ملخص
يستند هذ التقييم إلى ثلاث نقاط ضعف رئيسة، أولاً، وعلى رغم الاضطرابات الأخيرة في الأسواق، فلا تزال التقييمات مرتفعة في بعض قطاعات الأسهم وسندات الشركات، مما يعني أن مزيداً من التصحيحات قد يكون وارداً إذا تدهورت التوقعات، ويظل الغموض المحيط بالسياسات الاقتصادية مرتفعاً، وقد جاءت بعض المؤشرات الاقتصادية من دون التوقعات، مما يزيد من احتمالات انخفاض أسعار الأصول.
قال "تقرير الاستقرار المالي العالمي" الذي أطلقه صندوق النقد الدولي الثلاثاء الماضي، في اجتماعات الربيع في واشنطن، إن الأسواق المالية شهدت عملية إعادة تسعير حادة للأصول ذات الأخطار، وذلك عقب سلسلة من الإعلانات عن رسوم جمركية فرضتها الولايات المتحدة منذ فبراير (شباط) الماضي، التي تسارعت حدتها بعد الكشف في الثاني من أبريل (نيسان) الجاري عن خطط لفرض رسوم أعلى من المتوقع.
وأشار التقرير إلى الارتفاع الملحوظ في تقلبات الأسواق المالية، بما في ذلك أسواق الأسهم والعملات والسندات، في وقت أسهمت فيه ردود فعل الدول الأخرى في زيادة مستويات عدم اليقين.
وفي ضوء تصاعد تقلبات أسعار الأصول، خلص التقرير إلى أن أخطار الاستقرار المالي العالمي قد ارتفعت بصورة كبيرة، ويرجع ذلك أساساً إلى تشديد الأوضاع المالية على مستوى العالم.
ووفقاً لنموذج "النمو المعرض للأخطار" التابع للصندوق، فقد ازدادت الأخطار الكلية-المالية التي تهدد النمو الاقتصادي بصورة ملموسة.
ويستند هذ التقييم إلى ثلاث نقاط ضعف رئيسة، أولاً، وعلى رغم الاضطرابات الأخيرة في الأسواق، فلا تزال التقييمات مرتفعة في بعض قطاعات الأسهم وسندات الشركات، مما يعني أن مزيداً من التصحيحات قد يكون وارداً إذا تدهورت التوقعات، ويظل الغموض المحيط بالسياسات الاقتصادية مرتفعاً، وقد جاءت بعض المؤشرات الاقتصادية من دون التوقعات، مما يزيد من احتمالات انخفاض أسعار الأصول.
وقد يؤدي هذا الانخفاض في أسعار الأصول إلى تأثيرات قوية في الأسواق الناشئة، إذ تراجعت عملات وأسواق الأسهم في هذه البلدان نتيجة ضعف التوقعات الاقتصادية، ومع توقع المستثمرين تخفيف البنوك المركزية في الأسواق الناشئة السياسة النقدية، تراجعت العوائد المتوقعة من صفقات الفائدة، مما زاد من احتمالات خروج رؤوس الأموال، أما في الاقتصادات الحدودية، فعلى رغم تحسن الأوضاع السوقية أخيراً، فإن مستويات العائد المرتفعة قد تعرض هذه البلدان لأخطار إعادة التمويل في ظل استحقاق كميات كبيرة من الديون.
أما النقطة الثانية فتتمثل في احتمال تعرض بعض المؤسسات المالية لضغوط في الأسواق المتقلبة، لا سيما تلك التي تعتمد على مستويات عالية من الرافعة المالية، ومع توسع قطاعات صناديق التحوط وإدارة الأصول، ارتفعت مستويات الرافعة المالية لديها، وتعمقت الروابط بينها وبين القطاع المصرفي الذي تعتمد عليه في الاقتراض، مما يثير القلق من أن تضطر المؤسسات غير المصرفية إلى تقليص مراكزها المالية بسرعة في حال تعرضها لمطالب تغطية الهامش أو طلبات سحب.
وقد شهدت بعض إستراتيجيات صناديق التحوط أخيراً زيادة مطردة في الرافعة المالية، مما قد يفاقم من حدة التراجعات في الأسواق، وينعكس سلباً على النظام المالي ككل.
أما النقطة الثالثة، فقد تشهد أسواق السندات السيادية مزيداً من الاضطرابات، خصوصاً في الدول التي ترتفع فيها مستويات الدين الحكومي، فعلى سبيل المثال قد تؤدي عمليات فك مراكز التداول بالرافعة المالية في صفقات الفروق بين النقد والعقود الآجلة في الأسواق السيادية الأساس، وصفقات الـ"carry trade " في أسواق المبادلات، إلى تراجع في السيولة السوقية وخلل في آلية التسعير.
