Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماركو روبيو... اللاتيني الحالم بالبيت الأبيض

من ابن لمهاجرين كوبيين إلى أول وزير خارجية لأميركا من هذه الأصول

ولد مارك أنطونيو روبيو في ميامي بولاية فلوريدا الأميركية في الـ28 من مايو 1971 (رويترز)

ملخص

مؤكد أن ماركو روبيو له توجهات خاصة لجهة الشرق الأوسط والعالم العربي، والصراع العربي - الإسرائيلي، عطفاً على مستقبل القضية الفلسطينية، ناهيك بما يجري في سوريا، ومواقف خاصة من الإرهاب "الداعشي" و"القاعدي"، وكثير من الملفات المتشابكة بين واشنطن والشرق الأوسط.

"إن الطريق الذي أوصلني إلى هذه اللحظة قد مهده لي أولئك الذين ليسوا هنا معنا اليوم، ومن خلال والدين وصلا إلى هنا في الـ27 من مايو (أيار) عام 1956 من كوبا، ولم يكن لديهما سوى أحلام أفضل لحياة أفضل، وبفضلهما حظيت بامتياز أن أولد مواطناً لأعظم أمة في تاريخ البشرية، وأن أترعرع في منزل آمن ومستقر على يد والدين جعلا مستقبل أبنائهما هو الهدف الحقيقي لحياتهما".

بهذه الكلمات استهل وزير الخارجية الأميركي الجديد ماركو روبيو كلمته الافتتاحية، خلال جلسة تأكيد تعيينه في مجلس الشيوخ الأميركي، التي أظهر فيها توافقاً تاماً مع الرئيس دونالد ترمب، هذا الذي حاول أن ينافسه في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016.

 

وبدا واضحاً أن ماركو من المؤمنين بفكرة الاستثنائية الأميركية، وأنه كما قادت الولايات المتحدة الأميركية العالم في نهاية الحرب العالمية الثانية، عبر إنشائها نظاماً عالمياً حال دون الفوضى والانهيار، فإنها مدعوة اليوم، بالقدر ذاته، إلى أن تعيد الكرَّة مرة جديدة، من أجل ازدهار عالمي غير مسبوق.

الذين استمعوا إلى روبيو يكاد أن يجزموا بثقة الرجل في طرح المفكر الياباني الأصل الأميركي الجنسية فرنسيس فوكوياما، ذلك أن وزير الخارجية الجديد، تكاد تسيطر عليه نزعة "أميركا كمثال لنهاية التاريخ"، ودورها المصيري في توجيه دفة العالم، وفي الأمرين يبدو قريباً جداً، وشديد الشبه من الرئيس ترمب الذي دلف إلى البيت الأبيض عبر منظور "أميركا أولاً"، مما دفع كثيراً من ثقات المفكرين الأميركيين للقول إن الرئاسة الحالية قاب قوسين أو أدنى من القول بـ"الرايخ الأميركي"، على غرار الرايخ الألماني الذي حلم به هتلر.

وتبدو كلمات روبيو في خطاب التنصيب بمثابة خريطة طريق لعمل الخارجية الأميركية خلال الأعوام الأربعة المقبلة، والرجل نصب عينيه إعطاء الأولوية للمصالح الأميركية فوق أي مصلحة عالمية أخرى.

من هو روبيو الآتي من بعيد؟ وماذا عن أفكاره ورؤاه؟ وكيف سيمضي العالم مع توجهاته التي يغلب عليها الطابع الشقاقي لا الوفاقي كما يتضح من مواقفه وتصريحاته حتى الساعة؟

روبيو والأسرة الهاربة من كوبا

ولد مارك أنطونيو روبيو في ميامي بولاية فلوريدا الأميركية في الـ28 من مايو 1971، لأبوين هاجرا من كوبا إلى الولايات المتحدة الأميركية بشكل نظامي عام 1956.

ومن الواضح أن كوبا الشيوعية كانت طاردة في ذلك الوقت، وحتى قبل أن يصل فيدل كاسترو إلى الحكم، فيما كان الحلم الأميركي يطارد الجيران من حول الولايات المتحدة قبل بقية العالم.

