ملخص
بات لافتاً، خلال الأسابيع التي رافقت بداية عهدة الرئيس دونالد ترمب، التقارب الجزائري - الأميركي، إذ تصدرت قطاعات الدفاع والطاقة والفلاحة والعلوم والتكنولوجيا قائمة المجالات ذات الأولوية، إلى جانب السعي إلى تعزيز السلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي.
يشهد خط الجزائر - الولايات المتحدة انتعاشاً أثار سلسلة تأويلات حول مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين، التي غلبت عليها السطحية على مر فتراتها أمام تقارب قوي ومتين مع روسيا وقبلها الاتحاد السوفياتي.
زيارات رفيعة تزامناً مع وصول ترمب
وبات لافتاً، خلال الأسابيع التي رافقت بداية عهدة الرئيس دونالد ترمب، التقارب الجزائري - الأميركي، إذ تصدرت قطاعات الدفاع والطاقة والفلاحة والعلوم والتكنولوجيا قائمة المجالات ذات الأولوية، إلى جانب السعي إلى تعزيز السلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي، وفق ما جاء على لسان وزير خارجية الجزائر ونظيره الأميركي في آخر اتصال هاتفي بينهما، إذ أكدا رغبة ثنائية بتوطيد العلاقات بما يعود بالنفع على الجانبين.
وتعتبر زيارة قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم" مايكل لانغلي، وتوقيع مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري بين وزارتي الدفاع الجزائرية والأميركية، ثم الإعلان عن اتفاق بين وكالة تثمين موارد المحروقات "النفط" الجزائرية وشركة "شيفرون" الأميركية، لإنجاز دراسة حول إمكانات موارد المحروقات في المناطق البحرية الجزائرية، وبعد ذلك، المحادثات عبر الهاتف بين روبيو وعطاف، كلها مؤشرات إلى هذا التقارب بين البلدين.
ولم يتوقف التقارب عند الحد الأميركي بل تعداه إلى زيارة وفد رفيع المستوى من حلف شمال الأطلسي "الناتو" الجزائر، ضمن مسعى تعزيز التعاون المشترك وتعزيز الحوار الثنائي، وهو ما يؤكد انفتاح الجزائر على العالم الغربي كاملاً وليس الولايات المتحدة وحدها.
أحاديث تكشف عن التحول في علاقات الجزائر والولايات المتحدة
وما يكشف عن تحول في علاقات البلدين أو رغبة الإدارتين في تغيير وضع العلاقات الثنائية أيضاً، حديث رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة عن ديناميكية إيجابية يشهدها البلدان في شتى المجالات، بما فيها مجالا الدفاع والأمن، وقال إن هذه الديناميكية تعكس "إرادتنا على الارتقاء بهذه الشراكة إلى أعلى المستويات بما يخدم مصالح البلدين".
من جانبه أوضح مكتب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، أن روبيو أجرى اتصالاً بنظيره الجزائري أكد في خلاله الطرفان الشراكة القوية بين الولايات المتحدة والجزائر في تعزيز السلام والأمن الإقليميين والعالميين، وذلك تحت قيادة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، كما تناول النقاش بحث تعزيز التعاون الاقتصادي والطاقة بين البلدين بما يحقق فوائد ملموسة للشعبين الأميركي والجزائري، إلى جانب الجهود المشتركة للتصدي لحال عدم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي.
وبالعودة إلى بيان الخارجية الأميركية يظهر أن روبيو انتقل من الدعوة إلى معاقبة الجزائر حينما كان سيناتوراً، بسبب صفقات التسليح الضخمة مع روسيا، إلى إبداء رغبة قوية في التعاون مع الجزائر، في ظل إدارة الرئيس ترمب، مما يطرح استفهامات حول القصد من التحول في الخطاب والتغير في العلاقات الثنائية.
بعيداً من القراءات المشبوهة؟
ومن أجل وضع النقاط على الحروف، جاء حوار الرئيس تبون لصحيفة "لوبينيون" الفرنسية منذ أيام، في سياق إماطة اللثام عن مستقبل العلاقات الجزائرية - الأميركية، وأكد أن "العلاقات بين البلدين ظلت في مستوى جيد مع جميع الرؤساء الأميركيين، سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين، والجزائريون لن ينسوا أبداً أن الولايات المتحدة عرضت المسألة الجزائرية على هيئة الأمم المتحدة إبان حرب التحرير المجيدة"، وأبرز تبون أن أكبر مشاريع الجزائر المجسدة في عهد الرؤساء هواري بومدين والشاذلي بن جديد وعبدالعزيز بوتفليقة، جرى إنجازها مع الأميركيين، سواء في قطاع المحروقات أو مجالات أخرى، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي لديها مدينة تحمل اسم البطل القومي الجزائري "الأمير عبدالقادر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحرك وفق متغيرات السياق الدولي
وفي السياق قال الناشط السياسي دحو بن مصطفى إن "الدولة الجزائرية تتحرك وفق متغيرات السياق الدولي الذي يميزه صعود إدارة براغماتية في الولايات المتحدة تحكمها المصلحة بدلاً من الأيديولوجيا، وفي وضعية عدم اليقين السياسي من التقلبات الدولية والتغيرات الجيوسياسية والجيواستراتيجية كان من الحكمة أن تنفتح الجزائر على أسواق جديدة وارتباطات أمنية متنوعة"، مشيراً إلى "تسرع بعض المتابعين في تفسير سلوك الدولة الجزائرية وتأويله على أنه تغيير للتحالفات التقليدية وانقلاب على روسيا بصفتها حليفة تاريخية، كما فُسر ذلك على أساس رد فعل على التحالفات والوجود الروسي في الساحل الأفريقي"، ولفت الناشط السياسي إلى أن "الأمر يتوقف على رسالة للإدارة الأميركية بأن الجزائر يمكنها أن تكون قوة استقرار في شمال أفريقيا وليست قوة مقاومة للمصالح الأميركية، وبأن الجزائر تستثمر في الاحترام الأميركي التاريخي والعلاقات الثنائية، إذ لم يحدث تاريخياً أي صدام بين الجزائر والولايات المتحدة"، مبرزاً أن الجزائر تسعى إلى خلق توازن في المنطقة من خلال منع أميركا من توسيع علاقاتها الدفاعية مع المغرب، وأوضح أن علاقة الجزائر مع روسيا "تحالف يخضع لحسابات استراتيجية، ولا تتضرر بعلاقات جديدة، إذ انفتحت الجزائر على الصين والهند وألمانيا"، وختم أن الجزائر تدرك جيداً التحولات على مستوى العلاقات الدولية وحتى التغيرات التي ستحدث على مستوى "الناتو" وعلاقة أميركا بأوروبا وبروسيا، "لأن العالم يتغير والتحالفات تتغير أيضاً".
المشاحنات الروسية - الجزائرية لم ترقَ إلى الخصام
إلا أن الحقوقية نهاد مزيان لا ترى في توقيع مذكرة التعاون الدفاعي مع واشنطن تغييراً لقبلة الجزائر على قدر ما تعتبره تثبيتاً لسيادة قراراتها وإمكانية تنويع شراكاتها عسكرياً من دون صد لموسكو كموردة رئيسة ومهمة للأسلحة والعتاد للجزائر أو إحداث قطيعة مع روسيا، "وخصوصاً في ظل هذه العصرنة والتطور المتسارع في مجال التجهيزات العسكرية"، وقالت إن المسعى الرئيس للجزائر هو إمداد الجيش وتعزيز قوته بتجهيزات وأسلحة فائقة الحداثة.
وفي ما يتعلق باعتبار توقيع اتفاق الشراكة الثنائية بين الجزائر وواشنطن رداً على النفوذ الروسي في منطقة الساحل، قالت مزيان "أنا لا أراها من هذا المنظور، خصوصاً أن موسكو فضلت الجزائر على حساب الانفصاليين في مالي"، مضيفة أن المشاحنات الروسية - الجزائرية التي لم ترقَ إلى درجة الخصام، هدأت أخيراً، وأوضحت أن الشراكة بين البلدين ما هي إلا معادلة جيواستراتيجية دفعت إليها التغييرات والبيئة الجيوسياسية المضطربة.
تعميق الشراكة لا يعني استبدال موسكو
وأكد المحلل في الشؤون الأمنية أحمد ميزاب أن توقيع مذكرة التفاهم بين الجزائر والولايات المتحدة، مع بداية عهد ترمب "يحمل دلالات عدة بخاصة في ظل السياقات الدولية والتحولات المستجدة عالمياً"، مضيفاً أن هناك تغييراً في الأولويات الأميركية، "فقد كانت إدارة ترمب، في ولايته السابقة، أقل اهتماماً بأفريقيا، لكن تصاعد التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي دفع واشنطن إلى مراجعة استراتيجياتها الأمنية، من خلال توسيع تعاون أمني مع الجزائر لمواجهة التحديات المشتركة".
ورأى ميزاب أن تصريحات قائد "أفريكوم" تعكس رغبة أميركية في تعزيز دورها في الساحل الأفريقي بعد الانسحاب التدرجي لفرنسا، لكنها تفضل تحقيق ذلك عبر شراكات محلية بدل الانتشار مما جعلها تراهن على الجزائر، مؤكداً أن وصف الولايات المتحدة الجزائر بأنها "بلد رائد" يؤكد أن واشنطن ترى فيها شريكة محورية، مما يفتح الباب أمام تعاون أمني موسع يشمل التدريب وتبادل المعلومات ودعم القدرات العسكرية الجزائرية، إضافة إلى محاولة خلق توازن في المنطقة، وأضاف أن حدود التعاون بين البلدين تتحدد وفق العقيدة الدفاعية الجزائرية الواضحة، إذ ترفض الجزائر أي وجود عسكري أجنبي على أراضيها أو أي عسكرة للمنطقة، وختم أن تعميق الشراكة مع واشنطن لا يعني استبدال الولايات المتحدة بروسيا كون موسكو لا تزال الشريكة الأبرز للجزائر.
رفض استمرار العلاقات مع روسيا بصورتها الحالية
وبالحديث عن العلاقات الجزائرية - الروسية، فقد شهدت فتوراً منذ أشهر، بسبب دعم موسكو المجلس العسكري في مالي، فضلاً عن وجود مجموعة "فاغنر" أو ما يسمى الفيلق الروسي – الأفريقي، ومشاركتها في عدد من المواجهات المسلحة إلى جانب القوات الحكومية المالية ضد الفصائل الأزوادية قرب حدود الجزائر، إلى جانب تأخر موسكو عن الاستثمار في الجزائر، مقابل ضخ شركاء آخرين عشرات المليارات من الدولارات في قطاعات عدة مثل الصين وإيطاليا وتركيا وقطر وسلطنة عمان ومصر.
وعلى رغم أن الجزائر حافظت على روابطها التاريخية والاستراتيجية مع روسيا، فإنها غيرت بوصلتها نحو جهات عدة مثل الهند وألمانيا وبريطانيا وغيرها، تعبيراً عن رفض استمرار العلاقات الجزائرية - الروسية بصورتها الحالية.