Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحوز أفريقيا اهتمام منتدى دافوس؟

نقطة البدء لدعم نمو الاقتصاد العالمي تنطلق من القارة السمراء الحافلة بكل أنواع الموارد البشرية والطبيعية لكن كيف يكون ذلك دون توافق عالمي؟

يسعى منتدى دافوس إلى رسم خرائطه الاقتصادية لعلها تشكل طريقاً أمام الإدارات السياسية (أ ف ب)

ملخص

تحفيز النمو الاقتصادي العالمي والاهتمام بالاستثمار في البشر كما يطرح منتدى دافوس كهدف له، لا بد أن يمر عبر أفريقيا فطبقاً لرئيس مؤسسة روكفلر الدولية روشير شارما فإن المشكلة الأكبر التي تواجه النمو العالمي هي أفريقيا التي تضم الآن ملياراً ونصف المليار نسمة تقريباً

في عالم المال والأعمال الذي يهتم به منتدى دافوس السنوي بمقره السويسري ربما تحوز قارة أفريقيا مكانة متدنية، لكن من زاوية الأخطار والفرص قد تكون أفريقيا والأفارقة في بؤرة اهتمام المنتدى، وذلك طبقاً لاتجاهات نتائج استطلاع رأي كان المشاركون فيه هم قادة الأعمال حول العالم من رؤساء للكيانات الاقتصادية الضخمة لرؤساء البنوك الكبرى، أعلنت نتائجه قبل أيام من عقد جلسات دافوس.

إحدى أبرز نتائج الاستطلاع هي أن الصراعات المسلحة أكبر خطر في 2025، إذ أشار ميريك دوسيك المدير العام للمنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"، في بيان مصاحب لإصدار التقرير، إلى أن "العالم يتسم بالانقسامات العميقة والأخطار المتعاقبة التي لم تكن على هذه الدرجة من الخطورة سابقاً، وأنه على القادة في العالم الاختيار بين تعزيز التعاون والمرونة، أو مواجهة التفاقم السلبي لحالة الصراعات والانقسامات على نمو الاقتصاد العالمي".

أعلى مستوى للصراعات المسلحة 

وقد جرى تحديد أجندة دافوس لهذا العام في إطار ثلاثة أهداف هي: طبيعة الاستجابة إلى الصدمات الجيوسياسية، التي اجتاحت العالم، وتحفيز النمو لرفع مستوى جودة الحياة للبشر، بالتالي رفع الطلب على السلع، وكذلك تنظيم عملية انتقال الطاقة على نحو عادل، وهو التحدي الذي برز بعد الحرب الروسية - الأوكرانية.

في هذا السياق تسجل أفريقيا أعلى مستوى للصراعات المسلحة حول العالم، فطبقاً لمعهد أوسلو لأبحاث السلام بتقريره السنوي الصادر مطلع عام 2024، فإن 59 صراعاً مسلحاً وقع في جميع أنحاء العالم، على رأسها الحرب بأوكرانيا والحرب بغزة، كان نصيب أفريقيا من حجم هذه الصراعات 28 صراعاً، أي بنسبة 47.4 في المئة، تليها آسيا بـ17 صراعاً، والشرق الأوسط بـ10 صراعات، وجرى تسجيل 3 صراعات فقط بأوروبا، وصراع واحد في الأميركتين.

الهدف الثاني لمنتدى دافوس تبلور تحت مظلته عدد من السياقات التي تعد أفريقيا أحد مواطنها الرئيسة نظراً إلى النمو الديموغرافي بها، الذي يتسم بقوة عمل شابة، هذه السياقات هي كيفية الاستثمار في البشر، أي تنمية قدرات رأس المال البشري من خلال القطاعات التابعة للدول أو من خلال قطاعات الأعمال الخاصة، وكذلك ديمومة تنمية هذه الحالة وعدم انقطاعها بما تخلقه من فرص في وظائف جيدة تسهم في تدشين مجتمعات حديثة ومرنة.

هذه الخريطة من الاتجاهات والأهداف ترشح أفريقيا أن تحتل جزءاً مقدراً من النقاشات بين قادة منتدى دافوس، ذلك أن خفض نصف الصراعات المسلحة مرتبط بالتعامل مع ظاهرة توسع الإرهاب في أفريقيا، وتهديدها الكبير لعدد من الدول، بخاصة في غرب أفريقيا، وذلك في ضوء تضخم التنظيمات المتطرفة في القارة، إلى حد تهديد الجيوش الوطنية الأفريقية، ولعل حادثة مقتل 30 جندياً من جيش دولة بنين في الأسبوع الثاني من يناير الجاري في منطقة بوينت ترييل الواقعة شمال البلاد عند المثلث الحدودي مع كل من النيجر وبوركينا فاسو، يثبت استمرار فاعلية تنظيم "القاعدة" المعنون بنصرة الإسلام والمسلمين.

التهديد الإرهابي في أفريقيا مهدد أيضاً لدولتين كبيرتين في غرب أفريقيا، هما مالي التي ترشحها تقارير دولية بوقوعها ربما في براثن نظم حكم يسيطر عليها تنظيمات متطرفة كحالة "طالبان" في أفغانستان، وكذلك نيجيريا التي تواجه تهديداً كبيراً من جماعة "بوكو حرام"، وهو التهديد الممتد شرقاً إلى تشاد.

هذا الواقع لا بد أن يطرح الأسئلة في شأن أمرين حال الدعم الدولي للنظام الأمني الأفريقي ومدى فاعليتها، والثاني تأثير الانقسام والتنافس الدولي في الموارد الأفريقية، ودورها في تأجيج الصراعات المسلحة التي تتمحور حول تفاقم الظاهرة الإرهابية، وحالة الصراع على الموارد.

التنافس بين الأقطاب الأوروبية

ولعل النقاش في هاتين النقطتين الأساسيتين من شأنه أن يبلور اتجاهات التفكير في محاولة خفض مستوى التنافس والتكالب الدولي الساعي إلى بسط النفوذ حول العالم، وأيضاً محاولة خلق حال توافق في شأن حدود التنافس بين الأقطاب الأوروبية، كتلك التي برزت في سياق مؤتمر برلين في النصف الثاني من القرن الـ19.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا السياق فإن التقييم الاقتصادي العادل للموارد الأفريقية والتعامل بشفافية ونزاهة في شأنها هي الأمور التي يمكن أن تنعكس إيجاباً على حال الدولة الوطنية في أفريقيا، إذ ستسهم العوائد العادلة في نمو مستوى الموازنات العامة الأفريقية، بما يدعم قدرات الدولة في القيام بمهامها التنموية المطلوبة لتحسين مستوى جودة الحياة لشعبها، كما أن صدقية حال الشفافية والنزاهة، خصوصاً من الشركات المتعددة الجنسيات، وهؤلاء هم القابعون في دافوس ستنعكس بالضرورة على خفض مستوى الفساد المستشري في أفريقيا والمؤثر في مستوى تنامي التحديات الاستثمارية في القارة، إذ تشير التقارير الدولية إلى أن 14 دولة فاسدة على مؤشر من 20 دولة هي دول أفريقية، وذلك لأسباب لا تتعلق بالحالة المحلية فقط.

على صعيد آخر فإن تحفيز النمو الاقتصادي العالمي والاهتمام بالاستثمار في البشر كما يطرح منتدى دافوس كهدف له، لا بد أن يمر عبر أفريقيا فطبقاً لرئيس مؤسسة روكفلر الدولية روشير شارما فإن المشكلة الأكبر التي تواجه النمو العالمي هي أفريقيا التي تضم الآن ملياراً ونصف المليار نسمة تقريباً. ويعيش واحد من كل ثلاثة من الذين يدخلون سوق العمل في القارة بحلول النصف الأول من القرن الحالي، ولكي ينمو الاقتصاد العالمي بصورة أسرع ككل ستحتاج أفريقيا إلى إيجاد وسيلة لتوظيف هؤلاء العمال بصورة منتجة والاستفادة من عائدها الديموغرافي الهائل.

دعم الاقتصاد الأفريقي

وتفصيلياً فإنه على مدى العقدين المقبلين سيزيد عدد السكان حول العالم بمقدار ملياري نسمة، 80 في المئة من هؤلاء العمال بأفريقيا. وهذا يعني في الواقع أن القارة الشاسعة هي مكان الأمل لتحقيق المعجزات الاقتصادية، لكن إذا لم تتمكن القارة من تحقيق ذلك، فسيستمر نمو الاقتصاد العالمي في الانحدار، تحت وطأة العبء الديموغرافي في كل مكان آخر، فضلاً عن أعباء التغير المناخي، وأزمات الطاقة. وهكذا فإن النجاح الأفريقي في الاستفادة من قوة العمل الأفريقية من شأنه أن يزيد من نصيب الحصة الأفريقية في الاقتصاد العالمي بمقدار ثلاثة أضعاف، كما سينعكس على تسارع نمو الاقتصاد العالمي.

هذا الهدف في تسريع معدلات النمو العالمي يتطلب من الجانب الدولي بكل أطرافه المتصارعة حالياً القيام بعدد من الوظائف، منها دعم الاقتصاد الأفريقي في تحقيق مكاسب تحويلية، بمعنى التحول نحو التصنيع الذي تقلصت نسبة مساهمته في الاقتصاد العالمي، وكذلك إضافة قيم اقتصادية للموارد الأولية، خصوصاً المحاصيل الزراعية والثروات المعدنية.

وعلى صعيد مُوازٍ لا بد من انتقال قوة العمل الأفريقية لعالم التكنولوجيا والرقمنة والاقتصاد المعرفي، مما يتطلب استثمارات هائلة في هذه المجالات، أقدمت الصين على البدء فيه في مناطق شرق أفريقيا، إذ دشنت طريق الحرير الرقمي الموازي لمشروعها الضخم، الحزام والطريق، وذلك بإقامة بنى لوجيستية من الألياف الصناعية، وبطبيعة الحال تواجه الصين تعويقاً غربياً في توجهاتها الاقتصادية نحو أفريقيا في إطار التنافس الدولي.

وهكذا تكون نقطة البدء لدعم نمو الاقتصاد العالمي تنطلق من القارة الأفريقية الحافلة بكل أنواع الموارد البشرية والطبيعية، لكن كيف يكون ذلك دون توافق عالمي؟ وهو الذي يسعي منتدى دافوس الممتد على مدى خمسة أيام في سويسرا إلى رسم خرائطه الاقتصادية لعلها تشكل طريقاً أمام الإدارات السياسية حول العالم لتبدأ طريقاً جديداً يسهم في تحسين أحوال الاقتصاد والبشر معاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل