Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كواليس الذكاء الاصطناعي الصيني وأخطار مصارحة روبوتات الدردشة

قليلون كانوا قد سمعوا عن "ديب سيك" قبل ظهوره الذي أحدث صدمات كبيرة في "وادي السيليكون"، نستعرض في التحقيق التالي الأسباب وراء القلق الذي يعتري الخبراء في سان فرانسيسكو.

مركز بيانات تابع لشركة "أمازون ويب سيرفيسز" في منطقة ستون ريدج، في الولاية الأميركية فرجينيا (غيتي)

ملخص

صعود "ديب سيك" الصيني أحدث صدمة في وادي السيليكون، مما زاد التوتر في سباق الذكاء الاصطناعي بين الصين وأميركا، وعلى رغم فوائد انتشار الذكاء الاصطناعي فإن هناك مخاوف أمنية واقتصادية، مع تأثيرات غير مؤكدة في مستقبل القوى العاملة.

ليس شائعاً خسارة نحو 600 مليار دولار (ما يساوي 483 مليار جنيه إسترليني) من قيمة أسهم شركة ما في يوم واحد، في الواقع، لم يشهد التاريخ حدثاً من هذا القبيل سابقاً.

كان هذا الشرف غير المرغوب فيه من نصيب "إنفيديا"، صانعة الشرائح الإلكترونية المتخصصة بالذكاء الاصطناعي وصاحبة القيمة السوقية الكبرى في العالم، عندما أصبحت أكبر ضحية لانهيار سجلته سوق الأسهم الإثنين الماضي بلغ تريليون دولار. والسبب؟ روبوت دردرشة مؤتمت من ابتكار شركة الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة "ديب سيك" DeepSeek، التي زعمت أن نموذجها الذكي الجديد "آر 1" (R1) ينافس أداء النماذج الذكية الأميركية الأكثر تطوراً بكلفة ضئيلة جداً.

إضافة إلى ذلك نشرت الشركة "الأوزان" weights الخاصة بالنموذج "آر 1" - مجموعة من الروابط الإحصائية [المعاملات الرياضية] التي يعتمد عليها روبوت الدردشة لتحديد كيفية استجابته أو فهمه المعلومات التي يتلقاها - بترخيص مفتوح الوصول إلى الجميع من دون قيود، مما يعني أن أي مستخدم يملك الجهاز الإلكتروني [مثل الحاسوب] المطلوب في مقدوره تشغيل نسخته الخاصة.

ويأتي ظهور "آر 1" في أعقاب سلسلة تطورات أخرى حققتها "ديب سيك" وشركات صينية أخرى، من بينها "بايت دانس" ByteDance مالكة "تيك توك"، في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد أثارت رد فعل محموماً بين بعض قادة التكنولوجيا في الولايات المتحدة. من بين هؤلاء المستثمر المغامر مارك أندريسن، الذي قال "نموذج آر من ديب سيك هو بمثابة ’صدمة سبوتنيك‘" Sputnik moment في الذكاء الاصطناعي [قفزة كبيرة وغير متوقعة تماماً كما حدث عند إطلاق الاتحاد السوفياتي أول قمر اصطناعي في العالم هو "سبوتينك 1" الذي فاجأ الولايات المتحدة وأثار قلقها]، كذلك قال أحد الموظفين في قسم الذكاء الاصطناعي لدى شركة "ميتا"، التي تمتلك "فيسبوك" و"إنستغرام" وقد اختار عدم الكشف عن اسمه، "نحن في حال من الذعر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نواه جاكوبسون، باحث في الذكاء الاصطناعي في سان فرانسيسكو عمل سابقاً لدى "أمازون"، يقول في هذا السياق: "كثيراً ما كانت الشركات [الصينية] متخلفة عن أحدث التطورات التكنولوجية في الولايات المتحدة [في مجال الذكاء الاصطناعي] ربما بنحو ستة أشهر إلى عام، ولكن مع ظهور "ديب سيك"، أعتقد أنها المرة الأولى التي تنتج فيها الصين نموذجاً يبدو على مستوى الابتكارات الأميركية نفسه".

تثير هذه الأنباء القلق لدى شركات أميركية عدة من قبيل "أوبن إي آي"، صانعة "تشات جي بي تي"، التي راهنت بصورة كبيرة على الكلفة المالية الضخمة في صنع نماذج الذكاء الاصطناعي وتشغيلها، مما أبعد الشركات الأخرى عن منافستها أو تهديد تفوقها.

أما بالنسبة إلى البقية منا، فتطرح هذه القفزة الصينية مخاوف تتعلق بالخصوصية والتجسس عبر الإنترنت أشبه، أو ربما أسوأ، من المخاوف المحيطة بـمنصة الفيديوهات القصيرة "تيك توك". كذلك أدى هذا التطور إلى تسريع وتيرة الحرب التكنولوجية المستمرة بين الصين والولايات المتحدة، علماً أن سباق التسلح التكنولوجي هذا من شأنه أن يفاقم كل الأخطار التي حذر منها منتقدو الذكاء الاصطناعي والمتشائمون في شأنه الذين يتوقعون أن يشكل أخطاراً جسيمة على المجتمع والبشرية.

في الواقع، "لا نعرف فعلاً كيف نحمل هذه الآلات على تنفيذ تعليماتنا وأوامرنا بدقة وبشكل موثوق"، قال غاري ماركوس، بروفيسور في علم الأعصاب ورجل أعمال مستثمر في مجال الذكاء الاصطناعي، علماً أنه أصبح أحد المشككين البارزين في الوعود والتوقعات المبالغ فيها حول إمكانات هذه الصناعة.

وأضاف "تطرح هذه الحقيقة مجموعة من الأخطار، خصوصاً أننا ما ننفك نربط هذه [الأنظمة] الذكية بعدد أكبر من الأشياء [الأجهزة والأنظمة الأخرى]... ربما تصبح أدوات "أوبن إي آي" الذكية جزءاً من اتخاذ القرارات العسكرية [قريباً]، وهذا القرار سيقود إلى عواقب سلبية لا محالة".

"لا مفر من انتشار الذكاء الاصطناعي الآن"

صحيح أن كثراً لم يعرفوا بوجود تطبيق الذكاء الاصطناعي الجديد هذا إلا الأسبوع الماضي، بيد أن الخبراء والعاملين في هذه الصناعة كانوا يراقبون "ديب سيك" باهتمام منذ فترة. في الواقع، أعرب عدد من خبراء الذكاء الاصطناعي الذين تحدثت إليهم في هذا المقال عن دهشتهم من حجم الضجة التي أثيرت حول النموذج الصيني هذا الأسبوع، ولكنهم مع ذلك أقروا بأن الشركة قد نجحت في تحقيق إنجاز كبير.

"ديب سيك" التي أُسست عام 2023 على يد ليانغ وينفنغ، مدير صندوق تحوط صيني [هاي فلاير]، تأمل، على غرار "أوبن إي آي" ومنافستها "أنتروبيك" Anthropic، في ابتكار نموذج ذكاء اصطناعي قادر في النهاية على منافسة البشر أو التفوق عليهم في أية مهمة، والمعروف باسم "الذكاء الاصطناعي العام" (اختصاراً "أي جي آي") (AGI) [وعموماً لدى هذا الشكل من الذكاء الاصطناعي مرونة "عقلية" شاملة لذا يمكنه أداء مجموعة واسعة من المهام المعقدة على نحو أشبه بالبشر أو ربما أفضل منهم على عكس الذكاء الاصطناعي المحدود المدرب على أداء مهمة محددة فقط مثل الترجمة أو التعرف إلى الصور].

في الواقع، يكمن الابتكار الكبير الذي توصلت إليه "ديب سيك" في اكتشاف حيل هندسية ذكية لتحقيق نتائج عالية الجودة باستخدام أجهزة مخصصة أقل تطوراً مقارنة بالأجهزة المتوافرة. معروف أن أفضل الشرائح الإلكترونية المخصصة للذكاء الاصطناعي تصنعها شركة "إنفيديا" Nvidia الأميركية، ولكن قانون "تشيبس والعلوم" (الشرائح والعلوم) الصادر عام 2022، علماً أنه قانون أميركي يرمي إلى تعزيز ريادة الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي، يحظر بيع هذه الشرائح للصين.

ولكن مع ذلك يبدو أن تلك القيود على التصدير وبدلاً من أن تعرقل أداءها فعلياً لم تؤدِّ إلا إلى تحفيز "ديب سيك" على تحقيق الاستفادة القصوى من شرائح إلكترونية أقل تطوراً وقوة (على رغم أن بعض رؤساء التكنولوجيا في الولايات المتحدة يتهمونها باستخدام شرائح إلكترونية متطورة جداً في معالجة الذكاء الاصطناعي بعد تهريبها بشكل غير قانوني وبسرية تامة). ومع ذلك كانت الصدمة الحقيقية، وفق المستثمر المغامر المتخصص في الذكاء الاصطناعي، نيك دافيدوف، عندما تفوق تطبيق "ديب سيك" على "تشات جي بي تي" واحتل قمة قائمة التطبيقات في متجر "آب ستور" الخاص بجهاز "آيفون". وكشف هذا التحول عن أن شركة أجنبية غير معروفة استطاعت أن تثبت قدرتها على الابتكار في مجال التكنولوجيا، بل إنها نجحت في اختراق السوق الأميركية والوصول إلى المستهلكين فيها.

تماماً شأن "تيك توك"، يطلب من "ديب سيك" تسليم بيانات المستخدمين إلى أجهزة الأمن الصينية عند الطلب. يتتبع التطبيق كل نقرة تقوم بها على لوحة المفاتيح ويخزنها على خوادم صينية، وقد تبين أخيراً أنه ترك بيانات المستخدمين مكشوفة ومتاحة على الإنترنت للجميع من دون حماية أو تشفير كافيين [مما يجعلها عرضة للوصول غير المصرح به].

ويكتسي هذا الأمر [خصوصية البيانات وأمن المعلومات] أهمية كبيرة، ذلك أن التفاصيل التي نتشاركها مع المساعدين القائمين على الذكاء الاصطناعي تكون أحياناً شخصية جداً. مثلاً، نستخدمهم كمعالجين نفسيين، أو أطباء، أو مدققين لغويين، أو مساعدين تنفيذيين، أو زملاء في العمل، أو أصدقاء، أو حتى شركاء عاطفيين.

يقول دافيدوف: "تشكل هذه المسألة مصدر قلق كبير. يجمع "تيك توك" بيانات ذات قيمة، ولكنها ليست بالأهمية نفسها مقارنة مع ما يكتبه المستخدمون لروبوتات الدردشة الخاصة بهم، إنها أسوأ بأشواط. سيلجأ مهندسو [البرمجيات] إلى تحميل الشيفرة المصدرية الخاصة بهم كاملة إلى هذه التطبيقات فقط لمحاولة اكتشاف الأخطاء البرمجية بصورة أكثر فاعلية". إذا كان المبرمج يعمل في مكان حساس، مثل محطة طاقة، أو في إحدى البنى التحتية الحيوية الأخرى، سيوفر هذا السلوك لحكومة معادية المعرفة اللازمة لتنفيذ هجوم سيبراني في المستقبل.

أحد الجوانب التي تجعل "آر 1" قابلاً للتطوير أن في المستطاع نسخه واستضافته بسهولة من جانب شركات في دول أخرى لا تربطها علاقة بالصين. ولكن تصبح مسألة الأمان أكثر إلحاحاً مع تقدم "ديب سيك"، إذ أثبتت إنجازاتها في المجال أن النماذج الأقل تطوراً يمكن تحسينها وتحويلها إلى نماذج ذكية متقدمة "قادرة على إجراء عمليات تفكير معقدة" في حال تزويدها بالبيانات الصحيحة. ولما كان "آر 1" مفتوح المصدر، يستطيع أي شخص نسخ أساليبه واستخدامها من دون أية رقابة أو قوانين منظمة.

جاك كلارك، المؤسس المشارك لشركة "أنتروبيك" المنافسة لـ"أوبن إي آي"، كتب الإثنين الماضي: "ظهور ديب سيك يعني أن انتشار الذكاء الاصطناعي أصبح محتوماً. لقد تقدمت قدرات الذكاء الاصطناعي على صعيد العالم خطوة كبيرة إلى الأمام لا رجوع فيها".

وعلى المدى القصير، يرى ماركوس أن هذا الانتشار سيجعل من الأصعب تصديق أية معلومات تقرأها أو محتوى تشاهده عبر الإنترنت. ومع انخفاض كلفة المحتوى المنشأ بتقنية "التزييف العميق" deepfake القائمة على الذكاء الاصطناعي، وروبوتات الدردشة المصممة للعمل على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مؤتمت [يمكنها نقر الإعجابات ونشر التعليقات أو حتى إنشاء حسابات وهمية لنشر الدعاية أو التلاعب بالرأي العام أو جمع البيانات] إلى مستوى قريب من الصفر، تنخفض أيضاً كلف تشغيل المجرمين الإلكترونيين عبر الإنترنت والجماعات التي تروج لمعلومات مضللة، وتجار الأكاذيب من أجل الربح.

أما على المدى الطويل، فيشكك كثير من الخبراء في أن الذكاء الاصطناعي سيحقق ذكاءً خارقاً واستقلالية في المستقبل القريب، ولكن من المؤكد أن سباق التسلح بين دولتين قويتين يقودهما زعيمان مستبدان من شأنه أن يعزز هذا الاحتمال. وينطبق الأمر نفسه على المشكلات التي نواجهها بالفعل، مثل الخوارزميات المتحيزة في نتائجها وغير الخاضعة للمساءلة [كالتحيز العنصري ضد المجتمعات السوداء الذي تسفر عنه عمليات اعتقال أكثر] أو الحالات الواسعة النطاق من السرقة الفكرية المزعومة.

في الواقع، كثر من مؤيدي مجال الذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون، من بينهم "أنصار تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه بكامل طاقته" الذين يريدون إطلاق العنان له باسم البشرية، يرون في نجاح "ديب سيك" علامة على ضرورة أن تتراجع الولايات المتحدة تماماً عن المخاوف في شأن القوانين التنظيمية الخاصة بالذكاء الاصطناعي وسلامة استخدامه، إذا أرادت الفوز على منافسيها في حرب التكنولوجيا.

ويرى كبير مسؤولي الأعمال في محرك البحث Perplexity "بيربلكستي" دميتري شيفيلينكو أن "الولايات المتحدة أطلقت النار على نفسها من دون داعٍ عندما صبت تركيزها بصورة مفرطة على سلامة استخدام الذكاء الاصطناعي، ولكن في الحقيقة يبقى الأهم امتلاك أفضل ذكاء اصطناعي، وأهم العقول المهارات، وإعطاء الأولوية لهما فوق التفاصيل الأخرى كافة".

ويشير شيفيلينكو أيضاً إلى القيود التي يفرضها كثير من شركات صناعة روبوتات الدردشة المؤتمتة في الولايات المتحدة على المناقشات حول الموضوعات الحساسة. ويقول في هذا الصدد: "إذا كنت تعطي الأولوية لذكاء اصطناعي لا يسيء لأحد، فأنت في الواقع تحد من قدراته بشكل جوهري، في هذه اللحظة الأجدر بنا التركيز على الأداء المطلق".

فائزون وخاسرون

في الوقت الحالي، يبدو أن الكيانات التي تكبدت كبرى الخسائر شركات أميركية رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي: "أوبن إي آي" وأنتروبيك" و"مايكروسوفت" وبدرجة أقل، "غوغل" و"ميتا"، التي كانت على مدى الأعوام الكثيرة الماضية قد توجهت نحو نهج تقليدي يبدو اليوم موضع شك.

كانت الفكرة السائدة، كما يقول جاكوبسون، أن الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي رهن بالحجم والنطاق الكبيرين: من طريق تدريب نماذج ذكية أكثر قوة (ومغلقة الأوزان [بمعنى أنها غير قابلة للوصول العام]) باستخدام أعداد أكبر من الأجهزة المتخصصة. من الناحية النظرية، من شأن الكلفة الباهظة لهذا التوسع أن تشكل ما يسميه وادي السيليكون "الحاجز"، أي السد الذي يحول دون أن تنسخ شركة أخرى أفكارك ببساطة.

وأوضح "في البداية، اعتقد الناس أن شركة تكنولوجية مهيمنة واحدة ستكون الرائدة في تطوير النماذج الذكية الأساس وتتسم بقدرات كبيرة تتفوق فيها على منافسيها. وظن كثر أنها ربما تكون ’أوبن إي آي‘". ويضيف "بالنسبة إلى الشركات الكبرى، سيناريو ’الفائز يأخذ كل شيء‘ قد يكون مهدداً للقطاع بأكمله، في حين أن استثمار عشرات الملايين سيكون غير مؤثر نسبياً".

وفي هذا العام وحده، تعتزم "ميتا" و"مايكروسوفت" إنفاق 60 مليار دولار (ما يساوي 48.3 مليار جنيه إسترليني) في أقل تقدير، و80 مليار دولار (ما يساوي 64 مليار جنيه إسترليني) على التوالي، في تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. وبدوره أعلن البيت الأبيض أخيراً عن مشروع مشترك بقيمة 500 مليار دولار (نحو 402 مليار جنيه إسترليني) بين "أوبن إي آي" و"أوراكل" Oracle والشركة اليابانية العملاقة المستثمرة "سوفت بنك" SoftBank. وفي الولايات المتحدة، فإن الطلب الكبير على الكهرباء الناتج من هذه المشاريع يؤثر سلباً في إمدادات الطاقة الكهربائية إلى منازل الناس، ويفاقم انبعاثات غازات الدفيئة الصادرة من شركات التكنولوجيا العملاقة، ويدفع نحو تطوير محطات جديدة للطاقة النووية.

لكن بعض الخبراء متشككون بالفعل في هذه الطفرة الاستثمارية، فقد تساءل نقاد أمثال ماركوس منذ فترة طويلة عما إذا كانت "أوبن إي آي" هي الأفضل حقاً في تطوير علوم الذكاء الاصطناعي، أم أنها فقط الأفضل في جمع الأموال؟

ويقول رائد الأعمال المخضرم في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات الذي تولى سابقاً الإشراف على برنامج تسليم طائرات "الدرون" لدى "أمازون"، غور كيمشي، إن "الحقيقة المرة أنه بالنسبة إلى كثير منا [مهندسي وعلماء الذكاء الاصطناعي القدامى]، نعتقد أن "أوبن إي آي"، متقاعسة في أدائها الهندسي".

وقد أظهرت "ديب سيك" للجميع كيف يمكن تحقيق نتائج مماثلة باستخدام موارد أقل بكثير. يقول ماركوس "أعتقد أن العالم منح كثيراً من النفوذ بناءً على وعود من شركات مثل ’أوبن إي آي‘ وأفراد مثل سام ألتمان، لكنهم لم يحققوا كثيراً فعلياً". ويضيف، "’ديب سيك‘ كشفت الحقيقة وأوضحت أن الإمبراطور قد لا يكون على ذاك القدر من القوة".

لكن هذا لا يعني أن الحجم ليس مهماً: كما يشير دافيدوف، من شأن خفض سعر الخدمة أن يزيد الطلب عليها بشكل كبير عبر توسيع دائرة الأشخاص القادرين على الوصول إليها (في ديناميكية معروفة لدى خبراء الاقتصاد باسم "مفارقة أو تأثير جيفونز" Jevons Paradox [بمعنى أنه عندما تصبح التقنية أكثر كفاءة يزيد الاستهلاك الإجمالي للموارد بدلاً من تقلصه]). وإذا استطعت تشغيل نموذج ذكاء اصطناعي بشكل أكثر كفاءة باستخدام شريحة إلكترونية منخفضة الجودة، ألن يكون من الأفضل تشغيله باستخدام شريحة إلكترونية فائقة الجودة؟

وفي رأي دافيدوف وشيفيلينكو، خفض كلفة الذكاء الاصطناعي وتحسين الكفاءة يسرعان عملية تحويل الذكاء الاصطناعي إلى "سلعة"، وأن العالم حيث سيكون العمال الاصطناعيون متاحين لأي شخص تقريباً مقابل أجر زهيد عالم مختلف تماماً عن عالمنا. وقد أشار بعض المتخصصين إلى أن هذه القفزة ستجعل قسماً كبيراً من القوى العاملة العالمية عاطلة عن العمل بشكل دائم، في حين يعتقد دافيدوف أنه في الأمد البعيد سيحرر الناس ببساطة [من المهام التقليدية أو التي تشكل مضيعة للوقت] لأداء وظائف جديدة ومختلفة. ويقول: "سيكون لكل شخص مدربه الشخصي، ومعالجه النفسي الشخصي، وطبيب الأسرة الشخصي".

ولكن تبقى كل هذه الآمال مرهونة بألا يسفر التنافس المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي عن نتائج كارثية تعيدنا إلى العصر الحجري.

© The Independent

المزيد من علوم