ملخص
توقيع اتفاقية التعاون الأمني بين إيران والنيجر يشكل "تطوراً لافتاً يعكس تحولاً نوعياً في إستراتيجية طهران الخارجية، إذ تنتقل من حدود المواجهة الجيوسياسية في الشرق الأوسط إلى البحث عن نفوذ عابر للقارات، مستفيدة من الانكفاء الغربي عن منطقة الساحل الأفريقي".
يعكس اتفاق التعاون الأمني الذي وقعته إيران مع النيجر طموحات طهران للعب دور أكبر في منطقة الساحل الأفريقي شديدة الاضطراب، والتي تشهد تهافتاً دولياً كبيراً عليها.
وجاء توقيع الاتفاق على هامش زيارة قائد الأمن الإيراني أحمد رضا رادان إلى نيامي، وشمل تبادل المعلومات والخبرات الأمنية، وبحسب ما نقلته صحف محلية في النيجر فإن المجلس العسكري الحاكم في البلاد "أبدى رغبته في الاستفادة من تجارب الشرطة الإيرانية".
وأجرى رادان سلسلة من اللقاءات شملت كلاً من وزير الخارجية النيجري باكاري يائو سانكاري، ووزير الداخلية الجنرال محمد تومبا، وقائد الشرطة الجنرال عمر تشياني، كما نص الاتفاق على "تعزيز التنسيق في مجالات الأمن وتبادل الخبرات والمعلومات ومواجهة التحديات المشتركة وعلى رأسها الجريمة المنظمة والإرهاب".
تحول إستراتيجي
ومع انهيار النفوذ الغربي بعد مغادرة القوات الفرنسية والأميركية وغيرهما من دول مثل النيجر وبوركينا فاسو ومالي إثر موجة من الانقلابات العسكرية التي عرفتها هذه الدول، باتت قوى أخرى تسعى إلى إحلال نفسها مكان هذه الدول، ومن بينها إيران التي خاضت في وقت سابق مفاوضات مكثفة مع النيجر ومالي وبوركينا فاسو، ودعمت بشدة المجالس العسكرية المنبثقة عن الانقلابات.
وعد الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية سلطان ألبان أن "توقيع الاتفاق الأمني بين إيران والنيجر يعكس تحولاً إستراتيجياً في سياسة طهران تجاه غرب أفريقيا عموماً، حيث تسعى عبر هذه الاتفاقات إلى استغلال الفراغ الذي تركته القوات الفرنسية والأميركية بعد الانسحاب من المنطقة، خصوصاً تفكير إيران في وجودها كقوة قادرة على أن تكون بديلاً سياسياً وأمنياً".
وأردف ألبان أنه "إذا ما نظرنا إلى جوهر هذا الاتفاق الذي يشمل تبادل المعلومات، أي البعد الاستخباراتي والتدريب وبناء القدرات الأمنية، فهذا يشير إلى رغبة إيران في تقديم نفسها كبديل للقوى الغربية في دعم الأنظمة العسكرية التي تواجه عزلة دولية وصعوبات أمنية متفاقمة"، مشدداً على أن "البعد الأمني بات بوابة رئيسة لإيران في المنطقة وخصوصاً مع وجود صعوبات أمنية متفاقمة، فطهران تستعمل هذا البعد لتعزيز نفوذها الأمني على غرار ما فعلته روسيا في مالي وبوركينا فاسو، لكن إيران لا تفكر في نقل قوات إيرانية أو أن تكون لها قواعد أو أن تقوم بالدور الذي كانت تقوم به فرنسا والولايات المتحدة، بل ستكتفي بالتعاون الأمني والعسكري مما يمنحها مدخلاً للاستفادة اقتصادياً وسياسياً". وبرأي ألبان فإن "إيران تسعى إلى الحصول على موارد إستراتيجية مثل اليورانيوم الذي يعتبر أحد المطالب الأساس في البعد الاقتصادي لطهران في النيجر، كما أنها تعرض خبراتها في مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، وهي نقطة تحتل جزءاً مهماً في سياسات المجالس العسكرية الانتقالية في المنطقة".
نفوذ عابر للقارات
ولم تكن المساعي الإيرانية إلى تكريس نفوذ لها في الساحل الأفريقي وليدة اللحظة، فقد بحثت مع السلطات في واغادوغو إمكان تعزيز التعاون العسكري والأمني بين البلدين، إذ تواجه دول الساحل الأفريقي تحديات أمنية ضخمة، حيث تسيطر الجماعات المسلحة على نحو 71 في المئة من أراضي بوركينا فاسو، فيما تشهد مالي والنيجر هجمات دموية من قبل الجماعات المسلحة.
ورأى الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية وليد عتلم أن توقيع اتفاق التعاون الأمني بين إيران والنيجر يشكل "تطوراً لافتاً يعكس تحولاً نوعياً في إستراتيجية طهران الخارجية، إذ تنتقل من حدود المواجهة الجيوسياسية في الشرق الأوسط إلى البحث عن نفوذ عابر للقارات مستفيدة من الانكفاء الغربي عن منطقة الساحل الأفريقي، ولا سيما بعد تآكل الوجود الفرنسي والانسحاب الأميركي الأخير من النيجر"، وهذا التطور، بحسب عتلم، يتجاوز "كونه مجرد تنسيق أمني عابر ليعكس توجهاً إستراتيجياً إيرانياً نحو التمركز في بيئة جيوسياسية رخوة تعاني هشاشة أمنية وبحثاً محموماً عن شركاء دوليين جدد من خارج الفلك الغربي التقليدي"، مؤكداً أن "طهران تستعمل البعد الأمني كأداة تكتيكية لفتح الباب أمام نفوذ متعدد الأبعاد يشمل الاقتصاد والثقافة والدِين، فالاتفاق الأمني مع النيجر، والذي يشمل تبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، لا يمكن فصله عن طموح إيران لتكرار نموذج الاختراق الناعم الذي مارسته في العراق وسوريا ولبنان، ولكن بصيغة أكثر مرونة تناسب خصوصية البيئات الأفريقية". وبيّن عتلم أن "النيجر بقيادتها العسكرية الجديدة تجد في إيران شريكاً غير مشروط لا يفرض أجندة ديمقراطية أو حقوقية، كما تفعل واشنطن وباريس، مما يجعلها جذابة للقوى الانقلابية الباحثة عن شرعية بديلة وتحالفات غير تقليدية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد مذهبي
وأحيا التوجه الإيراني نحو الساحل الأفريقي مخاوف من نشر التشيع في دوله، خصوصاً أنها متهمة بذلك في مناطق أخرى من القارة السمراء، وقد رصد عتلم أن "دخول إيران على خط التنافس في الساحل يضيف بعداً مذهبياً إلى الصراعات المحتملة، مما قد يخلق توترات اجتماعية وطائفية تهدد الاستقرار الهش أصلًا في تلك الدول"، لافتاً إلى أن "الغرب، وعلى رأسه فرنسا، قد يعتبر التمدد الإيراني تهديداً مضاعفاً لمصالحه الاقتصادية والأمنية، وأيضاً لتحالفاته التقليدية، مما يفتح الباب أمام مواجهات بالوكالة أو ردود فعل غير تقليدية".
فرص غير مضمونة
وفي ظل حضور راسخ وقوي لروسيا في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وسعي تركي وأميركي وصيني إلى تكريس نفوذ هناك، يثار سؤال حول إلى أي مدى قد تنجح إيران في فرض أجندتها على الساحل؟
أجاب ألبان أن "فرص نجاح إيران في التمدد ليست مضمونة بالكامل، بمعنى أن الفراغ الأمني الحالي يوفر لها نافذة تعزز بعدها الاقتصادي، لكن هناك كثيراً من العوامل قد تحد من قدراتها على ترسيخ النفوذ"، مفسراً ذلك "بشدة التنافس الدولي، إذ تشهد المنطقة صراعاً بين قوى كبرى مثل روسيا التي تنتشر عبر ذراعها العسكرية 'فاغنر' سابقاً والفيلق الروسي - الأفريقي حالياً، وتركيا أيضاً والصين والولايات المتحدة الأميركية، للعودة عبر التعاون الاستخباراتي"، مضيفاً أن "هناك ضغطاً غربياً قوياً، اقتصادياً وسياسياً يمارس لمنع إيران من توسيع حضورها في غرب أفريقيا، وهناك ما يشبه الكماشة الغربية الاقتصادية على إيران الآن تعرقلها من توسيع نفوذها، خصوصاً إذا تصاعد الضغط مع التغيرات في الإدارة الأميركية والتشدد الأوروبي المحتمل تجاه إيران". وتابع ألبان أن "هناك أيضاً صعوبات لوجستية وعلى مستوى البنى التحتية، مع صعوبة إنشاء خطوط إمداد مستقرة تحد من قدرة إيران على تحويل التعاون الأمني إلى شراكة إستراتيجية شاملة".