ملخص
تبين أن القيادة السياسية أوعزت للجيش بالتحرك ببطء أكثر من أجل إتاحة فرص إضافية للتفاوض مع "حماس" على صفقة أسرى أو على الأقل خطوات جزئية، لكن هذه التعليمات دفعت بقياديين في الجيش والأجهزة الأمنية إلى التحذير من أن خطوات كهذه قد تشكل خطراً على حياة الجنود وتبقي الحرب من دون أفق قريب لإنهائها.
مع اشتداد القتال في غزة والمشاهد التي تخرج من مراكز توزيع المساعدات على الفلسطينيين، التي يقدر إسرائيليون أن تسهم بالإساءة لصورة إسرائيل في العالم وزيادة عزلتها، توجهت الأجهزة الأمنية إلى متخذي القرار وطالبتهم بالحسم، إما تصعيد القتال وتنفيذ عملية "مركبات جدعون" بكل مراحلها حتى هزيمة "حماس" وإما التوجه نحو صفقة أسرى وإنقاذ 20 أسيراً حياً من بين 58 ما زالوا في الأسر.
توجُّه الأجهزة الأمنية جاء بعد أن شكل الـ28 من مايو (أيار) يوماً استثنائياً في إسرائيل بمرور 600 يوم على الحرب، لتتجاوز حرب الاستقلال عام 1948 لإقامة الدولة، من دون أفق قريب لحسمها وبفقدان الأمل من نجاح جهود صفقة أسرى قريبة، بعد كشف مسؤولين عسكريين عما تخطط له القيادة في غزة والجهود الميئوس منها التي يديرها وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر في واشنطن مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، الذي توجه إلى هناك بعد أن قرر أهالي الأسرى التواصل المباشر مع واشنطن وإجراء محادثات مع ويتكوف.
لكن من بين ما يتكشف من وراء كواليس المفاوضات، وفق منتدى عائلات الأسرى، أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يصر على استمرار الحرب من خلال رفضه التعهد بوقفها بعد إعادة الأسرى في مقابل إصرار حركة "حماس" على ضمان تعهدات من الولايات المتحدة، مع جدول زمني لوقف الحرب.
ومع تسريب حديث قائد فرقة غزة العميد باراك حيرام حول ما يُخطط له في غزة أمام مقاتلين، وعدم قدرته على تقدير توقيت إعادة الأسرى ووقف الحرب باتت الصورة أوضح، كما قال أكثر من عضو في منتدى عائلات الأسرى، بأن وجهة الحكومة إلى استمرار الحرب مقابل التنازل عن الأسرى وفقدان الأمل بأي نجاح يمكن أن يحققه ديرمر في واشنطن طالما إسرائيل ترفض وقف الحرب.
على طريقة القذافي
حديث حيرام جاء ليعكس حقيقة ما تخطط وتفكر به إسرائيل، وبحسبه فإن الجيش لن يخرج قبل هزيمة "حماس"، لأنه "وفق ما هو موجود على أرض الواقع فإن إنهاء الحرب الآن وترك غزة يعني أن الحركة ستعود لتعزز قدراتها".
لم يتحدث حيرام، وإن أكد بقاء الجيش في القطاع، عن أن إسرائيل هي من ستقضي على آخر عنصر في "حماس"، بل توقع أن سكان غزة هم من سيقتلون آخر قائد للحركة سيبقى على قيد الحياة، إذ قال "زعيم ’حماس‘ الأخير، الذي سيبقى، الذي لن نتمكن من قتله، سيأخذه الشعب إلى الخارج ويفعل به مثلما فعلوا مع القذافي (الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي). سيشرحون له ما الذي يفكرون به وكيف يجب أن يكون مصيره".
حيرام، وإزاء ما طرحه من وضعية حالية في غزة وخطة الجيش في تنفيذ العملية، لم يتمكن من تحديد فترة ولو بصورة تقديرية يمكن فيها إنهاء الحرب، كما قال صراحة إنه لا يستطيع أن يحدد وقتاً تنجح فيه إسرائيل بإعادة الأسرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بحسبه، فإن الجيش ماض في القتال وتكثيفه حتى تصبح "حماس" بلا قاعدة ولا جهاز لتفعيل الحركة، ويقول "حماس تواجه صعوبة كبيرة خلال الأشهر الأخيرة في دفع الرواتب لكامل جهازها. وفي اللحظة التي لم يعد فيها الجهاز موجوداً، عندما يتوقف الناس عن الحضور إلى العمل الحمساوي تفقد الحركة من قوتها وتغيب عن الوجود. وفي اللحظة التي ننجح فيها بتفكيك ما يكفي من المكونات التي تجعل من هذه الفكرة بلا آلية تشغيلية، سنعلم أن هذا هو نصرنا، لكن اليوم هذه الآلية غير مجدية، لا تعمل، لكنها لا تزال قائمة بما فيه الكفاية، لدرجة أنه في اللحظة التي ننسحب فيها ونخرج يمكن أن تعيد الحركة تشكيل نفسها بسرعة".
البقاء في المحاور الفاصلة
بحسب ما تبين من خطط الجيش في غزة، فإن جميع الفرق العسكرية الخمس الموجودة في القطاع ستقوم بتغطية كل المنطقة وضمان العبور من جميع مناطق القطاع في ما تبقى فرق من الجنود المقاتلين في المحاور التي تفصل بين البلدات لتنفيذ هدف الهجوم على مقاتلي "حماس" ومخابئهم "حتى لو كان الثمن استمرار الحرب لأشهر طويلة"، كما نقل عن مسؤول عسكري.
