ملخص
تعد أزمة اللجوء الإنساني السورية من الأكثر حدة في التاريخ الحديث، إذ يوجد نحو 14 مليون سوري مبعد عن بلاده ما بين لاجئ ونازح، وهناك فئات عدة للاجئين ولكل منها تأثير اقتصادي مختلف، ومن المنطقي أن يكون الأكثر استعداداً وميلاً إلى العودة من لديه وضع غير جيد في بلد اللجوء، لذا سيكون قادماً بمتطلبات وليس لديه ما يقدمه لاقتصاد البلد حالياً.
تصنف أزمة اللجوء الإنساني السورية بأنها الأكثر حدة في التاريخ الحديث، إذ يوجد نحو 14 مليون سوري مبعد عن بلاده ما بين لاجئ ونازح، فقد تشتت السوريون في بقاع الأرض بحثاً عن ملاذ آمن، لكن دولاً معينة كانت هدفاً مشتركاً لملايين من السوريين، منها تركيا التي تجاوز عدد السوريين فيها 3 ملايين شخص، وألمانيا التي احتضنت نحو 700 ألف، بينما وصل لبنان نحو 780 ألف شخص في نسبة متقاربة مع الأردن الذي وصل عدد السوريين فيه إلى 680 ألف سوري، وتوزع العدد الباقي في العراق ومصر والنمسا وهولندا والسويد واليونان والولايات المتحدة، وفقاً لإحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
من جهة أخرى وصل عدد النازحين في الداخل السوري إلى 7 ملايين نازح، وصل عددهم في الشمال الغربي وحده إلى نحو 3 ملايين نازح يعيشون في مخيمات، وتوزع الباقي في شمال شرقي سوريا والعاصمة دمشق وريفها وحماة وحمص في الوسط واللاذقية في الشمال الغربي.
ماذا نعرف عن فئات اللاجئين السوريين؟
هناك فئات عدة للاجئين ولكل منها تأثير اقتصادي مختلف، ومن المنطقي أن يكون الأكثر استعداداً وميلاً إلى العودة من لديه وضع غير جيد في بلد اللجوء، لذا سيكون قادماً بمتطلبات وليس لديه ما يقدمه للبلد حالياً. أما رجال الأعمال وأصحاب الشركات والكفاءات التي تحتاج إليها سوريا فلا يبدو أنها ستغادر بسهولة قبل أن تتضح الرؤية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلاد، فالكفاءات السورية أثبتت حضورها وأهميتها في المشهد التنموي ككفاءات أجنبية، حتى إن الحكومات الأوروبية متمسكة بهم وستعمل وسعها لضمان عدم خسارتهم، خصوصاً إذا ما علمنا أنه في بلد مثل ألمانيا على سبيل المثال تأتي الجنسية السورية في المرتبة الثانية للأطباء بعد الجنسية الأم، وكذلك في بلدان أخرى كالسويد والدنمارك وغيرهما، ومن ثم يتطلب جذب هذه الفئة للعودة والعمل في سوريا محفزات أعلى من تلك التي تقدمها بلدان اللجوء، بينما تبقى فئة الحاصلين على الجنسية الأصعب في التخلي عن أعمالهم وحياتهم في بلد اللجوء.
وفي هذا السياق، توقعت كبيرة الباحثين في منظمة اللاجئين الدولية ديفون كون، أن يعود نحو مليون لاجئ سوري إلى بلدهم خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، نظراً إلى أن الغالبية من اللاجئين الذين يفكرون بالعودة سينتظرون حتى الصيف وانتهاء الفصل الدراسي لأبنائهم في بلد لجوء.
