Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ممر "لوبيتو"... فصل من صراع أميركا والصين على معادن أفريقيا

مشروع لإحياء خط سكك حديدية قديم بطول 1289 كيلومتراً لتطويق نفوذ بكين في سوق المواد الخام

من المتوقع أن يكتمل تمديد السكك الحديد عبر زامبيا بحلول عام 2029 (غيتي)

ملخص

60 في المئة من واردات أوروبا من المواد الخام تأتي من الصين وبالنسبة إلى المعادن النادرة فإن الرقم يصل إلى 98 في المئة

تعد أفريقيا موطناً لثلث (30 في المئة) من احتياطات المعادن في العالم وتلعب دوراً رئيساً في سوق التوريد الدولية، وهو ما يجعلها ميداناً للتنافس بين القوى الكبرى بغية تأمين وصول موثوق إلى الكوبالت والليثيوم والنحاس إدراكاً لأهميتها في الصناعات العسكرية واللوجيستية.

من بين تلك القوى الصين التي عملت على تعزيز نفوذها في هذه الأسواق، إذ سيطرت على جزء كبير من عمليات التعدين وقدرات التكرير في العالم، فبفضل الموارد الوفيرة وانخفاض كلفة الإنتاج والخطط طويلة الأجل لتطوير وتأمين الوصول إلى الطرق الاستراتيجية، تمكنت بكين من بلوغ مكانة مهيمنة في سلاسل الإنتاج والتوريد، وهذا يوفر للصين نفوذاً كبيراً على منافسيها، فنحو 60 في المئة من واردات الاتحاد الأوروبي من المواد الخام الحيوية تأتي من الصين، وبالنسبة إلى العناصر الأرضية النادرة، فإن الرقم يصل إلى 98 في المئة.

وللتصدي لهذه الهيمنة، تسعى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتعزيز الوصول إلى المعادن الحيوية والحد من الاعتماد على سلاسل التوريد التي تسيطر عليها الصين، عبر إعادة إحياء خط سكك حديد يطلق عليه ممر "لوبيتو"، يمتد من دار السلام في تنزانيا على ساحل المحيط الهندي، ويقطع الطريق البري وصولاً إلى ميناء لوبيتو في أنغولا على ساحل المحيط الأطلسي لمواجهة النفوذ الصيني.

يعيد ممر "لوبيتو" إحياء خط السكك الحديدية بنغيلا الذي اكتمل عام 1928، وكان يربط مدينة لوبيتو الأنغولية التي كانت آنذاك أهم ميناء على الساحل الغربي لأفريقيا، بمدينة لوآو على حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأطلق المشروع مهندس تعدين الاسكتلندي السير روبرت ويليامز، إذ كانت له مصالح تجارية في كاتانغا وشمال رودسيا.

خط تصدير المعادن

على مدى أكثر من ثلاثة عقود، كان خط سكة حديد بنغيلا هو الوسيلة الأرخص والأسرع لتصدير المعادن من جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، ومع ذلك تعرض نظام السكك الحديد لأضرار بالغة أثناء الحرب الأهلية التي اندلعت بعد الاستقلال عام 1975، وبدأت أعمال الإصلاح عام 2006، في أعقاب اتفاق مع الصين بموجب نموذج الإقراض بالنفط مقابل البنية الأساسية، واكتملت عام 2014.

في عام 2022، خلال قمة زعماء الولايات المتحدة وأفريقيا، أعلنت الولايات المتحدة وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا عن مذكرة تفاهم في شأن سلاسل قيمة بطاريات السيارات الكهربائية، وحصل اتحاد السكك الحديد الذي يضم مجموعة البناء البرتغالية "موتا إنغيل" ومشغل السكك الحديد البلجيكي "فيكتوريس" ومورد السلع الفرنسي "ترافيغورا" على امتياز لـ30 عاماً لتشغيل سكك حديد بنغيلا ومحطتها المعدنية.

وبعد مرور عام واحد، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن خلال قمة مجموعة الـ20 في نيودلهي عن شراكة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتطوير ممر "لوبيتو" في إطار الشراكة من أجل البنية الأساسية العالمية، ويهدف المشروع إلى إنشاء خط سكك حديد بطول 1289 كيلومتراً يربط مواقع التعدين في حزام النحاس في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا بميناء لوبيتو الأنغولي، مما يسهل الوصول إلى الأسواق العالمية.

 

تعتقد تيريزا نوغيرا ​​بينتو وهي متخصصة في الشؤون الأفريقية وباحثة زائرة في مؤسسة "هيريتيج" في واشنطن، أن الولايات المتحدة تعمل على مواجهة النفوذ الجيوسياسي والجيواقتصادي الذي تمارسه بكين عبر استراتيجية لتطوير وإحياء الممرات الاقتصادية القديمة، لمواجهة المبادرة الصينية "الحزام والطريق"، مشيرة إلى أن أحدث مثالين على ذلك، الدعم الأميركي لممر "لوبيتو" والممر الاقتصادي الذي يربط الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط.

وتلفت في مذكرة لمؤسسة خدمات الاستخبارات الجيوسياسية، إلى أنه من المتوقع أن يؤدي ممر "لوبيتو" عند اكتماله إلى زيادة التجارة والتنقل من خلال تقليل متوسط وقت النقل والكلفة في منطقة لا تزال تعاني عجز البنية الأساسية والتحديات اللوجيستية التي تشكل عقبات أمام النمو، وقد يكون لهذه المبادرة تأثير كبير في القطاعات الأخرى من خلال خلق فرص العمل وجذب الاستثمارات في الزراعة والخدمات والاتصال الرقمي.

التنافس على الخامات في أفريقيا

أعطت الولايات المتحدة الأولوية للحد من الاعتماد على الصين، بحسب ما يتضح من مبادرات مثل مبادرة حوكمة موارد الطاقة، التي أطلقت عام 2019، والتي تهدف إلى إشراك البلدان الغنية بالموارد في تعزيز "حوكمة المعادن المسؤولة للطاقة"، وورد هذا الهدف في قانون خفض التضخم لعام 2022، الذي لا يسعى فقط إلى تعزيز الإنتاج المحلي للتعدين، بل يؤكد أيضاً سلاسل التوريد القريبة لتعزيز الشراكات الإقليمية.

وتشير الباحثة إلى أن السياسة الأميركية في شأن هذه القضية كانت متسقة عبر الإدارات المتعاقبة منذ عام 2016، وعلاوة على ذلك، فإن ممر "لوبيتو" هو مؤشر قوي إلى مشاركة الولايات المتحدة في أفريقيا، فعلى مدى الأشهر الـ18 الماضية، بلغت الاستثمارات في المنطقة 3 مليارات دولار، ودعمتها جهود دبلوماسية كبيرة، أبرزتها الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الأميركي بايدن إلى أنغولا في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وهي الأولى لرئيس أميركي في منصبه.

وتحدثت تيريزا عن "شراكة أمن المعادن"، وهي مبادرة تدعمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أفريقيا مع 12 دولة أخرى، في محاولة لتنسيق الوصول إلى خطوط إمداد المواد الخام الحيوية من خلال آلية متعددة الأطراف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي محاولة للتعويض عن الوقت الضائع، تحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي زيادة حضورهما في القارة التي استثمرت فيها الصين بكثافة على مدى العقدين الماضيين، ورغم أن الديون المفرطة وتباطؤ الاقتصاد الصيني والتغيرات السياسية في مختلف أنحاء القارة تمثل فرصاً استراتيجية للاتحاد الأوروبي وواشنطن، فإن تركيز المواد الخام الحيوية في المناطق المتضررة من عدم الاستقرار المزمن يفرض أخطاراً كبيرة على الحكومات والمستثمرين على حد سواء، بحسب ما توضح الباحثة.

في الآونة الأخيرة، انضمت تنزانيا رسمياً إلى المشروع، وهو ما يعني أنه بمجرد اكتماله، سيربط نظام السكك الحديد بين المحيطين الأطلسي والهندي.

السيناريوهات المتوقعة

ويلفت تقرير المؤسسة إلى أن مشروع ممر "لوبيتو" يعتمد نجاحه على مجموعة من العوامل، بما في ذلك الأمن والتكامل الإقليمي وتطوير البنية الأساسية البحرية في جنوب الأطلسي، والأرجح أنه سيقلل جزئياً الاعتماد على الصين بحلول عام 2029، وقد يعمل على تسريع النمو في المنطقة ودمج البلدان المشاركة في سلاسل القيمة العالمية في الأمد المتوسط (من المتوقع أن يكتمل تمديد السكك الحديد عبر زامبيا بحلول عام 2029)، ومع ذلك فمن المتوقع أن يكون تأثيره في الحد من اعتماد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الصين في الحصول على المواد الخام الحيوية محدوداً في البداية.

وتسيطر الصين على حصة كبيرة من إنتاج التعدين في المنطقة، ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، تمتلك بكين 80 في المئة من مناجم النحاس، فيما أعلنت الحكومة الزامبية في الفترة الأخيرة أن الصين ستستثمر ما يصل إلى 5 مليارات دولار في صناعة النحاس في البلاد على مدى الأعوام السبعة المقبلة.

ورغم مبادرات الربط الرئيسة مثل ممر "لوبيتو" تقول الباحثة، إن الولايات المتحدة لا تملك النطاق الاقتصادي أو السياسي للتنافس مع الصين عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على إنتاج المواد الخام الحيوية، وعلاوة على ذلك يبدو أن الدول الأفريقية ملتزمة شكلاً متزايداً بتقييد صادرات السلع الخام، إذ تخطط لزيادة معالجة المعادن.

ولا تستبعد الباحثة تعرض مشروع ممر "لوبيتو" للخطر بسبب الافتقار إلى الشفافية وسوء تخصيص الأموال أو الاضطرابات السياسية في المنطقة، ومع ذلك فإن مجموعة من العوامل تجعل هذا الأمر غير مرجح، إذ من المتوقع أن يستمر التزام واشنطن بالمشروع في ظل إدارة ترمب الثانية، والاضطرابات الاجتماعية وعدم اليقين السياسي التي من المرجح أن تحدث حتى عام 2029 في ظل مستويات السخط الحالية بين السكان المحليين، قد تؤدي إلى تأخيرات، لكنها على الأرجح لن تخرج المشروع عن مساره.

اقرأ المزيد