وتبين أن القيادة السياسية أوعزت للجيش بالتحرك ببطء أكثر من أجل إتاحة فرص إضافية للتفاوض مع "حماس" على صفقة أسرى أو في الأقل خطوات جزئية، لكن هذه التعليمات دفعت بقياديين في الجيش والأجهزة الأمنية إلى التحذير من أن خطوات كهذه قد تشكل خطراً على حياة الجنود وتبقي الحرب من دون أفق قريب لإنهائها، في ظل نقص عدد الجنود على رغم القرار الذي اتخذته الحكومة بدعوة 450 ألف جندي احتياط إلى الخدمة.
وكشف عسكري إسرائيلي أن الجيش، مع إطلاق عملية "مركبات جدعون"، يكون أعاد قواته إلى غزة للمرة الـ87 في نفس المناطق.
وعلى رغم ذلك، فإن الجيش سيعمل ضمن خطوات عدة أولاها تحريك السكان من شمال القطاع ومن مدينتي خان يونس ورفح، بعدما جعل الجيش مناطق واسعة في غزة مدن أشباح وجزر خرائب ودمار، كما وصفها المتخصص العسكري أفي اشكنازي.
الخطوة الثانية هي استيلاء الجيش الإسرائيلي على الأراضي ونزع أرض غزة من الغزيين و"حماس". وبحسب أشكنازي في هذه الخطوة ربما ينجح الجيش في تنفيذ ما يخطط، فهو حتى الآن نجح في أن يسيطر على نحو نصف أراضي القطاع.
الخطوة الثالثة هي الضربة الكبيرة لقدرات "حماس" العسكرية، ولتحقيق ذلك يجري التنسيق بين جميع الفرق العسكرية المنتشرة في القطاع وسلاحي الجو والبحرية، فقد عدَّ تقرير إسرائيلي هذه الخطوة الأهم والأخطر حيث التنسيق أيضاً مع شعبة الاستخبارات العسكرية.
الخطوة الرابعة هي ضمان تجاوز "حماس" في توزيع المساعدات الإنسانية، وهذه تأتي بعد ضرب قدرة أنظمتها وإدارتها حيال الفلسطينيين.
ويبقى التحدي الأكبر ما فهم من حديث قائد فرقة غزة، ولم يقله مباشرة، هو عدم النجاح في منع "حماس" من إعادة بناء نفسها وبناء قدراتها العسكرية، صغيرة أم كبيرة. وهنا يقول أشكنازي "إسرائيل ملزمة أكثر من أي وقت مضى بأن تضع فوراً خطة اليوم التالي. ليس فقط من يحكم في غزة بل كيف ستتم الرقابة الاستخباراتية وماذا سيكون العمل العسكري الإسرائيلي في القطاع بعد حرب الـ20 شهراً"، ووصفها مضيفاً "خلال هذا الوقت بالذات الآن، وإزاء جميع التطورات يبقى أن ننتظر لنرى كيف سينهي الرئيس الأميركي دونالد ترمب الحرب الأطول في تاريخ الدولة، حرب بدأت بالكارثة الأكبر للشعب اليهودي منذ المحرقة، وهي الآن تقف في مفترق مهم قبيل تغيير شكلها وسلوكها".
قبل التدهور إلى عقد ضائع
بمرور 600 يوم على الحرب عقد في إسرائيل مؤتمر "هورفيتش"، وعدَّ مشاركون فيه أن الوضع الاقتصادي أخطر من أي جانب آخر، بل أطلقت جهات عدة الدعوة لإعلان نداء واسع لوقف الحرب فوراً قبل التدهور إلى عقد اقتصادي – اجتماعي- قيمي ضائع.
الخسائر المالية التي تسببت فيها حرب "طوفان الأقصى" وأدخلت إسرائيل إلى عجز خطرة وجعلتها أغلى دول العالم، بالتالي الهجرة الواسعة منها مقابل ارتفاع متواصل في نسبة الفقراء، دفعت إلى خطوات عدة تهدف إلى وقف الحرب على خلفية الأوضاع الاقتصادية الخطرة.
رئيسة المؤتمر، محافظة بنك إسرائيل السابقة، بروفيسور كارنيت بلوغ عكست في بحث لها بتزامن عقد المؤتمر خطوة الحرب. والبحث جاء تحت عنوان "في ظل الحرب: فضائل الموازنة، سلم الأولويات وآثار ارتفاع العبء الأمني".
وبحسبها "الافتراض بأن تبلغ موازنة الدفاع نحو 5.2 في المئة من الناتج عام 2025 أو نحو 110 مليارات شيكل (أكثر من 30 مليار دولار)، هو أمر غير معقول مع عدم انتهاء الحرب ولا حتى التوقع بفترة قريبة لإنهائها". وحذرت كارنيت من أن "عدم إنهاء الحرب والسيطرة العسكرية الكاملة في قطاع غزة لن يسمحا للاقتصاد الإسرائيلي بالنمو وستكون الحال أسوأ بكثير، بينما من شأن هرب الأدمغة وهرب الدولارات الذي حذر منه الاقتصاديون، حتى قبل الحرب بسبب الإصلاح القضائي أن يحدث في عام الحرب الثالثة بشدة تسونامي".