ملخص
في ضوء تعدد الملفات الخلافية بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي يأتي السؤال الأبرز في شأن تداعيات هذا التوتر ومدى انعكاسه على العلاقات بين الإدارة الأميركية الراهنة وحكومة نتنياهو المتطرفة، في ظل تشابك الصراعات والنزاعات الإقليمية المنخرطة فيها تل أبيب.
مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب "التاريخية" إلى المنطقة، وفق توصيف البيت الأبيض، في جولة خارجية بارزة تشمل كلاً من السعودية وقطر والإمارات، تنظر إسرائيل بترقب وحذر إلى مخرجات تلك الزيارة التي تأتي على وقع خلافات وتباينات متسعة بين الرئيس ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا سيما في ما يتعلق بملفات الحرب في غزة والمحادثات النووية مع إيران، فضلاً عن إعلان واشنطن المفاجئ قبل أيام وقف حملتها العسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
وعلى رغم كون نتنياهو الزعيم الأجنبي الوحيد الذي زار البيت الأبيض مرتين خلال الأشهر الأربعة الماضية، وجمعه بساكنه العائد لولاية ثانية عديد من المحادثات الهاتفية، فإن ما رشح من كواليس تدهور العلاقة بينه وبين الرئيس الأميركي وأسبابها أثار مخاوف في الأوساط الإسرائيلية، لا سيما الأمنية والسياسية منها، وتبعات ذلك ومدى تأثيره في التحالف الاستراتيجي الوثيق بين البلدين، وبخاصة بعدما رفض ترمب أن تكون تل أبيب من بين محطات جولته الحالية في المنطقة، على عكس ما حدث خلال ولايته الأولى، مما يعزز المؤشرات إلى البرود في العلاقة الحالية.
لماذا الخلاف بين نتنياهو وترمب؟
خلال الأيام الأخيرة التي سبقت جولة ترمب إلى المنطقة، بدا أن الرئيس الأميركي ترمب يتحرك فيما يتعلق بملفات المنطقة بصورة غير معهودة بعيداً من تل أبيب، إذ فسَّر كثير من التحليلات والقراءات إعلان ترمب المفاجئ خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في البيت الأبيض في السابع من أبريل (نيسان) الماضي للمرة الثانية منذ قدومه إلى الحكم، حول بدء التفاوض مع إيران حولها برنامجها النووي، بأنها أولى الإشارات في شأن توتر العلاقات مع المسؤول الإسرائيلي. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل جاء إعلان ترمب كذلك في شأن وقف هجمات بلاده على الحوثيين في اليمن قبل نحو أسبوع، وفي أعقاب استهداف الجماعة اليمنية لمطار بن غوريون في تل أبيب، مما استدعى رداً من الأخير أعلنت أنه "جاء بتنسيق مع واشنطن" ليزيد من تعقد الأمور بين الرجلين.
وفق تحليل لشبكة "أن بي سي" الأميركية فإن توتر العلاقة بين ترمب ونتنياهو جاء بصورة رئيسة بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، والمحادثات النووية مع إيران، مشيراً إلى أن المرحلة الراهنة تختلف كلياً عما كانت عليه الأوضاع عندما تولى الرئيس ترمب منصبه في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وبحسب الشبكة الأميركية فعندما "تولى الرئيس دونالد ترمب منصبه في يناير كان هو ونتنياهو متفقين بصورة وثيقة حول كيفية التعامل مع القضايا الأكثر إلحاحاً في علاقتهما مثل الحرب في غزة والعدوان الإيراني، وهو ما انعكس في رفع الرئيس الأميركي التجميد الذي فرضته إدارة بايدن على إرسال قنابل كبيرة إلى إسرائيل، وشجع العمليات العسكرية الإسرائيلية على إنهاء المهمة ضد حركة (حماس) في غزة، كما اتفق مع نتنياهو على مواجهة إيران والجماعات التابعة لها في المنطقة، لكن في الأسابيع الأخيرة توترت العلاقة بين الرجلين مع تصاعد الخلافات بينهما في شأن استراتيجية معالجة هذه التحديات الآن بعدما تضررت (حماس) بصورة كبيرة وأضعفت إيران".
ونقلت "أن بي سي" عن مصادر أميركية وشخصيات قالت إنهم مطلعون على تلك التوترات أن الفجوة في الرأي تتمثل في أن "نتنياهو يرى فرصة لتوجيه ضربة أخيرة للمنشآت النووية الإيرانية، بينما يرى ترمب فرصة لإزالة تهديد حصول إيران على سلاح نووي من خلال التوصل إلى صفقة، كما يدفع الرئيس الأميركي باتجاه وقف إطلاق النار في غزة ويسعى إلى تنفيذ خطته لما بعد الحرب لإعادة بناء المنطقة وتحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط، في المقابل تسعى إسرائيل إلى تكثيف هجومها العسكري على القطاع"، مما أشعر ترمب بالإحباط واعتبر التحركات العسكرية الإسرائيلية "جهداً ضائعاً لأنه سيجعل إعادة الإعمار أكثر صعوبة".
