ملخص
يقول علي الشحود إن هؤلاء، وهم "سوريون يتحدثون بلهجة حموية"، جالوا على منازل يقطنها علويون وأخرجوا منها نحو 15 شاباً "وأطلقوا النار علينا عشوائياً... أمام النساء والأطفال".
جثت نسرين عز الدين بأسى جوار ثلاثة قبور داخل حديقة منزلها رصفت حولها الحجارة ووضع عليها بخور وورد ذابلة، وفيها يرقد ابنها وزوجها وابن شقيقته الذين قتلهم مسلحون "أجانب" في منطقة يقطنها علويون غرب سوريا.
في مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، توجه زوجها عمار وابنهما موسى وابن شقيقة الزوج محمد، على متن دراجة نارية إلى حقل زيتون قرب قرية عين الشرقية داخل المنطقة الساحلية ذات الغالبية العلوية، التي انتمى إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد.
غير بعيد من الحقل، كان هناك مسلحون تؤكد عز الدين (48 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية أنهم "من فصائل متشددة، أجانب لا نعرف من أين أتوا، وملثمون".
"صار إطلاق نار كثيفاً عليهم"
وتتابع السيدة النحيلة وقد غلبتها الدموع "صار إطلاق نار كثيفاً عليهم".
وبصوت خافت، تشير عز الدين إلى أن زوجها كان موظفاً في القطاع العام بينما لم يتجاوز ابنها وقريبه الـ18 من العمر. وتضيف "كانا السنة بكالوريا (ثانوية عامة)".
عقب إسقاط الأسد خلال الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، يؤكد علويون تعرضهم لاعتداءات خلفيتها دينية.
ومن جهتها، تعمل السلطات الجديدة بقيادة "هيئة تحرير الشام"، على محاولة طمأنة الأقليات، وتدين أعمالاً "إجرامية" و"خارجين عن القانون"، وتتعهد ملاحقة المرتكبين.
على رغم ذلك، لا تزال عز الدين وعائلتها تنتظر معرفة من قتل أحباءها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يبلغ تعداد العلويين نحو 1.7 مليون نسمة، ويشكلون نحو تسعة في المئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية. وعلى مدى العقود الماضية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد ونجله بشار، اعتبر العلويون ركيزة أساس للحكم، وحضروا في مراكز أساس داخل القطاع العام والمؤسسات العسكرية والأمنية التي كثيراً ما اعتمدت الاعتقال والتعذيب والترهيب أساليب لقمع أية معارضة.
في المنزل المتواضع لعز الدين تجمع أفراد من العائلة في غرفة المعيشة المطلة على الحديقة. وفي حين يؤكدون أن بعض أقاربهم كانوا عسكريين سابقاً، ككثيرين من أبناء الساحل، يشددون على أنه لم تكن للضحايا علاقة بذلك.
تحقيق
ويؤكد أفراد من العائلة أن السلطات فتحت تحقيقاً، دون أن تعرف نتائجه.
ويوضح علي إسماعيل (30 سنة) "تلقينا وعوداً بأنه ستتم ملاحقتهم ومحاسبتهم، لكن لم نر أي شيء ولا أية خطوة جبارة".
وبعد سقوط الأسد، اختار إسماعيل وهو مهندس كهرباء أن يترك حلب كبرى مدن شمال سوريا، وحيث كان يقيم منذ 10 أعوام، ويعود إلى المناطق الساحلية في غرب البلاد حيث يتركز العلويون.
ومثل كثيرين، خشي إسماعيل أن يتعرض لاعتداءات انتقامية على خلفية الربط بين الأسد وأبناء الطائفة، حتى في حال لم يكونوا من مناصري النظام.
وأوضح "في أية منطقة وفي أية مدينة، تعرضت الطائفة العلوية لما يشبه هجوماً من الاتهامات، أنت علوي (يعني) أنت مع النظام... أنت علوي معنى ذلك (أنك) مجرم كنت مقاتلاً مع بشار الأسد".
حملات أمنية
وخلال الأسابيع الماضية، أعلنت السلطات الجديدة تنفيذ حملات أمنية بهدف ملاحقة "فلول النظام" السابق، شملت مناطق يقطنها علويون خصوصاً وسط البلاد وغربها، حيث أوقف اثنان من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين.
عند مدخل مدينة جبلة ذات الغالبية العلوية قرب الساحل، يقيم عناصر أمن ملثمون بزيهم الأسود حاجزاً تعرض في أواخر يناير لإطلاق نار أسفر عن مقتل شخصين وإصابة ثلاثة.
ويقول مسؤول إدارة الأمن العام في المنطقة أحمد عبدالرحمن إن من يقف خلف ذلك هم عناصر "كانت ضمن صفوف النظام أو عناصر كانت تتبع لميليشيات للنظام"، مضيفاً أنها "شخصيات تعرف أنها... ستحاكم بسبب الجرائم (التي ارتكبوها)، فدائماً يسعون إلى زعزعة الأمن وبث الفوضى وعدم الاستقرار".
"إعدام وأعمال انتقام"
ومنذ الثامن من ديسمبر، أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان أكثر من 240 حالة "إعدام وأعمال انتقام"، خصوصاً في محافظتي حمص وحماة.
وقال الرئيس السوري أحمد الشرع في مقابلة بُثت الإثنين إن النظام السابق عمل "على تقسيم المجتمع من خلال الاعتماد على فئات معينة... استخدمها ضد فئات أخرى"، معتبراً أن ذلك جعل "احتمالية حصول حرب أهلية كبيرة جداً ووقوع عمليات انتقام كبيرة جداً".
وشدد على أن "الدولة تشكل ضمانة لكل الطوائف"، وأن السلم الأهلي "ليس رفاهية اليوم في سوريا بل واجب على السوريين".
وفي بلدة سلحب في غرب محافظة حماة يحتسي رجال القهوة، على هامش مراسم تشييع أشخاص قضوا بإطلاق نار من مسلحين في قرية العنز شرق المحافظة.
ويقول علي الشحود إن هؤلاء وهم "سوريون يتحدثون بلهجة حموية"، جالوا على منازل يقطنها علويون وأخرجوا منها نحو 15 شاباً "وأطلقوا النار علينا عشوائياً... أمام النساء والأطفال".
قُتل خمسة وجُرح خمسة، بينهم الشحود الذي أصيب في الكتف والساق، لكنه خسر شقيقه وابنه البالغ 15 سنة ووالده (75 سنة) وعمه الثمانيني.
ويقول رجب المحمد وهو من سكان القرية، إن المسلحين سرقوا هواتف نقالة بهدف "التغطية" على ما قاموا به "لكي يقال إنهم سارقون، وليس إنهم أطلقوا النار علينا لأننا علويون".
وينفي المحمد أي ارتباط بالأجهزة العسكرية والأمنية للأسد، موضحاً "لا يوجد لدينا سلاح... لو كان كذلك لما تركت أبي وأخي وابني يقتلون".
أعمال انتقامية
بعد أن أقاموا فيها لفترات طويلة، اضطر عدد من العلويين لترك بلدات في محافظات مختلطة طائفياً مثل حمص وحماة، خوفاً من أعمال انتقامية.
ومن هؤلاء سكان قرية الزغبة شرق محافظة حمص مثل علي المحمد المسؤول البلدي السابق الذي انتقل إلى سلحب.
ويقول المحمد لوكالة الصحافة الفرنسية "حمص وحماة هما المحافظتان الأكثر تنوعاً طائفياً... هذه المشكلات تحصل من أجل القضاء على فكرة العيش المشترك".