Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران وترمب... القلق القاتل!

مواقف الرئيس الأميركي في خطاب تنصيبه أكدت أن الولاية الجديدة له هي استئناف لنظيرتها الأولى

إيران تعتقد أن من مصلحة الرئيس الأميركي الجديد ومصلحتها أيضاً ألا تذهب المنطقة إلى حرب واسعة (رويترز)

ملخص

الاستعداد الإيراني للتفاوض المباشر مع واشنطن وإحجام ترمب وإدارته عن الرد على الرسائل الإيرانية قد يكونان السبب في إلغاء الزيارة التي كانت مقررة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع مجلس الأمن حول التطورات الفلسطينية.

لم يترك المسؤولون الإيرانيون في الأسابيع الأخيرة أية مناسبة ولم يستغلوها من أجل توجيه رسائل إيجابية للإدارة الأميركية الجديدة، واستعداد إيران للحوار والتفاوض معها، وحتى إمكانية الذهاب إلى خيار تطبيع العلاقات بكل ما يعنيه من انفتاح وتعاون وعلاقات اقتصادية وتجارية.

في المقابل فإن الأصوات الإيرانية لم تجد أي تجاوب معها من جانب الإدارة الأميركية باستثناء إشارات خجولة صدرت بصورة غير رسمية، ولم تحمل أية وعود جدية بالحوار والتفاوض. بالتالي لم تحصل المواقف الإيرانية عائداً سوى رجع الصدى لأصواتها، وكأنها تصرخ في وادٍ لا قرار له.

مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب في خطاب تنصيبه، أو بعد تسلمه إدارة البيت الأبيض وجلوسه في المكتب البيضاوي، سواء في حديثه عن "السلام من خلال القوة"، أو القرارات التنفيذية التي وقعها، أكدت أن الولاية الجديدة له هي استئناف لولايته الأولى، وأنه على غير عجلة لاتخاذ موقف واضح في ما يتعلق بملف الأزمة المستمرة مع إيران، والاكتفاء بما صدر عن فريقه من مواقف من المفترض أن تؤدي دورها في إيصال رسالة حازمة إلى القيادة الإيرانية حول مستقبل التعاطي والتعامل معها.

الكلام الأميركي عن إمكانية وضع الملف الإيراني على طاولة البحث في فبراير (شباط) المقبل يعني أن الإدارة الجديدة قد أعطت نفسها مهلة أو فرصة لترتيب أوراقها في القضايا الأخرى التي تشكل أولوية لدى الرئيس، ومن ثم تجميع المعطيات نتيجة تداعيات الأحداث التي شهدتها منطقة غرب آسيا، ومسار المعادلات الجديدة التي ظهرت، والتي أفقدت إيران كثيراً من أوراق القوة والتفاوض.

واختيار فبراير قد لا يكون من باب الصدفة أو نتيجة ازدحام جدول أعمال الرئيس وفريقه، فهذا الشهر يتضمن الاحتفالات الإيرانية بمرور 45 عاماً على انتصار الثورة، والتي سيُحتفل بها في ظل تفاقم الأزمات والمشكلات الداخلية، وفي ظل أوضاع اقتصادية حادة يبدو من الصعب على الحكومة الجديدة، بقيادة الرئيس مسعود بزشيكان، وضع آليات سريعة لمعالجتها، فضلاً عن صعوبة معالجة الآثار السلبية للتطورات الإقليمية والخسائر الجيوسياسية والاستراتيجية التي أصابت المشروع الإيراني في منطقة غرب آسيا، وما فرضته خسارتها أوراق ومفاتيح القوة التي كانت تستخدمها في التفاوض مع المجتمع الدولي.

وفي ظل عملية الاغتيال لاثنين من كبار قضاة في السطلة القضائية الإيرانية، في وضح النهار وفي قلب العاصمة طهران، وانتحار المنفذ، قد يشكل رسالة واضحة لمنظومة السلطة في إيران عن حجم ومستوى التحديات التي قد تواجهها في الأشهر المقبلة، وأن هذه العملية قد لا تكون استثناءً، ما يعني إمكانية أن تتوسع بحيث يكون النظام في مواجهة موجة واسعة من الاضطرابات والعمليات الأمنية في مختلف المناطق، وإمكانية أن تترافق مع حراكات شعبية اعتراضية، مما قد يؤدي إلى اتساع حال عدم الاستقرار التي قد تكون بديلاً عن أي عمل عسكري من الخارج، بالتالي يتحول شهر الاحتفال بانتصار الثورة إلى شهر البحث عن مخارج تحفظ النظام. من هنا يمكن فهم كلام الرئيس الإيراني بأن إيران ليست غزة لتكون في معرض هجوم خارجي، وليست مثل سوريا لتشهد اضطرابات داخلية تطيح النظام، وأن هذا النظام على استعداد لمواجهة هذه التحديات بكل ما لديه من قوة وقدرة.