في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن تصريحات روبيو السابقة بأن والديه أجبرا على مغادرة كوبا عام 1959، بعد تولي كاسترو السلطة، كانت كاذبة، فقد غادر والداه أثناء ديكتاتورية فولغينسيو باتيستا.

 

سريعاً ما أثبت الصبي روبيو أنه واعد جداً في الحياة العامة، وذلك عبر تفوقه في الحياة الدراسية، ذلك أنه بعدما تخرج في كلية "سانتا في" المجتمعية، في "غينزفيل" بولاية فلوريدا، حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة "فلوريدا" عام 1993، ثم درجة الدكتوراه في القانون بامتياز من كلية الحقوق بجامعة "ميامي" عام 1996 .

كثيراً ما حاجج روبيو بواقعية الحلم الأميركي، ذاك الذي قدر له أن يتحصل على قروض مالية لإكمال دراسته بلغت نحو 100 ألف دولار ظل يسددها حتى عام 2012، أي حين كان ملء السمع والبصر.

وأثناء دراسته القانون، تدرب روبيو مع النائبة الأميركية إيلينا روس ليهتنين، وعمل في الحملة الرئاسية لعام 1996 للسيناتور الجمهوري بوب دول، وفي أبريل (نيسان) 1998 كان يضع قدميه على بداية الحياة السياسية العامة، فمع انتهائه من دراسة الحقوق انتخب روبيو لشغل منصب مفوض مدينة ويست ميامي، وأصبح عضواً في مجلس النواب بولاية فلوريدا في أوائل عام 2000.

وعبر 15 عاماً من العمل السياسي الجاد في أروقة الولاية، سيصل روبيو في 2010 إلى مجلس الشيوخ الأميركي، وبحلول 2016 ستداعب مخيلته أحلام الرئاسة الأميركية والوصول إلى البيت الأبيض، لكن تسونامي ترمب الجامح كان كفيلاً بأن يقصيه بعيداً، وإن لم يجعله يتوارى، فقد ظهرت على محياه ملامح الحضور السياسي الواعد، وعلى رغم الخلافات مع ترمب، فلم يمنع ذلك من اختياره وزيراً لخارجية الولايات المتحدة، لولاية ثانية، مثيرة غالب الظن، للرئيس ترمب.

 

الخارجية وملامح روبيو الأولية

مع ساعات روبيو الأولى في وزارة الخارجية، بدأ الأميركيون والعالم يتساءلون عن ملامح ومعالم السياسات الأميركية في عهد الوزير الجديد، ومن الواضح أن روبيو سهل الأمر على الجميع، وكأنه كان بالفعل مستعداً لتلك اللحظة التي يعتلي فيها مقعد الوزير، فقد أصدر مذكرة جديدة لموظفيه، حصلت صحيفة "نات سيك ديلي" على نسخة منها، حدد فيها رؤيته التي تدور في فلك أفكار الرئيس ترمب لوزارة الخارجية، وفيها تطرق إلى كل شيء، بدءاً من إعادة التركيز على السياسة الخارجية، إلى حقائق التنافس بين القوى العظمى الناشئة اليوم، إلى التحول بعيداً من تغير المناخ، إلى إنهاء ممارسات التوظيف القائمة على التنوع والمساواة والاندماج.

وبدت مذكرة روبيو خالية من التفاصيل، لكنها قدمت رؤى مبكرة حول كيفية تخطيط كبير الدبلوماسيين في إدارة ترمب الجديدة، لإعادة توجيه أولويات الولايات المتحدة على الساحة العالمية، وكانت بمثابة الانطباع الأول لوزارة الخارجية عن رئيسها الجديد.

هل كتب روبيو رسائل أخرى تحدد اتجاهات الرياح الأميركية التي ستهب على العالم بأسره في قريب الأيام؟

في رسالة حساسة غير سرية، كتب روبيو إلى الدبلوماسيين يقول "قد يبدو وضع مصالحنا الوطنية الأساس كمهمة توجيهية لسياستنا الخارجية أمراً منطقياً، ولكن في الممارسة العملية يبدو أن هذه الرؤية ضاعت على مدى العقود الثلاثة الماضية".

هذه الكلمات تذكر بما قاله في جلسة تنصيبه من أن "أميركا وفي كثير من الأحيان كانت تعطي أولوية للنظام العالمي فوق مصالحنا الوطنية الأساس، فيما استمرت دول أخرى في التصرف بالطريقة التي كانت الدول تتصرف بها دائماً وستظل تتصرف بها دائماً، بما تراه يخدم مصالحها الفضلى، وبدلاً من الانتظام في النظام العالمي بعد الحرب الباردة تلاعبت به لخدمة مصالحها على حساب مصالحنا".

لقد ألقى روبيو باللوم على القادة في كلا الحزبين السياسيين الذين "بدأوا في افتراض تعريف متزايد للمصلحة الوطنية وإعطاء الأولوية للأشياء الخاطئة والتركيز على الأيديولوجية في مواجهة الحس السليم"، ونتيجة لهذا، قال روبيو "لقد أخطأنا في قراءة العالم، وتجاهلنا الاتجاهات الرئيسة، وخسرنا الأرض على المستوى الدولي"، لكن علامة الاستفهام الحقيقية بالتوقف أمامها "ما الذي يتضمنه جدول أعمال روبيو لتصحيح هذه الأخطاء المزعومة؟".

باختصار تبدو قضية الهجرة بالدرجة الأولى هي شغله الشاغل، ويقول المراقبون لتاريخ روبيو إنه على رغم كونه أبناء مهاجرين، فإنه يزايد على المزايدين، ويسعى إلى أن يضحى ملكياً أكثر من الملك.

وتبدو مشكلة الهجرة تشكل بالنسبة إلى روبيو أولوية قصوى، فقد كتب "لن تقوم الوزارة بعد الآن بأي أنشطة تسهل أو تشجع الهجرة الجماعية" من دون تحديد أنشطة وزارة الخارجية التي كان يشير إليها، وأضاف أن "التفاوض على إعادة المهاجرين غير الشرعيين" سيكون على رأس أولويات الوزارة. والثابت أنه بناءً على أمر تنفيذي من ترمب، فإن وزارة الخارجية الأميركية ستلغي برامج التنوع والمساواة والإدماج، التي كانت أولوية رئيسة لوزارة الخارجية في عهد إدارة جو بايدن، في سعيها إلى تحسين سجلها الكئيب في التنوع داخل وقتها العاملة.

 

أميركا وإعادة تقييم المساعدات للعالم

جرت العادة أن تمارس الإدارات الأميركية نفوذها حول العالم من طريق مسار من مسارين: المنح والهبات أو المعونات من جانب، والعقوبات بأنواعها عسكرية كانت أو سياسية وصولاً إلى الاقتصادية.

وكما كانت العقوبات الاقتصادية حاضرة أبداً ودوماً، فبالقدر نفسه تفاعلت الولايات المتحدة طويلاً من خلال نظرية "من اليد إلى الفم"، وقد كان لها أثر بالغ في تعزيز الحضور الأميركي حول العالم، لا سيما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حين بدأت بمشروع "مارشال"، واستمر الأمر وصولاً إلى استنقاذ دول أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. على أنه بدا من الغريب والعجيب أن يستهل وزير الخارجية الأميركي الجديد ماركو روبيو عمله بقرارات تتعلق بالوقف الفوري لجميع المساعدات الخارجية الأميركية تقريباً، وكان هذا هو القرار الأول لروبيو تحت ذريعة مراجعة ما إذا كانت متوافقة مع سياسات الرئيس ترمب، بحسب برقية داخلية اطلعت عليها صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، وهذه الخطوة من شأنها أن تؤثر في عقود المساعدات الدولية التي تديرها واشنطن، بما في ذلك من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وتمتد إلى دول حول العالم.

في البرقية التي أرسلها إلى وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، قال روبيو إن جميع عمليات صرف المساعدات الخارجية الجديدة ستعلق، وإن مسؤولي التعاقد ومسؤولي المنح سيحتاجون إلى إصدار أوامر بوقف العمل على الفور، حتى وقت يحدده الوزير بعد المراجعة.

ومن المتوقع أن تستمر فترة المراجعة مدة تصل إلى 85 يوماً، مما يترك مصير مئات العقود الخاصة بالمساعدات الخارجية الأميركية، التي بلغت قيمتها أكثر من 70 مليار دولار في السنة المالية 2022، معلقاً لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر.

هل هذا القرار يأتي منفصلاً عن توجهات الرئيس ترمب؟

بالقطع لا، ذلك أنه في الأيام الأولى من ولايته الثانية في البيت الأبيض اتخذ ترمب خطوات عدوانية لإعادة تشكيل وتوجيه جميع وكالات الحكومة الأميركية لتنفيذ سياساته.

ويتساءل المراقبون: هل ستعود المساعدات الأميركية كما كانت الحال من قبل؟ أي إنها ستأتي تحت شروط تلبية رؤى الرئيس ترمب وسياساته، عطفاً على تدابير تقليص الموازنة الفيدرالية الأميركية في حدود تريليوني دولار؟

المؤكد أن الجواب لن يطول انتظاره، ذلك أنه قبل مرور 100 يوم على وصول ترمب للمرة الثانية إلى البيت الأبيض، سيكتشف العالم مكانة روبيو المتقدمة في إدارة الرئيس الحالي، على أنه وإن كانت هذه هي إشارة أولية لتوجهات إدارة ترمب المالية نحو العالم عبر ذراع الخارجية، بقيادة ماركو روبيو، فماذا سيكون من شأن السياسات الأميركية الخارجية في زمن وزير الخارجية الأميركي اللاتيني الأصل في المدى الزمني المنظور؟

البراغماتية الأميركية والسياسات الخارجية

يبدو واضحاً للعيان أن رؤية روبيو لا تتجاوز القصور البراغماتي، ذاك الذي يتسق مع شعار الولايات المتحدة الأميركية عن "أميركا أولاً"، وبالغوص المعمق في فكر روبيو كما أعلن عنه في جلسة تأكيد تعيينه، يكتشف المرء أن الرجل يقطع بأن المشكلة الرئيسة في استراتيجية السياسة الخارجية الأميركية الحالية هي أنها فاشلة في حماية المصالح الوطنية للبلاد، مما يؤدي إلى انخفاض الرخاء المحلي في تقديره، عطفاً على أفضل فرص الردع ضد العدوان العالمي مما يؤدي إلى "دعوة الحرب".

هل يؤمن روبيو بنظرية "السلام من خلال القوة تلك التي تحدث عنها الرئيس ترمب خلال خطاب التنصيب رئيساً لأميركا لولاية ثانية؟".

من الواضح أن هذه الرؤية تمسك بتلابيب عقل روبيو، ففي أول يوم له في منصبه، التقى روبيو موظفي وزارته، كما التقى نظراءه من حلفاء منطقة المحيطين الهندي والهادئ الذين يهدفون إلى مواجهة الطموحات العسكرية والاقتصادية للصين.

وفي اليوم نفسه أخبر روبيو موظفي الخارجية أن مهمتهم هي الدعوة إلى السلام في جميع أنحاء العالم، لكنه أشار إلى أن هذا السلام يجب ألا يكون على حساب الأمن القومي الأميركي والمصالح الوطنية والقيم الأساس لأميركا كأمة وشعب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في جلسة تأكيد تعيينه قال روبيو "كل دولار ننفقه وكل برنامج نموله وكل سياسة نتبعها يجب أن يكون مبرراً بالإجابة عن أحد ثلاثة أسئلة: هل يجعل أميركا أكثر أماناً؟ وهل يجعل أميركا أقوى؟ وهل يجعل أميركا أكثر ازدهاراً؟"، على أن هناك من يرى أن توجهات روبيو على هذا النحو تكاد تميل نحو الانعزالية، فهل هناك صحة لهذا الحديث؟

ويرفض الوزير الجديد هذا الاتهام، وعنده أن وضع المصالح الوطنية الأساس الأميركية فوق كل شيء آخر ليس انعزالية، ويضيف "أن هناك اعترافاً واسع النطاق في جميع أنحاء أوروبا وعبر إدارات متعددة، سواء جمهورية أو ديمقراطية، بأن شركاءنا في حلف شمال الأطلسي، من أصحاب الاقتصادات الغنية والمتقدمة، في حاجة إلى المساهمة بصورة كبرى في دفاعهم، وفي نهاية المطاف في شراكة حلف شمال الأطلسي أيضاً"، ولعله من بين ملامح البراغماتية السياسية الأميركية، التي تتساوق مع رؤى ترمب، موقف روبيو من روسيا والأزمة الأوكرانية، كيف ذلك؟

الشاهد أن كثراً من أعضاء الكونغرس، شيوخاً ونواباً، قد طالبوا إدارة ترمب الجديدة بألا تخضع للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عملية إنهاء الحرب بين موسكو وكييف، هذه المطالبات منطلقها الخوف من الكيمياء الجيدة بين ترمب وبوتين كما يظن بعض المراقبين، وإن بدا أخيراً أنها ليست على المستوى المتوقع.

في هذا الإطار قال روبيو "تحقيق السلام على أرض الواقع ربما يتطلب بعض التنازلات من الجانبين"، ولمح إلى أنه من غير المرجح أن تتمكن أوكرانيا من استعادة كل أراضيها نظراً إلى فارق الحجم الجغرافي، وأضاف "ما فعله فلاديمير بوتين غير مقبول، ولا شك في ذلك، لكن هذه الحرب لا بد من أن تنتهي، والآن سيتطلب الأمر عملاً شاقاً لتحقيق هذه الخطة الرئيسة".

هل يسعى روبيو جاهداً إلى إغلاق ملف الصراع الأوكراني، حتى يمكن له أن يتفرغ لما يعتبره التحدي الحقيقي الذي يكاد يقوض عظمة أميركا في القرن الـ21، أو في الأقل يمثل بالنسبة إليها تحدياً بالغ الخطورة في الحال والاستقبال؟

الصين... تحدي روبيو القائم والقادم

لم يعد هناك شك في أن روبيو لا يحمل وداً للصين، وهذه مواقفه التي ظهرت خلال عضويته لمجلس الشيوخ طوال أعوام، وتأكدت من جديد خلال خمس ساعات هي زمن جلسة تأكيد تعيينه التي هيمنت فيها رؤيته عن العلاقة غير المتوازنة مع الصين، مما يصب شكلاً وموضوعاً في عمق رؤى وطروحات ترمب عينها .

يؤكد روبيو أنه وفي غياب تحولات سياسية سريعة وجوهرية ستظل الصين "التهديد الأكبر" للازدهار الأميركي في القرن الـ21 .

التقطت الصين مبكراً إشارات سياسات روبيو جهتها، من خلال لقائه الأول والسريع مع وزير الخارجية الياباني تاكيشي إيوايا، ووزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، ووزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ في وزارة الخارجية في اليوم الأول لإدارته.

هذه الرباعية تتعهد في الحل والترحال بمقاومة صعود الصين وبمنطقة يُحافظ فيها على سيادة القانون والقيم الديمقراطية والسيادة وسلامة الأراضي والدفاع عنها، كذلك فإن هؤلاء مجتمعين يعارضون بشدة أي إجراءات أحادية الجانب تسعى إلى تغيير الوضع الراهن بالقوة أو الإكراه.

 سريعاً بدأ تأثير روبيو، بل وأسرع مما يمكن لأحد أن يتصور، فقد أعلنت هذه الرباعية عزمها عقد قمة هذا العام في الهند، وهو ما يعني رحلة مبكرة لترمب إلى الشريك المتنامي للولايات المتحدة الذي غالباً ما ينظر إليه في واشنطن على أنه حصن ضد الصين .

هل كان لروبيو أن يغفل الصراع الصيني مع تايوان ودور الولايات المتحدة في دعم الأخيرة؟ في جلسة تأكيد تعيينه، تعهد روبيو بردع الصين عن غزو تايوان، الدولة الديمقراطية التي تتمتع بالحكم الذاتي والتي تدعي أنها تابعة لها.

 وخلال حملته الانتخابية أثار ترمب قلق تايوان عندما قال إنها في حاجة إلى دفع أموال الحماية للولايات المتحدة، لكن هل يعني ذلك أن واشنطن – ترمب يمكن أن تتخاذل عن دعم تايوان بسبب الشراكة المالية؟

 المؤكد أن هنا يظهر دور روبيو الأيديولوجي على السطح، وهو قادر على تقويم فهم الرئيس القادم من دائرة رجال الأعمال إلى مساقات الميكيافيللية السياسية، التي قامت عليها رؤى الآباء المؤسسين للجمهورية الأميركية.

لم تكن مواقف وتصريحات روبيو لتمر مرور الكرام على القيادة الصينية، فقد أصدر وزير الخارجية الصيني المخضرم تحذيراً مبطناً لوزير الخارجية الأميركي الجديد، في كلمات قليلة، لكن ذات أثر كبير وفاعل: "عليك أن تتصرف بصورة لائقة".

 قال وانغ لروبيو "آمل أن تتصرف وفقاً لذلك"، وهي عبارة صينية يستخدمها عادة المعلم أو المدير لتحذير الطالب أو الموظف من ضرورة التصرف وتحمل المسؤولية عن أفعاله .

ويبدو أن العبارة القصيرة كانت تستهدف انتقادات روبيو الصريحة للصين وسجلها في مجال حقوق الإنسان عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، مما دفع الحكومة الصينية وقتها إلى فرض عقوبات عليه مرتين، وما زاد التوتر بين الجانبين الرؤية الواضحة والصريحة غير المريحة لروبيو عن الصين في جلسة تعيينه أخيراً .

 هل ستكون العلاقات الصينية - الأميركية في عهد روبيو، أشد توجساً وربما قلقاً وتوتراً مما كان عليه الأمر في حضور أنتوني بلينكن وإدارة بايدن؟

مستقبل علاقات واشنطن بأميركا اللاتينية

أحد الأسئلة المهمة التي تطرح في شأن السياسات الخارجية الأميركية، ذاك المتعلق بمستقبل العلاقات بين واشنطن ودول أميركا اللاتينية، تلك التي ينتمي إليها الوزير الجديد، وليس سراً القول إن هناك تعقيدات كبيرة في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول القارة اللاتينية، ومرد ذلك سببان، الأول موصول بصورية الهجرات غير الشرعية التي تكاد تكون هاجس الرئيس ترمب الأول والأخير، والتمدد الصيني في القارة، مما يكاد يشعل حروباً عسكرية، وليس فقط مجرد خلافات سياسية، وعلى غير المصدق أن ينظر إلى أزمة بنما وما يجري هناك .

ويرى روبيو أن على رأس قائمة أولوياته الحد من الهجرة الجماعية وتأمين الحدود الأميركية، ووقف التدفقات البشرية المزعزعة للأمن والاستقرار، والتفاوض على إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى أوطانهم، لكن وعلى رغم ذلك التحدي فإن روبيو يتمتع بذكاء سياسي واضح، ذلك أنه يدرك تمام الإدراك أن كل مربع نفوذ تخليه واشنطن ستملأه بكين بسرعة غير مسبوقة.

وكتب روبيو في مجلة "ناشونال إنترست" عدد أبريل 2024 يقول "يتعين علينا أن نأخذ على محمل الجد فرص التعاون التي تقدمها دول مثل الإكوادور والسلفادور والأرجنتين وباراغواي وجمهورية الدومنيكان وبيرو وغويانا وكوستاريكا "، غير أن هناك في واقع الأمر عقبات عديدة في أميركا اللاتينية يتعين على إدارة ترمب التعاطي معها، قبل أن يقفز الدب الروسي ونظيره التنين الصيني، سعياً إلى احتلال مساحات جيوسياسية في الخلفية الجغرافية للولايات المتحدة.

 وأضاف "تشهد منطقتنا حالياً ست أزمات كبرى في الأقل، وتراوح هذه الأزمات ما بين الهجرة الجماعية غير المسبوقة على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، والانهيار الكامل للنظام الاجتماعي في هايتي، وتصاعد القمع الأميركي الحكومي في كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا "، على أن السؤال الأكثر إثارة في سياق التفتيش في ذهن روبيو "هل ستكون ولايته وبالاً على الدول التي تأخذ منها الولايات المتحدة موقفاً صارخاً؟".

في مقال نشر لروبيو عام 2020 في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية الذائعة الصيت، دافع روبيو عن دعم الولايات المتحدة حركات الاحتجاج الشعبية مثل الاحتجاجات المناهضة لرئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، هل يعني ذلك أننا سنشهد محاولات أميركية لإزاحة هذا القائد اللاتيني عما قريب؟

يرى روبيو أنه في حالة فنزويلا يتطلب تقويض حكومة مادورو استمرار الضغوط الأميركية على النظم من خلال تقييد عائداته من الطاقة، وهو عنصر حاسم في جهازه القمعي، بحسب المفهوم الأميركي، وعلاوة على ذلك فإن تحول فنزويلا إلى صديقة لخصوم الولايات المتحدة بما في ذلك إيران وروسيا والصين و"حزب الله" (وقت كان في أوج قوته) يرفعها إلى مرتبة التهديد الأمني الكبير للولايات المتحدة، وفي ضوء هذا ينبغي للبيت الأبيض أن ينظر في اتخاذ تدابير استثنائية بما في ذلك العمليات السرية والعلنية لإضعاف قدرة النظام على الصمود، هكذا رأى روبيو قبل أربعة أعوام، وغالب الظن أنه سيظل على مواقفه هذه في الأعوام الأربعة المقبلة من دون شك، والدليل على ذلك ما صرح به في مقابلة مع وكالة "يونيفيجين" عام 2023 بقوله "إنه لن يستبعد الخيار العسكري في فنزويلا"، وهو ما نقلته عنه مجلة "نيوزويك" الأميركية في طبعتها الإسبانية.

هل تلقي تلك التصريحات بتوجهات على قادم العلاقات مع بنما، لا سيما في ضوء نيات الرئيس ترمب إعادة قناتها الشهيرة التي تربط بين المحيطين الهادئ والأطلسي إلى النفوذ الأميركي؟ وفي شأن العلاقات المتوترة مع المكسيك، هل سيكتفي روبيو بفكرة العمليات العسكرية الخاصة في مواجهة كارتلات المخدرات، أم سيدعم فكرة عمل عسكري واسع النطاق؟

روبيو والعودة إلى مبدأ مونرو

يحتاج سبر أغوار فكر روبيو إلى أكثر من قراءة، لكن من الواضح للغاية أنه من أنصار "مبدأ مونرو"، أي أن يكون نصف الكرة الأرضية الغربي موالياً بالمطلق للولايات المتحدة الأميركية، ويعتبر أن الأمن في نصف الكرة الأرضية الغربي يفيد أميركا بصورة فعالة، ولهذا قدم خلال عضويته في مجلس الشيوخ قانون استراتيجية الأمن في نصف الكرة الغربي، الذي حظي ويحظى في واقع الأمر بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والذي من شأنه أن يزيد التعاون الأمني الثنائي والمتعدد الأطراف مع الدول الصديقة في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، فضلاً عن قانون مبادرة أمن حوض الكاريبي الذي يحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي .

لا يغفل روبيو أن أحد أهم ملفات إدارة ترمب الثانية تعزيز الوضع الاقتصادي والمالي للولايات المتحدة التي تقترب من حدود الـ40 تريليون دولار ديوناً عالمية بنهاية هذا العقد تقريباً، ولهذا فإنه يؤمن بأن أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي توفران فرصاً قيمة لتصدير المنتجات الأميركية، ويمكن أن تمثلا سبلاً آمنة لسلاسل التوريد، عوضاً عن التعاطي مع الدول الآسيوية البعيدة جغرافياً وديموغرافياً عن الولايات المتحدة.

المزيد من تقارير