Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدولار أول ضحايا حرب ترمب التجارية ضد العالم

فقدت العملة الأميركية 10 في المئة من قيمتها منذ يوم التنصيب وسُجل أكثر من نصف الانخفاض خلال الشهر الجاري

المستثمرون يتجنبون الدولار الأميركي وسندات الخزانة خوفاً من حرب ترمب التجارية (أ ف ب)

ملخص

رغم التراجع الأخير في قيمة الدولار فإنه من غير المرجح أن يهدد ذلك مكانته كأهم عملة احتياط في العالم

خسر الدولار الأميركي نحو 10 في المئة من قيمته منذ يوم تنصيب الرئيس دونالد ترمب، وأكثر من نصف هذا التراجع حدث خلال الشهر الجاري، بعد قراره رفع الرسوم على الواردات إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1909.

ويعد هذا الانخفاض مؤشراً مبكراً إلى تداعيات حرب ترمب التجارية التي تتسم بنهج "أميركا ضد العالم"، التي بدأت تهز ثقة الأسواق العالمية بالعملة الأميركية.

ووصل الدولار الأميركي إلى أدنى مستوياته في ثلاثة أعوام مقابل اليورو، مما يشكل أنباء سيئة للأميركيين المسافرين إلى الخارج، إذ ترتفع كلفة الإنفاق بالعملات الأجنبية، وقد يؤدي هذا الضعف إلى تفاقم التضخم المحلي عبر رفع أسعار السلع المستوردة.

لكن في المقابل، يتوقع أن يستفيد المصدرون الأميركيون من تراجع قيمة الدولار، إذ تصبح بضائعهم أكثر تنافسية في الأسواق العالمية.

ويعد تراجع الدولار لافتاً، لا سيما أن الدول التي تفرض رسوماً جمركية عادة ما تشهد ارتفاعاً في قيمة عملتها، لكن ما زاد من حدة الهبوط هذه المرة هو التخبط في إعلان خطط الرئيس دونالد ترمب في شأن التعريفات، إذ تناقض الرئيس ومساعدوه في شأن تفاصيل رئيسة، مما زعزع ثقة المستثمرين بكفاءة الإدارة الأميركية في تنفيذ سياساتها الاقتصادية.

وقال رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية الكلية لدى شركة "أكسا إنفستمنت مانجرز" في لندن، التي تدير أصولاً بقيمة تريليون دولار، ديفيد بايج، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "نهج الإدارة الأميركية في وضع السياسات، وافتقارها إلى الشفافية في ما يتعلق بدوافعها، كلها عوامل أدت إلى شعور واضح بالقلق في الأسواق المالية".

وأضاف، "لا يبدو أن ما نشهده الآن يشبه السياسات المدروسة بعناية التي اعتدنا عليها سابقاً".

هرب المستثمرين من الدولار

وتسببت تلك المخاوف، الأسبوع الماضي، في هرب المستثمرين من الدولار ومن السندات الحكومية الأميركية، التي كانت تاريخياً ملاذاً آمناً خلال الأزمات المالية.

وفي الساعات التي سبقت دخول الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها دونالد ترمب حيز التنفيذ في التاسع من أبريل (نيسان) الجاري، شهدت السندات الحكومية طويلة الأجل سلوكاً غير معتاد.

فعادة ما يتجه المستثمرون لشراء سندات الخزانة الأميركية الآمنة خلال الأزمات، مما يدفع أسعارها إلى الارتفاع ويؤدي إلى انخفاض عوائدها (التي تتحرك عكساً مع الأسعار)، لكن، وعلى غير العادة، اقتربت عوائد السندات لأجل 30 عاماً، الجمعة، من خمسة في المئة، ارتفاعاً من 4.4 في المئة قبل أسبوع فقط.

في الوقت نفسه تراجع الدولار أيضاً، في تحول يناقض الأنماط التقليدية، مما أثار الحديث عن "انفصال تاريخي" عن القواعد المعهودة، بحسب ما قاله عدد من المراقبين، من بينهم وزير الخزانة الأميركي السابق لورانس سمرز.

وبعدما هدأت الأسواق هذا الأسبوع، قلل وزير الخزانة الحالي سكوت بيسينت من شأن تلك المخاوف. وقال في مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ"، أول من أمس الإثنين، إنه "لا توجد أدلة" على أن المستثمرين الأجانب يبتعدون عن الأصول الأميركية، مشيراً إلى أنهم شاركوا بنشاط في المزادات الأخيرة لسندات الدين الحكومية.

وتراجعت عوائد السندات الأميركية طويلة الأجل في جلستي التداول الماضيتين، لكنها بقيت عند مستويات مرتفعة، ومن المرجح أن تظل هذه المعدلات العالية لفترة، كما حصل في بريطانيا بعد تمرد في سوق السندات عام 2022 احتجاجاً على خطة الحكومة المحافظة للاقتراض بكثافة من أجل تمويل خفض الضرائب.

وتمثل هذه العوائد المرتفعة عبئاً اقتصادياً واسع النطاق، إذ سترتفع كلفة الاقتراض على المستهلكين، مما يزيد كلفة قروض السيارات والرهون العقارية، بينما تواجه الشركات صعوبة أكبر في الحصول على تمويل للتوسع والتوظيف، أما الحكومة الفيدرالية، فمن المتوقع أن يتجاوز عبء الفائدة السنوي لديها تريليون دولار.

7 تريليونات دولار من الاحتياطات

ورغم التراجع الأخير في قيمة الدولار وما رافقه من تقلبات في سوق السندات، فإنه من غير المرجح أن يهدد ذلك مكانة العملة الأميركية كأهم عملة احتياط في العالم، فالبنوك المركزية تحتفظ بما يقارب 7 تريليونات دولار كاحتياطات، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف ما تحتفظ به من اليورو، ثاني أكثر العملات استخداماً.

ولا يزال الدولار العملة الأكثر استخداماً في المدفوعات العالمية، ففي مارس (آذار) الماضي، استخدمت المؤسسات المالية الدولار في نحو 49 في المئة من التعاملات عبر الحدود، وهو مستوى يقترب من أعلى معدل له خلال 12 عاماً، بحسب بيانات جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت".

وقال مؤلف كتاب "الملك دولار: الماضي والمستقبل لعملة العالم المهيمنة"، بول بلوستاين، "الدولار متجذر بعمق في النظام المالي العالمي بطريقة لا تضاهيها أي عملة أخرى. الاستيراد والتصدير، الاقتراض والتحوط واستخدام الدولار كضمان... كل هذه وظائف يعتمد فيها اللاعبون الرئيسون في الاقتصاد الدولي على الدولار، وتغيير ذلك سيكون بالغ الصعوبة".

التخلي عن الدولار ليس خياراً عملياً للمؤسسات الاستثمارية الكبرى

وأمضى المستثمرون الأجانب الأعوام الأخيرة وهم يتجهون إلى الأسهم والسندات الأميركية، سعياً إلى الاستفادة من أسرع نمو اقتصادي في العالم المتقدم.

لكن مع وصول أسعار الأصول الأميركية إلى مستويات مرتفعة، بات كثير من المستثمرين في حاجة إلى إعادة توازن محافظهم الاستثمارية، ففي مطلع عام 2025، شكلت الولايات المتحدة نحو ربع الاقتصاد العالمي، لكنها مثلت نحو 65 في المئة من القيمة السوقية الإجمالية لأسواق الأسهم العالمية، بحسب تقديرات بنك "باركليز".

وشكل الأداء المرتبك لصناع القرار في واشنطن خلال هذا الشهر الشرارة التي دفعت إلى هذا التحول في وجهات الاستثمار.

وقال رئيس قسم الأبحاث العالمية وكبير الاستراتيجيين في بنك "ستاندرد تشارترد" في دبي، إريك روبرتسن، للصحيفة، "كانت الأصول الأميركية تحقق أداء متفوقاً، وكان الاقتصاد الأميركي يتفوق على نظرائه، لذا من الطبيعي أن يحتفظ المستثمرون بكميات كبيرة من الدولارات. ما نشهده اليوم هو عودة إلى التوازن بعد الميل المفرط نحو الأصول الأميركية".

ومع تصاعد حماسة الرئيس للرسوم الجمركية، بدا أن الولايات المتحدة باتت تمثل أخطاراً أكبر، مما جعل الأسواق الأخرى أكثر جاذبية للمستثمرين.

في أوروبا، تخلت الحكومة الألمانية الشهر الماضي عن سقف الاقتراض الدستوري، وأعلنت عن خطط إنفاق كبيرة لتحفيز الاقتصاد وتمويل تعزيز عسكري، مما عزز آفاق النمو، وفي الصين، شجعت السلطات على زيادة الإنفاق الاستهلاكي لتحقيق توازن أفضل في نموذج اقتصادي يعتمد بشدة على الصادرات، أما في اليابان، فقدمت السندات الحكومية لأجل 10 أعوام أعلى عائد لها منذ 15 عاماً.

ودعم الارتفاع الأخير في قيمة الفرنك السويسري واليورو والين الياباني، إلى جانب قفزة الذهب بأكثر من سبعة في المئة خلال الجلسات الخمس الماضية، الفكرة القائلة إن المستثمرين يبحثون عن ملاذات جديدة لمواجهة الاضطراب الذي سببه الرئيس.

ومع ذلك فإن التخلي عن الدولار ليس خياراً عملياً للمؤسسات الاستثمارية الكبرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعد سوق السندات الأميركية، البالغ حجمها 28 تريليون دولار، هي الأكبر والأكثر سيولة في العالم، مما يعني أن المستثمرين يستطيعون بيع حيازاتهم بسرعة إذا احتاجوا إلى السيولة، وعلى النقيض، لا يتجاوز حجم السندات الحكومية الألمانية المتداولة 1.4 تريليون دولار.

وتعاني العملات البديلة من قيود، فاليون الصيني يلعب دوراً متنامياً في التجارة العالمية، لكن الحكومة الصينية لا تسمح بحرية حركة رؤوس الأموال عبر الحدود، مما قد يؤدي إلى "حبس" أموال المستثمرين داخل البلاد.

أما اليورو، فيواجه عقبة أخرى، ورغم أن الدول التي تستخدم العملة الموحدة تشترك في بنك مركزي واحد مقره فرانكفورت ويتولى السياسة النقدية، فإنها تفتقر إلى سلطة مالية موحدة على غرار وزارة الخزانة الأميركية، كما لا تمتلك سوقاً موحدة للسندات.

وقال كبير الاقتصاديين لمنطقة آسيا في بنك "أتش أس بي سي" في هونغ كونغ، فريدريك نيومان، "غياب الاتحاد المالي يظل نقطة ضعف رئيسة لليورو. ولكي يصبح اليورو بديلاً حقيقياً وجديراً بالثقة، لا بد من مزيد من التكامل المالي والسياسي في أوروبا".

ومن المبكر القول ما إذا كان الأجانب قادوا الهبوط الأخير للدولار، بحسب ما قال كبير استراتيجيي الأسواق في بنك "بانوكبرن كابيتال ماركيتس" في نيويورك، مارك تشاندلر. مع الإشارة إلى بيانات وزارة الخزانة التي تغطي التعاملات حتى الأسبوع الماضي لن تكون متوافرة حتى منتصف الصيف.

وحتى إذا نجت فترة الهيمنة العالمية للدولار من تداعيات الحرب التجارية، فإن آفاق العملة على المدى القصير قد تكون ضعيفة. يقول الاقتصاديون إن فرض ترمب للرسوم الجمركية الواسعة قد يجعل الركود أكثر احتمالاً، مما قد يؤثر سلباً في أسعار الأسهم ويدفع "الاحتياطي الفيدرالي" إلى خفض أسعار الفائدة، وهو ما سيجعل الاستثمار في الأصول المرتبطة بالدولار أقل جاذبية.

وقال تشاندلر، "أعتقد أن اتجاه الدولار نحو التراجع بدأ للتو، لكن لا داعي للذعر".

وفي الوقت نفسه يشعر المستثمرون الذين أصابهم القلق بسبب مناورات سياسة التجارة غير المتوقعة للرئيس بالقلق حيال ما سيحدث بعد ذلك.

وعاد ترمب إلى ممارسته في فترة ولايته الأولى من الضغط العلني على رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" جيروم باول لخفض أسعار الفائدة، رغم التأثيرات التضخمية المحتملة للرسوم الجمركية، وتحدث بعض مساعديه عن إمكانية إضعاف الدولار عمداً لجعل السلع المصنعة في الولايات المتحدة أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.

وقال نيومان، "لا أعتقد أننا خرجنا من أزمة تقلبات سوق السندات بعد، وهذا في المدى القصير لا يساعد الدولار الأميركي أيضاً".

اقرأ المزيد

المزيد من أسهم وبورصة