ملخص
في ظل هذا الانسداد، تصبح الهدنة الطويلة مشروعاً بديلاً للانتقال من اليأس إلى الحياة… ويمكن ربطها بحزمة ضمانات دولية ومشاريع تنموية مشتركة وفتح المعابر ورفع الحصار وتجميد الاستيطان موقتاً وتأمين الحقوق المدنية والاقتصادية لسكان الأراضي المحتلة، من دون الخوض في متاهة الاعتراف أو النفي، ومن دون الحاجة إلى البحث عن صيغة نهائية للحل.
منذ أكثر من سبعة عقود، ونحن عالقون في مربع الدم، ندور حول طاولة مفاوضات هشة، ونراوح ما بين "حل الدولتين" الذي شاخ قبل أن يولد، و"الحل البديل" الذي لا يجرؤ أحد على تسميته أو فرضه… وفي ظل حرب غزة المستعرة والانقسام الفلسطيني وتطرف حكومة نتنياهو، تبدو كل الحلول النهائية غير ممكنة أو مؤجلة إلى أجل غير مسمى.
ما يمكن التفكير فيه بجدية اليوم هو هدنة طويلة الأمد لمدة 40 عاماً بضمانات أميركية، تجمد فيها الحرب ويجمد فيها أيضاً وهم التسوية السياسية، هدنة لا تنهي الصراع جذرياً، لكنها توقف النزيف وتمنح الأجيال المقبلة فرصة لصياغة واقع جديد أقل توحشاً وأكثر واقعية وتوفر للجميع فرصة النمو والازدهار.
ربما تبدو الهدنة الطويلة خيار اليأس من الحلول، لكنها في حقيقتها صيغة للتهدئة العميقة، تشبه إلى حد كبير ما فعله الأوروبيون بعد الحرب العالمية الثانية، حين أدركوا أن الحلول الكبرى مؤجلة، فاختاروا البناء بدلاً من التناحر، والتعاون الاقتصادي بدلاً من ترسيم الحدود… هكذا نشأ الاتحاد الأوروبي، لا من طاولة مفاوضات سلام، بل من مصانع الحديد والفحم.
في الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية الراهنة، فإن فكرة الدولتين لم تعُد ممكنة، إذ تنهش المستوطنات الضفة الغربية ويُخنق قطاع غزة تحت الحصار، وحقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تريد دولة فلسطينية ولا تعترف بحق العودة ولا ترى في الفلسطيني إلا رقماً أمنياً قابلاً للمراقبة أو الترحيل أو القتل… والفلسطينيون، على رغم انقساماتهم، لم يتنازلوا عن أحلامهم ولم ينسوا نكبتهم، إذاً لا تسوية عادلة في الأفق، ولا انتصار نهائي يبدو ممكناً.
ولعل ما يمنح هذه الفكرة اليوم بعض الجدية أن الولايات المتحدة تعيش إحدى أقوى لحظاتها السياسية في جرأة الطرح وصلابة الموقف، فواشنطن لم تعُد تكتفي بإدارة الأزمة، بل باتت تمتلك، للمرة الأولى منذ عقود، الأدوات والنية للضغط من أجل حلّ خاص بها، ولو على حساب بعض الحسابات التقليدية، فتبدو أميركا اليوم ضامناً لا يستهان به، وربما لا يتكرر لمبادرات كهذه، فهي تملك ما تمنحه وتملك ما تمنعه لكلا الطرفين… وما بين الترغيب والترهيب، يمكنها أن تخلق لحظة نادرة من التوازن الإجباري الذي لا يفضي إلى تسوية نهائية، لكنه يفرض هدنة واقعية طويلة تنقذ ما بقي من الأمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ظل هذا الانسداد، تصبح الهدنة الطويلة مشروعاً بديلاً للانتقال من اليأس إلى الحياة… ويمكن ربطها بحزمة ضمانات دولية ومشاريع تنموية مشتركة وفتح المعابر ورفع الحصار وتجميد الاستيطان موقتاً وتأمين الحقوق المدنية والاقتصادية لسكان الأراضي المحتلة، من دون الخوض في متاهة الاعتراف أو النفي، ومن دون الحاجة إلى البحث عن صيغة نهائية للحل.
وسواء اعترف بعضهم بذلك أو لا، فإن التسريبات تكشف عن أن حركة "حماس"، على رغم خطابها التصعيدي، تبدي انفتاحاً ضمنياً على أي حلّ يخفف عنها وطأة الحصار، فالانهيار الإنساني في غزة والضغوط الداخلية والعزلة الإقليمية وانكسار، وربما تحييد، المشروع الإيراني، جعلت من الواقعية اضطراراً لا خياراً... وهي تؤمن بأن البراغماتية ليست تهمة، بل أحياناً غريزة بقاء، وهي ما ينقذ الحركات قبل أن يبتلعها الانفجار الداخلي.
وهذه الهدنة لن ترضي المتشددين من كلا الطرفين الذين يتغذون على العنف، ويخشون من لحظة تعرّي حقيقة أن هذا الصراع لا نهاية له، إن لم نكسر دائرة الدم… وأن 40 عاماً من الصمت أفضل من 40 يوماً من الجنون.