تباين في النهج والرؤى
وذكرت "أن بي سي" أن الاختلافات الأخيرة بين ترمب ونتنياهو في شأن الاستراتيجيات والمواقف الأساسية وضعت علاقة ترمب بأحد أقرب حلفاء واشنطن في "مفترق طرق"، معتبرة أن كيفية تعاملهما مع خلافاتهما في الفترة المقبلة ستحدد نتائج بعض المكونات الأساسية لأجندة السياسة الخارجية للرئيس ترمب.
واستعرضت الشبكة الأميركية بعض التصريحات والمواقف الصادرة من البيت الأبيض خلال الأسبوعين الأخيرين، والتي عززت برود العلاقة بين نتنياهو وترمب، فبعدما أوقف الأخير الحملة العسكرية الأميركية ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، أعرب نتنياهو عن صدمته قائلاً إن إسرائيل ستضطر إلى الدفاع عن نفسها، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل أعلن الرئيس الأميركي الأربعاء الماضي، أنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بموجب الاتفاق النووي الجديد الذي تتفاوض عليه إدارته، مما أثار استياء نتنياهو بصورة خاصة، مما أبلغه مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي البارز رون ديرمر تلك الرسالة إلى مبعوث ترمب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف خلال اجتماع في البيت الأبيض الخميس وفقاً لأحد المسؤولين الأميركيين.
وتقول "أن بي سي" إن النهج الذي يتبعه ترمب تجاه إيران كان نقطة الخلاف الأكبر بالنسبة إلى نتنياهو، حيث شعر الزعيم الإسرائيلي بالإحباط لأسابيع بسبب رفض ترمب دعم الضربات العسكرية على المنشآت النووية الإيرانية وقراره بدلاً من ذلك السعي إلى التوصل إلى صفقة تهدف منع طهران من الحصول على سلاح نووي، ونقلت عن أحد المسؤولين الأميركيين قوله في شأن موقف الإسرائيليين من هذا الملف، "إنهم قلقون في شأن أي اتفاق".
وأوضحت إسرائيل للولايات المتحدة أنها لا تريد أن يعقد ترمب صفقة نووية تترك لإيران أية قدرات لتخصيب اليورانيوم، وفقاً للمسؤولين الأميركيين والدبلوماسيين من الشرق الأوسط، وقد أعرب ترمب عن انفتاحه على السماح لإيران بالاحتفاظ ببرنامج نووي مدني. وقال ترمب الأربعاء عندما سئل عمَّ إذا كانت الولايات المتحدة ستسمح لإيران ببرنامج تخصيب يورانيوم للأغراض المدنية: "لم نتخذ هذا القرار بعد".
وتقول "أن بي سي" إنه عندما زار نتنياهو البيت الأبيض الشهر الماضي للمرة الثانية منذ تولي ترمب منصبه، كان يأمل في أن يتعهد الرئيس تقديم دعم جوي أميركي لعملية إسرائيلية محتملة ضد المنشآت النووية الإيرانية، لكن بدلاً من ذلك أعلن الرئيس الأميركي أنه سيوافق على محادثات مباشرة مع طهران، ونقلت عن مسؤولين أميركيين قولهما إن نتنياهو قال بصورة خاصة إنه يعتقد أن مفاوضات ترمب مع إيران مضيعة للوقت لأن طهران لن تلتزم أي صفقة، حيث ترى تل أبيب أن طهران ضعفت بسبب العقوبات الاقتصادية وتدهور وكلائها في المنطقة، وتعتقد أن الآن هو الوقت المثالي لضرب منشآتها النووية، لكنها تخشى أن نافذة الفرصة قد تغلق بينما تتفاوض الولايات المتحدة. وأضافوا أن القلق من عامل الوقت يتزايد، بخاصة بعدما ضربت إسرائيل الدفاعات الجوية الاستراتيجية الإيرانية في أكتوبر (تشرين الأول)، مما يعني أن الطائرات المأهولة التي قد تنفذ ضربات جديدة لن تكون عرضة للتصدي بالنيران الإيرانية، لكن الإيرانيين يعيدون بناء دفاعاتهم الجوية.
كذلك جاءت أحد أكثر المواقف التي "صدمت نتنياهو"، بحسب "أن بي سي"، في إعلان ترمب وقف الحملة العسكرية الأميركية ضد اليمن، مقابل وقف الهجمات على السفن الأميركية في البحر الأحمر، في قرار جاء بعد وقت قصير من إطلاق اليمن صاروخاً أصاب منطقة قرب مطار "بن غوريون".
أي حدود لهذا الخلاف؟
في ضوء تعدد الملفات الخلافية بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي يأتي السؤال الأبرز في شأن تداعيات هذا التوتر ومدى انعكاسه على العلاقات بين الإدارة الأميركية الراهنة وحكومة نتنياهو المتطرفة، في ظل تشابك الصراعات والنزاعات الإقليمية المنخرطة فيها تل أبيب.
وبنما عبر المبعوث السابق للشرق الأوسط في إدارة أوباما، فرانك لوينشتاين، في إفادة افتراضية نظمتها منظمة "جي ستريت"، عن اعتقاده أن "الإسرائيليين يدركون أنه على رغم ترحيبهم بانتخاب ترمب واعتقادهم أنه سيمنحهم شيكاً على بياض لتنفيذ أجندتهم، فإن الرئيس الأميركي لديه أجندته الخاصة". ويرى إيلان غولدنبرغ الذي عمل على سياسة "الشرق الأوسط" كمسؤول كبير خلال إدارتي بايدن وأوباما أنه "على رغم أن دبلوماسية ترمب مع إيران والصفقة الأميركية مع الحوثيين تعد منافية تماماً لنتنياهو، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يملك النفوذ السياسي في واشنطن أو في إسرائيل للدخول في مواجهة مباشرة مع ترمب الذي يحظى بشعبية كبيرة بين قاعدة نتنياهو السياسية في إسرائيل"، مضيفاً "كل استراتيجية نتنياهو السياسية تعتمد على الحفاظ على تحالفه وقاعدته السياسية، وأولئك الذين يحبون ترمب، لذلك من الصعب عليه أن يخرج ويتحدث علناً ضد الرئيس الأميركي"، وفق ما نقلت عنه شبكة "أن بي سي" الأميركية.
من جانبه قال الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان والمعروف بمواقفه الداعمة لإسرائيل طوال سنوات عمله، في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن "هذه الحكومة الإسرائيلية ليست حليفتنا"، معتبراً أن سفر الرئيس الأميركي إلى المنطقة ولقاءه قادة السعودية والإمارات وقطر مع عدم وجود خطط لمقابلة نتنياهو "يوحي بأن ترمب بدأ يدرك جوهرية أن هذه الحكومة الإسرائيلية تتصرف بطرق تهدد المصالح الأميركية الأساسية في المنطقة. نتنياهو ليس صديقنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع تأكيده أن الشعب الإسرائيلي بصورة عامة لا يزال يعد نفسه حليفاً ثابتاً للشعب الأميركي، والعكس صحيح، اعتبر فريدمان أن "حكومة نتنياهو القومية المتطرفة ليست حليفة للولايات المتحدة، لأنها أول حكومة في تاريخ إسرائيل لا تولي أولوية للسلام مع مزيد من جيرانها العرب، ولا للمنافع التي سيجلبها تعزيز الأمن والتعايش"، مشيراً إلى أن الأولوية الرئيسة لحكومة نتنياهو هي ضم الضفة الغربية وطرد فلسطينيي غزة وإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية هناك. واعتبر "فكرة أن لدى إسرائيل حكومة لم تعد تتصرف كحليف للولايات المتحدة، ولا ينبغي اعتبارها كذلك تعد صادمة ومريرة على أصدقاء إسرائيل في واشنطن ومن الصعب عليهم تقبلها، لكن عليهم أن يتقبلوها".
وذكر فريدمان أن "حكومة نتنياهو، في سعيها إلى تحقيق أجندتها المتطرفة، تقوض المصالح الأميركية"، داعياً ترمب إلى الدفاع عما سماه "الهيكل الأمني الأميركي" المتجسد في التحالف الأميركي العربي - الإسرائيلي الحالي، الذي تأسس على يد الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 بهدف إقصاء روسيا وجعل الولايات المتحدة القوة العالمية المهيمنة في المنطقة.
من جانبه اعتبر المحلل السياسي نداف إيال في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن "إدارة ترمب الحالية تريد شرقاً أوسط جديداً، وتشعر بأن نتنياهو يقف في طريقها"، معتبراً أن "شهر العسل" بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي قد انتهى، وذلك على وقع تدهور العلاقة بين الرجلين في الأسابيع الأخيرة.
ووفق إيال فإن إدارة ترمب تعد سياسات حكومة نتنياهو عائقاً أمام هدفها لإعادة تشكيل نظام إقليمي جديد، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي بات يرى أن "نتنياهو لا يزال يتمسك بمواقف تجاوزها الزمن، ولم يواكب المتغيرات التي يرغب في إحداثها"، معتبراً في الوقت ذاته أن العلاقة بين ترمب ونتنياهو تبقى هشة وقابلة للانتعاش أو الانهيار في وقت تسعى فيه واشنطن إلى رسم ملامح شرق أوسط جديد، حتى لو استدعى ذلك تجاوز شركاء تاريخيين مثل إسرائيل.
وأبدت قراءات إسرائيلية تخوفها من تأثير توتر العلاقات بين نتنياهو وترمب على تبدل موقف تل أبيب في الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط أو تجاوزها كأهم الحلفاء التاريخيين لواشنطن بالمنطقة، مما قد يؤدي إلى تحولات استراتيجية طويلة الأمد في موازين القوى الإقليمية.