وتواجه اقتصادات الأسواق الناشئة بالفعل أعلى كلف تمويل حقيقية منذ عقد من الزمن، مما يضعها أمام تحديات كبيرة في إعادة تمويل ديونها وتغطية نفقاتها المالية بكلف أعلى، بحسب تقرير "الرصد المالي" الصادر في أبريل 2025.
وفي المجمل يمكن أن تتفاقم مخاوف المستثمرين حيال استدامة الدين العام وغيرها من الهشاشات في القطاع المالي بطريقة تراكمية تعزز من حدة الضغوط المتبادلة بين الجانبين.
التداعيات على الأسر والشركات
ووفقاً لتقرير الصندوق قد تؤثر حال عدم اليقين المتزايدة في السياسات في الشركات والأسر على حد سواء، فقد شهدت فروق العائد على سندات الشركات العالمية اتساعاً ملحوظاً أخيراً، مما يعكس قلق المستثمرين من التأثيرات السلبية لتباطؤ اقتصادي محتمل في أرباح الشركات في الفصول المقبلة، كذلك فإن نسبة كبيرة من ديون الشركات المستحقة قريباً ترتبط بمعدلات فائدة ثابتة تقل عن العوائد الحالية في السوق، وهو ما قد يصعب على الشركات الأضعف إعادة تمويل ديونها في ظل اتساع فروق الائتمان.
وفي حال حدوث إعادة تسعير حادة في الأسهم والأصول الأخرى، فقد تتأثر موازنات الأسر من خلال "أثر الثروة"، خصوصاً مع توجيه كثير منها لنسبة أكبر من أصولها المالية نحو الأسهم وصناديق الاستثمار مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الجائحة، ذلك فإن ضعف تقييمات العقارات التجارية عن المتوقع، إلى جانب استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، قد يزيد من تعقيد جهود إعادة التمويل، لا سيما في العقارات التي باتت قيمتها السوقية من دون مستوى الدين المستحق عليها.
ومن أبرز المحفزات المحتملة لموجات بيع إضافية في الأسواق هو تصاعد الأخطار الجيوسياسية، إذ يظهر الفصل الثاني من التقرير كيف أن الأحداث الجيوسياسية الكبرى، وخصوصاً النزاعات العسكرية، يمكن أن تؤدي إلى تراجعات حادة في أسعار الأسهم وارتفاع في علاوات أخطار الديون السيادية، لا سيما في الدول التي تفتقر إلى هوامش مالية أو احتياطات خارجية كافية، كذلك فإن هذه الأحداث تنطوي على أخطار انتقال عبر الحدود بسبب الترابط التجاري والمالي بين الدول.
أدوات للتخفيف من أخطار الاستقرار المالي
تتضمن مجموعة السياسات المتاحة للتخفيف من أخطار الاستقرار المالي مجموعة من الأدوات التي تشمل تنظيم البنية التحتية للأسواق المالية والبورصات لضمان حسن سير الأسواق، والرقابة الحصيفة والإشراف على المؤسسات المالية، إلى جانب أدوات السيولة الطارئة وآليات معالجة الأزمات.
وتعد معالجة مواطن الضعف المالي والاستعداد لإدارة الأزمات أمرين أساسين للحد من التأثيرات السلبية المحتملة لتطورات القطاع المالي في النتائج الاقتصادية الكلية، فقد أثبت التاريخ مراراً أن الأزمات المالية تخلف كلفاً اقتصادية كلية كبيرة وطويلة الأمد.
وتسهم ثلاثة عوامل في تصاعد أخطار الاستقرار المالي وفقاً لتقرير الصندوق، وهي احتمالات استمرار تصحيح أسعار الأصول في ظل تصاعد حال عدم اليقين، وضغوط محتملة على المؤسسات المالية ذات الرفع المالي العالي، واضطرابات في أسواق السندات السيادية الأساس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لذلك، يقول صندوق النقد الدولي بأنه يتعين على السلطات أن تستعد للتعامل مع حالات عدم الاستقرار المالي، من خلال التأكد من جاهزية المؤسسات المالية للوصول إلى مرافق السيولة التي توفرها البنوك المركزية، والاستعداد للتدخل لمعالجة حالات الضغط الشديد على السيولة أو اضطراب وظائف الأسواق، لا سيما في أسواق السندات الأساس وأسواق التمويل.
ويمكن توفير السيولة للمؤسسات غير المصرفية ضمن ضوابط مناسبة، كما ورد في الفصل الثاني من تقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر في أبريل 2023.
