ملخص
يرى مراقبون أن مناقشة البرلمان الأردني لقانون يمنع تهجير الفلسطينيين إلى المملكة ومنحه صفة الاستعجال، يعد بمثابة رسالة سياسية لإسرائيل، عدا عن كونه تحصيناً سياسياً داخلياً ضد أي ضغوط مستقبلية تتعلق باستيعاب لاجئين جدد.
في مواجهة الإصرار الأميركي على فرض واقع جديد في المنطقة، دفع الأردن بكل ثقله السياسي والدبلوماسي لصد محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتمرير خطته الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين من غزة نحو الدول المجاورة، وعلى رأسها الأردن ومصر.
وباعتباره أحد الأطراف الأكثر تأثراً بتداعيات أي تحولات كبرى في القضية الفلسطينية، تبنى الأردن مواقف حاسمة لأي سيناريو من شأنه تغيير التوازنات الديموغرافية والجيوسياسية في المنطقة، مستنداً إلى قرارات سياسية وتشريعات داخلية وتحركات عسكرية على الأرض، بموازاة زيارة قام بها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن والبيت الأبيض للهدف نفسه، حيث وصف مراقبون إجابات الملك على أسئلة المؤتمر الصحافي مع ترمب بأنها كانت أشبه بـ"سجال حاد ومراوغة سياسية".
تحركات داخلية ورسائل
شهدت الساحة الأردنية تحركات لافتة على المستويين السياسي والعسكري، حيث ناقش البرلمان الأردني قانوناً يمنع ويجرم تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى المملكة، في خطوة تعكس حجم القلق المتزايد في البلاد من أي سيناريوهات مستقبلية لفرض فكرة "الوطن البديل" للفلسطينيين في الأردن، تزامناً مع تحركات عسكرية ملحوظة، حيث عزز الجيش الأردني انتشاره على الحدود مع إسرائيل تحسباً لأي تداعيات أمنية غير مسبوقة، فضلاً عن التطورات غير المسبوقة في الضفة الغربية، التي قد تؤدي إلى موجات نزوح قسرية.
يرى مراقبون أن مناقشة البرلمان الأردني قانوناً يمنع تهجير الفلسطينيين إلى المملكة ومنحه صفة الاستعجال، يعد بمثابة رسالة سياسية لإسرائيل، عدا عن كونه تحصيناً سياسياً داخلياً ضد أي ضغوط مستقبلية تتعلق باستيعاب لاجئين جدد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفقاً لمشروع القانون الذي سمي "قانون منع تهجير الفلسطينيين إلى أراضي المملكة الأردنية الهاشمية"، "يمنع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى أراضي المملكة الأردنية الهاشمية، ورئيس الوزراء والوزراء مكلفون بتنفيذ أحكام القانون".
وينص المشروع في مادته الأولى على حظر تهجير، أو ترحيل، أو توطين الفلسطينيين داخل الأردن، فيما تمنع المادة الثانية أية جهة، سواء كانت حكومية أو أهلية، محلية أو خارجية، من التحريض أو التشجيع على تهجير الفلسطينيين بأي شكل من الأشكال، سواء بالقول أو الفعل أو الكتابة أو الإعلام أو بأية وسيلة أخرى من وسائل التعبير.
أما المادة الثالثة، فتؤكد أن مخالفة هذا القانون هو جناية يعاقب عليها بالسجن والغرامة والعزل من الوظيفة، بينما تلزم المادة الرابعة الحكومة، ممثلة برئيس الوزراء والوزراء، بتنفيذ أحكام القانون لضمان الالتزام به وتطبيقه.
زخم قانوني وعسكري
يؤكد المتخصص في مجال القانون الدولي ليث نصراوين، أن مشروع القانون الأردني الذي يحظر التهجير إلى الأردن وتبحثه اللجنة القانونية في مجلس النواب، يعطي زخماً ودعماً للموقف الرسمي، وهو سلاح وطني تشريعي ممثل بالقانون. مضيفاً "هذا التشريع سيمر في مراحله الدستورية، ومن شأنه أن يعزز من فكرة القانون في الدولة".
أما رئيس اللجنة القانونية النيابية النائب مصطفى العماوي، فيَعُد أن مواد القانون المقترح ستجري دراستها بحيث تكون متوائمة مع الدستور، وتراعي قوانين حماية الأفراد وحقوق الملكية والمواطنة وغيرها.