إيران تعتقد أن من مصلحة الرئيس الأميركي الجديد ومصلحتها أيضاً ألا تذهب المنطقة إلى حرب واسعة، بالتالي فإن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع ترمب وإدارته ممكنة شرط أن يكون هذه المرة قابلاً للحياة أكثر من اتفاق عام 2015، بخاصة أن ترمب قادر على تمريره في مجلسي النواب والشيوخ اللذين يسيطر عليهما الحزب الجمهوري. وانطلاقاً من هذه الرهانات جاء كلام بزشكيان عن عدم وجود أية مشكلة إيرانية في الجلوس إلى الطاولة مع الرئيس الأميركي، لكن الأزمة تكمن في مدى الثقة بالتزام الجانب الأميركي في ما يتم التوصل إليه، بخاصة أنها تسعى إلى اتفاق وتفاهم أكثر ثباتاً واستمرارية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأن يقوم بزشيكان بإزالة العلمين الأميركي والإسرائيلي عن أرضية المدخل المؤدي إلى مكاتب رئاسة الجمهورية فذلك يأتي انسجاماً مع الإرادة الشعبية التي برزت في الجماعات الإيرانية خلال انتفاضة سبتمبر (أيلول) 2021 بعد مقتل الفتاة مهسا أميني، ورفضها المرور أو الدوس على العلم الأميركي في مداخل الجامعات أو الكليات. وهذا التطور في رئاسة السلطة التنفيذية يشكل مؤشراً إلى وجود قراءة جديدة وبدايات تحول عقائدي واضح في الأيديولوجية الرسمية التي التزم بها النظام الإسلامي في العداء لأميركا، ومحاولته تقديم صورة مختلفة عما يكمن أن يكون عليه الموقف الإيراني مستقبلاً، بخاصة إذا ما استكمل بسحب التداول بشعار الموت لأميركا من التجمعات الشعبية والدينية، على رغم الأصوات المتشددة المعترضة على فعل رئيس الجمهورية، وإمكانية رفع وتيرة اعتراضها في حال سحب شعار الموت من التداول. وهي خطوة قد لا تبدو مستعصية إذا ما قورنت بسحب شعار "الموت لروسيا وبريطانيا" الذي كان يردد في مراحل سابقة من عمر النظام والثورة.

الاستعداد الإيراني للتفاوض المباشر مع واشنطن وإحجام ترمب وإدارته عن الرد على الرسائل الإيرانية، وحتى إعلان بعض الأطراف استعدادها للعب دور الوسيط لتسهيل هذا التواصل، وتحديداً سلطنة عمان، قد تكون السبب في إلغاء الزيارة التي كانت مقررة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع مجلس الأمن حول التطورات الفلسطينية.

وهذه الزيارة، وعلى رغم عنوانها المعلن، فإنه من المفترض أن تشهد أعمال اللقاء الرابع بين إيران والترويكا الأوروبية، الذي تعطل بانتظار اتضاح الموقف الذي ستكون عليه السياسة الخارجية للإدارة الجديدة ليُبنى على الشيء مقتضاه. وأي من السيناريوهات في التعامل مع إيران سيعتمدها ترمب؟ فهل سيعطي المسار الدبلوماسي والحوار فرصة لإثبات جدواه؟ أو سيذهب إلى سيناريو إعادة فرض العقوبات وزيادتها في حال فشل المسار الدبلوماسي عبر التعاون مع دول الترويكا الأوروبية القادرة وحدها على تفعيل آلية الزناد وإعادة تفعيل عقوبات مجلس الأمن؟

أما السيناريو الثالث فسيكون نتيجة طبيعية لفشل المسارين السابقين، أي الذهاب إلى خيار اعتماد التصعيد ودعم أي حراك داخلي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام وانتهاءً بإسقاطه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل