضخمة بأسلحة عالية الدقة من مصادر بحرية وجوية وبرية وطائرات مسيّرة على مؤسسات المجمع الصناعي العسكري في أوكرانيا، حيث تنتج مكونات الأسلحة الصاروخية وإلكترونيات الاتصالات والمتفجرات ووقود الصواريخ والطائرات المسيّرة الهجومية للقوات المسلحة الأوكرانية.
كما استهدفت روسيا مراكز استطلاع لاسلكية واتصالات عبر الأقمار الاصطناعية ومخازن الأسلحة والمواقع العسكرية ومعسكرات الجنود والقوات الأجنبية، وهي المواقع التي جرى الإعلان عنها، رداً على محاولات استهداف مروحية بوتين التي أقلته إلى مقاطعة كورسك في الـ20 من مايو (أيار) الجاري، مما كان في مقدمة أسباب انتقادات ترمب التي بلغت في حدتها "درجة عالية من السخونة".
موسكو تتمسك بضبط النفس
وكان ترمب أعرب في وقت سابق عن إحباطه إزاء تصرفات نظيره الروسي بسبب الجمود الذي شهده تجاه جهوده لإنهاء الصراع. وإضافة إلى ما صدر عنه من عبارات "حادة"، قال الزعيم الأميركي إنه يدرس فرض عقوبات جديدة على روسيا، وذلك ما أعلنت مصادر روسية أن الكرملين لا بد من أن يرفضه، فيما وصفت ما صدر عن الرئيس الأميركي بأنه "رد فعل عاطفي".
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن "الضربات الصاروخية والمسيّرات التي جرى إطلاقها على أوكرانيا، كانت بمثابة الرد على الهجمات الأوكرانية الضخمة بطائرات مسيّرة على المناطق الآهلة بالسكان والمواقع المدنية الروسية، ومن بينها المدارس والمستشفيات ورياض الأطفال، في وقت تقتصر خيارات القوات الروسية في توجيه ضرباتها وقصفها حصرياً على المنشآت والمواقع العسكرية ومؤسسات صناعة الدفاع في أوكرانيا"، على النقيض مما تفعله القوات الأوكرانية.
لكن الصمت الرسمي تجاه ما قاله ترمب في حق بوتين لم يكُن إلا ليقابل من جانب أجهزة الإعلام الروسية، بخاصة البرامج الحوارية، بما يستحق من تعليقات من وحي ما صدر من مطبوعات تناولت الجوانب الخفية من السيرة الذاتية للرئيس الأميركي. ونتوقف في هذا الصدد عند برنامج "60 دقيقة" الذي يحظى بمساحة كبيرة تمتد لمدة أربع ساعات يومياً على فترتين على شاشة القناة الرسمية الإخبارية "روسيا 1" لمقدمته أولغا سكابييفا وضيوفها من كبار المعلقين السياسيين الروس، بما تضمنه من الخوض في السيرة الذاتية لدونالد ترمب نقلاً عن مصادر أميركية، ومن بينها كتاب "النار والغضب" الذي اتهم الرئيس الأميركي بعدم الاتزان النفسي والاضطرابات الشخصية النرجسية، وغير ذلك من السمات الفوضوية لما يتخذه من قرارات تنال من النظام العالمي. ومن اللافت أن هذا الكتاب أثار ضجة واسعة النطاق حين صدوره خلال أعوام الولاية الأولى لترمب، مما رد عليه الرئيس الأميركي آنذاك بعبارات غاضبة على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي، تدحض ما ورد في الكتاب من معلومات وصفت بالمكذوبة، اضطرته إلى اللجوء إلى القضاء.