ملخص
ينعت كثر المغرب بـ"بلد أو عاصمة الواحات" في العالم بالنظر إلى اتساع هذا المجال الجغرافي والطبيعي والحيوي الذي يشغل، وفق معطيات رسمية، زهاء 15 في المئة من المساحة الكلية للبلاد، وتحديداً 226 ألف كيلومتر مربع.
تتخطى الواحات في المغرب كونها مناطق طبيعية خلابة فحسب، فهي أيضاً تراث حضاري وإنساني وكنز بيئي وتاريخي باذخ ورافعة اقتصادية مهمة لسكان المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية في الجنوب الشرقي للمملكة.
وتحظى الواحات في المغرب بجاذبية جغرافية وسياحية واقتصادية وبيئية، غير أنها بدأت تؤول إلى الاندثار لعوامل عدة حاسمة أبرزها الإهمال البشري والتغيرات المناخية والزحف العمراني والتلوث البيئي وزحف الرمال، وغيرها من الأخطار التي تحدق بكنز الواحات.
بلد الواحات
ينعت كثر المغرب بـ"بلد أو عاصمة الواحات" في العالم بالنظر إلى اتساع هذا المجال الجغرافي والطبيعي والحيوي الذي يشغل، وفق معطيات رسمية، زهاء 15 في المئة من المساحة الكلية للبلاد، وتحديداً 226 ألف كيلومتر مربع.
ومن أبرز الواحات المعروفة في المغرب واحات منطقة زاكورة الواقعة في جنوب شرقي البلاد، التي تتميز بطبيعتها الخلابة التي تجمع بين مناظر الصحراء وعوالم الخضرة، بفضل أشجار النخيل الباسقة التي تثمر أحد أفضل أنواع التمور في البلاد والعالم.
وتعد واحات منطقة درعة تافيلالت في الجنوب الشرقي للمملكة أكبر الواحات في البلاد، وهي بدورها تنعم بأشجار النخيل السامقة، وتمثل مورد رزق أساساً للسكان المحليين، خصوصاً النساء اللائي ينتظمن ضمن تعاونيات محلية لترويج المنتجات الزراعية المحلية كالتمور.
أما واحات منطقة طاطا بالجنوب الشرقي للمغرب فيمكن اعتبارها إحدى أجمل واحات البلاد من حيث مناظرها الطبيعية التي تزاوج بين "قساوة الصحراء" و"نعومة الماء"، غير أنها مثل "أخواتها" الواحات في مناطق الصحراء باتت تكابد مظاهر الاندثار وتقلص المجال الواحي.
وتعد واحة تودغى أيضاً إحدى أهم واحات المغرب، وتضم قصوراً وقصبات تقليدية مبنية من الطين المحلي، وهي منطقة تتزين بأشجار النخيل المثمرة والخضراوات وباقي الزراعات المحلية، كما أنها تشتهر بوجود شلالات تجذب آلاف السياح كل سنة.
أدوار بالجملة
تضطلع الواحات المغربية بعديد من الوظائف والأدوار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، فهي تتعدى كونها مجرد مناطق طبيعية جميلة، إذ تعد أداة أساسية من أدوات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحماية البيئية للمناطق الصحراوية وشبه الصحراوية.
يقول أحمد عوكاشا، وهو باحث في منظومة الواحات، إنه من الناحية الاقتصادية تشكل الواحة رافعة اقتصادية وتنموية محلية للساكنين، وخصوصاً النساء اللائي يعلن أسرهن من خلال الاشتغال بصورة ذاتية أو جماعية أو تعاونية عبر إنشاء تعاونيات محلية لتسويق المنتجات المحلية مثل التمور والمنتجات المرتبطة بها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتلعب الواحات، وفق الباحث ذاته، دوراً اقتصادياً بارزاً لفائدة الساكنة والمجتمعات المحلية، لأنها تتيح لها موارد رزق لا يستهان به بفضل تسويق التمور وأيضاً الخضراوات، وتصديرها إلى باقي الأسواق الجهوية والوطنية. كما أن هذه الواحات، وفق عوكاشا، توفر مورداً اقتصادياً معتبراً من خلال عملية جذب السياح إلى هذه الكنوز الطبيعية، حيث تستهوي الواحات السياح من محبي تسلق الجبال واستكشاف الطبيعة التي تجمع بين "مثلث الجبل والماء والصحراء"، والذين يتوافدون إلى هذه الواحات ويخلفون عوائد مالية تنتج فرص شغل لشباب تلك المناطق.
أما الأدوار الاجتماعية للواحات، وفقاً للمصدر ذاته، فتتجسد في كونها فضاءات تتيح العيش للأسر المحلية بامتهان الزراعة والرعي ومزاولة الحرف التقليدية والمهن اليدوية ضمن مجتمعات محلية ما زالت تحافظ على روابط التضامن ووشائج الانصهار الجغرافي والقبلي.
بيئياً، يكمل الباحث عينه، تضطلع الواحات بأدوار إيكولوجية لا محيد عنها، فهي تعد بمصابة "صمام أمان" ضد زحف الرمال على الأراضي الفلاحية، بالتالي مكافحة التصحر بفضل أنواع الأشجار، وخصوصاً النخيل، التي تضج بها الواحات. وأردف أن الواحات تعد فضاءات تجمع عديداً من الأنماط البيئية والنباتية والطبيعية في بوتقة واحدة ومنطقة جغرافية واحدة، وهو الشيء الذي يمنح الواحات ميزة خلق هذا التنوع الثري والغني الذي يفيد البيئة المحلية.
مشكلات الواحات
على رغم كل هذه الأدوار والوظائف المتعددة التي تقوم بها الواحات في المغرب، فإنها تتعرض منذ سنوات لعدد من الظروف والعوامل البشرية والطبيعية التي باتت تهدد وجود هذه الواحات.
يورد الباحث في البيئة أيوب كرير أن "الواحات نظام بيئي يؤوي تراثاً إنسانياً ثميناً وفريداً، لكنها تدفع ضريبة عوامل متعددة مثل التغيرات المناخية المتسارعة من قبيل الجفاف والتصحر وزحف الرمال، وأيضاً أسباب 'بشرية' مثل موجات الحرائق التي تلاحق هذه الواحات".
ويشرح كرير أن "أبرز إشكالات الواحات تتمثل في التغيرات المناخية، وتوالي سنوات الجفاف في الجنوب المغربي، وندرة المياه جراء الاستنزاف بفعل التدبير السيئ للسياسات العمومية، وأيضاً التصحر وتردي جودة التربة، علاوة على الضغط السكاني والزحف العمراني، من دون نسيان الحرائق التي تأتي على الأخضر واليابس وتلتهم آلاف الهكتارات في وقت وجيز". واستطرد، "الواحة تعد حزاماً أخضر يقف سداً مقاوماً لزحف رمال الصحراء، بالتالي أية خلخلة في مكافحة زحف الرمال يفضي إلى تدمير باقي مكونات المجال الواحي"، مبرزاً أن تدهور الواحات في البلاد يتسبب أيضاً في تنامي ظاهرة الهجرة لصعوبة تأقلم الشباب مع الأوضاع الصعبة في تلك المناطق.
ويرى الباحث البيئي أنه "يتعين إعادة النظر في التعامل مع هذا الكنز الطبيعي من خلال جعلها مناطق محمية بصورة كبيرة مثل المحميات الطبيعية، وأيضاً إعادة تكثيف هذا الوسط من خلال جلب مصادر المياه وترميم القصور والسواقي وتكثيف التشجير"، داعياً إلى "خلق فرص العمل لسكان الواحات من خلال وحدات صناعية ترتبط بمنتجاتها".
الأحزاب والحكومة
ليست الحرائق وحدها التي تفتك بالواحات المغربية، بل تضاف إليها الفيضانات التي فاجأت هذه المناطق في السنوات الأخيرة بسبب التغيرات المناخية التي تطاول المملكة، مما دفع عدداً من الأحزاب السياسية إلى دق ناقوس الخطر في شأن مستقبل الواحات.
وطالبت أحزاب مغربية السلطات الحكومية بضرورة سن سياسة حمائية لتحقيق التنمية المستدامة في الواحات بعد توالي الحرائق والفيضانات وإخراج ساكنيها من عزلتهم الاجتماعية.
واستحدث المغرب "الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات" التي تتبع وزارة الفلاحة من أجل دعم تنمية الواحات والعناية بها ومواجهة التحديات والإكراهات البشرية والمناخية التي تستهدفها خلال السنوات الأخيرة، وهي سنوات جفاف بالمملكة.
وأحدثت الحكومة "الاستراتيجية الوطنية لتنمية مناطق الواحات" عام 2030، والتي اعتمدت عام 2010 بقرار من العاهل المغربي الملك محمد السادس، ومهمتها توفير سبل تنمية هذه المناطق، غير أن وزير الفلاحة السابق محمد صديقي قرر قبل أشهر قليلة إلغاء هذه الاستراتيجية في انتظار طريقة جديدة أكثر نجاعة لتنمية وحماية الواحات من "غوائل الدهر".