ملخص
"إدخال الدين ضمن المجموع سيفتح الباب أمام المزايدات والبعد الطائفي وسيثير مشكلات عديدة، علاوة على أن دراسة طالب الصف الثالث الثانوي ثلاث مواد فقط سيؤدى إلى حدوث فجوة معرفية للطالب قبل التحاقه بالجامعة" كيف يرى المتخصصون نظام البكالوريا الجديد في مصر؟
منذ إزاحة وزارة التربية والتعليم في مصر الستار أخيراً عن مقترح شهادة البكالوريا (بديل الثانوية العامة)، المقرر تطبيقه العام المقبل على طلاب الصف الأول الثانوي، تسود حال من الجدل بين الأوساط الأكاديمية وأولياء الأمور ومستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بين رافض المقترح ومؤيد.
وقبل أيام وصف وزير التربية والتعليم المصري محمد عبداللطيف نظام البكالوريا بأنه "نقلة نوعية" في نظام التعليم الثانوي بمصر. مشيراً إلى أنه يتكون من سبع مواد على عامين دراسيين، وللطالب حق دخول الاختبار في المادة مرتين في العام الدراسي. كما يعطيه الحق في تحديد وتعديل مساره بما يتوافق مع إمكاناته، فضلاً عن تخفيف العبء عن كاهل أولياء الأمور وإزالة الضغط النفسي بسبب نظام الثانوية العامة والقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، وفق المسؤول المصري.
وبينما يرى كثير من خبراء التعليم وأولياء الأمور أن النظام المقترح سيرهق الأسر المصرية، وسيزيد من الأعباء المادية والنفسية، ويفاقم أزمة الدروس الخصوصية، يرى آخرون أنه خطوة "تأخرت كثيراً"، مشيرين إلى إيجابيات مثل نظام التحسين وتحديد المسارات التي يختار من بينها الطالب.
وبحسب البيانات الرسمية الصادرة من وزارة التربية والتعليم المصرية، سجل عدد الطلبة في التعليم قبل الجامعي 25 مليوناً و657 ألفاً و984 طالباً، بينما وصل عدد المعلمين إلى 922 ألفاً و628 معلماً، إضافة إلى 61 ألفاً و512 مدرسة حكومية وخاصة، بإجمالي 556 ألفاً و888 فصلاً.
سلبيات وثغرات لفكرة مستنسخة
ترى الخبيرة التربوية الدكتورة بثينة عبدالرؤوف أن مقترح البكالوريا "مليء بالسلبيات والثغرات، كذلك فإنه أغفل البعد الاقتصادي والاجتماعي لكثير من الطبقات البسيطة". موضحة "تقليص المواد الدراسية لا يعني بالضرورة تقليص الدروس الخصوصية، لأن نظام (التحسين) سبقت تجربته من قبل وأثبت فشله، وتكرار تلك التجربة سيؤدي إلى مزيد من الأعباء على الأسر المصرية التي ستتجه إلى مزيد من الدروس الخصوصية لتحسين مجموع المواد، وستدفع رسوماً مقابل كل مادة، وهو ما سيكون أمراً مرهقاً على أولياء الأمور".
وتنص المادة (19) من الدستور المصري على أن "التعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن أربعة في المئة من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجاً حتى تتفق مع المعدلات العالمية وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها".
وتضيف عبدالرؤوف، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "إدخال الدين ضمن المجموع سيفتح الباب أمام المزايدات والبعد الطائفي وسيثير مشكلات عديدة، علاوة على أن دراسة طالب الصف الثالث الثانوي ثلاث مواد فقط سيؤدى إلى حدوث فجوة معرفية للطالب قبل التحاقه بالجامعة".
وكان وزير التربية والتعليم المصري محمد عبداللطيف قد أعلن خلال مؤتمر صحافي، أنه ستجري إضافة مادة التربية الدينية إلى المجموع بجميع الصفوف الدراسية العام الدراسي المقبل. موضحاً أن منهج التربية الدينية الإسلامية منفصل عن التربية المسيحية، ويجري وضع إطار عام من خلال مركز المناهج لوضع الوزن النسبي بين المنتجين بالتنسيق مع الأزهر والكنيسة.
وفق أستاذ القياس والتقويم والإحصاء النفسي بالمركز القومي للاختبارات الدكتور محمد فتح الله فإن "البكالوريا لن تحل أزمات الثانوية العامة مثل الغش وارتفاع المجاميع وعزوف الطلاب عن الدراسة والدروس الخصوصية". واصفاً النظام الجديد بأنه "حل في غير موضعه". متسائلاً "هل نظام البكالوريا سيعالج تلك المشكلات أم سنكرر تلك التجربة كل عامين؟".
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد خلال كلمته في حفل إفطار الأسرة المصرية في منتصف أغسطس (آب) عام 2021، حرصه على أن التطوير يهدف إلى تحسين العملية التعليمية، لا هدم مستقبل الطلاب، قائلاً "استمرينا (ظللنا) 50 سنة أسرى لواقع لم يتغير، وما يجرى من تغيير هو من أجل المصلحة والاختبارات والإجراءات متعملتش عشان (لم تنجز لكي) تعذب الأسر وتضيع مستقبل أبنائها".
يضيف فتح الله لـ"اندبندنت عربية" أن فكرة البكالوريا سبق طرحها في عهد وزير التعليم السابق حسين كامل بهاء الدين في العام الدراسي 1994، وطبقت بالفكرة والآلية أنفسهما، وجرى إلغاؤها في ما بعد، متسائلاً "هل أجريت دراسات على تلك النسخة الملغاة ونقاط القوة والضعف بها والاستعانة بخبراء ومتخصصين لمعرفة النتائج وأسباب فشلها؟"، مؤكداً أن نجاح البكالوريا في بعض البلدان الأخرى "لا يعني بالضرورة نجاحه في مصر".
الطرح السابق يتماشى مع ما سبق ودعا إليه وزير التربية والتعليم السابق الدكتور رضا حجازي، خلال مشاركته في الحوار المجتمعي لمناقشة نظام البكالوريا المصرية، أن الثانوية العامة بنظام العامين كان معمولاً به مسبقاً، وجرى العدول عنه، نظراً إلى إرهاق الأسرة المصرية نفسياً ومادياً. داعياً الوزارة إلى الاطلاع على أسباب ذلك، والاستفادة من تجارب الماضي، لتجنب التحديات السابقة، مطالباً وزارة التعليم بأن تكون البكالوريا المصرية المقرر تطبيقها العام المقبل سنة واحدة.
فئران تجارب
"نرفض سياسة الأمر الواقع، وتحولنا إلى فئران تجارب للثانوية العامة، ونتجه كل عام من سيئ إلى أسوأ"، هكذا تعقب شيماء علي ماهر، ولية أمر ومؤسس مبادرة "نبني بلدنا بالتعليم". مشيرة إلى أن رسوم نظام التحسين في مقترح "البكالوريا" ستزيد من الأعباء المادية على الأسر، وسترهق كثيراً من الطبقات الفقيرة، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والضغوط المعيشية الحالية، متسائلة "لماذا لا تكون تلك الرسوم مجانية بدلاً من إجبار أولياء الأمور على دفعها؟".
وكان متحدث وزارة التربية والتعليم المصرية شادي زلطة، أعلن في تصريحات متلفزة قبل أيام، أنه وفقاً لنظام البكالوريا سيكون أمام الطالب فرص عدة لتحسين المستوى من خلال دخول الاختبار أكثر من مرة، المحاولة الأولى مجانية أما في حال الرغبة في المحاولة الثانية فإنه سيكون ملزماً دفع رسوم اختبار 500 جنيه (9.92 دولار أميركي)، نظراً إلى الكلفة الكبيرة التي تتحملها وزارة التعليم من لجان وأوراق وملاحظين ومراقبة ورؤساء لجان وغيرها من الكلف.
وتضيف شيماء لـ"اندبندنت عربية" أن النظام التراكمي شاق ويشكل عبئاً نفسياً كبيراً على الأسر المصرية، لأنه سيجعلها تعيش تحت ضغط 24 شهراً، كما سيحول حياة الطلاب إلى "جحيم"، بحسب تعبيرها، إضافة إلى أن النظام الجديد سيؤدي إلى تهميش مواد اللغات، علاوة على أنه لم يحدد طريقة اختبارات مواد الهوية المشتركة مع النظام المصري مثل العربي والدين والدراسات.
وتتفق مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر داليا الحزاوي مع الطرح السابق في شأن المبالغة في قيمة رسوم التحسين، إذ ترى أن كثيراً من الأسر المصرية "لن تستطيع" تحمل تلك القيمة المالية التي أقرتها الوزارة وفقاً لمقترح النظام الجديد، مما سيخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب. مشيرة إلى ضرورة أن يكون هناك دراسة متأنية للنظام الجديد، لأن تغيير السياسات التعليمية مع كل وزير جديد يخلق حالاً من الارتباك والتخبط لدى أولياء أمور الطلاب وكذلك الطلاب أنفسهم.
وتساءلت الحزاوي "لماذا تعجلت وزارة التعليم في طرح ملامح النظام الجديد ولم تنتظر تشكيل المجلس الوطني للتعليم والتدريب؟ وهل هناك وقت كاف لتطبيق تعديل للمناهج لتكون جاهزة للعام الدراسي الجديد؟ وهل هناك وقت كاف أيضاً لتوفير معلمين للبرمجة ومعامل للكمبيوتر وأجهزة بعدد كاف لتدريب الطلاب، لا سيما أن تعليم البرمجة يحتاج إلى التطبيق العملي؟".
وكان وزير التعليم المصري محمد عبداللطيف، أعلن في تصريحات صحافية، أن "هناك عديداً من التخصصات ستكون متاحة مستقبلاً، من بينها مجال البرمجة، كأحد المسارات التي يوجه لها نظام البكالوريا المصرية الجديد، كونه يتضمن عديداً من مجالات التخصصات الفرعية المتعددة والمطلوبة بصورة كبيرة في سوق العمل".
وعلى رغم تحفظات الحزاوي على عديد من نقاط المقترح الجديد، فإنها أشارت إلى تضمنه بعض النقاط الإيجابية، موضحة أنه سيمنح الطالب أكثر من فرصة لأداء الاختبارات إذا أخفق أو تعرض لظرف قهري طارئ، لا سيما أن كثيراً من الطلاب كانوا يتعرضون للظلم في نظام الثانوية العامة التقليدي، شريطة وضع آليات محددة لنظام التحسين حتى لا تتكرر سلبياته مثلما حدث في أعوام سابقة، علاوة على نظام تعدد المسارات الذي يعتبر خطوة جيدة، لأنه سيمنح كل طالب فرصة لتحديد ميوله واتجاهاته، ويستطيع كل طالب تحديد المسار الذي يريده مع الاهتمام بمراعاة حاجات سوق العمل ووظائف المستقبل.
خطوة تأخرت كثيراً
على النقيض يرى الأمين العام للاتحاد العربي للتعليم الخاص بدوي علام، أن مقترح البكالوريا خطوة إيجابية "تأخرت كثيراً". مشيراً إلى أنه سيؤدي إلى إحداث طفرة كبيرة في منظومة التعليم بمصر. موضحاً أن النظام الجديد "سيعالج أخطاء النظام التقليدي للثانوية العامة، وسيقضي على فزاعة نظام الفرصة الواحدة، وسيمنح الطالب أكثر من فرصه لتحسين مجموعه وفقاً لنظام التحسين، كما سيقلل الاعتماد على الدروس الخصوصية، وسيبعد الطالب عن حشو المناهج ومقررات الحفظ والتلقين، وسيجعل للطالب شهادة معترفاً بها دولياً يستطيع من خلالها أن يلتحق بأي جامعة من دون معادلات، فضلاً عن تقليص عدد المواد من 11 مادة بالنظام القديم إلى سبع مواد فحسب، إضافة إلى أنه سيمنح الطالب وفقاً لنظام المسارات فرصة لتحديد المواد التي يرغب في اختيار دراستها، والتي ستؤهله إلى الكلية التي يريد الالتحاق بها".
وبشأن شكاوى أولياء الأمور من رسوم التحسين، يقول علام، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة، إن أولياء الأمور ينفقون مبالغ باهظة على الدروس الخصوصية وهذه الكلفة ليست كبيرة، ومن الممكن أن تُقلص تلك الرسوم بعد الانتهاء من إجراء الحوار المجتمعي الذي أعلنت عنه الوزارة.
وكان وزير التعليم المصري محمد عبداللطيف أعلن خلال الجلسة الأولى للحوار المجتمعي أن دخول الاختبار للمرة الأولى يكون بالمجان، أما المحاولات اللاحقة فتكون برسوم مع إعفاء غير القادرين من أي رسوم للاختبارات.
ويوافقه الرأي أستاذ علم النفس التربوي المساعد بجامعة القاهرة الدكتور عاصم حجازي، موضحاً أن نظام المسارات في المقترح الجديد سيمنح الطلاب قدراً كبيراً من المرونة في اختيار ما يرغبون دراسته مما سيلبي متطلبات سوق العمل، علاوة على أن نظام التحسين والتقييم المستمر فكرة جيدة، لأنها ستحافظ على نشاط الطالب وتعليمه بصورة جيدة. مردفاً "يجب أن تدعم الوزارة رؤيتها في النظام الجديد بأرقام وإحصاءات واضحة حتى لا تتحول لمجرد إجراءات وخطط نظرية غير قابلة للتنفيذ والتقييم". مشيداً بإجراء حوار مجتمعي موسع للوصول بهذا المقترح إلى صورته المثالية القابلة للتنفيذ وحل الإشكالات التي قد تنشأ عنه.
وعلى رغم تفاؤل حجازي بالبكالوريا فإنه لم يخف تحفظاته على إغفال المقترح الجديد مشكلات رئيسة في التعليم مثل "الكثافة الطلابية والغش والدروس الخصوصية وعجز المعلمين، إضافة إلى حذف مادة التربية الوطنية من جميع الصفوف، بخاصة أنها مادة مهمة في ظل تطورات العصر الحالية، وتحتاج إلى التطوير لا الحذف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحوار الوطني
وقبل أيام، انطلقت جلسات الحوار المجتمعي حول مقترح البكالوريا الجديد، بمشاركة بعض وزراء التعليم السابقين وعديد من الخبراء وأساتذة الجامعات ومجالس الأمناء والمتخصصين، بهدف الاستماع إلى مختلف الرؤى حول التفاصيل الخاصة بالمقترح.
ويعلق أستاذ القياس والتقويم محمد فتح الله على تلك المناقشات بأنها "حوار بين قادة وليس حواراً مجتمعياً حول نظام تعليمي". مشدداً على أن أي حوار مجتمعي له آلياته وأساليبه ومنهجيته، ويجب أن يشمل كل طوائف المجتمع وأهل الاختصاص مثل أولياء الأمور والطلاب والخبراء التربويين لا الوزراء السابقين والنخب فقط حتى يخرج بصورته المثالية.
كما أشارت الخبيرة التربوية بثينة عبدالرؤوف إلى أنه كان من الأجدى إجراء الحوار المجتمعي "قبل الإعلان عن ملامح النظام المقترح لا بعده"، بمشاركة كل طوائف المجتمع، وعلى رأسهم خبراء علم النفس والاجتماع والتربية، لأنهم أصحاب الاختصاص في هذا الشأن، لافتة إلى مطالب بعضهم بإشراك أولياء الأمور والطلاب في الحوار المجتمعي بدلاً من الاعتماد على آراء الوزراء السابقين والخبراء والمتخصصين فقط؟
وتعهد رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، خلال المؤتمر الصحافي الأسبوعي الذي انعقد قبل أيام، بتطبيق مخرجات الحوار المجتمعي في شأن البكالوريا، مؤكداً حرص الدولة والحكومة على تطوير منظومة التعليم، قائلاً "كمسؤول وكأب كان شيئاً قاسياً للغاية أن يكون هناك كل عام خبر انتحار ابن أو بنت من بناتنا بسبب الإخفاق في اختبارات الثانوية العامة أو حدوث انهيار عصبي ونفسي للطلاب من هذا الموضوع، لذلك نحرص على تخفيف الأعباء النفسية والعصبية على الطلاب ومنحهم إمكانية أن يكون هناك فرصة أخرى يمكن من خلالها تحسين تقييمات الاختبارات".