وللتعامل مع الأخطار التي قد تنشأ عن التوترات الجيوسياسية، يجب على المؤسسات المالية والهيئات الرقابية المعنية تخصيص موارد كافية لتحليل السيناريوهات واختبارات الضغط، بهدف تحديد هذه الأخطار وقياسها وإدارتها بفاعلية، كذلك ينبغي أن تواصل اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية جهودها لتعميق أسواقها المالية، والحفاظ على مساحة كافية للسياسات المالية واحتياطات دولية ملائمة، للتخفيف من أثر الصدمات الجيوسياسية السلبية.
تنفيذ البنوك متطلبات (بازل 3) مطلب أساس
وفي ظل ارتفاع مستويات الرفع المالي في النظام المالي، وزيادة الترابط بين المؤسسات المالية غير المصرفية والبنوك، يظل وجود مستويات كافية من رأس المال والسيولة في القطاع المصرفي بمثابة الركيزة الأساس لاستقرار النظام المالي العالمي، ويعد التنفيذ الكامل والمنتظم لمعايير "بازل 3" والمعايير الدولية الأخرى أمراً جوهرياً، ويجب أن يستكمل بإشراف مستقل ومكثف، ويتعين على الجهات الرقابية تعزيز قدرتها على تقييم الأخطار الناجمة عن الروابط المتزايدة بين البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية.
من المهم أيضاً تقوية السياسات الهادفة إلى الحد من الرفع المالي في القطاع غير المصرفي ومعالجة مواطن الضعف الأخرى، وقد تسهم متطلبات الإبلاغ المحسنة للمؤسسات غير المصرفية في مساعدة الجهات الرقابية على تكوين رؤية شاملة ومتكاملة للأخطار النظامية، والتمييز بين المؤسسات ذات الحوكمة الضعيفة والأخطار العالية، وتلك التي تسهم بصورة إيجابية في الوساطة المالية.
وتسلط حال عدم اليقين الاقتصادي المتزايدة وتقلبات الأسواق المالية الضوء على الحاجة الملحة إلى تعزيز أطر السياسات الاحترازية، بما في ذلك السياسات الاحترازية الجزئية والكلية.
وينبغي على الدول التي تفتقر إلى هوامش أمان كافية أن تعمل على تشديد الأدوات الاحترازية الكلية بهدف تعزيز الصلابة، مع تجنب تشديد شامل للظروف المالية، أما في الحالات التي يؤدي فيها التباطؤ الاقتصادي إلى ضغوط مالية، فيمكن استخدام الهوامش الاحترازية الكلية المتوافرة لمساعدة البنوك على امتصاص الخسائر، ودعم قدرتها على الاستمرار في تقديم الائتمان للاقتصاد.
تفاقم مستويات الدين المرتفعة والمتصاعدة في معظم دول العالم يفرض ضرورة ملحة لإعادة بناء هوامش مالية تتمتع بالصدقية وتدعم النمو الاقتصادي، وينبغي على الدول، حيثما سنحت الفرصة، أن تبادر إلى تنفيذ عمليات إدارة للخصوم من أجل تقليص أخطار إعادة التمويل وتخفيف عبء خدمة الدين أو إعادة جدولته بطريقة أكثر سلاسة.
أما في الدول التي يوشك فيها الدين العام على بلوغ مستويات غير مستدامة، فإن الانتظام المبكر مع الدائنين والتنسيق من أجل معالجة منظمة وفعالة للدين تعيد الاستدامة المالية، يمكن أن يساعد في تجنب التخلف المكلف عن السداد وفقدان طويل الأمد للنفاذ إلى الأسواق.
وفي ما يتعلق بالأخطار الناجمة عن التوسع المحتمل في استخدام الأصول المشفرة، قال الصندوق، ينبغي أن تعمل الدول على حماية سيادتها النقدية وتعزيز أطر سياساتها النقدية، إضافة إلى اتخاذ تدابير تحد من تقلبات تدفقات رؤوس الأموال، وتبني معالجات ضريبية واضحة لتلك الأصول، بما يتماشى مع خريطة الطريق التي وضعها هو ومجلس الاستقرار المالي لتطوير البنية المؤسسية في هذا المجال.
وخلص التقرير بالقول "نظراً إلى تزايد الترابط بين الاقتصادات حول العالم، فإن الضغوط التي تنشأ في بعض المناطق يمكن أن تؤثر عالمياً، مما يستدعي استعداد باقي المناطق لمواجهة التداعيات المحتملة، وهذا يؤكد الدور المحوري للرقابة المتعددة الأطراف وشبكة الأمان المالي العالمية في التصدي بسرعة وفاعلية للأخطار المالية".