وبحسب وكالة "أسوشييتد برس" فإن أكثر من 1000 سوري يسحبون طلبات اللجوء في قبرص، فيما عاد أكثر من 500 آخرين إلى وطنهم بعد زوال نظام الأسد، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
والعقوبات المفروضة على سوريا تشكل حاجزاً أمام عودة الكفاءات السورية والتجار القادرين على دعم الاقتصاد وتحريك عجلته، وتمنعهم من فرص عمل مزدوجة بين سوريا وبلدان العالم، عبر فتح فروع أو مصانع في وطنهم الأصلي مع استمرار العمل في السوق الأجنبية وأسواق التصدير.
وبحسب المدير التنفيذي لمنظمة "بيتا" أسعد العشي "هناك ثلاثة أنواع من اللاجئين في أوروبا بصورة عامة، وفي ألمانيا بصورة خاصة، النوع الأول الحاصل على اللجوء السياسي بناءً على اتفاق جنيف عام 1952، الذي أصبح بين يديه إقامة دائمة وحقوق كاملة، والنوع الثاني حاصل على حماية إنسانية موقتة مدتها عام، وهؤلاء قد تُعاد دراسة ملفاتهم حين انتهاء إقاماتهم، أما النوع الثالث فحاصل على حماية إنسانية مدتها أطول ما بين ثلاثة وخمسة أعوام".
ويتابع العشي "الراغبون بالعودة هم قسم يرغب في العودة بسبب تعقيد أوراقه وعدم وجود أفق قانوني لاستمرار وجوده في إحدى دول الاتحاد الأوروبي للحصول على وضع قانوني واضح، والقسم الثاني يرغب في الإسهام ببناء سوريا جديدة على مختلف المستويات الثقافية والسياسية والاقتصادية"، مستدركاً "لكن حتى الآن آليات العودة غير واضحة وكذلك أدواتها وشروطها، وفي مجمل الأحوال فإن تحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي يعد شرطاً أساساً لجذب السوريين من جميع الفئات للعودة إلى بلادهم".
هل أصبحت سوريا آمنة لعودة اللاجئين؟
أكدت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الإنسانية حاجة لحبيب في وقت سابق، أن "الظروف الحالية في سوريا لا تزال غير مهيأة لتحقيق عودة واسعة النطاق للاجئين السوريين وأن الاتحاد الأوروبي زاد من دعمه الإنساني، إذ قدم أكثر من 10 مليارات يورو لدعم اللاجئين وسيضيف إليها ملياراً آخر العام المقبل"، مشددة على أهمية حماية حق اللاجئين وضمان عدم إعادتهم قسراً إلى مناطق غير آمنة.
وفي السياق ذاته، أكدت القيادة العامة لسوريا للمبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون أهمية توفير البيئة الآمنة لعودة اللاجئين وتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي، داعية في الوقت ذاته الأشقاء العرب إلى الإسهام في جهود إعادة الإعمار خصوصاً في مجالات الطاقة والبنية التحتية.
وأكدت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الإنسانية حاجة لحبيب في وقت سابق، أن "الظروف الحالية في سوريا لا تزال غير مهيأة لتحقيق عودة واسعة النطاق للاجئين السوريين وأن الاتحاد الأوروبي زاد من دعمه الإنساني، إذ قدم أكثر من 10 مليارات يورو لدعم اللاجئين وسيضيف إليها ملياراً آخر العام المقبل"، مشددة على أهمية حماية حق اللاجئين وضمان عدم إعادتهم قسراً إلى مناطق غير آمنة.
ووفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن 90 في المئة من السكان في سوريا يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، وأكثر من 40 في المئة من المستشفيات لا تعمل بكامل طاقتها، بحسب برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، لذا فإن عودة اللاجئين يمكن أن تسبب ضغطاً مضاعفاً على الموارد وزيادة في التضخم بسبب الطلب المتزايد والسريع على السلع والخدمات وزيادة الضغط على الحكومة لتوفير فرص عمل، بينما على الجانب الآخر من الممكن تحويل التحديات إلى فرص كبيرة لنمو اقتصادي كبير، في حال وضعت خطة شاملة للتعامل مع تحديات العودة وتوقيتها بصورة صحيحة، من خلال الاستفادة من اللاجئين العائدين كثروة وطنية ودمجهم بصورة سريعة لإعادة بناء البلاد وإحياء الأسواق المحلية وتحويل المدخرات ونقل الخبرات وتطوير القطاعات ومن ثم زيادة الإنتاج والاستثمار، إضافة إلى تعزيز التعاون الدولي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين أن سبب المنع الأساس من الدخول إلى سوريا لم يعد موجوداً، إلا أن موانع أخرى تشكل تحديات حقيقية لعودة اللاجئين إلى وطنهم، إذ تواجه العائدين سلسلة من التحديات، بدءاً بالأوراق الثبوتية ودراسة أبنائهم اللغة العربية التي تتطلبها الحياة والدراسة في سوريا ونقص البنية التحتية والتداعيات التي خلفتها الحرب والمخاوف من الألغام والذخائر غير المنفجرة وغيرها، هناك على الطرف الآخر تحديات تواجه الاقتصاد السوري المنهك أصلاً، فسوريا اليوم بين نار عودة أبنائها كضرورة وهدف أساس، وخطط البناء والتطوير التي تتطلب الحوكمة والشفافية وبناء المؤسسات من جهة وتوفير أدني سبيل العيش من مسكن ومأكل من جهة أخرى، إذ إن 96 في المئة من السوريين يعيشون على أقل من سبعة دولارات يومياً بحسب تقرير للبنك الدولي، وهناك مدن بأكملها غير صالحة للسكن بعضها مناطق محيطة بالعاصمة والمدن الكبرى، إذ دمر نحو مليون إلى مليوني وحدة سكنية في سوريا، وبحسب رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد البشير هناك مناطق هدمت بصورة كاملة بريف إدلب وحمص ودمشق وريفها وهي على جدول ملف إعادة الإعمار، والعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا تعوق كثيراً من مبادرات التمويل المتعلقة بهذا الملف، ويطالب البشير المجتمع الدولي بضرورة الإسراع في رفع العقوبات لإعادة سكان المخيمات إلى مناطقهم.
إعادة الإعمار في سوريا والعقوبات الأميركية
بالعودة إلى الخلف قليلاً، فقد حظرت الولايات المتحدة المعاملات مع البنك التجاري السوري منذ عام 2006، ثم تصاعدت العقوبات بصورة كبيرة بعد اشتعال التظاهرات عام 2011 واحتدام الحرب في سوريا، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على رجال الأعمال السوريين والبنوك والحكومة، وكذلك فرض الاتحاد الأوروبي أيضاً عقوبات مماثلة على البلاد، وفي إطار تنفيذ الولايات المتحدة العقوبات الثانوية، قيدت التعامل التجاري مع أي كيان سوري وجعلته خاضعاً للعقوبات، لذا جعلت من المستحيل تقريباً على الحكومة السورية الاستفادة من الأسواق المالية الدولية أو تلقي المساعدات، وكانت هذه العقوبات المانع الأول للنظام السابق من الخروج من العزلة.
لكن بعد سقوط نظام الأسد لم يعد من مبرر للعقوبات المفروضة على سوريا، بحسب تصريح للأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، مشدداً على أهمية الدور المحوري الذي تضطلع به سوريا في المنطقة.
وفي هذا السياق قد تعمل دول الخليج على توسيع نفوذها في سوريا في وقت تتراجع فيه إيران، لذا دعا أيضاً مجلس التعاون الخليجي إلى رفع العقوبات لتوفير جميع وسائل الدعم للشعب السوري، كما دعا الرئيس السوري أحمد الشرع، في لقائه المفوضة الأوروبية المكلفة إدارة الأزمات حاجة لحبيب، التي جاءت سوريا لإطلاق حزمة جديدة من المساعدات الإنسانية لتوفير الحاجات الرئيسة، إلى رفع العقوبات الأوروبية المفروضة على بلاده من أجل تسهيل إعادة إعمارها.