Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حروب وأزمات اقتصادية وترمب... حرية الصحافة في وضع "صعب"

جوناثان داغر لـ"اندبندنت عربية": لأول مرة يعاني الصحافيون من التضييق في هذا العدد من الدول

رسم جداري للصحافية الفلسطينية - الأميركية شيرين أبو عاقلة التي قتلت برصاص الجيش الإسرائيلي (أ ف ب)

ملخص

للمرة الأولى في تاريخ التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود"، انخفض متوسط سجل جميع البلدان التي قُيمت إلى أقل من 55 نقطة، وهو معدل يضع ممارسي المهنة في "وضع صعب"، كذلك فإنه للمرة الأولى أيضاً سجل عام 2025 تقهقراً ملحوظاً في المؤشر الاقتصادي للتصنيف مع بلوغه مستوى حرجاً غير مسبوق، إذ تعذر على وسائل الإعلام في 160 من أصل البلدان الـ180 التي شملها التصنيف، تحقيق الاستقرار المالي.

في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يبدو لنا للوهلة الأولى أن كل شيء يتطور بسرعة فائقة حتى نكاد لا نلحق به، لكن في الحقيقة بعض الأشياء، لا بل أهمها، تتراجع، وعلى رأسها حرية الصحافة، فللمرة الأولى في تاريخ التصنيف الذي تعده منظمة "مراسلون بلا حدود" اعتبرت ظروف ممارسة الصحافة "صعبة" أو بالأحرى "خطرة للغاية" في نصف دول العالم ومرضية في أقل من ربعها. ولا ريب في أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بؤرة الصراعات الأكثر سخونة في العالم، تشكل أكثر المناطق خطورة على سلامة الصحافيين، مدفوعة بانتهاكات جسيمة في حق الجسم الصحافي من غزة إلى إيران وسوريا فالسودان وغيرها.

حسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2025، انخفض متوسط سجل جميع البلدان التي قُيمت إلى أقل من 55 نقطة، وهو معدل يضع ممارسي المهنة في "وضع صعب". "هذه أول مرة نرى فيها هذا العدد من الدول حيث يعيش الصحافيون أوضاعاً صعبة ويعانون التضييق عليهم، في دليل على تراكم المشكلات والانتهاكات في حق الصحافة والصحافيين والوصول إلى المعلومة"، وفق ما يقول مدير منطقة الشرق الأوسط في منظمة "مراسلون بلا حدود" جوناثان داغر لـ"اندبندنت عربية". 

الضغوط الاقتصادية خطر يتفاقم

على رغم شدة قساوتها فالانتهاكات والاعتداءات الجسدية ليست مصدر الخطر الوحيد الذي يحدق بالعمل الصحافي في العالم، ففي سابقة أخرى شهدها مؤشر حرية الصحافة سجل عام 2025 تقهقراً ملحوظاً في المؤشر الاقتصادي للتصنيف العالمي، إذ بلغ هذا الأخير مستوى حرجاً غير مسبوق، إذ من أصل البلدان الـ180 التي شملها تصنيف "مراسلون بلا حدود"، تعذر على وسائل الإعلام تحقيق الاستقرار المالي في ما لا يقل عن 160 دولة، وبذلك بات الضغط الاقتصادي أحد العوامل الرئيسة التي تسهم في تعميق هشاشة وسائل الإعلام.

يوضح داغر أن تصنيف "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة يعتمد على خمسة مؤشرات متعلقة بالعمل الصحافي، هي الضغوط السياسية والضغوط الاقتصادية والضغوط الاجتماعية والأطر القانونية والسلامة الجسدية، ويضيف "المؤشر الاقتصادي هو أكثر مؤشر شهد انحداراً خلال عام 2025"، مشيراً إلى أن "الضغوط الاقتصادية تتحول إلى خطر حقيقي على الصحافيين" فيما تواجه كثير من المؤسسات الإعلامية حول العالم خطر الإقفال وهو ما يشكل "خطراً على الحق بالوصول إلى المعلومة وخسارة التعددية والخطوط التحريرية في عالم الإعلام وتحديداً عبر وسائل الإعلام المستقلة التي تتضرر بصورة كبيرة".

ويقول داغر إن عدم قدرة المؤسسات الإعلامية على تمويل نفسها يضعها أمام سيناريوهين، "إما أن تصبح أكثر عرضة للارتهان للمال السياسي والفساد أو لرأس مال محدد يحاول الاستحواذ عليها لخدمة مصالحه الشخصية والسياسية، وإما اضطرارها إلى تأمين تمويل من الخارج أو من منظمات دولية وهو أمر غير مستدام"، وليس قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بقطع تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) سوى دليل على ذلك حسب داغر، بسبب تأثيره المباشر في بعض وسائل الإعلام في سوريا وإيران مثلاً، حيث تعد الوسائل الإعلامية المستقلة نادرة وقد توقف تمويلها بين ليلة وضحاها.

 

غزة الأكثر خطورة في العالم

من نجح من الصحافيين بمواصلة عمله على رغم الضغوط الاقتصادية التي تصاحبه، يجد نفسه في كثير من الأحيان عرضة لانتهاكات جسيمة، تراوح ما بين الضغط والتهديد والقمع والتوقيف والتعذيب وصولاً إلى الاختفاء القسري والاغتيال، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط حيث كل دول المنطقة "موجودة في النصف الأسفل من التصنيف العالمي"، وحيث تعد الصحافة "مهنة حرة تعرض أصحابها لخطر الموت أو الاعتقال"، وفق داغر.

في ظل الحرب الإسرائيلية الدموية على غزة، تعد فلسطين "أخطر دولة للصحافيين مع مقتل ما لا يقل عن 200 صحافي وصحافية على يد الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة"، يقول داغر. ويشير مدير منطقة الشرق الأوسط في "مراسلون بلا حدود" إلى أن هذا العدد يتصاعد باستمرار "بسبب غياب العدالة والقرار السياسي لحماية الصحافيين وعدم وجود ضغط كافٍ على القوات الإسرائيلية لوقف المجزرة في حق" الطاقم الإعلامي.

ويؤكد داغر أن استهداف الصحافيين هو "جريمة حرب" تسعى إسرائيل من خلاله إلى فرض تعتيم إعلامي على "المجزرة" الحاصلة في قطاع غزة، عبر "استهداف الإعلاميين ومكاتبهم ووسائلهم وممتلكاتهم ومنازلهم، ومنع الصحافة الأجنبية من الدخول إلى القطاع... فضلاً عن توقيف عشرات الصحافيين في الضفة الغربية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السودان واليمن وسوريا

الانتهاكات في حق الصحافيين تنسحب على كثير من الدول العربية، لا سيما في الدول التي تشهد صراعات مسلحة كالسودان، حيث قتل 28 صحافياً سودانياً في الأقل وتعرض 68 للإخفاء القسري أو الاعتقال منذ بداية الحرب حسب نقابة الصحافيين السودانيين، وفي اليمن "حيث أُجهز على الصحافة المستقلة بالكامل في البلاد"، وفق تقرير "مراسلون بلا حدود".

الوضع كذلك ليس أفضل حالاً في سوريا، حيث حملت المنظمة مسؤولية مقتل 181 صحافياً وصحافية لنظام بشار الأسد وحلفائه منذ اندلاع الاحتجاجات عام 2011 وتحولها إلى صراع دامٍ شهد أيضاً مقتل صحافيين على يد الفصائل المعارضة والمنظمات المتطرفة كتنظيم "داعش". ويشير داغر إلى وجود كثير من الصحافيين المخفيين قسراً خلال حكم الأسد، مضيفاً أن اثنين فقط خرجا أحياء من السجون بعد سقوط النظام فيما لا يزال مصير العشرات مجهولاً والبحث عنهم مستمر.

 

لبنان يتقدم ولكن

أما في لبنان فيقول داغر إنه بعد انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة وحصول حلحلة على الصعيد السياسي، سجل البلد تقدماً في جدول ترتيب الدول في مؤشر حرية الصحافة، غير أن الأزمة الاقتصادية ومختلف صور الضغوط لا تزال تقوض عمل وسائل الإعلام. ويحذر مدير الشرق الأوسط في "مراسلون بلا حدود" من أن هذا التقدم مهدد لا سيما بسبب وجود "مؤشرات سلبية سجلت خلال عام 2025 مع عودة نهج استدعاء الصحافيين للتحقيق في مكاتب أو محاكم غير متخصصة، علماً أن القانون اللبناني ينص على أن محكمة المطبوعات هي الوحيدة المولجة التحقيق مع الصحافيين في ما يتعلق بأمور عملهم"، ويضيف "هناك أيضاً خطاب تخويني ولهجة شرسة تستهدف الصحافة المستقلة في لبنان، حيث يُخونون بسبب تمويلهم مع العلم أن البلاد كلها لا تزال تعاني واحدة من أشرس الأزمات الاقتصادية في العالم".

ويقول داغر إن الحكومة اللبنانية مطالبة بتحقيق العدالة للصحافيين و"محاسبة كل من ارتكب جريمة في حق صحافي في لبنان، من سمير قصير ومن تلاه على يد النظام السوري السابق و’حزب الله‘ وصولاً إلى لقمان سليم واستهداف المصور عصام عبدالله وصحافيين آخرين في الجنوب على يد إسرائيل"، واعتبر داغر أن إعادة فتح التحقيق باغتيال الصحافي لقمان سليم الذي عثر عليه مقتولاً داخل سيارته في بلدة العدوسية الجنوبية مطلع فبراير (شباط) 2021، هو "خطوة أساس نتمنى أن تمتد على كل ملفات اغتيال الصحافيين في لبنان".

 

تراجع أميركي مع عودة ترمب

حتى في أعرق ديمقراطيات العالم الوضع ليس بأفضل أحواله، فمع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، سجلت الولايات المتحدة تراجعاً في تصنيف حرية الصحافة فيها، لا سيما مع هجمات الرئيس الأميركي المتكررة على وسائل الإعلام ووصفها بأنها "عدوة الشعب"، ومنع وسائل إعلام من دخول البيت الأبيض كما حصل مع وكالة "أسوشيتد برس"، فضلاً عن قطع التمويل عن مجموعة من وسائل الإعلام المستقلة التي كانت ممولة من الإدارة الأميركية كإذاعة "فويس أوف أميركا"، ويشير داغر أيضاً إلى الخطاب الذي يعتمده المقربون من ترمب، أمثال "إيلون ماسك الذي قال إن لا حاجة إلى صحافيين حول العالم باعتبار أن المستخدمين على (منصة) ’إكس‘ هم صحافيون، وهذا أمر خطر".

وفي ضوء الوضع القاتم الذي يعيشه الصحافيون اليوم حول العالم، يؤكد داغر أن منظمة "مراسلون بلا حدود" ستواصل مساعيها باستخدام كل الأدوات المتوافرة "إن عبر الضغط على صعيد الرأي العام أو على الصعيد السياسي أو في المنظمات أو على مستوى القانون مع مزيد من الشكاوى القضائية" سعياً إلى تحقيق العدالة للصحافيين والدفاع عن حقوقهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير