Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصص "سيد كورونا" تتهكم على مرارات الواقع

عمرو شعراوي يستعيد زمن "الأفندية" ويدين هزيمة 1967

لوحة للرسام محمد شبيني (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

تتعدد دلالات الزمن في مجموعة "سيد كورونا" للقاص المصري عمرو شعراوي بين الزمن الدائري والأفقي، ويتداخل فيها البعد النفسي مع النوستالجيا. يستعيد أبطالها ماضيهم للهرب من واقع قبيح، إلى عالم الذكريات. وتحمل القصص نقداً اجتماعياً وسياسياً قاسياً وبخاصة للحقبة الناصرية، وتمزج بين الواقعية والفانتازيا لكشف تناقضات المجتمع المصري.

في المجموعة القصصية "سيد كورونا" (دار العين) جاء الزمن في بعض القصص دائرياً وكان في أخرى خطياً، كما حضر ببعده النفسي وبخاصة في ما يتعلق بالنوستالجيا التي لا تكاد تفارق أبطال القصص، هرباً من واقع قبيح إلى ما يطلق عليه "الزمن الجميل" الذي تصنعه الذاكرة ويتداخل فيه الخيال عبر استرجاع صور الماضي. وهكذا نجد أنفسنا إزاء استعادة غير حرفية للزمن تضاف إليها أو تحذف منها بعض التفاصيل نتيجة للعوامل النفسية أو العاطفية. تستعيد قصة "سيد كورونا" زمن "الأفندية" كناية عن حقبة تلت ثورة 1952 بقلم محب، بينما "حكاية الجيص" تسعيده بصورة فانتازية تسخر من الحقبة نفسها وتتهكم على رموزها، والهزيمة التي منيت بها البلاد عام 1967. وفي قصة "عماد الدين" يظهر مقت الحاضر الذي يهين ذكريات الماضي ويحول دار سينما إلى مقلب نفايات. وفي قصتي "سرك الباتع" و"بارتشيلو بارتشيلو" يمتزج الماضي مع الحاضر بصورة عجائبية مثل دخول السرداب الذي تتبدل فيه خطية الزمن ويجري إعادة الوصل بين حبيبين، أو عبر عالم الأرواح والجن الذي يربط بين الجد والحفيد على رغم صعوبة التقاء، الماضي والحاضر في آن واحد.

مراوغة العنوان

يحيل عنوان المجموعة إلى الفيروس الوبائي "كوفيد 19" أو "كورونا" الذي أثار الرعب في العالم خلال عامي 2020 و2021، بينما مضمون قصة "سيد كورونا" لا علاقة له بالزمن الحاضر وإنما بزمن "الأفندية"، إذ يحتال الموظف "كامل" على رئيسه "فاروق" أثناء قضائهما الإجازة في مصيف تابع للشركة التي يعملان فيها. ويقنعه بشراء مخدر الحشيش أملاً في أن يدخنه بالمجان رفقته، لكن رئيسه يطلب منه شراءه على أن يمنحه النقود في ما بعد، مما يوقع الموظف في ورطة فيحتال على "فاروق أفندي" بأن يضع على حجر النرجيلة شوكولاتة ماركة "كورونا" بدلاً من الحشيش، مستغلاً سذاجة مديره بعالم الكيف.

وتستعيد المجموعة زمن المدرسة والجامعة كما في قصة "شد الحبل"، إذ يسترجع السارد قصته مع "فاروق الشجاعي" الذي كان يفرض سيطرته على زملائه ويخشونه ولا يستطيع أحد أن يقهره في لعبة "شد الحبل". ثم لاحقاً يتنافسان على جذب فتاة خلال دراستهما الجامعية، لكن هذه المرة يقرر البطل ألا ينهزم بإرادته كما فعل أيام المدرسة.

أما قصة "بارتشيلو بارتشيلو" أطول قصص المجموعة فيتراوح الزمن فيها ذهاباً وإياباً بين الماضي والحاضر، بين الحفيد الذي يدعو زملاءه في الجامعة إلى بيت خشبي مهجور يملكه الأب، وعالم الجد الذي ربطته علاقة صداقة بصاحب هذا البيت الأصلي ويدعى "وليام" وكان يورد الخضر والفاكهة للجيش الإنجليزي قبل 1952. إلى أن يمتزج في النهاية الخط الزمني للحاضر والماضي" فاروق الجد وفاروق الحفيد، عبر جلسات تحضير الأرواح التي كان يقيمها الجد مع أصدقائه في هذا المنزل، عندما اتفقوا على أن أول راحل منهم عن هذا العالم عليه أن يأتي إلى زيارتهم في موعد ومكان حددوه، ليتأكدوا هل عالم الأرواح كذبة أم حقيقة. وبالفعل يموت أحد الحاضرين في هذه الجلسة ويدعى "بارتشيلو"، ويقيم بقية الأصدقاء فاروق بك ووليام وكاثرين زوجته والحاج مسعود والأستاذ عباس طقس استحضار روحه. لكن روحه لا تحضر إلا في زمن الحفيد، إذ ينفذ أصدقاء الحفيد دون قصد الشروط التي تستدعي هذه الروح فتتلبس أحد الشخصيات وهو يعاتبهم على عدم قدومهم حسب الموعد الذي اتفقوا عليه قبل موته، "لماذا لم تأتوا إلى القنطرة حسب الميعاد، لقد انتظرتكم طويلاً، أنا بارتشيلو... أنا بارتشيلو" ص 210.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وتتناول قصة "روح يا فال تعال يا فال" فترة التدريب الصيفي التي قضاها السارد ضمن مجموعة من طلبة كلية الهندسة في معمل تكرير ملحق بحقل للغاز الطبيعي. وتكشف هذه القصة ولع الإنسان بمعرفة الغيب واستعداده النفسي لتصديق الخرافات، إذ يدعي السارد أنه قادر على قراءة المستقبل، فيشيع خبره في المعسكر لدرجة أن يستدعيه مدير الشؤون الإدارية في الموقع "فاروق البحيري" المعروف عنه صرامته وشدته مع جميع عمال ومهندسي الشركة. لكنه يتحول إلى حمل وديع وهو في العقد الخامس من عمره أمام طالب في الـ20 وهو يقرأ له الطالع، وينسج أكاذيبه حول أنه في قادم الأيام سيحصل على أموال. لكن المفارقة تحدث بأن منزل المهندس يُسرق منه المال وتزداد المفارقة إحكاماً حين يستدعيه المهندس مرة أخرى، ليس لأنه أدرك أن المهندس شاب خدعه ولكن لسؤاله إذا كان يعرف من سرق الأموال منه، "هل رأيت في ورق الكوتشينة ما يقودنا إلى السارق؟ من فضلك حاول أن تتذكر". مما يدفع الطالب للتفكير في حيلة جديدة لخداع المهندس ويخبره أنه سيفتح له "المندل" لمعرفة هوية السارق!

ولقصة "حكاية الجيص" عنوان فرعي توضيحي "من القصص الشعبية المصرية" بهدف التعمية على الانتقاد السياسي الحاد الذي توجهه لعصر عبدالناصر، إذ تعتمد هذه القصة "الحجج المؤسسة للعالم" حسب نظرية بيرلمان التي تستخدم كوسائل في الخطابات من أجل الإقناع والتأثير في المخاطب. وترتكز هذه القصة على آلية المماثلة التي تؤسس علاقة بين الموضوع المراد الدفاع عنه، والمثيل/الشبيه الذي يكون مقبولاً سلفاً لدى المتلقي كي يُقنع في النهاية فهو توضيح موضوع من طريق شبيه له، إذ تسير هذه القصة سردياً في خطين، قصة حكاية شعبية يتناص أسلوبها مع تكنيك الحكي الشعبي الذي يبدأ بـ"كان يا ما كان" ثم يشرع في حكاية أم يحيى التي كانت جالسة وسط النساء، ثم جاءها الجيص (كلمة قبطية، تعني في اللغة القبطية القديمة ريح من البطن)، مما أحرجها وطلبت أن تنشق الأرض وتبلعها. وبالفعل نزلت إلى الأرض السابعة واشتكت إلى حاكمها مما فعله الجيص بجعلها تخرج الريح أمام النساء مما تسبب لها في حرج بالغ، فاعتذر لها ومنحها شوالاً مملوءاً بالبصل والثوم. وحين صعدت إلى الأرض مرة أخرى، وجدت الشوال مملوءاً بالذهب والفضة وتحول حالها من الفقر إلى الثراء!

الخط السردي الثاني في هذه القصة يمضي في أرض الواقع فترة النكسة والبيانات الكاذبة التي كانت تطلقها الإذاعة المصرية عن "الانتصار الساحق على الكيان الصهيوني"، مما يولد روح المغامرة لدى طفلين للذهاب إلى مطار ألماظة لرؤية الطائرات الإسرائيلية وهي تتساقط! لتعود القصة لإكمال حكاية "أم يحيى" التي نفدت الأموال التي حصلت عليها، فقررت النزول إلى حاكم سابع أرض ثانية لعله يمنحها ذهباً وفضة من جديد. لكن يتبين له أنها تكذب، في إشارة إلى الهزيمة القاسية والانسحاب من سيناء دون أية مقاومة، فأم يحيى صورة لناصر وخطاباته العنترية حول سحق إسرائيل التي كان يلقيها على الجمهور كما تلقي أم يحيى حكايتها على رفيقاتها في جلسات السمر.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة