ملخص
مع تعليق المساعدات العسكرية الأميركية، تواجه أوروبا تحدياً مصيرياً في دعم أوكرانيا وسط تحولات جيوسياسية معقدة. ومع تصاعد الشكوك حول التزام واشنطن، يتعين على الأوروبيين تعزيز قدراتهم الدفاعية والاستعداد لسيناريوهات قد تتطلب مواجهة مباشرة مع روسيا.
مع تعليق الولايات المتحدة جميع المساعدات العسكرية التي تقدمها لأوكرانيا، تحول دعم كييف من مشكلة ملحة إلى تحد طارئ بالنسبة إلى أوروبا. إنه اختبار مصيري لصنّاع القرار في القارة، والفشل فيه قد يكون كارثياً. هناك مؤشرات على أن القادة الأوروبيين أدركوا متأخرين حجم الخطر، حيث اختارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين هذه اللحظة للكشف عن خطة "إعادة تسليح أوروبا" التي طال انتظارها.
التحرك الأخير هذا يُضاف إلى جهودٍ قائمة بالفعل لإنهاء الصراع وضمان بقاء أوكرانيا دولةً قابلة للحياة. وقد أبدى حلفاء كييف الغربيون في القمة التي عقدوها يوم الأحد الفائت، التزامهم العلني في ما يتعلق بتدخل دبلوماسي لبلورة تسويةٍ سلمية. لكن خطة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر المكونة من أربع نقاط تثير تساؤلاتٍ أكثر مما تقدم إجابات، وأبرزها: كيف يمكن تنفيذ الخطة من دون تعاون روسيا أو الولايات المتحدة؟
وعلى عكس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يتعامل الزعماء الأوروبيون بموضوعية مع أي وقفٍ محتملٍ لإطلاق النار بين موسكو وكييف، فهم يدركون أن سجل روسيا - استناداً إلى التجارب السابقة - يشير إلى أنها لن تتردد في خرقه عند أول فرصة. وهذا ما يجعل تصوير أي وجود عسكري أجنبي في أوكرانيا على أنه مجرد "قوات حفظ سلام" وصفاً مضللاً وخطيراً. فبعيداً من الصورة النمطية المرتبطة بهذه القوات على أنها بعثات شرطة مزودة بأسلحة خفيفة، ينبغي أن تكون أي قوة أوروبية تُنشر هناك، قادرةً تماماً على حماية نفسها، والاستعداد لمواجهة أي تصعيدٍ عسكري روسي جديد.
وهذا تحديداً هو السبب الذي دفع بكير ستارمر إلى التشديد مراراً على أن نجاح أي خطة سلامٍ مرهون بدعم الولايات المتحدة لها، على رغم أن واشنطن أكدت مراراً عدم استعدادها للقيام بذلك. ولا يزال من غير الواضح كيف يمكن جسر هذه الفجوة.
في المقابل، يبرز تناقضٌ منطقي واضح في النقاش حول احتمال قبول روسيا خطةً تشمل نشر قواتٍ أجنبية في أوكرانيا، إذ إن وجود هذه القوات يهدف في الأساس إلى منع موسكو من إعادة إشعال الصراع.
لا مصلحة لروسيا بالتأكيد في الوصول إلى هذه النتيجة. من هنا، فإن الإيحاء بأن الكرملين قد يوافق على خطةٍ لنشر قوات لحفظ السلام تشارك فيها وحداتٌ أوروبية هو غير منطقي تماماً. وإذا ما بدأت أي خطة من هذا القبيل تكتسب زخماً يجعلها قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، فإن الرد الروسي العدواني - بما في ذلك على الأرجح التهديد باستخدام أسلحةٍ نووية - سيكون حتمياً. وبالنظر إلى السجل الحافل للمحيطين بترمب في تبني وتنفيذ ما يفضله بوتين بشأن الحرب، فمن المرجح أن تحظى الاعتراضات الروسية على أي خطة أوروبية بدعم من واشنطن.
في هذه الأثناء، لا يزال من غير الواضح كيف يعتزم الزعماء الأوروبيون المضي قدماً في خطةٍ مبنيةٍ على شروطٍ مسبقة غير مطروحة على الطاولة أساساً. وفي الوقت نفسه، يلتزمون زيادة مساعداتهم العسكرية المقررة لأوكرانيا، وتعزيز الإنفاق الدفاعي داخل دولهم. هذه أسئلة ما زالت قائمةً ومطروحة في الوقت الراهن.
ومع سحب الدعم الأميركي، أصبح تعزيز الدفاعات الجوية الأوروبية من الفجوات الأكثر إلحاحاً التي يتعين معالجتها على الفور. وفي حين أن الترتيبات طويلة الأمد للإنتاج تُعد بالغة الأهمية لدعم أوكرانيا وحماية الدول الأوروبية، فإن توفيرها الفوري في أوكرانيا يحظى أيضاً بالمقدار نفسه من الأهمية. وبالنسبة إلى أوروبا ككل، فإن التعامل مع التهديد الروسي باعتباره مشكلةً مستقبلية وليس حالةً طارئة في الوقت الراهن، يُعد نهجاً عفا عليه الزمن بشكل خطير.
من المهم أن نتذكر أنه على رغم الكلام المستمر على "مفاوضات سلام"، فإن أي محادثاتٍ فعلية لم تبدأ بعد. لكن هذا لم يمنع الولايات المتحدة من الإشارة بشكلٍ مسبق، إلى استعدادها للموافقة على الكثير من المطالب الروسية.
ومع التأكيد المتكرر من الإدارة الأميركية على تبنيها التام للرواية الروسية الخيالية المضللة في ما يتعلق بالحرب، لا شك في أن الكرملين قد استنفد احتياطه من زجاجات الشمبانيا احتفالاً بهذا الموقف. والسؤال الذي يواجه موسكو الآن هو: ما الخطوة التالية؟ وكيف يمكنها المضي قدماً بحذر للحفاظ على رضا دونالد ترمب ودائرته؟ فاستناداً إلى مبدأ "لا تقاطع عدوك عندما يرتكب خطأ"، يتعين على فلاديمير بوتين أن يكون حريصاً على عدم إفساد أو تعطيل أي مبادرة "سلام" يروج لها ترمب، حتى لا تخرج الأمور عن مسارها.
من هنا ستسعى روسيا إلى تثبيت مكاسبها وإضفاء الطابع الرسمي على التنازلات التي قدمتها لها الولايات المتحدة طواعية، قبل أن تبدأ في المطالبة بالمزيد. ومن المرجح بعد ذلك أن تعاود موسكو النظر في "مقترحات المعاهدة" التي قدمتها في ديسمبر (كانون الأول) عام 2021 وتحديثها، بهدف ترسيخ فك الارتباط بين الولايات المتحدة وأوروبا، وإعادة تشكيل القارة بما يضمن الهيمنة الروسية في شرقها.
في الوقت الراهن، يأخذ دونالد ترمب ونائبه جي دي فانس على عاتقهما القيام بالعمل الشاق نيابةً عن موسكو لدعم الأجندة الروسية. وبعدما شعر الرئيس الأميركي بالإهانة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بسبب تحديه روايته، قام بإفشال صفقة المعادن التي اقترحها، ما أتاح له الفرصة لتكرار الادعاء الروسي بأن زيلينسكي هو الذي يعيق عملية السلام. لكن هناك فارقاً شاسعاً بين وقف إطلاق نارٍ رمزي قصير الأمد، يمكن أن يروج له ترمب باعتباره فوزاً، وتسويةِ سلامٍ دائمة يعمل القادة الأوروبيون وزيلينسكي على تحقيقها فعلاً.
يعتقد كير ستارمر أن مركزية الولايات المتحدة في أمن أوروبا تجعل الحديث عن الاستغناء عنها أمر "غير جاد تماماً". لكنه يعلم - شأنه شأن أي زعيم آخر في "حلف شمال الأطلسي" - أن دونالد ترمب قد يحوّل هذه الفكرة إلى واقع ملموس في أي لحظة.
في غضون ذلك، يبدو أن كلاً من الاتحاد الأوروبي و"حلف شمال الأطلسي" في حال ترقب وحبس أنفاس، ويترددان في اتخاذ خطوات حاسمة، في حين يستعدان لإمكان قيام الرئيس الأميركي بسحب البساط من تحت أقدامهما والتخلي عنهما، تماماً كما فعل مع أوكرانيا. لكن يتعين على كل من أوروبا وكندا التعامل مع تحد مزدوج: محاولة إبقاء ترمب في صفهما، والاستعداد بشكلٍ عاجل للعواقب المحتملة إذا ما فشلت هذه الجهود.
والآن سينشغل خبراء المعدات العسكرية واللوجستيون، في تقييم ليس فقط مدى قدرة القوات الأوكرانية على العمل من دون دعم الولايات المتحدة، بل أيضاً مدى جاهزية الجيوش الأوروبية التي تم تنظيمها وتجهيزها، بناءً على فرضية معقولة بأن الولايات المتحدة ستكون في صفها. وعلى رغم الجهود المستمرة للحفاظ على التعاون مع واشنطن، يتعين على هذه القوات الآن إعداد خططٍ طارئة، والتأهب للتعامل مع الوضع باستخدام ما لديها من موارد متاحةـ سواءٌ كان هناك دعمٌ أميركي أم لا، لأن هذا الدعم قد يصبح غير متاح.
كل ذلك يعتمد على الافتراض بأن خطةً متفقاً عليها لضمان السلام لكل من أوكرانيا وأوروبا ستتبلور في النهاية. إلا أن الإشارة التي قدمتها المملكة المتحدة يوم الإثنين بخصوص "وجود خياراتٍ مختلفة على الطاولة" أوضحت أنه لا يوجد حتى الآن توافقٌ على الخطوات المقبلة.
ربما يكون التحالف الذي يضم الدول الأقل تردداً [في الانضمام إلى أي تحالف] قد تشكل بالفعل، لكن الاختبار الحقيقي سيبدأ عندما تتحول الأقوال إلى أفعال.
كير جايلز هو مؤلف كتاب "من سيدافع عن أوروبا؟: روسيا المستيقظة والقارة النائمة" Who Will Defend Europe?: An Awakened Russia and a Sleeping Continent
© The Independent