ويؤكد رئيس لجنة فلسطين النيابية سليمان السعود، أن تمرير مقترح القانون بمراحله الدستورية يعني تنفيذه مهما كانت الكلفة، وأن الخطوة الأخيرة لإنفاذه هي مصادقة الملك ونشره في الصحيفة الرسمية.
في موازاة القانون، تأتي التحركات العسكرية الأردنية على الحدود مع إسرائيل، لتعبر عن الخشية من موجات نزوح جماعي جراء التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية.
ويقول متخصصون عسكريون، إن الأردن معني أيضاً بمراقبة التحركات العسكرية الإسرائيلية بعد تشكيل لواء عسكري خاص قرب الحدود الأردنية استعداداً لأي اختراقات أمنية، وتأكيداً على السيادة الأردنية.
ويعتقد مراقبون أن الأردن سيسعى إلى توسيع حراكه الإقليمي وبناء تحالفات إقليمية لمواجهة أي تحرك إسرائيلي قد يهدد استقراره.
خطة مصرية- فلسطينية
سياسياً قال وزير الخارجية أيمن الصفدي، في أعقاب لقاء العاهل الأردني وترمب في واشنطن، "استمعنا للخطة الأميركية وقلنا لهم عن خطة عربية ستقدم، والمفاوضات مستمرة".
وبين الصفدي أن الملك عبدالله الثاني قدم الموقف الأردني بكل وضوح، وأكد أن الأردن سيعمل وفق مصالحه، وهي أن الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين.
وأضاف أن الأردن أوضح للإدارة الأميركية أن ثمة خطة عربية- مصرية- فلسطينية، من أجل إعادة بناء قطاع غزة من دون تهجير الشعب الفلسطيني منه.
أكد المحلل السياسي عامر السبايلة، أن الأردن سيظل شريكاً لا غنى عنه في أي ترتيبات إقليمية مستقبلية، فهو قادر على تقديم قيمة مضافة في الملفات الاستراتيجية التي تهم الولايات المتحدة، بدءاً من مكافحة الإرهاب، مروراً بإدارة الأزمات الإقليمية.
وحول الشراكة مع الولايات المتحدة قال السبايلة، إن الأردن يريدها ألا تكون محكومة فقط بالاعتبارات الدبلوماسية التقليدية، وإنما بما يحفظ التوازنات الإقليمية والاستراتيجية التي تحمي المصالح الأردنية.
أما المحلل السياسي حسن البراري، فرأى أن الخطة الأميركية لتهجير الغزاويين ترتقي إلى مستوى التهديد الوجودي للأردن، ومسألة تمس جوهر الأمن القومي الأردني الذي يتداخل مع مسار القضية الفلسطينية.
وأضاف أن أي محاولة لإعادة صياغة الواقع الديموغرافي أو إحداث تغييرات قسرية في البنية الجغرافية للمنطقة ستفضي إلى اختلالات كارثية في معادلات الاستقرار والتوازنات الإقليمية، مؤكداً أن الأردن يمتلك أدوات ضغط استراتيجية كالمنظومة العسكرية والأمنية الأردنية والوجود العسكري الأميركي في الأردن، المتمثل في انتشار القواعد العسكرية الاستراتيجية.
تاريخ من التوتر
وشهدت العلاقة بين الأردن وإسرائيل محطات متباينة تراوحت ما بين المواجهة العسكرية والحذر، بدءاً من حرب 1948 أو ما سمي "النكبة"، حيث استقبل الأردن أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، وتمكن من فرض سيطرته على الضفة الغربية والقدس الشرقية حتى عام 1967.
لكن احتلال إسرائيل للضفة الغربية عُد ضربة استراتيجية للأردن، ودفعه لاحقاً إلى إعلان فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة عام 1988، وفي عام 1994 وقع الأردن اتفاقية "وادي عربة" للسلام مع إسرائيل، لكنها لم تكن كفيلة بخلق حال سلام دافئ، بل ظلت محفوفة بالحذر والتوتر، لا سيما مع سيطرة حكومات اليمين الإسرائيلي التي تبنت تصعيد الاستيطان الإسرائيلي والانتهاكات في المسجد الأقصى خلال العقد الأخير تحديداً.
وفي عام 2020 رفض الأردن خطة "صفقة القرن" وأية حلول لتصفية القضية الفلسطينية على حساب المملكة.