ملخص
أفاد ناشطون سودانيون بأن أوضاع الأسرى عقب استعادة الجيش مدينة الخرطوم مأسوية، إذ يواجهون مشكلات صحية خطرة نتجت من ظروف قاسية عاشوها أثناء احتجازهم بخاصة تجويعهم المتعمد.
يواجه الأسرى السودانيون الذين احتجزتهم قوات "الدعم السريع" في معتقلاتها فترات طوالاً، قارب بعضها العامين، وحُرروا عقب استعادة الجيش السوداني أخيراً مدينة الخرطوم، أوضاعاً إنسانية قاسية، إذ يكابدون معركة البقاء، في وقت تداول نشطاء على مواقع التواصل صوراً مأسوية لهؤلاء الأسرى تبين تعرضهم لانتهاكات جسيمة تتنافى مع القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، تمثلت في تجويعهم المتعمد حتى أصبحت هيأتهم عبارة عن هياكل عظمية، إلى جانب الإهمال الطبي الذي أسهم في وفاة أعداد منهم.
بحث مستمر
وكشفت مصادر شاركت في عملية إجلاء الأسرى الذين ظلوا ما يقارب العامين في معتقلات "الدعم السريع"، أن من بينهم ضباطاً وجنوداً تابعين للجيش، إضافة إلى مدنيين غالبيتهم معلمون وأساتذة جامعات وأطباء وأئمة مساجد اعتُقلوا من مناطق مختلفة، بينما يُتحقق من وجود سيدات في مراكز الاحتجاز كون الحرب أدت إلى اختفاء النساء والفتيات، بيد أن هناك معلومات متداولة تؤكد وجود مراكز خاصة بهن.
ووفقاً للمصادر ذاتها، عُثر على 380 أسيراً في مواقع مختلفة أبرزها منطقة جبل أولياء (تبعد 44 كيلومتراً من الخرطوم) والرياض وسوبا، علاوةً على معتقلات متفرقة في الخرطوم، توفي 12 منهم عقب تحريرهم بسبب سوء حالاتهم الصحية، فضلاً عن أن مقومات الحياة الطبيعية من أكل وشرب وقضاء الحاجة، معدومة في المعتقلات.
وأوضحت المصادر أن وزارة الصحة الاتحادية رأت ضرورة في التدخل العاجل لاحتواء أزمة الأسرى بعدم تسليمهم إلى ذويهم وإدخالهم مستشفى القطينة بولاية النيل الأبيض القريبة من الخرطوم لتقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم وتوفير الكوادر المتخصصة بحسب الحاجة الملحة واتباع بروتوكول الإجلاء الطبي المتفق عليه عالمياً، الذي يشمل مد الأسرى الذين ساءت أوضاعهم الصحية في المعتقلات في المقام الأول بالسوائل.
وأكدت المصادر ذاتها أن عمليات البحث جارية عن مراكز الاحتجاز والمعتقلات التابعة لـ"الدعم السريع" حتى يتسنى إنقاذ بقية الأسرى الذين لا يزالون في قبضة هذه القوات.
تفاصيل صادمة
في السياق أوضح الناشط في العمل الإنساني في ولاية النيل الأبيض حذيفة عبدالفضيل أن "أوضاع الأسرى عقب استعادة الجيش مدينة الخرطوم مأسوية، إذ يواجهون مشكلات صحية خطرة نتجت من ظروف قاسية عاشوها أثناء احتجازهم بخاصة تجويعهم المتعمد"، وأضاف عبدالفضيل "من خلال متابعتي فإن الفحوصات الأولية أظهرت تعرضهم إلى معضلات صحية تمثلت في نقص الفيتامينات التي قادت بدورها إلى الإسهالات الحادة وفقدان السوائل بسبب التقيؤ المستمر، إلى جانب الإصابة بالحساسية وظهور طفح جلدي ناجم من التلوث بسبب احتجازهم فترات طويلة في معتقلات لا تتوافر فيها أماكن مخصصة لقضاء الحاجة، إلى جانب افتراش الأرض، إضافة إلى إصابة بعضهم بالتشويش السمعي، في حين أصيب بعض آخر بالعمى الليلي، فضلاً عن وجود إصابات وحشية تدل على التعذيب بحسب شهادات الأسرى الناجين"، وتابع "هناك بعض الأسرى مورست بحقهم انتهاكات مريعة، إذ بيّن الكشف الطبي ثلاث حالات إخصاء نتجت عنها مشاكل نفسية تفاقمت بسبب احتجازهم في غرف مظلمة، مما أدى إلى إصابتهم بنوبات الهلع بخاصة عند رؤيتهم الشمس".
واستطرد الناشط في العمل الإنساني "وفي ظل ما تعرض له هؤلاء الأسرى من انتهاكات بواسطة 'الدعم السريع'، لا يمكن وصف تلك الميليشيا إلا بأنها جماعات إرهابية تفتقر إلى الآدمية بسبب أفعالها الشنيعة، مما يثير التساؤلات عن حتمية تطبيق المسؤولية القانونية وعدم الإفلات من العقاب".
خطوات للتعافي
من جانبها تقول متخصصة التغذية ماجدة حاج آدم إن "الصور التي جرى تداولها في منصات التواصل الاجتماعي أظهرت الأسرى في حال هزال شديد تدل على أن أجسادهم عانت الجوع وسوء التغذية، فضلاً عن أن الجهاز الهضمي عندما يتوقف فترات طويلة يصبح حين استقباله أقل كمية من الطعام غير قادر على القيام بمهمته الطبيعية في جسم الإنسان بسبب ضعف عملية امتصاص العناصر الغذائية لديه".
وأردفت حاج آدم "لا بد كخطوة أولى في التعافي من اتباع أساليب العلاج السليمة لحساسية موقفهم من إجراء فحوصات شاملة، لا سيما أنهم يعانون اضطرابات وظيفية تجعل أعضاءهم عاجزة عن أداء أدوارها الحيوية، لذلك يجب تغذيتهم تدريجاً حتى لا يتعرضوا إلى مزيد من الأمراض كارتفاع الأنسولين في الدم والفشل الكلوي وأمراض القلب نتيجة للضعف الشديد في المناعة".
ونوهت متخصصة التغذية بأن "إدخال المرضى إلى المستشفى وتوفير كادر طبي متخصص يعجل بالشفاء، إذ يتم التعامل مع كل حالة بحسب نتائج الفحوصات، والآن هم بحاجة ماسة إلى السوائل والفيتامينات عن طريق الحقن الوريدي بمحاليل الملح والغلوكوز، وحال استقرار أوضاعهم الصحية يُنتقل إلى مرحلة تعوّد الجهاز الهضمي الذي ظل خاملاً طوال فترة أسرِهم، مما يستدعي تعزيزه بالمكملات الغذائية، إلى جانب العمل على إفراز حمض المعدة، ومن الضروري هنا الابتعاد عن النشويات المصنعة، بخاصة الخبز خلال هذه الفترة لأنه من الممكن أن تزيد من إضعاف الجهاز المناعي والاستعاضة عنها بالنشويات الطبيعية، إضافة إلى أنه خلال هذه المرحلة العلاجية لا يحتاجون إلى المركبات التي تفاقم أوضاعهم الصحية".
وختمت حديثها بالقول إنه "عقب استعادة هؤلاء الأسرى أوزانهم الطبيعية يجب العمل على ترويض عضلاتهم وأعصابهم بالتمارين الرياضية، لا سيما أن تأهيلهم التدريجي يضمن تحسن حالاتهم الصحية بشكل سليم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صدمات ومعالجات
إلى ذلك ترى متخصصة الصحة النفسية، إبتسام محمود أن "الأسرى في الحروب بصورة عامة لديهم حقوق في المعاملة الإنسانية وتوفير الحد الأدنى من التغذية والعلاج، إلى جانب تهيئة مكان إقامتهم، لكن ما حصل للأسرى في حرب السودان بواسطة 'الدعم السريع' ينافي القيم والأخلاق، إذ تعرضوا للأذى الجسدي والنفسي والاجتماعي، مما انعكس سلباً على صحتهم النفسية وأصيبوا بالاكتئاب والقلق والخوف وشعروا بالموت واليأس من رؤية الأهل مرة أخرى، إضافة إلى الإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة التي تحدث عند التعرض لصدمة قاسية واجترار ذكرى التعذيب، مما يؤدي إلى فقدان القدرة الذهنية والامتناع عن الطعام والتخلي عن الحياة، علاوةً على اضطرابات الشخصية نتيجة التجربة القاسية من شدة التعذيب الذي يعرضهم للانفصال عن الواقع في ما ينتج عنه النسيان وعدم معرفة الاسم والهوية".
ومضت محمود قائلة "هؤلاء الأسرى يحتاجون الآن إلى رعاية صحية تشمل الجانب النفسي والاجتماعي حتى يتمكنوا من العودة إلى المجتمع بصورة لائقة وبنشاط وحيوية".
ولفتت متخصصة الصحة النفسية إلى أنه "حتى تكون نتائج العلاج متكاملة الأركان يستوجب التكاتف خصوصاً من قبل قطاع الصحة النفسية من خلال تكوين فرق تشرف على رعايتهم نفسياً، فضلاً عن إخضاعهم لجلسات عدة لإزالة آثار التعذيب الأليمة من نفوسهم".
رد الحقوق
على صعيد متصل قال المحامي السوداني ياسر زين العابدين إن "من الضروري معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية وحمايتهم في جميع الظروف التي أدت إلى اعتقالهم بخاصة أن عمليات التهديد والسباب والتجويع تتعارض مع اتفاقية جنيف، التي نصت على أنه في حال تعرض الأسرى لأي عمل غير مشروع يؤدي إلى أذى نفسي أو جسدي أو الوفاة فهو جريمة حرب، وعُدلت عقب الحرب العالمية الثانية وشملت جوانبها الحماية القانونية للأسرى ضمن الاتفاقية الثالثة لجنيف التي تألفت من 143 مادة ضمت جوانب عدة جميعها تعنى بأسرى الحرب وفي المقابل وجود مواد عقابية لصون كرامة الأسرى".
وواصل زين العابدين "كذلك اشترطت بعض المواد عدم التمادي في حجز الأسرى إذا ما أثّر ذلك في صحتهم الجسدية، إلى جانب عدم احتجاز الأسير في زنازين انفرادية أو مع مجرمين جناة أو تعريضه لتشويه بدني، وكذلك منع الاقتصاص منه، علاوةً على مواد أخرى تفرض المساواة في معاملة الأسرى من دون أن يكون هناك تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الانتماء السياسي".
وزاد "ما قامت به قوات 'الدعم السريع' من خلال ما شاهدناه في الفيديوهات الموثقة يمثل اعتداءً صارخاً لانتهاك مبدأ معاملة أسرى الحرب من طرق بربرية وحشية ترتقي إلى أسوأ الانتهاكات التي ظهرت في التاريخ الحديث، إذ إن ما جرى يعتبر وصمة عار في جبين الإنسانية وتجاوز كل الجرائم التي طفت على السطح إبان هذا القرن".
ونوه المحامي السوداني بأن "هذه الشواهد والجرائم الظاهرة للعيان من الضرورة بمكان إبرازها للعالم ليشاهد بأم الأعين هذه الحرب الموجعة التي استهدفت المواطنين، لا سيما وأن الجهات ذات الصلة يستوجب عليها فتح هذا الملف واتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية كفيلة بالاقتصاص ورد الحقوق ومعاقبة الجناة لمنع مثل هذه الجرائم مستقبلاً".